هل يمكن أن تمثّل السعوديات الماهرات في ممارسة الألعاب الإلكترونية مستقبل هذه النوعية من الألعاب؟
من إجمالي نحو ستة ملايين شخص يمارسون الألعاب الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، تستأثر النساء بنسبة 40%، بما يقدر بنحو مليونين و230 ألف لاعبة. ولهذه النسبة الكبيرة صدىً في نفوس المتخصصين، حيث يؤكد محمد الحمود، مالك شركة Phoenix للألعاب الإلكترونية ومقرها مدينة الخُبَر شرق المملكة قائلاً: “لا ينتابنا أدنى شك حيال المواهب التي تتمتع بها النساء السعوديات في دنيا الألعاب حاليًا”. ويضيف معلّقًا على العدد الكبير من اللاعبات غير المعروفات في الغالب بالمملكة قائلاً: “إنهن رائدات”. وهؤلاء المحاربات المتفوقات في استعمال أذرع اللعب يمارسن مهاراتهن خلف الأبواب المغلقة، ورغم ذلك يسافرن كل يوم عبر الواقع الافتراضي. ويردف الحمود: “إنهن يخضن معركة حامية الوطيس في مجال يهيمن عليه الرجال، وفي ظل مجتمع الغلبة فيه للرجال”. ويستطرد: “بعض اللاعبات اللواتي التقيناهن يمكن أن يكنّ منافِسات عالميات مستوفيات لكل الشروط، ولكنهن ليس في أيديهن تقرير احتراف هذا المجال بسبب المعايير الثقافية وعدم تفهّم عائلاتهن للأمر وعدم دعمهم لهن”.
من بين العوامل التي تجذب الناس للألعاب هو الرغبة في الهروب من الواقع؛ فللألعاب القدرة على نقل اللاعب إلى عالم آخر. “ليس ثمة مكان مسموح لي بالذهاب إليه داخل المدينة من أجل ممارسة اللعب”، هكذا تؤكد اللاعبة السعودية جينا التي تعشق ألعاب التصويب التكتيكي عبر الإنترنت، مثل Rainbow Six Siege المستمدة من أعمال الروائي توم كلانسي. وتضيف: “أرى في الألعاب ملجئًا لي، فهي تساعدني على التخلّص من ما أعانيه من ضغط وطاقة سلبية، حيث تغمرني بالإيجابية”. أما جومانا المضوي، وهي لاعبة سعودية من الخُبَر دأبت على ممارسة ألعاب الفيديو طوال أكثر من 25 عامًا، فتعشق ألعاب الحركة والمغامرة، مثل سلسلة God of War أو Uncharted، وكذلك الألعاب القتالية مثل PUBG Mobile، وتؤمن بأن اللاعبات السعوديات الموهوبات بمثابة ’منتَج ثانوي‘ وفقًا لتقاليد البلاد. تؤكد أنهن “بزغن، بطريقة ما، نتيجةً لثقافتنا القديمة والمنغلقة. والألعاب هي المنفذ الوحيد، لذلك فإن الخيار الوحيد هو إجادة مهارات هذا المجال”. وتضيف: “هناك مجموعة ضخمة من اللاعبات النساء خلف الجدران المغلقة يلعبن على أعلى المستويات، ولكن الناس لا يعرفون عنهن شيئًا”.
تمتاز الألعاب بأنها تخفي الهوية، بمعنى أنه لن يتم الكشف عن هوية اللاعبات بأي حال، وأنه بإمكانهن المشاركة في اللعب مع أي شخص، ومن أي مكان في العالم. “هناك فتيات كثيرات يقبلن على ممارسة الألعاب الإلكترونية داخل المملكة العربية السعودية، ولكن من الصعب العثور عليهن”، هكذا يوضح فرناندو بيريرا، الشريك المؤسس ورئيس مهرجان “غيرل غيمر للرياضات الإلكترونية”. وبعد استضافة دولة الإمارات لنهائيات هذا المهرجان العام الجاري، أصبح الشرق الأوسط الآن من المناطق الأكثر تقدمًا في العالم على صعيد الرياضات الإلكترونية النسائية. وقد منحت هذه البطولة جوائز وصلت قيمتها إلى 100 ألف دولار أمريكي، لتصبح بذلك أكبر جائزة على الإطلاق تمنح لبطولة نسائية. ورغم أن هذا الرقم قد يبدو ضئيلاً مقارنةً بالمسابقات التي يهيمن عليها الرجال والتي تمنح الفائزين جوائز تقدر بالملايين، فالمناخ يبدو ملائمًا بالمنطقة لاستيعاب الرياضات الإلكترونية النسائية، وهو ما يتجلّى واضحًا من خلال الكثير من الشركات التي باتت ترى وجود فرصة للاستثمار في صناعة الألعاب السريعة النمو؛ إذ من المتوقع أن يصل رأس مال هذا المجال إلى 1.6 مليار دولار بحلول عام 2026.
