التقيتُ نور داوود في تجمّع لتناول العشاء بدبي نظمه زملاء الدراسة الثانوية، وكنا قد حضرنا هذا التجمّع من قبل في أوقات مختلفة. ورغم أن هذه المجموعة كانت تضم أفراداً من خلفيات وثقافات متنوعة كما هي العادة، فقد بدت نور الأكثر تميزاً بينهم، ولم أدرك سوى في وقت لاحق من ذلك المساء، بعدما تبادلنا تفاصيل حسابينا على انستقرام، ما تشتهر به هذه الفتاة. إنه: سباقات الدرِفت! تذكر الإنترنت في تعريفها للدرِفت (يُعرف باسم “التفحيط” في اللغة الدارجة) بأنه مجموعة حركات يقوم بها السائق لجعل السيارة تنزلق مع تحكمه فيها، بأن يكون اتجاه العجلتين الأماميتين مخالفاً للاتجاه الفعلي الذي تسير فيه السيارة (بأن يكون اتجاه هاتين العجلتين لليمين بينما تتجه السيارة نحو اليسار، والعكس صحيح). ولكن نور تصف هذه الرياضة ببساطة بأنها “فوضى تحت السيطرة”.
ولكي ألتقط صوراً لها، ذهبتُ إلى مكان بدا وكأنه المكان المثالي الذي يجب أن تعيش فيه، ألا هو المدينة الرياضية الواقعة قريباً من حي دبي موتور سيتي – وهو موقع مثالي ولا شك لبطلة الدرِفت.
وخلال جلسة التصوير، تحدثنا عن شغفها بهذه الرياضة وكيف بدأ تعلّقها بها تحديداً:
أهم شيء يجب ذكره أن ولعي بالسيارات بدأ حين كنت طفلة صغيرة. كنتُ أمتلك مجموعة من السيارات اللعبة، ولم أكن أحبُ أن أفعل شيئاً سوى اللعب بها منذ صغري. وقد مارستُ جميع أنواع الألعاب الرياضية، خلال نشأتي، مثل التنس والسباحة والملاكمة وهوكي الجليد. ورغم أنني استمتعت بها جميعاً، لم أتعلق حقاً سوى برياضة السيارات… وقد أدركتُ ذلك منذ أول مرة حاولت فيها ممارستها!
أين كنتِ حينئذ؟
بدأتُ هذه الرياضة في رام الله عام 2009 – في الشوارع، ولما لم يكن لدينا مسارات [مخصصة للدرِفت]، تدربت بنفسي في شوارع المدينة. وفي أحد أيام الخميس (كانت السباقات تقام دائماً يوم الجمعة)، حضر رئيس اتحاد رياضة السيارات ليلاً وأخذ يراقب الجميع. وعندما التقينا، طلب مني الاشتراك معهم في السباقات والانضمام إلى سباق ’تايم أتاك‘، وهو سباق مع الزمن، يجري في مساحات محدودة للغاية في أحد مواقف السيارات. وفعلت ما طلبه مني، واستمتعت به ولكنه لم يكن ما أردتُ عمله – لقد كنتُ أبحث عن شيء أشد إثارةً… وأكثر قوة، وحيوية!
أهو هذا حقاً، ما تمارسينه الآن؟ الدرِفت؟
أجل، وأنا مولعة به.
كان عليّ أن أعود وأتدرب مجدداً في الشوارع. استعنتُ بسيارة قديمة، كانت ملكاً لوالدتي، وهي بالمناسبة كانت ولا تزال أكبر داعمة لي حيث ساعدتني لأصل إلى ما وصلت إليه. يجب أن أذكر ذلك! كانت سيارة “بي إم دبليو” قديمة، وكانت أول سيارة تمتلكها. لم يكن لدينا في فلسطين سوى سباق ’تايم أتاك‘، ولكن عدد المتابعين لي أخذ يزداد شيئاً فشيئاً عبر حساباتي على مواقع التواصل وصوري، وأصبحت محطَ اهتمام كبير.
وعلى درب ما يمكن أن نعتبره من سمات هذا العصر – تزايد الاهتمام بنور على مواقع التواصل الاجتماعي وواصلت التقدم بالاعتماد على نفسها، فتلقت دعوة للاشتراك في مسابقة للدرِفت أقيمت في بودابست، ومن هناك بدأت انطلاقتها الحقيقية.
بعدما عُدتُ، قررتُ أن أمتلك سيارة مصنعة خاصة بي، سيارة احترافية للدرفت يتم تجميعها في الأردن، وظللت لزمن طويل أسافر إلى أنحاء الشرق الأوسط للاشتراك في المسابقات. ولكني كنتُ بحاجة إلى الانتقال بهذا الشغف إلى مستوى آخر، فيما كنت أواصل المنافسة ومواجهة التحديات، لذا بعتها وحصلت على سيارة أخرى جديدة بهذه المواصفات، BMW E46 M50 900 HP.
لماذا قدمتِ إلى دبي؟
كل ما في الأمر أنني كنت أشتركُ في المنافسات ولكن لا تقام فعاليات كثيرة لرياضة السيارات في فلسطين، وقد دُعيتُ للاشتراك في حدث ضخم أقيم في الشرق الأوسط، بطولة “ريد بُل كار بارك درِفت”، والتي أذاعتها قناة “إم بي سي أكشن” على الهواء مباشرة، وقد كانت أول منافسة حقيقية لي، ثم تطورت الأمور لتأخذ منحىً أكثر جديّة. ولما لم أكن أرغبُ في فقدان ما أحرزته، فانتقلت للإقامة في دبي. وترعاني حالياً أكاديمية “برو درفت”، وهي مدرسة للدرفت نعلم فيها الناس من جميع أنحاء العالم وندربهم. وقد تلقيتُ دعوات للاشتراك في المزيد من المنافسات، ولا أريد التوقف أبداً!
ما الذي تشعرين به حقاً؟ إن وجهكِ يشرق حين تتحدثين عن شغفكِ هذا، والذي نميتِه بنفسكِ وتواصلين فيه التقدم.
إن سيارتي هي توأم روحي، وسعادتي، وأكثر مكان أشعرُ فيه بالحرية. من الصعب شرح مشاعري لأنني عندما أكونُ في سيارتي أشعرُ بأني في عالم مختلف تماماً. فحين أضعُ خوذتي وأستقل السيارة وأغلق الباب وأنظرُ أمامي مباشرة، ولا شيء حولي.. أشعرُ حقاً بأنني على كوكب آخر.
والآن اقرئي: أول سيّدة عربيّة تحكّم المباراة النهائية في دوري كرة القدم للرجال في تونس