يعود ريل فلسطين، مهرجان الأفلام الرائد في الإمارات العربية المتحدة المكرّس للأفلام الفلسطينية، في دورته الخامسة التي تنطلق يوم 18 يناير الجاري وتستمر لغاية 26 منه. ويعرض المهرجان الذي يمتد على مدار تسعة أيام كاملة أفلاماً فلسطينية مستقلة في صالات سينما منتشرة في إمارتين، على النحو التالي: السركال أڤنيو في دبي؛ وويرهاوس 421، ومنارة السعديات في أبوظبي.
ويقام هذا المهرجان، الذي انطلق في دورته الأولى عام 2015، بالتعاون مع صالة السينما المستقلة سينما عقيل -التي افتتحت مؤخراً مساحة دائمة لها في السركال أڤنيو- سعياً لتقديم الثقافة والتراث الفلسطينيين بأسلوب مجرّد ومفعم بالأصالة عبر باقة مختارة بعناية من الأفلام التي لا غنى لكم عن مشاهدتها. ولكن، ربما يكون أكثر الأفلام إثارةً بين تلك التي ستُعرَض خلال الفعالية هو الفيلم الافتتاحي، ما تريده ولاء، وهو فيلم وثائقي يروي قصة ولاء خالد فوزي طنجي، وهي فتاة صغيرة مصممة على الالتحاق بقوات الأمن الفلسطينية لتصبح شرطية.
وهذا الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة (فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الوثائقي الكندي الطويل في المهرجان السينمائي الدولي “هوت دوكس”)، والذي أخرجته المخرجة المقيمة في تورنتو كريستي غارلاند وأنتجه وائل قبّاني، يتتبع سيرة حياة ولاء الثائرة والمتشبثة برأيها على مدار ستة أعوام وعشر رحلات إلى الضفة الغربية – بدايةً من وقت إطلاق سراح لطيفة، والدة هذه الفتاة، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 15 عاماً، من سجنٍ إسرائيلي إلى اللحظة التي تبدأ فيها أول عملٍ لها في سن الحادية والعشرين.
كانت طفولة ولاء التي نشأت في مخيم بلاطة للاجئين في الضفة الغربية مليئة بالتحديات والصعوبات. وعندما كانت في الثامنة من عمرها، اعتُقِلَت والدتها بتهمة مساعدة انتحاري، وتولى رعاية الفتاة الصغيرة أقاربها إلى أن بلغت 15 عاماً من عمرها. وفي ذلك العام (2012)، التقت غارلاند بولاء بينما كانت تصور مع فنان دنماركي في الضفة الغربية، وسرعان ما جذبتها تلك المراهقة بطبيعتها القوية والعنيدة. وعرضت الفيلم الترويجي القصير على زميلها الذي قال بعد مشاهدته: “[ولاء] جانية ترتدي الحجاب. إن نجحت في الوصول إلى صفوف قوات الأمن الفلسطيني، ستكون شرطية فاسدة وشريرة”.
وتوضح غارلاند بالقول: “كان ذلك التعليق منحة، وقوة تحفيزية للفيلم، وتحدّياً لافتراضاتي الشخصية”، وصرحت: “لقد حفّز [ذلك] دوافعي لصناعة الفيلم وإيماني بولاء. وأوضح كم يمكن أن تنقسم الآراء حول قصة المراهقة الصغيرة هذه. وجود أمها، لطيفة، سيثير ردود فعلٍ مختلفة للغاية. ولكن ولاء مراهقة ذات قلبٍ طيبٍ ولديها فرصة النمو والتغيير الإيجابي ذاتها مثل أي شخصٍ يافعٍ آخر”.
وعلى مدار أحداث الفيلم الوثائقي، الذي عُرِضَ للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي الدولي (برلينالي) في العام 2018، لا يمكن للمشاهدين إلا أن يشجعوا ولاء، حتى خلال لحظات الشقاوة ورداءة الطبع التي تعتريها بين الحين والآخر. وبالفعل، يمكننا التماهي بشدة مع هذه المراهقة. يقول قبّاني: “حتى كرجلٍ يبلغ من العمر 49 عاماً، يمكنني مع ذلك التماهي مع شخصية ولاء القوية ودافعها لتحقيق حلمها في وجه صعوباتٍ جمَّة”، ويضيف: “من نواحٍ عديدة، تمثّل قصتها أيضاً انعكاساً للفلسطينيين الآخرين الذين لا يستسلمون مطلقاً رغم الاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنات غير المشروعة، وجدار الفصل العنصري الذي يواجهونه كل يوم”. هذا صحيحٌ، أقلُّ ما يُقال عن حياة الشابات الفلسطينيات اليافعات اللواتي يعشن في الضفة الغربية إنها صعبة، وتطوّر ولاء من مراهقة إلى شابة بالغة، من متمردة مزاجية خارجة على القوانين إلى شرطية منضبطة (بإرشاد قائد قوات الأمن الفلسطيني عيسى أبو علان ومساعدته) لهو أمرٌ مشجِّعٌ.
وأوضحت غارلاند خلال عملية الإنتاج بالقول: “أصنع هذا الفيلم لأن قصته إيجابية وفكاهية ومثيرة، مع تركيزها على شخصية أنثوية رائعة بها قليل من العيوب المثيرة للاهتمام في شخصيتها، تحارب الشياطين على مستوياتٍ متعددة، وهي قصة مألوفة سيكون لها أصداؤها في سياقٍ أوسع”. وأضافت: “ستضيف قصة ولاء أمراً ما إلى النقاش. فهي ذكية، ومرِحة، وتواقة لشيءٍ ما، وهشَّة، لكنها ورثت طبع والدتها ويمكن أن تكون مزعجة للغاية. وأحبها لكل هذا، وأنا أشجعها كإنسانة، وفتاة مثيرة للاهتمام لأنها تكسر القواعد، ولأن هناك بعض القواعد التي تتعلم اتباعها، بالطريقة الصعبة”.
سيتم عرض فيلم “ما تريده ولاء” أيام 18 و21 و23 من يناير في سينما عقيل بالسركال أڤنيو بدبي. ويبلغ ثمن التذكرة ٥٢ درهماً إماراتياً، ويمكن شراؤها من هنا.
والآن اقرئي: الشارقة تفتتح مهرجانها السينمائي الأول هذا الشهر