في الوقت الذي أصبحت فيه عائلتها في أمسّ الحاجة إليها، عادت إلى دائرة الأضواء مجدداً الأميرةُ آن التي تشتهر بأسلوبها العفوي رغم نشأتها الملكية. وبمناسبة بلوغها عامها السبعين، تفتح الابنة الوحيدة للملكة إليزابيث قلبها وتتحدث عن عائلتها، وواجباتها، وحياتها في ظل التقاليد الملكية شديدة الصرامة
خارج مبنى مركز مقدمي خدمات الرعاية الأسمنتي الكئيب في كامدن، لفتت الأنظار سيارة “بنتلي” سوداء لامعة، إذ ليس من المعتاد رؤية سيارة ليموزين يقودها سائق تقف في هذا الحي اللندني الشمالي، كما أن الشخصيات الملكية لا تتردد على هذا المكان في الغالب. ورغم أن الأميرة آن حين ترجّلت من السيارة كانت ترتدي فستاناً صوفياً مخضباً باللون الفيروزي الزاهي مع سترة زرقاء بينما جمعت شعرها أعلى رأسها بتسريحة شينيون كالعادة، بدا المارة الفضوليون مهتمين بموكب الشرطة أكثر من اهتمامهم بابنة الملكة.
ومما أثار العجب صغر عدد أفراد حاشيتها، إذ لم تضم سوى وصيفة وضابطاً قريباً منها لحمايتها (من ضباط الحماية المعتمدين). وداخل المركز، ما أن استقبلتها مديرة صندوق مقدمي الرعاية الذي تترأسه الأميرة، حتى أسرعت ترافقها إلى مأدبة غداء صغيرة، ولكن الأميرة امتنعت عن تناول الطعام. وقالت لي: “أعتقد أنه لا بأس من تناول الطعام خلال اليوم”، فهي ترى أن الأولى من ذلك هو تنفيذ جدول أعمالها المزدحم خلال مدة زمنية وجيزة ولقاء مقدمي الرعاية [للمرضى والمسنين والمعاقين] في النادي الفني الجديد بالمركز، والذي يمنح هؤلاء وقتاً هم في أمسّ الحاجة إليه بعيداً عن أعمالهم.
وطيلة الزيارة، ظلت مرتدية قفازاتها (رغم أن فيروس كورونا حتى تلك اللحظة لم يكن قد وصل بعد إلى المملكة المتحدة)، ومع ذلك، فهي ليست بالشخصية المتعالية أو الباردة رغم ما يتردد عنها. ويقال بإنها ورثت عن والدها ما يعرف عنه من سلاطة اللسان وإبداء التعليقات اللاذعة التي لا تخلو من الطرافة، حتى إنها ذات مرة أمرت المصورين بأن “يغربوا عن وجهها” حين اعترضوا طريقها.
وقد أنقذتها صراحتها خلال محاولة فاشلة لاختطافها عام 1974، حين أطلق رجل يدعى إيان بول الرصاص على السيارة الرولز رويس التي كانت تقلّها وزوجها آنذاك، الكابتن مارك فيليبس، وهما في طريقهما للعودة إلى قصر باكنغهام بعد حضور حفل استقبال. ويُقال إن بول، الذي كان يطمع في الحصول على فدية بملايين الدولارات، أمرها بأن تغادر السيارة أثناء شجاره معهما، فأجابته: “لن يحدث أبداً”.
وقد استطاعت الممثلة إيرين دوهرتي ببراعة تجسيد هذه الشخصية الانبساطية التي تتمتع بها الأميرة، كما نجحت في إبرازها بصورة واقعية أثارت إعجاب المشاهدين حين لعبت دور الأميرة آن في الموسم الثالث من مسلسل “التاج” The Crown. وقد أكسبتها طبيعتُها الرصينة الميّالة إلى التحدي أحياناً في أحداث المسلسل احترامَ الناس في أنحاء العالم. ولكن آن لا تعلم ذلك، فهي لم تشاهد المسلسل، لأنها “لا تهتم بمشاهدة قصة حياتها على الشاشة”، وفقاً لما ذكره أحد المقربين منها.
