بعفوية وابتسامة وكاريزما أطل الممثل طاهر رحيم في حوار أراده متفاعلا وحيويا عن مسيرة ناجحة ومفعمة بالشغف والإبداع
ولد طاهر رحيم وترعرع في مدينة بلفور في فرنسا عام 1891 من أصول جزائرية، عاش طاهر طفولة رائعة لكن عند سن المراهقة كان يبحث عن ما يساعده على التخلص من الملل. هو الذي ينبض بالحياة وروح المغامرة لم تكن بلفور تكفي طموحاته، فاكتشف حبه للتمثيل في سن الخامسة عشرة وراح ينمي هذا الشغف عبر مشاهدة الأفلام وارتياد دور السينما. غير أنه لم يدخل عالم الفن السابع تلقائياً بل عاش فترة انتقالية بين دروس في الرياضة والمعلوماتية ظناً منه أنها ستفتح له أبواب المستقبل، لكن سرعان ما عاد إلى ما يحبه أكثر وهو السينما. فالتحق بجامعة مونبلييه ودرس التمثيل. دراسة حمل بعدها شغفه وشهادته وحقيبة ظهره وانتقل إلى باريس باحثاً عن مستقبل يليق بطموحاته. أول تجربة له في التمثيل كانت مع «سيريل مينيغان» في وهو فيلم وثائقي فرنسي أنتج عام 5002. لكن البداية الحقيقية كانت عام 9002 مع فيلم A Prophet نبي حينما عرض عليه جاك أوديار أداء الدور الرئيسي، وقد فاز هذا الفيلم بالجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي، علاوة على 9 جوائز «سيزار» منها أفضل ممثل صاعد وجائزة أفضل ممثل الذي حصل عليها طاهر تكريمًا لأدائه الذي نال إشادة بالغة من النقّاد.
أن يحب محمدو الفيلم كانت المكافأة الكبرى بالنسبة لي
وعن نجاحه في هذا الفيلم يقول طاهر: «عملت جاهداً لكي أنجح في تجارب الأداء. وكان القدر حليفي فشاء أن ألتقي جاك أوديار صدفة في موقع تصوير مسلسل كنت ألعب دورًا فيه. لم أتطفل عليه لكن أحسست أنه التفت إلي». ويكمل طاهر: «عاد أوديار يوم عرض المسلسل. شاهد أول حلقتين وجاء لتهنئتي فأحسست بفخر». ويكمل طاهر: «تقدمت ونجحت بتجارب الأداء ومن هنا بدأت الحكاية». حكاية نجاح مع فيلم «نبي» الذي وضع طاهر في مصاف الكبار.
لم يرد طاهر أن تبهره الأضواء، فيقول: «لم أرد أن أتباهى بالنجاح أو أن أتغيّر، فانطويت على ذاتي». ويكمل قائلا: «فضلت أن أثابر وأحافظ على نفس مستوى هذا الدور». وحسنا فعل. عاش طاهر نجاحه بروية، اكتسب خبرة أعطته ثقة وقدرة على اختيار الأفضل. ويضيف: «مع الوقت نكتسب الخبرة وندرك أكثر الأشياء التي نحبها، والأهم نكون قادرين على اختيار ما يناسبنا من حيث السيناريو والإنتاج وغيرها من أساسيات نجاح الفيلم، كما أنه يصبح لدينا توجه يكون بمثابة بطاقة تعريف لنا». يزيد طاهر: «سنوات الخبرة أعطتني كثيراً وكذلك الأبوة التي غيّرت كثيراً في أولوياتي». فطاهر متزوج من الممثلة ليلى بختي، ولديه طفلان.
مع أكثر من عشرين فيلمًا في رصيده، لعب طاهر دائما أدوارًا قوية حظيت باستقبال حافل من قبل الصحافة والجمهور. فكان أميرًا عربيًا في فيلم The Eagleالنسر) للمخرج كيفين ماكدونالد إلى جانب تشاننغ تاتوم، و «سمير» في The Past الماضي للمخرج أصغر فرهادي، و«غاري» في فيلم «غراند سنترال» التراجيدي للمخرجة ريبيكا زلوتوفسكي. وساعده ذلك في الحصول على مزيد من الأدوار العالمية الرائعة، مثل قيامه بأداء الدور الرئيسي في فيلم The Cutالقطع للمخرج فاتح آكين. تلاه العديد من الأفلام الناجحة لاسيما Mary Magdaleneمريم المجدلية للمخرج غارث ديڤيس عام 2018 حيث لعب طاهر دور يهوذا أمام روني مارا وخواكين فينيكس. وفي العام نفسه، اشترك مع جيف دانييلز في بطولة المسلسل الضخم The Looming Tower البرج الذي يلوح في الأفق فلعب شخصية علي صوفان والذي عرضته شبكة «بي بي سي».
