تابعوا ڤوغ العربية

ماجدة الرومي! مجد لبنان

هي الأم في جميع تجلياتها والمرأة في أبهى حللها والفنانة في أرقى إبداعاتها والإنسانية في أقدس قيمها… أعادت لوطنها لبنان مجداً وثقافة وإيماناً وعطاءً اكتسبتهم خلال الخمس وأربعين عاماً التي شكّلت مسيرتها الفنية.

ماجدة الرومي على غلاف عدد يونيو من ڤوغ العربية، ملتفةً بعلم لبنان فوق فستانها الذي يحمل توقيع زهير مراد. تصوير: ساندرا شدياق

في الأول من سبتمبر  من العام ١٩٢٠، أعلن الجنرال غورو من قصر الصنوبر قيام دولة لبنان الكبير ليبقى هذا المكان محفوراً في ذهن اللبنانيين على مرّ الأجيال ومرتبطاً بسيادة لبنان وحريته واستقلاله. اليوم وبعد مرور ١٠٠ عام لا يزال المكان يحتفظ بمكانة تقشعر لها الأبدان خاصة حين تتمايل السوبرانو ماجدة الرومي البرادعي تحت أقواسه وبين ممراته بفستانٍ من تصميم اللبناني جورج حبيقة. وجود الماجدة في هذا المكان بالنسبة للكثيرين لحظة تاريخية فماجدة الرومي لم تخضع لجلسة تصوير لصالح أي مجلة خلال السنوات الخمس والأربعين التي شكلت مسيرتها الفنية. أطلت ترفع علماً لبنانياً لنلتقط لها صوراً تزيّن غلاف Vogue Arabia، بينما تتقدم الرومي برشاقة لتمثيل بلدها المحبوب في وقت يحتاج فيه اللبنانيون إلى دعم أمومي أكثر من أي وقت مضى تنهمر دموع فريق العمل أمام عظمة هذه السيدة ورهبة الموقف.

ماجدة الرومي مرتديةً فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية من زهير مراد. تصوير: ساندرا شدياق

كم كان حليمًا من سماها ماجدة، فهي مجدت لبنان ومجدت الأغنية العربية ومجّدت المرأة. فنانة كاملة متكاملة تنشد بأوتار إلهية وهبت لها لترفع الناس إلى مراتب الحب المقدسة. ظهرت علينا بأغان أوبيراتية وهي فتية كملاك يبشر بالسلام والأنس والسفر وراء حدود أفق الصلوات. معها تكتمل جنة الفن فتعشق الأذن والعين معاً ويطرب القلب زهواً وحباً وسلاماً. غنت للبنان بعبقرية سعيد عقل والمرأة بعيون نزار قباني. كما أنها لم تكتفي بدور المطربة المتكاملة بل أصبحت إنسانة ومواطنة متكاملة تدافع عن الحرية والحقوق والضعفاء والسلام وتدعو إلى بناء أوطان تتسع للإبداع والخلق وتشع حضارة وأملاً فلا عجب أن تعينها الأمم المتحدة سفيرة للنوايا الحسنة في العام2001.

الظهور التاريخي للنجمة ماجدة الرومي على غلاف المجلة يحمل رسالة مفعمة بالأمل، في فستان من مجموعة الأزياء الراقية من جورج حبيقة. تصوير: ساندرا شدياق

حاضرة هي دائماً حين تحتاج السماء إلى نجمٍ لامعٍ يكون بوصلةً تدل الناس إلى درب السعادة والأمل والثورة، وحضورها لا يعني ظهوراً إعلامياً يكثر فيه الكلام المنمق، ففي هذا الشأن لماجدة الرومي رأيها، إذ تقول: “هيبة الفنان تكمن في رسم مسافة شوق بينه وبين الجمهور، لأنّ إطلالاته الكثيرة لا تخدمه بل تجعل من وجوده وجوداً عادياً لا يترك أثراً عند الناس،” وتضيف: “دور الفنان أهم من دور السياسي، فالفنان يجب أن ينادي بوحدة وطنه واستقلاليته وحريته وهذا واجبه الحقيقي”.

“دور الفنان أهم من دور السياسي، فالفنان يجب أن ينادي بوحدة وطنه واستقلاليته وحريته وهذا واجبه الحقيقي”

لمست معاناة الشعب اللبناني الشهيد، كما تسميه، وعاشت معه الحلم بوطنٍ حقّ فغنّت في العام 1975 “عم بحلمك يا حلم يا لبنان”، ضاق الخناق على الشعب اللبناني فشحنت نفوس أفراده بـ”قوم تحدّى” في العام 1995 ونزفت بيروت واشتدت عليها الصعاب فدللتها في العام 2000 بـ”يا بيروت ست الدنيا”. تعرف السيدة ماجدة الرومي أن الأغنية وليدة الظرف، والكلمات التي تبقى خالدة في قلوب الناس لأنها تترجم الواقع وتلامس الفنان وتُخرج من الملحن أفضل الألحان وأقواها وقد استشهدت هنا بدموع كلّ من جمال سلامة الذي لم يتطلب منه تلحين “بيروت يا ستّ الدنيا” إلا نصف ساعة لقوة كلماتها وبدموع إحسان المنذر حين لحن في العام 1991 “كلمات” واختصرت قائلة: “سر الأغنية الناجحة في نصّها”.

