يبدو أنَّ الجميع متفقٌ على شيء واحد حيال نهائي بطولة أمريكا المفتوحة لتنس السيدات، سيئة السُمعة، الذي أقيم هذا الأسبوع، وهو أنه: في الشوط الثاني من المجموعة الثانية، وجَّه الحكم كارلوس راموس -الذي وقع عليه الاختيار لتحكيم المباراة بفضل سمعته المشرِّفة- تحذيراً إلى سيرينا ويليامز لخرقها القوانين وتلقيها “تعليمات من مدربها”، وهو أمرٌ تحظره قوانين اللعبة.
وقد أقرَّ مدربها، باتريك موراتوغلو، بعد انتهاء المباراة بأنه كان يوجِّه بالفعل تعليماتٍ إلى ويليامز، ونوّه إلى أن الجميع يفعلون ذلك. وبعدها، عندما حطّمت ويليامز الغاضبةُ مضربَها بعد عدة أشواط، وجّه إليها الحكم عقوبة ثانية لمخالفتها القواعد بذلك الفعل، ما نتج عنه منح نقطة لمنافستها، نعومي أوساكا، التي هيمنت على أول مجموعة وبدت في طريقها نحو تحقيق الفوز. وقالت ويليامز للحكم بحنق: “أنا لا أغش! عليك أن تقوم بإعلان. لم أغش في حياتي مطلقاً. أنت تدين لي باعتذار”. وبعدها، وخلال التبديل بينما كانت النتيجة تشير إلى 4-3، ربما في اللحظة الأخيرة والمثلى التي كان يمكن لويليامز أن تشن هجوماً معاكساً لتغيير مجرى المباراة، ثارت ويليامز مجدداً في وجه الحكم، ناعتةً إياه بعدّة أوصاف من بينها “لص”، الأمر الذي نتج عنه تلقيها عقوبة ثالثة بسبب الإساءة اللفظية، ما حرمها شوطاً كاملاً.
وخلال ذلك الخلاف المطوَّل، بقيت أوساكا بعيداً خلف الخط، مديرةً ظهرها إلى كل ما يجري بينما كانت تقوم بتنطيط الكرة بصفة متكررة، وكانت مصممة على الحفاظ على تركيزها في أهم مباراةٍ في مسيرتها الاحترافية. وبعد شوطٍ واحد حققت الفوز في تلك البطولة.
دعونا نتحدث بوضوحٍ عن العقوبة الأولى: قانون تلقي تعليمات من المدرب، بشكله الحالي، مُضلِّل بل وسخيف. هل يتلقى عديد من اللاعبين تعليمات من مدربيهم؟ أجل – على الرغم من أنني لست متأكداً ما إن كان ذلك يتم بصورة واضحة كما ظهر موراتوغلو وهو يوجِّه ويليامز أول من أمس. دعونا نغيِّر تلك القاعدة – ولكن دعونا أيضاً نكون واضحين أن الحالة حدثت أول من أمس، وأن راموس معروفٌ منذ أمدٍ بعيدٍ بين اللاعبين بأنه يلتزم بتطبيق القواعد والقوانين بصرامة، وأن موراتوغلو قد أقرَّ بمخالفتها. ولكن راموس لم ينعت ويليامز، كما أكّدت هي، بأنها غشّاشة أو يُشكِّك في نزاهتها، ولكن كل ما كان يفعله هو تطبيق قاعدة صريحة من قواعد اللعبة، وانتهى الأمر. وهذا جزء من مهام عمله، والملعب يخضع لنطاق سلطته، وكل ما تلا ذلك هو تلفيق وتأويل.
أمَّا بالنسبة للفكرة التي طرحها عديدون من داخل عالم التنس الاحترافي ومن خارجه، أنَّ ويليامز بالذات تعرضت لذلك لكونها امرأة: ففي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، عاقب راموس كلاً من نوڤاك دجوكوفيتش وماركو سيكيناتو لتلقي كلٍّ منهما تعليمات من مدربه – كما أن الإحصائيات في هذه الدورة بالتحديد من بطولة أمريكا المفتوحة، على الأقل، لا تدعم هذه الفرضية أيضاً: فمن إجمالي 32 خرقاً للقواعد تم فرض عقوبات بشأنها، وجِّه 23 منها للرجال و9 فقط تم توجيهها للسيدات.
ويبدو ألّا أحد يجادل حقاً في عقوبة تحطيم المضرب التي نالتها – فمن الواضح أنها حطمت المضرب على أرضية الملعب في لحظة غضب، ومن الواضح أن ذلك قد أدى إلى كسره. وهل يرمي بعض اللاعبين المضرب أو يحطمونه ويفلتون من العقاب؟ أجل – الأمر يتوقف على مدى فداحة المخالفة، ولكن كسر المضرب ينتهي تقريباً بعقوبة دائماً.
