أثير عبد الله النشمي كاتبة وروائية سعودية تجرّأت حيث لا يجرأ الآخرون، وأبحرت في مخيّلتها الأدبية، لتهدي المجتمع العربي والسعودي زبدة إبداعاتها الفكرية على شكل روايات
«يبدو أنّ رحلتي مع الكتابة رسمت أميالها إلى حياتي منذ أن تعلّمت القراءة»، لا يمكن أن ينبثق هذا الكلام إلّا من إنسان قد تشبّع من العلم والمعرفة وأصبح من روّاد الأدب العربي، وباتت رواياته الأكثر جذباً للقارئ العربي. هذا ما قالته الكاتبة والروائية السعودية أثير عبد الله النشمي التي ولدت
في الرياض في منتصف الثمانينات ودرست علم الاجتماع وهي اليوم تدرس التاريخ الحديث لإتمام دارساتها العليا. أيقنت عائلة أثير منذ طفولتها بأنّ الكتابة هي الطريق التي ستسلكه ابنتهم، وكانت والدتها تكتب لها في بطاقات أعياد ميلادها وهي طفلة «إلى ابنتي الكاتبة العظيمة» فعاشت أثير حياتها مؤمنة بأنّ الكتابة هي قدرها.
صدر لأثير ست روايات منذ العام ٢٠٠٩ وحتى العام ٢٠٢٠، وتعتبر أنّ كل كتاب هو إنجاز بالنسبة لها ولكل كِتاب قُراؤه وتقول: «إن كُنا نهتم بلغة التوزيع والأرقام والانتشار فرواية «حببتك أكثر مما ينبغي» ورواية «فلتغفري» هما الأكثر نجاحاً حتى الآن». روايتان تختصران بمضمونهما قصة حب عاشها رجل سعودي مع امرأة سعودية في وطن المهجر وتحديداً في كندا حيث الانفتاح والتطور والمساواة بين الرجل والمرأة، وحملا على عاتقهما الفردي التمسك بتقاليد المجتمع السعودي وعاداته، رغم آلاف الأميال التي تفرّق بينهما وبين مسقط رأسيهما.
بطل رواية «فلتغفري» -عبد العزيز- شاب في العقد الثالث من عمره، تمرّد على كل ما ورثه من مجتمعه ولكّنه لم يتخلّى يوماً عن موروث الرجولة الذي فرض تطبيقه بالقوة على بطلة رواية «أحببتك أكثر ممّا ينبغي» –جمان-، الفتاة التي أبت أن تنجرف وراء انفتاح البلد الذي تدرس فيه وبقيت متمسّكة بتربيتها الشرقية ومنطوية تحت عباءة المجتمع السعودي التي تحتّم عليها الالتزام بقواعد وطقوس اجتماعية موروثة «أماً عن جدّة».
لم تكن أثير الأولى التي تطرح رواية بوجهتي نظر في الوطن العربي، فقد سبق وأن طُرحت روايات مماثلة. كتبتها لأنها أرادت أن تقول من خلالها إن لكل حكاية أكثر من وجهةِ نظر، حتى الحقيقة لها عدة أوجه قد تكون كُلها صادقة وقد تكون كلها مقنعة أيضاً.
ولأثير رأيها في بعض المواضيع الحساسة كالحب والعلاقات خارج الزواج، فهي تقول: «هُناك من لا يزال يعيش في جلباب الموروث، وهُناك من تمكن من خلعه، الأمر نسبي والحكم عليه نسبي أيضاً». من وجهة نظرها الإنسان العربي في مرحلة تغير ملحوظ سواء كان رجلاً أم امرأة. وما نعيشه اليوم تغيّر كثيراً عن ما عاشه أجدادنا، فنحن في زمن تمكين المرأة ومساواتها حقوقياً، وعن هذا التغيير تقول: «أنا مُمتنة وفخورة جداً أنني شهدت هذا العهد وعايشته».