1202 هي سنة التحديات الكبيرة والواعدة لطاهر مع دوري بطولة في إنتاجين مقتبسين عن قصتين حقيقيتين. سيؤدي الدور الرئيسي في مسلسل سيعرض على شبكة نتفليكس بعنوان The Serpent (الثعبان) من إنتاج شبكة «بي بي سي» حيث يلعب طاهر شخصية شارل سوبراج، القاتل الذي اشتهر خلال السبعينيات. وهذا المسلسل من تأليف ريتشارد وارلو وتوبي فينلي. كما سيشارك طاهر أيضًا مع جودي فوستر، وبينيديكت كومبرباتش، وشايلين وودلي في بطولة فيلم The Mauritanian (الموريتاني) للمخرج كيڤين ماكدونالد الذي يروي قصة حقيقية لسجين يناضل للبقاء على قيد الحياة رغم جميع الصعاب. ويلعب طاهر دور السجين محمدو ولد صلاحي. دور ينقل به طاهر المشاهد إلى رحلة عذاب محمدو باحتراف ومشاعر تهز الأعماق. يقول طاهر عن هذه التجربة: «إنه من العظيم وأيضاً من المفيد كممثل أن نقف أمام ممثلة كجودي فوستر التي تأتي إلى موقع التصوير مع خبرتها ولطافتها وأناقتها، فهنا اللعبة تكون أكبر والأداء مميز أكثر». ويضيف: «حتى مع جينا كولمان كان هناك انسجام كبير، استطعنا أن نجد النوتة وهذا يساعد على النجاح خاصة حين يكون تصوير الفيلم صعب كفيلم الثعبان».
فالتحدي الكبير أن يلعب الممثل دور شخص حقيقي وينجح فيه يقول طاهر: «هناك طريقتان للعب دور شخص حقيقي. إذا كان الشخص معروفًا جداً، فلا خيار إلا بأن نقلد حركاته لكي يتفاعل الجمهور مع الشخصية، لكن عندما تكون الشخصية غير مألوفة للجمهور يكون للممثل فسحة أكبر من الحرية على قاعدة أن الفيلم هو الذي سيسمح بالتعرف على الشخصية». وعن التحضير للأدوار يقول طاهر: «بالنسبة لمحمدو ولد صلاحي، كان لدي مسؤولية كبيرة، أردته أن يكون المشاهد الأول وأن يكون راضيًا عن ما يشاهد. لم أكن أريد بأي شكل أن أقلل من شخصه ومما مر به. تحدثنا مطولاً ودهشت بروحه المرحة وخاصة بحكمته». ويكمل طاهر: «عندما سألته عن سنوات التعذيب لاحظت أن ملامحه اشتدت كأن الزمن يعود به إلى الوراء». لذا قرر طاهر أن يقلل الأسئلة ويعطي وقتًا للتعرف على شخص وروح محمدو ولد صلاحي. عن محمدو الذي أبدى إعجابه بالفيلم يقول طاهر: «أن يحب محمدو الفيلم كانت المكافأة الكبرى بالنسبة لي». وأما شخص شارل سوبراج لم يرد طاهر أن يلتقيه مع أن الفكرة راودته. ويقول: «تعرفت عليه من خلال أبحاثي، عن طريقة لبسه، وتصرفاته وحركاته. فكرت بلقائه لأعلم كيف يحتال لكن أخلاقياً تجاه الضحايا لم أرد ذلك». غير أنه احتاج إلى السماع إلى شهادات أشخاص التقوا به، قائلاً: «ليس هناك أي رابط بيني وبينه، لذلك عملت على إتقان مظهره الخارجي أولاً باقتباس اللوك والحركة وشبهته بحيوان وجاء إلى ذهني الأفعى وبالتحديد الكوبرا التي هي جميلة من الخارج لكن لدغتها سامة ومميتة». ويضيف: «لحسن الحظ أنني عملت مع المخرج توم شانكلاند الذي كان متعمقًا بشخصية سوبراج، حددنا خياراتنا التي بانت أنها الصائبة حين تعرفنا إلى جارة سوبراج الحقيقية، نادين جيرس، فالوصف الذي أعطته نادين كان مطابقاً لما فكرنا به وعملنا عليه». إذا ولا بد من أي صلة مع سوبراج، يقول طاهر: «الصلة الوحيدة مع سوبراج هي جملة قالها أتت في سياق الحوار: «كان عليّ أن أعتمد على نفسي منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري. ولم يكن أحد يريدني وإذا كان عليّ أن أعرف أن العالم سيأتي إليّ، كنت سأبقى منتظرًا، كل ما أردته أخذته بنفسي». هذه المقولة يمكن أن تشبه طاهر الحالم والطموح ولكن من المؤكد أن الشبه يتوقف هنا. وعن أدواره، لا يجزم أنه سيرفض أي دور بعيداً عن الشخصيات التي لعبها لكن يقول ضاحكاً: «كنت أحببت أن أتنقل من عالم إلى آخر لكن لم يعرض علي أي دور رومانسي أو كوميدي».
