ليس غريباً بعد الفاجعة التي أصابت بيروت أن نلتقي بأشخاص يتألمون من هول الصدمة التي عاشوها لا سيما إن كانوا متواجدين في مكان الانفجار أو على مقربة منه أو خسروا شخصاً عزيزاً أو منزلاً أو سيارة أو متجراً. فحجم الدمار الهائل أقل ما يمكن أن يفعله أن يترك المرء في حالة من الرعب والحزن والصدمة.
لا تقل هذه الكلمات أبداً للناجين من الصدمات
ومن محبتنا قد نقول للشخص المتعب كلاماً نعتقد أنه سيخفف عنه الألم وسيساعده على تخطي الموقف الصعب. إلا أن الدعم الحقيقي والفعال هو أن نختار كلاماً يكون طيب الأثر وليّن الوقع لا يؤثر سلباً على الناجي. فكيف نواسي الناجي من مصيبة وندعمه؟ أجابت تانيا فاخوري (@tanyathechange)، الاختصاصية في التدريب الأسري، عن هذه الأسئلة وقدمت لائحة ببعض العبارات التي يُفضل عدم قولها للناجين من الفاجعة.
– “إن استمريت في الكلام في الموضوع لن تتخطاه أبداً”، إياك أن تمنع الناجي من الكلام وسرد ما حصل ووصف مشاعره فكمية المشاعر السلبية المخزنة في داخله من خوف وووجع وألم كبيرة جداً ولا بد أن يتخلص بها والطريقة الأكثر أماناً ليفعل ذلك هي الكلام
– “لا تكن سلبياً”، كيف لا يكن سلبياً بعد ما عاشه ورآه واختبره من مشاعر قاسية.. التعاطف والتفهم أفضل ما يمكن أن تقدمه لناجٍ تسيطر عليه السلبية. كلمات الدعم والحنان تمنحه الاطمئنان وتشعره بالأمان فلا تتردد في تكرارها على مسمعه
– “أنت حيّ لم تصب بأذى توقف عن التصرف كضحية”، في هذه الجملة استخفاف كبير بما عاشه الناجي وبما يشعر به. فالأذى لا يكون جسدياً فقط، بل قد يكون نفسياً يعتصر قلب الانسان من الألم ويحرمه النوم ويفقده شهيته للطعام والكلام والحياة بشكلٍ عام. هو من دون شك – ضحية وطمأنته أنه بخير وعلى قيد الحياة وأن الأمور ستتحسن مع الوقت واجب على الجميع.
– “اشكر الله أنك لم تصب بما هو أسوء من ذلك”، حسناً لم يصب بما هو أسوء من ذلك إلا أنه أصيب! وهل الألم مباح مع درجة إصابة معينة وممنوع مع ما هو دون هذه الدرجة؟ الألم شعور نسبي، قد يتألم البعض لموت قط أو طير.. واجبنا أن نحترم ألمه بغض النظر عن الاسباب. – سواء أصيب الناجي بكدمة أو سقط زجاج سيارته فقط.. واجبنا أن نحترم ألمه وندعمه في مصابه
– “إلى متى ستبقى غارقاً في الكآبة؟”، قد يبقى أياماً وشهورًا، الناجي يحتاج إلى الوقت ليستوعب ما حصل وليتقبله وليفهم أنه نجا فعلاً وليستعيد ثقته بمحيطه وإيمانه أن الغد أفضل. الكآبة تماماً كالجرح الذي ينزف.. فكما يحتاج الجرح وقتاً ليلتئم يحتاج من يشعر بالكآبة وقتاً ليخرج منها.
– “انسَ ما حصل معك”، هذا جلّ ما يتمناه.. ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه! الناجي يتمنى أن تزال من ذاكرته لحظات الانفجار والساعات التي تلته. فمن منا يريد أن يعيش وفي ذاكرته أصوات وصور الموت والدمار والخراب؟ قد لا ينسى الناجي أبداً ما عاشه وواجبنا أن نحترم – المكانة التي حفرها هذا الحدث في لاوعيه ووعيه وأن نتعامل مع الأمر بالأهمية ذاتها التي يوليها له.
وعوضاً عن هذه العبارات يمكننا أن نُسمع الناجي عبارات قد تفيده أكثر وتمنحه الأمان والطمأنينه. ومن هذه العبارات على سبيل المثال لا الحصر:
– أنا معك وإلى جانبك مستعد لأسمعك كلما احتجت للكلام
– أعرف أنك تشعر أن لا عدل في ما حصل وأتفهم شعورك تماماً
– ستتخطى الصدمة مع الوقت فالوقت كفيل بتخفيف كل ألم
– ستُشفى من دون شك ولكن الأمر لن يحصل بين ليلة وضحاها بل يحتاج للوقت
– أنا أحبك وأتمنى لو أحمل هذا الألم عنك
هذه الكلمات هي تماماً ما يحتاجه الناجي. يريد أن يطمئن لوجود يد ترتب على كتفه وكتف يستند عليه وأذن صاغية تسمعه كلما تكلّم وعقلاً يستوعب مشاعره وألمه وصوتاً يبث الطمأنينة في قلبه وعقله وحباً لا متناهياً وغير مشروط. باختصار يحتاج الناجي إلى إنسانية تعيد إليه ثقته بهذه الحيلة رغم قساوتها وظلمها.