وبينما أقيمت نهائيات فعالية هذا العام في دولة الإمارات، يأمل بيريرا أن تقام التصفيات المؤهِّلَة في المملكة العربية السعودية عام 2021. ومن التحديات التي واجهته في هذا الصدد صعوبة اشتراك لاعبات الرياضات الإلكترونية بالمنطقة لأسباب ليس من بينها الافتقار للمواهب. فبعد أن قام بتشكيل فريق نسائي للرياضات الإلكترونية تحت اسم Galaxy Racer في المنطقة ونشر إعلانًا يدعو فيه لاعبات الشرق الأوسط للانضمام، انهالت عليه رسائل البريد الإلكتروني من داخل المملكة العربية السعودية. وأخذت النساء والفتيات يطرحن عليه كثيرًا من الأسئلة على شاكلة: “هل من الضروري أن أكشف عن وجهي؟”، و”هل ينبغي أن أظهر على الحلبة؟”، و”هل المشاركة تقتصر على اللعب عبر الإنترنت، أم سأضطر للسفر؟”. ويضيف بيريرا: “غير أن معظمهن أحجمن عن تقديم طلبات الالتحاق لأننا طلبنا منهن تقديم حقوق كاملة للصور، بالإضافة إلى التقاط الصور والظهور في لقطات فيديو، وخوض المقابلات الشخصية. كذلك، فتيات كثيرات لم تأذن لهن عائلاتهن بخوض التجربة، فيما خشيت أخريات من الظهور والكشف عن وجوههن”.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أنه رغم وجود آلاف النساء في المملكة ممن يمارسن الألعاب الإلكترونية على مستوى يرقى للمنافسة في البطولات الاحترافية، فإن هيمنة الرجال على هذا المجال تقود كثيرات من بينهن للعزوف عن المشاركة. ولهذا السبب، يرى بيريرا أنه من الأهمية بمكان وجود فعاليات حصرية للنساء. يؤكد: “معظم النساء لا يرغبن في منافسة الرجال نظرًا لما ينطوي عليه ذلك من دلالات سلبية، ناهيكِ عن شعوركِ وأنتِ السيدة الوحيدة في بطولة يشارك بها 100 رجل. فسيكون هنا التركيز على جنس المشاركين كبيرًا للغاية ما يشكل ضغطًا كبيرًا على المتسابقة”. كما يقر بيريرا أن لاعبات الرياضات الإلكترونية لسن بنفس مستوى مهارة الرجال فحسب، بل ربما يكنّ أفضل منهم. “إنهن فقط في حاجة لأن يتوفر لهن المناخ نفسه حتى يطورن من أنفسهن”.
والحمود من المناصرين لممارسة النساء للألعاب الإلكترونية، ولا يكف عن محاولة نشر الوعي في المنطقة إزاء ما يمكن أن تحققه اللاعبات من إنجازات. يقول: “تتميز النساء بقدرتهن الفائقة على القيام بعديد من المهام في آن واحد، وبردود أفعالهن السريعة للغاية. وإذا كرست فتاة وقتها للتدرّب، فيمكنها أن تحقق ما لا يستطيع الرجل تحقيقه”. وتؤيده في هذا الرأي اللاعبة السعودية الهاشم؛ حيث تقول: “من الممكن قطعًا أن يكون أداء اللاعبات النساء أفضل بكثير من اللاعبين الرجال، فالأمر لا علاقة له بالجنس على الإطلاق”، غير أن عالم الألعاب لا يزال مشوبًا بالتحيز والتعصب. “هناك الكثير من الممارسات السميّة”، هكذا يقول بيريرا مضيفًا: “عندما تعكف الفتيات على ممارسة الألعاب الإلكترونية، فإنهن يتعرضن للتحرش، علاوة على الكثير من الأفكار السلبية”. وكمثال على الأفكار السلبية التي تتعرض لها الفتيات عند ممارسة الألعاب الإلكترونية، تقول الهاشم: “دائمًا ما يتوقع اللاعبون الآخرون الأسوأ منكِ كونكِ لاعبة أنثى. فعندما ترتكبين خطأ ما، يعطونه أكبر من حجمه، على عكس ما يحدث إذا ما ارتكب لاعب آخر من الرجال الخطأ نفسه. إنه أمر مرهق للغاية. إنهم يستهينون بمهاراتكِ، ما يجعل كثيرًا من اللاعبات النساء يفقدن ثقتهن بأنفسهن”.
لطالما كانت ألعاب الفيديو تُوجَّه تسويقيًا للذكور، وعندما يكون هناك تمثيل للجنسين داخل الألعاب، فإنه عادة ما يأتي في صورة مبتذلة. ففي سلسلة ألعاب “سوبر ماريو” التي تنتجها “نينتندو”، على سبيل المثال، يظهر ماريو في صورة البطل الذي عليه أن ينقذ الأمير المخطوفة. أما لعبة المغامرات والإثارة “توم رايدر”، فهي أول لعبة مهمة تكون فيها البطولة لشخصية نسائية (مثيرة للغاية). “تظهر الفتيات دومًا في الألعاب إما وأنهن في حاجة لمن ينقذهن أو كسلعة”، بحسب قول بيريرا. ويضيف: “ولن يسهم ذلك بالطبع في توفير بيئة يمكن للفتيات أن يندمجن معها. إنها مشكلة في طريقها لأن تتغيّر، ولا سيما مع تمكين المزيد من الشخصيات النسائية في الأفلام وألعاب الفيديو التي تقوم فيها النساء بالأدوار الرئيسية”.
الأمر ببساطة أن كثيرًا من النساء يفضلن ألّا يكشفن عن هويتهن عندما يمارسن الألعاب الإلكترونية حتى لا يتعرضن للتحرش. “لأنني فتاة، كان يقال لي أشياء على شاكلة: ’ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟‘، أو’مكانكِ المطبخ‘ أو ’هذه اللعبة للرجال، اخرجي من هنا‘”، هكذا قالت جينا البالغة 22 عامًا التي بدأت ممارسة ألعاب الفيديو منذ أن كان عمرها 17 عامًا. إنها تأمل أن تلعب على مستوى احترافي يومًا ما، لكنها تدرك أن الفرص أمامها نادرة. تقول: “أول تحدٍ أواجهه هو أنني فتاة”. وتعليقًا على الفعاليات الحصرية للنساء بالمملكة، تقول: “إننا بحاجة لفرصة لإظهار مهاراتنا”.
اقرئي أيضاً: تعرّفوا على السعودية تمارا الفضل، المـؤثرة الاجتماعية والناشطة في الأمـور الإنسانية