وقد صَدَق المسلسل في وصفها، فهي تتسم بالمودة، والجاذبية، والمرح، وتملك قدرة مدهشة على اكتساب إعجاب الناس، ولا تضيق بتقاليد البروتوكول، وتصافح الناس بقوة قائلةً: “أهلاً، سررت بلقائك”. ويقول ضابط حماية معتمد عمل لدى العائلة الملكية لسنوات طويلة: “إنها جوهرة، وأكثرهم لطفاً وعملاً حقاً”.
وقد صادف يوم جولتي معها في المركز إعلان ابنها بيتر فيليبس طلاقه من زوجته أوتوم، لذا كان من الوارد أن تشعر بالضيق أو الحرج، ولكنها بدت مطمئنة وفي حالة معنوية جيدة. فالأميرة آن نفسها، التي طلقت بعد زواج دام 20 عاماً من زوجها الأول -الكابتن مارك فيليبس، والد ابنها بيتر البالغ 42 عاماً، وابنتها زارا تيندال البالغة 38 عاماً- تعلم جيداً أفضل من معظم الناس أن الزيجات (ولا سيما الملكية منها) لا تدوم للأبد دائماً. وقد نشرت جريدة صفراء خبر هذا الطلاق الوشيك لابن الأميرة على صدر صفحتها الأولى في ذلك الصباح، لذا بادر مسؤول الصحافة بتحذيري من الحديث مع الأميرة عن هذا الانفصال.
“تحرص الأميرة دائماً على الابتعاد عن السياسة مهما حدث”
والعلاقة الشائكة للأميرة مع الصحافة ليست غريبة، فقد تعرضت حياتها الخاصة للملاحقة من وسائل الإعلام حين حصلت تلك الصحيفة الصفراء نفسها على الرسائل الشخصية التي تلقتها الأميرة من الرجل الذي تزوجته فيما بعد لأكثر من 25 عاماً، القائد تيموثي لورنس. وفي شبابها، عُرفت آن بالأميرة المتمردة، وهي الأميرة الوحيدة في العائلة الملكية التي صدر ضدها حكم قضائي (قام كلب لها، يدعى دوتي وينتمي إلى فصيلة بول تيرير الإنجليزية وكان يبلغ وقتها ثلاث سنوات، بمهاجمة طفلين في أحد المنتزهات عام 2002 – وأدينت الأميرة بسبب تركها الكلب دون رقابة في مكان عام)، كما مُنِعَت من القيادة لمدة شهر بعد تكرار تجاوزها للسرعة المسموحة، ويبدو أنها من السمات التي ورثتها عنها ابنتها زارا (التي مُنِعَت أيضاً من القيادة مؤخراً). وحتى الآن، لا تزال الأميرة تتصدر عناوين الأنباء – بأخبار ليست دائماً إيجابية.
في العام الماضي على سبيل المثال، أحدثت الأميرة ضجة على الإنترنت حين سجلت الكاميرا لقطات بدا خلالها أنها تعمدت تجاهل الرئيس الأمريكي ترامب خلال مراسم استقبال زعماء الناتو بقصر باكنغهام. وقد ظهرت الملكة في مقطع فيديو وهي تلتفت نحو ابنتها كإشارة لها بأن تلقي التحية على ترامب، إلا أن آن أجابتها بهز كتفيها وكأنها ترفض طلب والدتها، ما أثار موجة عارمة من السخرية أسفرت عن انتشار آلاف “الكومكس”. ولكن تقول مصادر مطلعة كانت داخل القاعة وقت الاستقبال إن الأميرة آن ظنت في الحقيقة أن والدتها كانت تطلب منها أن ترى ما إن كان أحد لا يزال ينتظر لقاءها؛ وقد هزت كتفيها لأنها كانت الوحيدة التي تقف هناك. وليس للأميرة آن حساب على تويتر (ينشر مساعدوها أخبارها نيابةً عنها)، لذا لم تعلم بالضجة التي أحدثها تصرفها العفوي. ولكنهم أخبروها بلقطة أخرى ظهرت فيها تمزح مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. وبحسب ما ذكرته وسائل الإعلام، كان هؤلاء الزعماء يسخرون من طول المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب في وقت سابق من ذلك اليوم.