في رصيد الكاتبة السعودية الشابة روايات غاية في الجرأة، فهي صاحبة روايات «فلتغفري»، «أحببتك أكثر مما ينبغي»، «أحجية العزلة»، «ذات فقد»، «في ديسمبر تنتهي كل الأحلام»، «عتمة الذاكرة»، وهي ليومنا هذا لا تعتقد بشكل عام وبعد صدور هذا العدد من الكتب أنها كتبت عن المرأة التي تشبهها فتشرح قائلةً: «لم أسعى لذلك ولم أحاول، لكنني ألتقي وأختلف مع شخوصي في بعض الأمور مثلما يتشابه ويختلف كل البشر، فالشخوص الروائية بشرية حتىلو اختلقناها».
لم تشعر أثير يوماً بأن قصصها خبايا ولم تطرحها لكونها خبايا، كُل ما في الأمر أنّها كتبتها في وقت لم يَكُن يجرأ الكثيرين على كتابتها، وتقول: «ربما كُنت جريئة في التوقيت الذي طرحت به رواياتي الأولى، كُنت جريئة في التوقيت فقط»! لا تقلقها عمليّة انتقاء العناوين لرواياتها فهي عادة ما تصطدم بالعنوان خلال الكتابة، تستخدم نفس الحيلة في كُل مرة فتختار جملة وردت في النص تختزل معنى الرواية.
كانت أثير محظوظة جداً إذ تمكنت من كتابةِ روايتين في فترة الحجر المنزلي أثناء جائحة كورونا، حيث ستصدر لها في مطلع العام المقبل رواية «فوضى العودة» وربما ستصدر رواية أخرى خلال العام أيضاً.
لأثير خصوصية فهي امرأة سعودية عاشت وترعرعت في كنف مجتمع عربي وقد يكون أكثر المجتمعات العربية تحفظاً كونه موطن الديانة الإسلامية والمركز الرئيسي لكل رموزها ومعتقداتها. لذلك كانت مستعدّة لكل الآراء ومتحضرّة لكل الانتقادات وعن هذا تشرح: «لكل كاتبِ معجبيه ومنتقديه، حتى أعظم الروائيين العالميين والخالدين يتعرضون للنقد وللتحجيم أحياناً. الكتابة هي مشروع حياة بالنسبةِ لي، يتقدم أحياناً ويتأخر أحياناً أخرى، ينجح أحياناً ويفشل في بعض الأحيان، لا يطمئنني تقدمه ولا يحبطني تأخره، مثلما لا أتكئ على المديح، أنا أيضاً لا أتأثر بالتعليقات السلبية».
تميل أثير لروايات ألبير كامو وسفيتلانا أليكسييفيت، فبنظرها لكُل مرحلة كتاب مفضل وكاتب مفضل، وتعترف أنها توقفت طويلاً في الفترة الأخيرة عند رواية «المطر الأصفر» لخوليو ماثرياس، فبرغم أنها من الروايات القصيرة إلا أن لغتها لامستها، فهي تعتبر نفسها من القراء الذين تجذبهم وتعنيهم اللغة والوصف في الأعمال الأدبية أكثر من أي شيء آخر. فلو حاولت أن تقرأ رواياتها، ستجد نفسك حالماً في بحر الأدب العربي ومستمتعاً بأسلوب امرأة عربية، تعرف مكامن الشرق وتبحث جاهدة لإيصال فكرتها بأرقى مستوى ليتلقّفها القارىء، وتبقى تعابيرها الأصدق في مخيّلة كل شخص يجد بين السطور ملاذاً آمناً يبعده عن صخب الحياة. ليس هناك من مصدر إلهام يقيّد إبداع أثير الأدبي والفكري، وفي هذا الصدد تقول «الحياة تحثني على الكتابة، مثلما تحثني الكتابة على الحياة»
اقرئي أيضاً: سعوديات على خُطى “سوبر ماريو”