وتشتهر السيدة ماجدة بأناقتها البسيطة سواء حين تطل على المسرح أو بعيداً عنه، فهي تقول: “لا تهمني الأمور المادية. هل ستزداد قيمتي إن حملت حقيبة باهظة من إحدى الماركات العالمية؟”، وتضيف: “مثلي الأعلى في الجمال الفنانة المصرية فاتن حمامة. كانت جميلة حتى حين تقدّمت بالعمر وغطت التجاعيد وجهها. أتمنى أن أكبر بجمالٍ كفاتن حمامة”.

ماجدة الرومي مرتديةً فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية من جورج حبيقة. تصوير: ساندرا شدياق

سواءٌ أطلت بأزياء راقية أم بملابس عادية، تلمع السوبرانو اللبنانية كلما أطلت لتغني أمام الجمهور. تعشق ماجدة الرومي المسرح وقد قالت: “كنت ألعب مع صديقتي في الحي، أصنع قلادات من زهور المارجريت الصفراء. فجأة وجدتني أغني أمام الناس. لم أكن مستعدة لهذا المجد”. اليوم بعد مسيرة غنائية غنية، وقفت الماجدة على مسارح أهم المهرجانات بما في ذلك مهرجان بعلبك السينمائي الدولي، مهرجانات الأرز الدولية، مهرجانات بيت الدين الدولية، مهرجان قرطاج الدولي، موازين، وفي دار الأوبرا المصرية.

ولدت ماجدة الرومي في كفرشيما عام 1956، ولا تزال تعيش هناك. كان والدها، حليم الرومي، موسيقياً من صور، وله الفضل في اكتشاف فيروز، في حين التزمت والدتها المنزل وانشغلت بتربية أربعة أطفال. لطالما ضجّ منزل آل الرومي بالحياة، فقد كان يتردد عليه الفنانون ويملأون أجواءه غناءً وطرباً. بدأت ماجدة الرومي تتلقى دروساً موسيقية وتمرّن صوتها مذ كانت فتاة صغيرة. ظهرت في برنامج المواهب في ستوديو الفن على تلفزيون لبنان حين كانت في السادسة عشرة من عمرها، وأدت أغنية للمغنية والممثلة المصرية ليلى مراد وفازت بالميدالية الذهبية كأفضل مطربة. أصدرت ألبومها الأول، “خدني حبيبي”، في العام 1977 وسرعان ما انطلقت لتجول العالم العربي لتنشر فنها في فضائه الواسع. بعد ذلك أصدرت النجمة 14 ألبومًا، وحازت جوائز متعددة فتركت بصمتها الخاصة في الأغنية الكلاسيكية والوطنية. شجعت أغانيها الوطنية الناس وخدمت الثورات ودعمت في الوقت ذاته رسالتها الفنية والإنسانية، وتتحدث عن حلمها قائلةً: “أحلم بيومٍ يتحد فيه اللبنانيون، وتزول فيه الفجوات بين الناس فنجتمع تحت مظلة لبنان الوطن وليس تحت مظلات الطائفية”. حلمها هذا دفعها لتعمل على أغنية جديدة بعنوان “صوت الحق”، وقد شرحت مسعاها هذا قائلةً: “أردت أن أحيّي شعباً عاش أقرب من السكين منه إلى الوردة. أنا معجبةٌ جداً به وأنحني أمام عذاباته وأبجّل قدرته على التحايل على كل المحن لضمان استمراريته ولتأمين لقمة عيشه في ظل كل الأوضاع العصيبة. هذا الشعب يستحق كل أوسمة الحرية،” وتضيف: “علينا أن نعزز الأفكار الإيجابية وأن نأبى الاستسلام. في الشموخ بعد الحزن رفعةٌ وقوةٌ لذيذة”.

ماجدة الرومي داخل قصر الصنوبر، مرتديةً فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية من جورج حبيقة. تصوير: ساندرا شدياق

أحلم بيومٍ يتحد فيه اللبنانيون، وتزول فيه الفجوات بين الناس فنجتمع تحت مظلة لبنان الوطن وليس تحت مظلات الطائفية.”

أما عن الأغنية الكلاسيكية التي تتربع على عرشها من دون منازع، قالت السيدة الرومي: “سرّي يكمن في الاكتفاء بالقليل. الأولوية للرسالة الإنسانية. أنا امرأة لا تعير أهميّة للأمور المادية. أكثر ما أريده هو الوقوف جنباً إلى جنب مع أخي الإنسان، أعيش ألمه وأمسح دمعته، وهذه هي فرحتي الحقيقية”.