ولكن ذكر أحد المصادر المطلعة بأن الأميرة “شعرت بالضيق بسبب توريطها في هذه القصة بالذات، لأنها تحرص دائماً على الابتعاد عن السياسة مهما حدث. كما أنها تحظى باحترام بالغ، لذا فإن أي تلميح بسخريتها من أي إنسان خلف ظهره يزعجها تماماً”. ولأن الأمراء مطلوب منهم أن يقفوا على الحياد سياسياً، تحرص الأميرة دائماً، مثل والدتها، على عدم التورط في الشؤون السياسية.
وحين التقيتُ بها الساعة الثالثة عصر اليوم التالي بقصر سانت جيمس، كانت قد انتهت من افتتاح بيت للإيواء وزارت مصنعاً للأحصنة الهزازة بمقاطعة كِنت قبل أن تعود إلى قصر باكنغهام بالطائرة المروحية. ولم تسترح خلال جولتها تلك لحظة واحدة، ولو حتى لتناول كوب من الشاي – وقد أخبرني أحد مساعديها بأنها لا تتوقف أبداً لتناول المرطبات قبل أن تفرغ من جدول مهامها. وفيما كانت تدلف غرفة الجلوس ذات الطلاء الأخضر الشاحب التي غمرتها شمس أوائل الربيع والمطلة على فناء “كولور كورت”، مدت إليّ يدها وصافحتي بابتسامة ودودة.
وبدت أنيقة وكانت ترتدي فستاناً ثرياً بأشكال الزهور بالأزرق والأحمر وسترة متناسقة معه، ولم تتجمل سوى بمسحة من حمرة الشفاه وبودرة خفيفة للغاية. وكانت هناك بعض الخصلات الرمادية تتخلل شعرها الكستنائي، أما بشرتها فكانت مثالية بلا شائبة، مثل والدتها الملكة. وكان التشابه الشديد بينها وبين والدتها مذهلاً في الواقع. وكانت تنتعل أيضاً حذاءً كلاسيكياً، وتدل ساقاها الممشوقتان وجسمها النحيل على أنها كانت امرأة رياضية في الماضي.
كانت آن في شبابها بطلة رياضية، فكانت أول فرد من العائلة الملكية يشترك في منافسات الألعاب الأولمبية، وكان ذلك في أولمبياد مونتريال عام 1976، كما فازت بثلاث ميداليات في بطولة أوروبا لألعاب القوى. ولأن شقيقيها الأصغر منها -أندرو، دوق يورك؛ وإدوارد، إيرل وسكيس– يتقدمانها في ترتيب الولاية على العرش البريطاني، كانت آن حريصة على أن تحفر لنفسها اسماً في عالم الفروسية، وهو ما حققته بالفوز بجائزة بي بي سي لشخصية العام الرياضية في 1971، فأصبحت بذلك أول فرد من العائلة الملكية ينال هذا اللقب (ابنتها زارا، الفارسة الأولمبية، فازت أيضاً بهذا اللقب عام 2006). ورغم أنها اعتزلت رياضة الفروسية الاحترافية منذ زمن طويل، لا تزال الأميرة تستمتع بركوب الخيل بمنزلها المشيّد في القرن الثامن عشر والذي يمتد على مساحة 730 فداناً بحديقة غاتكومب بارك في مقاطعة غلوسترشير. وهناك، تربّي آن الخيول وتساعد في تعليم حفيداتها الصغيرات ركوب الخيل في المراعي التي تمتلكها. ولدى آن أربعة حفيدات: اثنتان من بيتر وأوتم، وهما: ساڤانا البالغة 9 أعوام، وإسلا البالغة 8 أعوام؛ واثنتان من زارا وزوجها مايك تيندال، وهما: ميا البالغة 6 أعوام، ولينا البالغة من العمر عاماً واحداً. وهن جميعاً يشاطرن جدتهن عشقها للخيول.
وما أن تطرقنا للحديث عن حفيداتها الصغيرات الأربع، حتى لمعت عيناها. ورغم أنها لم تنظّم بعد “حفل مبيت” لحفيداتها [قضاء السهرة لدى الصديقات ثم المبيت لديهن] “نظراً لكثرة أصدقائهن في المنطقة”، إلا أنها تستمتع تماماً بكونها جدة نشطة تصحب حفيداتها وتقضي معهن بعض الوقت خارج المنزل. وعن ذلك تقول: “لا أستوعب الدافع الذي يدعو أي شخص لأن يفني عمره خلف الشاشات والأجهزة. بصراحة، الحياة قصيرة جداً، وهناك الكثير من الأشياء المسلية التي يمكن أن يقوم بها المرء”، وتضيف: “أظن أن هذا ما يجعلني أبدو عتيقة للغاية”.
وعن أسلوبها في تربية أبنائها، لم تتبع آن نهجاً قديماً أو جامداً. وبدافع حرصها على أن يعيش بيتر وزارا طفولة عادية، خرجت عن التقليد الملكي المتبع وآثرت ألا تمنحهما لقب “سمو الأمير” و”سمو الأميرة” عند ميلاديهما، وهو مقام نبالة كانت ستمنحه إياهما الملكة. تقول: “أعتقد أن الأمر أيسر عليهما هكذا، وربما يؤيدني كثيرون في أن الألقاب قد تنطوي على عديد من السلبيات. لذا، ارتأى لي أن هذا هو التصرف الصائب الذي ينبغي عليّ فعله”. إلا أنها أرسلت بيتر وزارا، تماشياً مع تقاليد العائلة، إلى مدرسة غوردنستون المرموقة بإسكتلندا، وهي المدرسة نفسها التي التحق للدراسة الداخلية بها كل من والدها دوق إدنبرة، وشقيقها الأمير تشارلز. وتعد الأميرة آن من أشد المؤمنين بميزات المدارس الداخلية، فقد التحقت هي نفسها عام 1963 بمدرسة بنيندين الداخلية التي تقع في مقاطعة كِنت.
وتعقيباً على التحاقها بهذه المدرسة تقول: “وضعي كان مختلفاً نوعاً ما عن أخي الأكبر (الأمير تشارلز يكبر الأميرة آن بعامين، وترتيبها الثاني بين أشقائها، ويليها الأمير أندرو الذي يصغرها بعشرة أعوام، يليه الأمير إدوارد بفارق أربعة أعوام). توضح: “كنت على أتمّ الاستعداد للذهاب إلى المدرسة، وكان لديّ مربية أطفال وصديقتان، ولم أكن أبداً لأكتفي بهن، ولذلك سعدتُ للغاية بانتقالي لمكان آخر”.
وفيما قضى الأمير تشارلز أوقاتاً بائسة بالمدرسة، إلا أن ابن الأميرة وابنتها عاشا تجربة سعيدة بمدرسة غوردنستون الداخلية، بل ومضت حياتهما حتى انخرطا في وظائف بعيداً عن العائلة الملكية. وحالياً، يتولى بيتر إدارة وكالة ناجحة للرياضة والترفيه، بل وكان هو مَن نظّم حفل عيد ميلاد الملكة التسعين. يذكر أن بيتر قد تلقى مؤخراً وابلاً من الانتقادات اللاذعة بعدما استغل مركزه الملكي في الترويج لحليب أبقار الجيرسي في الصين، وهو ما لا تقبل به والدته بأي حال من الأحول.
ومن جهة أخرى، يعتري الأميرة شعور بالفخر الشديد لما حققته ابنتها زارا من إنجازات رياضية، ولا سيما تلك اللحظة التي لا تُنسى عندما سلمتها الميدالية الفضية في أولمبياد 2012. وبسؤالها عن ما إذا كانت زارا قد ورثت موهبتها عن والدتها، أجابت الأميرة آن بنبرة يملؤها التواضع: “لطالما كانت زارا فتاة موهوبة، والمسألة كلها كانت ترتبط بما إذا كان هذا هو ما تريد فعله أم لا، وفي النهاية، نجحت في ذلك [تقصد ممارسة ركوب الخيل]، فاجتهدت بشدة وكرست كل جهدها لهذا المجال، ومن ثم كان النجاح حليفها”.
وشأنها شأن الملكة التي لا تزال تركب الخيل رغم بلوغها 93 عاماً، تمتطي الأميرة آن صهوة الخيول معظم الأيام، ولعل هذا هو سبب حفاظها على رشاقتها البدنية والذهنية أيضاً. وربما يتسع المقام هنا لنشير إلى أنها لا تزال ترتدي ملابس كانت تملكها منذ الثمانينيات؛ حيث تشتهر بعدم تجديد خزانة أزيائها، وتكرار ارتداء نفس القطع لأكثر من مرة بزعم أنها تعيد تدويرها قائلة: “أنا شخصية ’مدبرة‘ للغاية، غير أني لا زلت أجرب خامات أخرى وأقوم بشرائها، وتفصيلها، لما في ذلك من متعة كبيرة بالنسبة لي، فضلاً عن أني بذلك أدعم المصنِّعين في بلدي من وجهة نظري”.
ورغم عدم انتشار الكثير من الأخبار عن أعمالها، ظلت الأميرة آن محتفظة بلقب أكثر أفراد العائلة المالكة اجتهاداً في العمل في بريطانيا، إلى أن فاقها شقيقها أمير ويلز العام السابق بـ15 ارتباطاً بعد بلوغه السبعين من عمره. فالأمير، الذي نفذ ما يزيد عن 500 ارتباط العام الماضي، كان يعرض على شقيقته أربعة أو خمسة ارتباطات يومياً لتضيفها إلى سجل أعمالها والتي ما كان منها إلا أن تقبلها في بعض الأحيان، مما صعَّب الأمر على مساعديها ومستشاريها. تقول: “أنا أصعِّب عليهم الأمر بسبب اللوجستيات. أنا آسفة، ولكن إذا كنت سأتواجد في لندن، لا أريد أن أضيع الوقت هباء”.
ومعظم مَن يصلون لسن السبعين إما أناس متقاعدون عن العمل أو على الأقل يفكرون في التقاعد، ولكن قاموس الأميرة آن لا يعرف كلمة التقاعد، ولعل ذلك هو الخيار الأمثل بالنسبة لها، ولا سيما في ظل الضغوط المتزايدة على كبار أفراد العائلة الملكية بعد أن تنازل دوق ودوقة ساسكس عن مهامهما الملكية، وأجبر الأمير أندرو على التقاعد في سن مبكرة على إثر أخبار صداقته المشؤومة مع جيفري إبستاين، رجل الأعمال الملياردير الذي انتحر داخل زنزانته بالسجن في أعقاب اتهامه بالاعتداء الجنسي على قاصرات.
“لا أستوعب الدافع الذي يدعو أي شخص لأن يفني عمره خلف الشاشات والأجهزة. بصراحة، الحياة قصيرة جداً”
“لا أعتقد أن للتقاعد نفس المعنى بالنسبة لي”، هكذا قالت بابتسامة تعلوها نبرة تهكّم. ومن المعروف أن الملكة لا تزال تواصل عملها رغم بلوغها الثالثة والتسعين، فيما أعلن دوق إدنبرة عن تقاعده في شهر مايو من عام 2017. ولا عجب إذاً أن يكون والداها هما مثلها الأعلى في الحياة. وعن أول ظهور ملكي لها، فقد شوهدت وهي تقف في شرفة القصر أثناء حفل تتويج والدتها في عام 1953. وعلى الرغم من أنها تحتل المركز الرابع عشر في ترتيب تولي العرش البريطاني، حيث يأتي اسمها بعد أشقائها وأبنائهم وأحفادهم، لم يفتر التزامها قط تجاه العرش، ولم يعتريه الوهن. تقول إنها لو لم تكن تنتمي للعائلة الملكية، لودت أن تكون مهندسة. تعلق: “لطالما كانت التطبيقات العملية تثير اهتمامي. ولكني أعتقد أن الوقت كان مبكراً بعض الشيء لأن أسلك هذا المسار في ظل نمط حياتي”. ومن ناحية أخرى، حرصت الأميرة على مناصرة المرأة من واقع دورها كراعية لحملة تشجيع المرأة على اقتحام مجاليّ العلوم والهندسة. تؤكد: “إنه لمن دواعي سروري بالتأكيد أن أكون جزءاً من محاولة تشجيع المزيد من الفتيات على أن ينظرن للهندسة باعتبارها مهنة فعلية”.
ومع ذلك، ترفض الأميرة أن تصنف نفسها مناصرة لحقوق المرأة، غير أنها أعربت عن رغبتها في أن يحقق كل شاب وشابة أقصى طموحاتهم. ولخدمة هذا الغرض على وجه الخصوص، أصبحت الأميرة راعية لمنظمة “أوبرتيونتي إنترناشيونال” بالمملكة المتحدة (وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى مساعدة رواد الأعمال من الشباب في بعض الدول الفقيرة بأفريقيا)، وذلك في عام 1998، غير أنها ظلت أيضاً ثابتة على ولائها لأقدم جمعية خيرية انضمت إليها، إذ يعتريها شعور عميق بالفخر بعملها الذي دام قرابة 50 عاماً مع منظمة “أنقذوا الأطفال” والتي بفضلها رُشِّحَت لنيل جائزة نوبل للسلام.
وعن دعمها لهذه المنظمة، تقول: “دعمي لهذه المنظمة ليس مجرد إجراء شكلي، وإنما يتعلق بتقديم الخدمات”. وبالنسبة لشخصية تبدو مفعمة بالثقة والحماس مثل آن، فقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى استطاعت توصيل صوتها على النطاق العالمي. تؤكد: “استغرق الأمر مِنّي نحو عشر سنوات قبل أن أكتسب الثقة الكافية للمشاركة في المناقشات العامة الخاصة بمنظمة ’أنقذوا الأطفال‘، إذ كان يلزمني في البداية أن أدرك كيف تسير الأمور على أرض الواقع”.
وبين ثنايا الحوار، أعربت الأميرة عن قلقها من أن يتعجل الجيل الجديد من العائلة الملكية تغيير نهج العائلة فيما يتعلق بالعمل الخيري والذي أثبت جدواه على مر الزمن. ومضت تحذرهم قائلة: “لا تغفلوا عن المبادئ الأساسية”، وإن كان هذا ربما ينطوي على وصفها “بالمرأة العجوز المملة عتيقة الطراز الجالسة بالخلف”، على حد قولها. وعن أسفارها، فقد قامت آن على مدى سنوات بأسفار عديدة زارت خلالها بنغلاديش، وسيراليون، وجنوب أفريقيا، وموزمبيق، وإثيوبيا والبوسنة والهرسك بالتعاون مع منظمة ’أنقذوا الأطفال‘، غير أنها اضطرت على مضض إلى تقليص رحلاتها الخارجية لأسباب يعود بعضها إلى الخدمات اللوجستية، والبعض الآخر إلى اضطلاع شباب العائلة بنصيب الأسد من الأنشطة الخارجية.
وكانت الأميرة قد خططت –إن سمحت ظروف الجائحة– للتواجد في الولايات المتحدة خلال الخريف المقبل لزيارة فرع نيويورك من “اتحاد متحدثي الإنجليزية”، وهي منظمة تعليمية خيرية تتولى آن هي رئاستها، وزيارة “متحف المنارة الوطني” بجزيرة ستاتن الذي طلب منها أن تكون راعيته الجديدة. “لطيف منهم أن يطلبوا مني ذلك”، هكذا قالت، مضيفة أنها طالما كانت تجذبها المنارات وتنبهر بها. “تمثل طريقة بناء روبرت ستيڤسنون لتلك المنارات على طول ساحل إسكتلندا إنجازاً هائلاً بمعنى الكلمة. وهي إنشاءات مهمة علينا أن نحافظ عليها، ويدخل هذا ضمن مهام القطاع البحري الذي أهتم به. ومن جهتي أحاول أن أبرز هذا الملف”.
ويشكّل البحر متعة شخصية كبيرة بالنسبة لها. ولذا، تقتطع لنفسها بعض الوقت في مرات نادرة الحدوث لتستمتع بالإبحار في عرض الساحل الغربي لبريطانيا مع زوجها اللواء البحري لورنس.
“أنا وزجي فقط”، هكذا قالت بينما ارتسمت على وجهها ابتسامة. ومن المقرر أن يكون هذا الصيف حافلاً بالمشاغل التي تنتظرها، بالطبع في حال تخفيف القيود على السفر والنشاطات الاجتماعية، ما قد يضطرها لتأجيل ركوب أعالي البحار. وقد انتشرت إشاعة بأن الملكة تخطط لإقامة حفل خاص لعيد ميلاد ابنتها الوحيدة (التي ستتم عامها السبعين يوم 15 أغسطس)، فيما يعمل رجال الحاشية الملكية على تجميع ممثلين عن العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية التي تدعمها الأميرة للالتقاء في تجمع خاص بقصر باكنغهام. وشأن غيرها، تفكر الأميرة في عيد ميلادها الذي يشكّل محطة مهمة في مسيرة حياتها. تقول: “أظن أنه سيكون لطيفاً لو كان مجرد عام آخر مضى من حياتي، ولكني لا أظن أن ذلك سيحدث”.