يكاد يكون من المستحيل أن تمرُّوا بفعاليات الدورة السادسة من معرض فن جدة 21,39، والتي انطلقت في المدينة السعودية الساحلية يوم الأربعاء الفائت، دون أن تتوقفوا قليلاً لالتقاط صورةٍ مع مجموعة سجادات فارسية ضخمة للغاية مطويّة على شكل طائرات ورقية أو أوراق متكومة. وهذا العمل الفني المثير جداً للاهتمام، والذي يحمل العنوان “سلسلة صف الثانية عشرة ظهراً”، هو من بنات أفكار الفنان علي شعبان صاحب الآراء في المجال الاجتماعي الثقافي، والشغوف بالسجاد الفارسي. وكجزء من فعاليات معرض “العبور”، سعى المبدع الذي ولد في لبنان ويقيم في الكويت إلى تحدي الوضع الراهن لنظام التعليم القائم اليوم، والذي يعتقد أنه، وبكلماته: “يُفشِل أطفالنا”، من خلال أعماله الفنية. ويوضح الفنان لموقع ڤوغ العربية قائلاً: “من المفترض أن يعلِّم نظامُنا التعليمي الأطفالَ المهارات الأساسية وقدرات التفكير النقدي”، ويصرِّح: “أعتقد أن السبب وراء هذا هو عدم قدرة منهجنا التعليمي الحالي على مواكبة التغيير السريع الذي يشهده العالم”.
وكانت نقطة البداية في مصدر إلهام الشاب ذي الستة وعشرين ربيعاً أول كلمة أوحيت للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة “اقرأ”. يوضح الفنان، الذي يأمل أن يلهم عملُه الفني المشاهدين التفكيرَ والتأمل وطرح الأسئلة، قائلاً: “يتجاوز مفهوم القراءة مغزاه المحسوس، ويصبح أصل التفكير النقدي”. ويصرِّح بجرأة: “لا تعلِّموا أبناءنا القراءة وحسب. علموهم الشك بما يقرؤون”.
وتتمتع الطائرات الورقية التقليدية المطويّة بالرمزية لعدة أسباب (مَن منَّا لم يطيِّر طائرة ورقية على الأقل لمرةٍ واحدةٍ في الصف؟)، وعلى رأس تلك الأسباب أن الطائرات الورقية تمثل الشباب والحرية. وقد ابتكر شعبان تأويله النحتي الجديد باستعمال خشب رقائقي (ورق مصنوع من لب الخشب)، والذي حاكاه بالسجاد الفارسي الموجود في كل مكان، في إشارةٍ إلى جذوره العربية. وفي الواقع، ليست هذه المرة الأولى التي يستعمل فيها الفنان أقمشة النجود [نسيج لوحات الزينة التي تعلّق على الجدران] في أعماله – فقد ضمَّ عمل للفنان بعنوان “الحلم المنكسر” (2016) سجادة فارسية ممزقة مع صورة رجل خارق يظهر بين ثناياها. ويصرح بالقول: “توجد السجادة الفارسية في جميع المنازل العربية، سواء كنا فقراء أم أثرياء، جميعنا لدينا هذا التقدير اللاواعي لها”، ويردف موضحاً: “لذا وعلى نحو غير تقليدي، جمعت السجادة الفارسية الهوية العربية أو وحدتها، ويبدو أنها تمنحها قيمة جمالية بإمكاننا جميعاً أن نستوعبها ونشعر بالارتباط بها. لذا عندما أرغب في معالجة قضايا العالم العربي، أحبُّ استعمال السجادة لتمثيل الإنسان العربي”.
يصف علي شعبان -الذي قدّم أعماله الفنية سابقاً ضمن معرض منفرد في مطعم لا كانتين دو فوبور في دبي وضمن معارض جماعية إلى جانب فنانين آخرين من الشرق الأوسط- المشهدَ الفني في المنطقة بأنه “يصبح أكثر عمقاً وانفتاحاً”، ويعزو الفضل في ذلك إلى الإنترنت وتأثير الشهرة والرواج اللتين توفرهما تلك الشبكة في تعزيز المشهد الفني في العالم العربي على نحو غير مقصود في نهاية المطاف. ويعتقد الفنان أيضاً أن فعالياتٍ من قبيل معرض فن جدة 21,39 تتمتع بأهمية بالغة بالنسبة للمشهد الفني في الشرق الأوسط لأنها تسمح للفنانين المخضرمين وكذلك الصاعدين بعرض أعمالهم على مستوىً عالمي، وأمام جمهورٍ عالي الثقافة يقدّر الفن المعاصر ويمتلك عيناً ناقدة له.
ولمن يرغبون بمشاهدة سلسلة الفنان المثيرة للاهتمام (أو التقاط صور بجانبها)، يمكنهم زيارة جولد مور مول، حيث تجرى حالياً فعاليات فن جدة 21,39.
والآن اقرؤوا: أربعة مبدعين عرب صاعدين سيهيمنون على أسبوع دبي للتصميم في دورته المقبلة.. تعرفوا إليهم