لا تعير السيدة ماجدة الرومي الأمور المادية أي أهمية، وهي تقول بصوتها الهادئ: “أنا قريبة إلى التصوف والحقيقة. لا أضيّع وقتي بأي عمل أو مع أي شخص لا يمنحني السلام الداخلي. الأشياء الحقيقية هي التي تهمنّي. أحب الحياة القريبة إلى أرضنا الأم. ضعيفة جداً أنا أمام شجرة الزيتون والعريشة المتدلية في حقل ضيعتنا وشجرة الليمون التي تحكي الكثير. أمجّد عظمة الخالق وأترفّع إلى أعلى السماوات في حضن الأرض. أتأمّل أبسط الأشياء، فهذه لغة بحدّ ذاتها من الصعب أن يفهمها الجميع”.

ماجدة الرومي داخل قصر الصنوبر، مرتديةً فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية من جورج حبيقة. تصوير: ساندرا شدياق

بعيداً عن السهرات وحياة الفنان التي اعتادها الناس، تعيش ماجدة الرومي حياةً طبيعية في المنزل والكنيسة والطبيعة ومع ابنتيها هالة ونور. تستفيد من وقتها لتقرأ وتدرس الموسيقى. كما أنها مؤلفة غزيرة الإنتاج، وفي ظل الأزمة الصحية العالمية المستمرة، تعتبر الرومي أنه من واجبها مساعدة الشعب اللبناني، لذلك كتبت أغنية بعنوان “غنوا بكل اللّغات” التي ستصدر قريباً لتبث الأمل في نفوس الناس بعيداً عن وصف الشوارع الخالية والحياة المعلقة فكتبت: “أنا لو قلتلكن مشتاقة، أوعا تقولولي جايين، هالدني اللي هرّوا أوراقها، باقي برزنامتها سنين، بوعدكن لما نتلاقى، تبقوا بقلبي محجورين”. واختارت السيدة الرومي الملحن ميشال فاضل لتلحين هذه الكلمات، فهي تشجع المواهب الشابة وقد اعتادت في الآونة الأخيرة التعامل إلى جانب ميشال فاضل مع عازف البيانو مارك بونعوم وشربل روحانا، إذ تؤمن أن طاقات الشباب تضمن لها التجدد والتقرب من الجيل الشاب الذي يبحث عن الفرح والأمل والحماس.

لا أضيّع وقتي بأي عمل أو مع أي شخص لا يمنحني السلام الداخلي. الأشياء الحقيقية هي التي تهمّني

على الرغم من كل نشاط وحيوية الجيل الجديد، تدرك الرومي أن اللبنانيين ما زالوا يقاتلون من أجل الازدهار؛ وهي لا تخجل من مشاركة آرائها السياسية، فتقول: “أتمنى لو أنني أملك مستندات ومعطيات تدين كل فاسد وسياسي أوصل لبنان إلى ما هو عليه،” وأضافت: “خلاص لبنان يكمن في علمنة تضع حدوداً لسلطة الطوائف. أنا مع سيادة وكرامة لبنان وهيبته على أرضه وأدعو إلى الكونفدرالية. لما لا يكون هناك الولايات المتحدة اللبنانية؟”

ماجدة الرومي مرتديةً فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية من جورج حبيقة. تصوير: ساندرا شدياق

تعمل الرومي على تأليف كتاب من أربعة أجزاءٍ يروي لبنان الخير والتعايش السلمي قبل الطائفية، والغناء في زمن الحرب، وحياتها الشخصية وأخيراً استمراريتها في مجال الفن. وهي تدعو إلى العودة إلى الطبيعة البشرية والتمسك بالعائلة كسبيل لخلاص النفس البشرية في هذه الحياة، بدلاً من الانغماس في التكنولوجيا التي تنذر بحقبة جديدة مليئة بالدمار والانهيار الاقتصادي، فهي تقول: “أشتاق إلى الزمن الجميل عندما كان التواصل الإنساني في أعلى قيمه. التقنيات الحديثة دمّرت المجتمعات. لا أفهم سبب التعلق بالشاشات أياً كان نوعها وتفضيلها على كتابٍ أو قطعةٍ موسيقية راقية أو عمل فني عظيم من شأنه أن ينعش الروح،” وأضافت: “أفضل أن أبحر في عالم والدي الذي اعتبر صوته مدرستي الأولى وعالم شوبان، وأن أستمع لصوت آماليا رودريغيز من البرتغال وصوت سيزاريا إيفورا وصوت الراحلة ذكرى أو ليلى مراد أو كاظم الساهر وغيرهم من عمالقة الزمن الجميل.” وتشدد على صدق علاقتها بالأرض بقولها: “إذا ضاعت، فسوف أضيع أيضًا”.

ماجدة الرومي مرتديةً فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية من جورج حبيقة. تصوير: ساندرا شدياق

تسلّم ماجدة الرومي أمرها لمشيئة الله، فتقول: “مررت بتجارب عديدة ومراحل كثيرة علّمتني كيف أفهم سنة الحياة، فالحياة يوم لك ويوم عليك. وقد أكدت أنها لا تخطط لتغيير قيد أنملة لأنها تؤمن بهذا القول: “تخططون وتضحك الأقدار”.

أقرئي أيضاً: يحمل عدد يونيو من ڤوغ العربية رسالة حبّ إلى لبنان، ويزدان غلافه بصورة النجمة الكبيرة ماجدة الرومي

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع