في السنوات الأخيرة، تمكنت دولة الإمارات من أن تخطو خطوات واسعة نحو سد الفجوة بين الجنسين، من سن تشريعات تكفل المساواة في الأجور في وقت سابق من هذا العام، إلى إطلاق دليل تعزيز التوازن بين الجنسين للمؤسسات، وحتى تأسيس مجلس للتوازن بين الجنسين.
وفي هذا الصدد، كتبت معالي وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي، والمديرة العامة لمكتب إكسبو دبي 2020، ريم بنت إبراهيم الهاشمي، مقالة جديدة ناقشت فيها اهتمام الإمارات بدعم النساء والأطفال، كجانب من مساهمتها في مبادرة تستحق الإشادة، جاء فيها، إن مثل هذا الاهتمام الذي ينصبّ على تمكين نساء وأطفال بلد ما هو ما “يحطم الحواجز التي تُديم دورة الفقر”.
وتركز مبادرة Goalkeepers لعام 2018، وهي حملة عالمية تقودها مؤسسة بيل وميليندا غيتس، على تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة (أو الأهداف العالمية) للقضاء على الفقر، وغياب المساواة، والأمراض. وكجانب من مساهمتها في نشاط المبادرة لهذا العام، كتبت معالي ريم الهاشمي مقالة رأي ركزت فيها على بيان قوة الصحة والتعليم في الدفع بعجلة التنمية في العالم، وأثر الإمارات في هذين المجالين. وقبل افتتاح المؤتمر السنوي الثاني لمبادرة Goalkeepers هذا الأسبوع والذي يُعقد بمدينة نيويورك في وقت يتزامن مع تجمع قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تنشر ڤوغ العربية مقالة معاليها كاملةً لأول مرة على مستوى العالم.
“نقدم للشباب أقصى ما يمكننا تحقيقه لبناء مستقبل أفضل”
يوافق هذا العام ذكرى مرور مئة عام على مولد الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لذا أخذتُ أتأمل كيف لا تزال رؤية الشيخ زايد المهمة عن الوحدة والتضامن قائمة حتى اليوم، فقد كان يؤمن بأن الاستثمار في رفاهية البشر، وتعليمهم، وتنمية إمكاناتهم يحقق أعظم الأرباح للأفراد، والعائلات، والمجتمع بأسره. وأشعر بالفخر لأن رأيه الثاقب عن الثروة البشرية لا يغذي أولوياتنا الوطنية فحسب، بل ويعد جزءاً لا يتجزأ من نشاطنا في التنمية العالمية.
وأنا أيضاً أدرك تماماً حجم المزايا التي أتمتع بها أنا وأبناء بلدي كنتاج مباشر لرؤية الشيخ زايد، مع جميع ما صاحبها من فوائد في الاستقرار، والرعاية الصحية، والتعليم الجيد. لذا أؤمن أننا، إن أردنا تحقيق الأهداف الخاصة بالقضاء على الفقر التي وردت في جدول أعمال 2030، يجب أن نعمل معاً لضمان أن يحصل جميع الأطفال على بدايات عادلة في الحياة، مع فرص للبقاء والازدهار. إنه السبيل الوحيد لتحطيم الحواجز التي تُديم دورة الفقر. وعلاوة على ذلك، يبدو لي جلياً أن أي شيء يقف عائقاً أمام قدرات المرأة، وطاقاتها، وإنجازاتها في تنمية الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في بلادها يعمل على تراجعها هي ومجتمعها إلى الوراء. وتعد الإمارات خير مثال على مزايا تعزيز المساواة بين الجنسين، فقد حققت البلاد فوائد جمة من وضع تعليم الفتيات وتمكين المرأة ركيزتين أساسيتين في التنمية؛ واعتباراً من عام 2015، أصبحت المرأة الإماراتية تشارك بنسبة 40٪ تقريباً في سوق العمل المحلي، بعدما كانت تمثل 2٪ فقط عام 1975. ولم يتأتى ذلك بالنوايا الحسنة فحسب، بل هو نتاج قيادة حكيمة وتشريعات قوية.
ولزاماً عليّ أن أعرفكم بالفائدة التي جنتها الإمارات من تجربتها، فضلاً عن مواردنا، وعملنا في تقديم المساعدات الخارجية – لأنها السبب في أن يكون تمكين النساء والفتيات أحد المجالات الثلاثة التي تهتم بها الإمارات في سياستها للمساعدات الخارجية للفترة من 2017 حتى 2021. وتقدم مؤسسة دبي العطاء، إحدى الجهات المانحة للتبرعات، مثالاً قوياً على منهجنا العملي نحو الجنسين. فعندما بدأت العمل في هذه المؤسسة منذ أكثر من عشر سنوات، قررنا أن نسعى جاهدين لإزالة العقبات الأساسية التي تقف أمام التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي. وأذكر، عندما زرت المجتمعات الريفية في النيجر، الحماسَ الحذر الذي أبدته الفتيات الصغيرات عندما سمعن عن بناء مدرسة في مجتمعهن. ولا أبالغ في وصف أثر توفير بيئة آمنة وصحية أمام الفتيات للتعلّم على مجتمعات بأكملها. ويعد الاستثمار في تمكين النساء والأطفال عبر التعليم أحد المؤشرات الرئيسية الدالة على التقدم والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة. ويثير حماسي رؤية كيف يمكن تعزيز ذلك عبر مقعد عضو مناوب الذي حصلنا عليه مؤخراً في الشراكة العالمية من أجل التعليم.
كما أننا على وعي دائم بأهمية العمل مع النساء، سواء كمستفيدات من برامج الصحة العالمية أو منفذات لها. وفي باكستان، على سبيل المثال، تموّل الإمارات ما يقرب من خمسة آلاف أخصائية مجتمعية يعملن في مجال التطعيم ضد مرض شلل الأطفال، وهن جزء لا يتجزأ من النجاح الذي أحرزته البرامج في الوصول إلى الأطفال الرضع داخل التجمعات التي لا يستطيع أخصائيو التطعيم الذكور الوصول إليها. ويقدم التزامهن دائماً أعلى الأرقام في التغطية التحصينية في تاريخ البلاد، ما أدى إلى رفع مستويات التحصين وانخفاض كبير في عدد الأطفال الذين يصابون بمرض شلل الأطفال.
يمكنني أن أفكر في بضع أدوات ضرورية للقضاء على الأمراض، ما يسمح بوضع أسس للتنمية العالمية المستدامة، مثل تيسير الحصول على التطعيمات واللقاحات في العالم. فقد ذهلتُ، عندما زرت جنوب السودان، من حجم الأضرار والخسائر التي تخلفها الأمراض، التي يمكن الوقاية منها، عندما تُترك دون علاج. ومن ناحية أخرى، فإن توسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، يمكن أن يحمي الأطفال من بعضٍ من أكثر الأمراض خطورةً في العالم، ويمنحهم فرص النمو والمساهمة في المجتمع. لذا، أشعر بالفخر لأن الإمارات تستضيف اجتماعَ استعراض نتائج منتصف المدة للتحالف العالمي للقاحات والتحصين في ديسمبر 2018، وتقدم منبراً لمجتمع الصحة العالمي لتقييم النتائج ووضع رؤية لمستقبل استراتيجية التحصين الخاصة بالتحالف. وفيما يشهد العالم تحولات، يمثل هذا الاستعراضُ فرصة للتفكير، وحث أنفسنا على إيجاد سبل جديدة للعمل مع شركائنا لتحقيق أهدافنا الطموحة. في الواقع، إنها على وجه الدقة نوع المحادثات والتعاون الذي نود أن يُبصر النور في معرض إكسبو الدولي القادم الذي تستضيفه دبي عام 2020.
وبالتوازي مع هذه الجهود، قمنا أيضاً بتبني الحقيقة البديهية في أهمية الحصول على بيانات صحيحة. وبوصفي رئيسة للجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، أرى أيضاً أنه لن يكون من الممكن تحقيق أهداف اللجنة دون أن نملك صورة دقيقة لموضع أقدامنا، الذي يقسم حسب جنس الإنسان. ولهذا السبب، أقامت الإمارات شراكة مع جامعة ستانفورد ومؤسسة بيل وميليندا غيتس لتمويل دراسة رائدة تجريها مجلة ذا لانسيت حول المعايير والصحة الجنسانية، وتعتزم نشرها العام القادم. وستمدنا هذه الدراسة بالروابط التي تجمع بين المعايير الجنسانية وسوء الصحة والفقر، وتقدم لنا خارطة طريق لتحقيق الرؤية التي حددتها اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة. إذ دون التسلح بالحقائق الكاملة في هذا الصدد، لن نعلم أبداً ما إن كنا نعمل على تنمية الرجال والنساء على قدم المساواة، أو أن ثمة حواجز فريدة تمنع النهوض بالمرأة.
لقد حالفني الحظ إذ نشأت في بيئة لا تشعر برغبة في التوقف أو التباطؤ في تحقيق ما هو مناسب وجيد لشعبنا، رغم ما تحرزه من تقدم ملموس. إنها رأس المال الحقيقي الذي نملكه كدولة ويجب أن نواصل مشاركته مع المجتمع الدولي. ويتعين علينا جميعاً أن نستمر في السعي وألا نقبل ما هو أدنى من المساواة في الحصول على خدمات الصحة، والتعليم، وجميع الخدمات الأخرى للنساء والرجال والفتيات والأولاد على السواء.
لقد كان الشيخ زايد صاحب رؤية استشرافية ثاقبة في جوانب شتى، ورغم ما يشهده العالم من تغييرات جذرية، لا تزال المبادئ التي وضعها تتصل بواقع اليوم كما لو كان على قيد الحياة؛ فقد كان كثيراً ما يقول: “إن أكبر استفادة من المال هو استثماره في بناء أجيال من المتعلمين والمدرَّبين”. وبناء على إرثه، لدينا عزيمة وإصرار على بناء مستقبل أفضل بأقصى ما يمكننا، اليوم.
الآن اقرئي: الشيخ محمد بن راشد والأميرة هيا يدعمان إرسال المساعدات الإنسانية لجزيرة لومبوك التي ضربها زلزال قوي