أحب كل الأدوار التي لعبتها وأنا سعيد بخياراتي
يفتخر طاهر بكونه فرنسيًا-جزائريًا وهو يتقن عدة لغات ويمزج ثقافات عدة ويقول: «أنا فرنسي-جزائري وأكثر من ذلك لأنني مشبع بكل الثقافات التي تعايشت معها». ويضيف: «ترعرعت في بيئة تعددت فيها الجنسيات والثقافات، مزيج من حضارات على جميع الأصعدة. إن كان في أسلوب الحياة، واللغة، والطعام، وهذا هو الثراء الحقيقي». وهذا ما فتح الطريق لطاهر للعمل مع مخرجين عالميين. ويضيف: «أحب تعلم اللغات وعملت على إتقانها».
يعمل طاهر الآن على مشروعين فرنسيين. فيلم ومسلسل سيعرض على منصة نتفليكس للمخرج سيدريك چيمينيز يدور حول حقبة «الفرنش كونكشن» والإخوان غريني. وكذلك على مشروعات أخرى ما زالت قيد النقاش. عن الدور الذي يفتخر به يقول طاهر: «أحب كل الأدوار التي لعبتها وأنا سعيد بخياراتي». يكمل قائلاً: «ربما دور محمدو هو الأعز على قلبي لأن الشخصية تتجاوز الفيلم إذ أنه رسالة». ويضيف: «محمدو لم يحقد على أحد بل خرج من هذا الظلم بحكمة وهذا عظيم».
لن يقبل طاهر لعب دور لا يقنعه أو لا يتماشى مع معتقداته. وحتى أنه لا يمكن أن يقول أي دور يحب أن يلعب فكل هذا متصل بعدة عوامل منها النص. ينجذب طاهر لكل ممثلي حقبة السبعينيات في هوليوود لأنهم كانوا يلعبون أدوارًا تشبه الواقع ومن السهل أن نرى في الشخصيات أشخاصًا تشبه من حولنا وتضيء مواقف اجتماعية مألوفة. عنهم يقول: «هؤلاء الممثلون وضعوا رموزًا لم تتغير عبر السنين، كجون كازال، وجين هاكمن، ودستن هوفمن، وآل باتشينوو، وروبرت دو نيرو، وميريل ستريب…». أما كمخرجين، فيحب طاهر أعمال العديد منهم لاسيما آدم مكاي، ومارتن سكورسيزي، وجيمس غراي، وبونغ جون هو.
لو لم يكن ممثلاً لكان ذهب وجال العالم بحثاً عما يهويني، واليوم مع عمله يمكنه أن يفعل الاثنين معاً. عاش طاهر سنة 2020 على طريقته، فكان في مواقع التصوير لأكثر من ٩ أشهر وكانت العودة إلى المنزل رائعة للقاء العائلة. ويضيف: «فوق هذا كله، تعلمت أن أعيش الحاضر».
كلمة أخيرة أرادها طاهر من القلب وهي لفتة تقدير واحترام لبنديكت كومبرباتش، وكيفن ماكدونالد، وآدم أكلاند للعمل على إنجاح إنجاز فيلم «الموريتاني» لأنه فعلا رسالة مرونة وإنسانية.
أقرئي أيضاً : يوسف الشريف يستعد لخوض السباق الرمضاني بمسلسل جديد “كوفيد- 25”