والآن لنتحدث عن عقوبة الإساءة اللفظية، نص قواعد اللعبة على أنّ: “الإساءة اللفظية تُعرَّف بأنها تصريح عن مسؤول أو خصم أو راعٍ أو مشاهد أو شخص آخر يتضمن كذباً أو يحطُّ من القدر أو يعتبر مُهيناً أو مُسيئاً بطريقة ما”. مرة أخرى، دعت ويليامز راموس “لصاً” (وفي وقتٍ سابقٍ، هددت ويليامز أيضاً راموس، حيث صرخت في وجهه قائلةً: “لن تقوم بتحكيم أيٍّ من مبارياتي مجدداً ما دمتَ حياً! أنت الكاذب! متى ستقدم لي الاعتذار؟ قلها! قل إنك متأسف!”. لقد أُشير إلى أنَّ رافاييل نادال وجّه تهديدياً مماثلاً إلى حكمٍ قبل عدة سنوات ولم يتلق أي عقوبةٍ على ذلك. هذا صحيح – ولكن راموس لم يعاقب ويليامز على هذا الكلام).
هل كان في وسع راموس، كما اقترح عديد ممن يعرفون هذه اللعبة وقواعدها جيداً، إيجاد نوعٍ من الحلول الوسطى؟ أجل: كان يمكن له -ويقول آخرون كان يجب عليه- إيجاد طريقة تخفف من تصاعد حدة الموقف لإخبار ويليامز أنها كانت على حافة الحصول على عقوبة أخرى أشد وطأة إن لم تتوقف عما كانت تقوله (إلا أنه ليس من الممكن أن يعرف أحدٌ ماذا سيكون رد فعل ويليامز، رغم ذلك).
وعلى أرض الملعب، اشتكت ويليامز بمرارة والدموع تنهمر من عينيها أن: “هذا يحدث لي دائماً” في بطولة أمريكا المفتوحة. وقد استغلت مذيعة شبكة إي إس بي إن الرياضية، ماري كاريلو، ذلك حيث أشارت إلى أنَّ ويليامز “عانت مشقة طريق واعر” في بطولة أمريكا المفتوحة على مرِّ السنين. وإليكم هنا ما لمَّحت إليه الاثنتان: في عام 2009، خسرت ويليامز أمام اللاعبة كيم كلايسترز بعد أن هددت ويليامز حكمةَ الخط إثر توجيهها عقوبة خطأ في موضع القدم (وهو خطأ نادراً ما يُلحظ). وقد عوقبت ويليامز بدفع غرامة كبيرة وهُدِّدت بالحرمان المؤقت من اللعب. وبعدها بعامين، عندما تعرضت ويليامز لعقوبة حذف نقاط، قالت للحَكَمة إيفا أسديراكي: “أنتِ حاقدة وأنتِ غير جذابة من الداخل. يا لكِ من فاشلة!”. إن عدم الاعتراف بتاريخ ويليامز في بطولة أمريكا المفتوحة بالوقائع والأمثلة وليس بالأقوال المبتذلة المُسيئة والمبطنة هو بمثابة إنكار لتاريخٍ مُقلِق.
هل هناك تحيّز ضد المرأة في رياضة التنس؟ لا، ولا شك في ذلك. هل يجب أن تتناسب القواعد مع الوقائع على أرض الملعب؟ نعم، ولكن ويليامز واحدة من أشهر اللاعبات الرياضيات وأعلاهن أجراً في العالم؛ فهي الوجه الدعائي لعلامة نايكي، وهي أسطورة ليس فقط في عالم التنس والرياضة فحسب، بل وامرأة نادرة تتجاوز كل ذلك. ولديها قاعدة ضخمة من المعجبين المتفانين والشغوفين، كما حطمت كثيراً من الحواجز التي وقفت في وجه اللاعبات الشابات، وهذا فخرٌ كبيرٌ وخالدٌ لها.
ولكن دعونا نتذكر شابة أخرى، صعدت -بالرغم من أن جميع العوامل كانت ضدها- إلى موقعٍ مُهيِّمنٍ في عالم التنس. والدتها من اليابان ووالدها من هاييتي، هي في العشرين من عمرها، وتلعب بأعصاب حديدية – وتفخر بسلسلة من الانتصارات على منافسات من الدرجة الأولى ولاعبات مصنفات في المرتبة الأولى. وفي مباراتها الأخرى الوحيدة [آنذاك] أمام ويليامز، تغلبت عليها حينها أيضاً. اسمها نعومي أوساكا، وهي الفائزة وحاملة اللقب في بطولة أمريكا المفتوحة 2018.
والآن اقرئي: النجمةُ المحجبةُ نيلام حكيم تغيِّر وجه عالم موسيقى الراب
نُشِر للمرة الأولى على Vogue.com