بعدما أصبحت ألمع نجمة شباك صاعدة في بريطانيا إثر النجاح الكبير الذي حققته من خلال دورها في مسلسل ’حواء القاتلة‘، تتأهّب الممثلة الموهوبة والفاتنة جودي كومر لاقتحام هوليوود
خلال الأشهر الـ12 الماضية، حققت النجمة الشابة جودي كومر -البالغة من العمر 26 عاماً، والتي اشتهرت بدور ڤيلانيل، المرأة الفاتنة المضطربة عقلياً في مسلسل Killing Eve (حواء القاتلة)– شهرةً عالمية واسعة، بعدما حصدت جائزتيّ ’إيمي‘ و’بافتا‘، وأصبحت تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة بين أفراد جيل الألفية. وبحفاوة بالغة، بدت أكثر اهتماماً برحلتي إلى ليڤربول، وسألتني بلكنتها الطروب وهي تقفز من مقعدها بجوار النافذة في غرفة جانبية هادئة لتحتضنني بحرارة: “هل سارت رحلتك على ما يرام؟”. وبحماس كبير، أوضحت لي أننا في هذا المكان لأنهم “يقدمون لحماً مشوياً رائعاً”.
وما أن تقبل نحوكم حتى تشعروا بأنكم غرقتم في موجات سحرها. وقالت وهي تتصفح قائمة الطعام: “إذاً، هذا طبق ’بيني لين‘… على اسم الأغنية الشهيرة”. كانت سعيدة للغاية بوجود ڤوغ. “هناك عدد من الأماكن هنا اعتدنا التردد عليها خلال سنوات المراهقة. ومدرستي ليست بعيدة عن هنا”. إنها لا زالت حرفيّاً تقيم مع والدتها ووالدها في منزل يبعد عشر دقائق، ولكنها لم تقضِ به سوى بضع ليالٍ طوال العام الماضي، إذ كانت تتنقل للتصوير بين أوروبا (من أجل الموسم الثالث من مسلسل ’حواء القاتلة‘) وبوسطن (لتصوير فيلم الإثارة الذي يعرض قريباً Free Guy (رجل حر) وتتقاسم بطولته مع ريان رينولدز).
وقد وجد الأمريكيون، الذين اعتادوا سماعها تتحدث بكل اللهجات تحت أشعة الشمس في دور القاتلة روسية المولد التي تجيد التخفّي مثل الحرباء في مسلسل ’حواء القاتلة‘، متعةً كبيرة حين استمعوا إليها تتحدث لأول مرة بلهجة أهل ليڤربول. فحين أطلّت في برنامج ’إلين ديجينيريس شو‘ العام الماضي، بدت إلين مثل أغلب المشاهدين ’مذهولة‘ من طريقة نطقها. وكان أمراً لطيفاً، رغم أنه يعزز حقيقة أن العديد من الممثلين البريطانيين الذين حققوا نجاحاً لا زال أكثرهم ينتمي إلى الطبقة الوسطى، ما أدى إلى اختفاء اللهجات، الإقليمية منها على وجه الخصوص. إلا أنها على النقيض منهم، أخذت تعمل طيلة 14 عاماً، سواء في البرامج التلفزيونية أم في متجر ’تسكو‘ بين الحين والآخر، لتشق طريقها دون أن تلتحق بمعهد للتمثيل أو توقع عقوداً فنية (والدها جيمي يعمل مدلكاً رياضياً بنادي إيڤرتون، ووالدتها تعمل بشركة ميرسيتراڤل).
وتعلو الابتسامة شفتيّ كومر وهي تقول: “في وقت ما كان يتعيّن عليّ البقاء في لندن، لأنه المكان الذي يجري فيه كل شيء. ولم يعد هذا هو الحال الآن”. ولكن هل لاحظ زملاؤها بزوغ نجمها مؤخراً في هوليوود؟ بدت النجمة الشابة مذهلة بمظهرها المتواضع وهي ترتدي من رأسها حتى أخمص قدميها قطع الجينز الأزرق من ’رانغلر‘، وتزيّن أذنيها بحلقات ذهبية رقيقة، وقد جمعت شعرها للخلف بشريط أسود من ’ألكس إيغل استوديو‘ في لندن. وكانت تضع على المقعد المجاور لها معطفها الأزرق الداكن الثقيل. وتشي قصة شرائه بمدى الغرابة التي أصبحت عليه حياتها. قالت وقد اتسعت عيناها: “خضتُ أكثر تجربة محرجة وخيالية منذ نحو أسبوعين. كنت أسير في الشارع بلندن، في طريقي إلى متجر ’أكني‘. كنت أفكر منذ مدة طويلة في شراء هذا المعطف، وشعرت بأن الوقت قد حان لذلك. وفجأة سمعت ’جودي… جودي!‘، ورأيت جينيفر سوندرز، ودون فرينش، وأنيت بينينغ. ولم أكن قد التقيت بهن من قبل”. كن يشاركن في تصوير أحد الأفلام [الفيلم المنتظر عرضه قريباً Death on the Nile (جريمة على نهر النيل)]، لذا كن جميعاً معاً. وقلن لي، ’مبارك لكِ على كل هذا النجاح‘. ولكن تملكني الذهول، وأثناء دردشتهن، فقدتُ النطق تماماً. ولأول مرة في حياتي، لم أستطع التحدث. كان الأمر محرجاً للغاية”. وخبطت بيدها على الطاولة في جزل وقالت: “حين أعاود التفكير في هذا الأمر، أقول ليتني استطعت أن أتفوّه ولو بكلمة. مثلاً، أي شيء…”.
وأحد أكثر الأمور التي تثير السعادة أن كومر لم تتغيّر رغم أنها من أكثر النجمات الصاعدات على الشاشة الصغيرة اللواتي يحظين بالإشادة والثناء. وقد كان هذا مسلكها ذاته منذ بضع سنوات حين تقابلت للمرة الأولى مع فيبي والر بريدج التي أنتجت مسلسل ’حواء القاتلة‘ وكتبت أولى حلقاته. وقد سارت الأمور بينهما على خير ما يرام خلال حفل توزيع جوائز ’بافتا‘ لعام 2017 حتى أنهما قضيتا الليلة بأكملها تحتفلان معاً بعد الحفل، لذا انتابها خجل عارم حين ذهبت إلى اختبار الممثلين في مسلسل ’حواء القاتلة‘ بعدها ببضعة أشهر. ولا داعي لقول إن قلقها كان بلا داعٍ، فقد أبصرت كل منهما موهبة فذة في الأخرى.
ولكن، ما الذي جعلها ممثلة مميّزة للغاية على الشاشة؟ يقول ريان رينولدز، الذي يشارك كومر بطولة فيلم ’رجل حر‘ للمخرج شون ليڤي، وهو أول دور رئيسي لها في فيلم سينمائي: “جودي أروع ممثلة على وجه الأرض”. ويروي الفيلم، الذي خصصت له ميزانية ضخمة ويزخر بالمؤثرات باهظة التكلفة، قصة غاي، الشبيهة بفيلم The Truman Show ’عرض ترومان‘، فهو شخصية قادمة من ألعاب الفيديو جعلته المبرمجة ميلي يخرج إلى الوجود (كومر بارعة في تجسيد ما تصفه بـ”الجنون الطاغي النابض بالحيوية”). أما رينولدز فقد سحرته كومر حتى إنه قال لي: “أتساءل أحياناً ما إن كان القائمون على تصوير ’حواء القاتلة‘ يعرفون كم هم محظوظين بوجودها معهم في المسلسل. فلديهم نجمة تستطيع أن تتنقل بسهولة بين أدوار الكوميديا، والدراما، والغموض، والتجريد، وتستطيع تجسيد الشخصيات غريبة الأطوار. وبعد اليوم الأول، أمضينا أسابيع نعيد كتابة دورها. لأنها أساساً تستطيع أن تفعل أي شيء، وتجعله يبدو وكأنه لم يُبذل فيه أي مجهود. إنها لا تدعكم تشاهدون عملها. ولكنها لا بد وأنها تبذل فيه كل جهدها”.
“منذ سن مبكرة، كان لديّ دائماً تلك القدرة الفطرية على توظيف مشاعري. كنتُ أستطيع أن أبكي، بكاء حقيقياً. وأؤدي الكثير من التعابير”
تجاهلت كومر كل هذا الإطراء حين وصلت وجبتها من الدجاج المشوي المتبل. ولم تكن عموماً تقدم تحليلاً ذاتياً لنفسها، حين تذكرت طفولتها قائلةً: “منذ سن مبكرة، كان لديّ دائماً تلك القدرة الفطرية على توظيف مشاعري”. وتستطرد فيما تقطع بشوكتها كيك البودنغ يوركشاير: “كنتُ أستطيع أن أبكي، بكاء حقيقياً. وأؤدي الكثير من التعابير”.
وكما اكتشف رينولدز، فإن أسلوب كومر يعتمد على إبداء ابتسامة عريضة، واتباع أخلاقيات العمل بلا هوادة. وتم اكتشاف مهاراتها الفنية بالصدفة البحتة عندما كانت تبلغ 12 عاماً، حيث كانت تقوم بقراءة مونولوج درامي حول كارثة ملعب هيلزبرة في أحد المهرجانات المسرحية المحلية. وبعد فترة ليست بطويلة من إسناد أول دور احترافي إليها –كان عبارة عن دور في مسرحية تذاع على محطة ’بي بي سي راديو 4‘ الإذاعية والذي تقاضت عنه 200 جنيه إسترليني- تذكرت كيف أدركت أن بوسعها النجاح. تقول: “بوسعي أداء هذا العمل، بل وربما يكون أيضاً مصدر دخلي… إنه أمر مدهش. لم يسبق لي أبداً أن ربطت بين مشاهدة التلفزيون والتفكير في مَن يظهرون على شاشته”.
ورغم ظهورها كضيفة شرف في أعمال مثل Doctors (الأطباء) وCasualty (الخسائر)، آثرت كومر مواصلة دراستها إلى أن بلغت 18 عاماً – حيث عمدت في ذلك الوقت إلى ترسيخ صورة لنفسها. وتتمتع كومر بموهبة فطرية حيث استطاعت أن تثبت قدميها بقوة من خلال الأعمال التي قدمتها وهي في سن المراهقة. حسناً، استطاعت أن تثبتهما بقوة تقريباً. “أتذكر أنه مضى عام عليّ بقيت خلاله دون عمل لمدة ثمانية أو تسعة شهور”، هكذا قالت كومر بينما بدا على وجهها شعور غير عادي بالانزعاج من مجرد تذكّر تلك الفترة. “يستيقظ المرء في الصباح، ويتجهز، ثم يتوجه إلى محطة القطار، ليستقل قطاراً لمدة ساعتين، ثم يصل إلى وجهته حيث يخوض تجربة الأداء التي تستغرق عشر دقائق، ثم يقطع كل هذه المسافة في طريق عودته إلى منزله. أحياناً، كنت أقوم بهذه الجولة ثلاث مرات أسبوعياً. وأخيراً، أدركت أنه كلما طالت فترة توقفي عن العمل، تملكني الشعور باليأس أكثر. وبدأت أحدث نفسي قائلة: “أنا بحاجة إلى وظيفة. ومن ثمّ، ظللت أذهب إلى تجارب الأداء حتى يكتشف أحدهم موهبتي”.
بيد أن كومر امرأة تتمتع بعزم وإصرار لا يتزعزعان. فبعد أن صور معها الممثل الليڤربولي ستيفن غراهام (وهو من الممثلين المفضلين لدى المخرج مارتن سكورسيزي) مشهداً من المسلسل الدرامي Good Cop (الشرطي الماهر) الذي كان يذاع على شبكة ’بي بي سي‘، وقف مشدوهاً أمام أدائها الرائع لشخصية نادلة تعرضت للتحرش الجنسي إلى حد أنه اتصل بوكيلته المميّزة جين أبشتاين وأقنعها أن تتعهد بكومر. تقول: “كم كنت محظوظة أن عادت أوقات الزخم إلى حياتي من جديد”، على الرغم من أن الفضل يعود لموهبتها وليس للحظ، كما يرى البعض.
“على المرء أن يحاول التلذذ بكل لحظة يعيشها، لأن الأمور تمضي بكل بساطة، أتعلم؟”
لقد بدا جلياً أنها تميّزت في أداء أدوار شخصيات شديدة النشاط وتفتقد إلى الشعور بالتعاطف على الشاشة الصغيرة – بداية من شخصية كلوي الساكنة الشريرة بمسلسل My Mad Fat Diary، إلى كيت المرأة سيئة السمعة في مسلسل ’دكتور فوستر‘. وبالطبع، وجدت كومر هذا النمط من الشخصيات في أبهى صوره من خلال مسلسل ’حواء القاتلة‘. ولكن ماذا علينا أن نتوقع من الموسم الثالث؟ هل ستنجو إيڤ؟ هل سُيلقى مزيد من الضوء على ماضي ڤيلانيل. “سنخوض قليلاً في التفاصيل”، هذا ما أكدته كومر. ومضت تقول وعلى وجهها ترتسم ابتسامة لا تبدي أي مشاعر: “لقد أحبها الجمهور على ما هي عليه، ولكن من اللطيف أن نعرض جانباً مختلفاً لذلك. فربما تُظهر جانباً من الضعف في شخصيتها”.
وقد تطرق حديثنا إلى حياتها خارج نطاق العمل، والتي يقر واقعها بأنها لا تملك الوقت لعمل الكثير. وقد أشرتُ في معرض حديثنا إلى أنني لم أجد الكثير من الكتابات حول علاقة جودي بالحب، لتفاجئني بإجابتها “أنا مرتبطة الآن بعلاقة حب”. فتوجهت لها بالتهنئة، فردت وهي تضحك “أشكرك”. وأردفت: “أعتقد أن الحب أسمى شعور في الوجود. لقد عشت عزباء لفترة، وكنت فقط أسير مع التيار، وأهتم بفعل ما أريد. أليس هذا ما أريد؟ عندما يشعر المرء بالاسترخاء ويترك الأمور في الكون تسير كما يحلو لها، تأخذ الأمور نصابها الصحيح. وهذا بالضبط ما حدث، وهو أمر رائع حقاً”.
ولم ترد النجمة أن تفصح بأي شيء عن حبيبها، واكتفت بقولها: “إنه جديد تماماً”. كان هذا الموضوع على الأرجح محور حديث مجموعة أصدقائها المقربين على “واتس آب”، والتي تحمل اسم Fire, 24 hours a day, seven days a week. وتحتفظ كومر في هذه المجموعة بجميع أصدقائها المهمين من الدراسة، بالإضافة إلى بعض الأصحاب الجدد من عالم الموضة، من بينهم جوناثان أندرسون المدير الإبداعي لدار لويڤي الذي وقع أسيراً لملامحها الهادئة شديدة البياض (والتي يشار إليها عادة بمصطلح “ما قبل الرفائيلية”)، وهو ما دفعه لأن يستعين بها في عرض أزياء علامته لربيع وصيف 2020، وأيضاً في الفيديو الإعلاني للحملة الذي صوره ستيڤين ميسيل والذي ظهرت فيه تهمس بصوتها وتتغنى وتصيح مرددة كلمة لويڤي 36 مرة. “تتمتع جودي بشخصية واقعية وصريحة، وهي متفهمة أيضاً”، هكذا أوضح بصوت ملؤه الحماس قبل أن يضيف أنها أيضاً “شخصية مرحة للغاية”.
وإذا كان الشعور بالأفضلية هو آفة جيل الألفية أحياناً، فمن الواضح أن الملكة الحالية لهذا الجيل لم تطالها هذه الآفة. تقول: “كنت أنظف غرفتي مؤخراً، فوجدت أول صور فوتوغرافية التقطت لي في حياتي، حيث كنت ابنة الـ12 والـ13 عاماً، كما وجدت شهاداتي التي حصلت عليها من مهرجان ليڤربول للدراما. وقد اجتاحتني موجة من المشاعر الجيّاشة لدى رؤيتي هذه الأغراض، وكأن تلك الفتاة الصغيرة كانت تعلم مصيرها، يا للروعة!”. ولكن استطاعت النجمة أن تصل إلى النجومية في وقت قياسي للغاية. “الليلة في لندن، وغداً في نيويورك”، حيث ستتوجه لحضور افتتاح متجر لويڤي الجديد قبل أن تعود لاستكمال تصوير حلقات ’حواء القاتلة‘ ومن ثم تتوجه إلى فرنسا لتبدأ تصوير الفيلم التاريخي The Last Duel (المبارزة الأخيرة) للمخرج ريدلي سكوت الذي تدور أحداثه في القرن الرابع عشر، ويشاركها في البطولة آدم درايڤر، ومات ديمون.
“على المرء أن يحاول التلذذ بكل لحظة يعيشها، لأن الأمور تمضي بكل بساطة، أتعلم؟”، بهذه الكلمات استأنفت كومر حديثها وقد بدا عليها التأثر للحظة، لحظة واحدة فقط، سرعان ما عادت بعدها إلى طبيعتها تماماً، لتتحدث عن كم السعادة التي اعترتها لدى اكتشافها وهي تقرأ في تاريخ العصور الوسطى كنوع من الاستعداد لدورها في فيلم ’المبارزة الأخيرة‘ أن “جمال المرأة كان يقاس بمدى بياض بشرتها، وأنها كلما ازدادت جبهتها اتساعاً، كانت أكثر جاذبية”، هكذا قالت وضحكاتها تكاد تهز الجدران، وقالت: “لقد فاجأتني هذه الحقائق!”.
نشر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2020 من ڤوغ العربية بقلم GILES HATTERSLEY