تشهد السعودية تغييرات واسعة تتلاحق بوتيرة سريعة – ولكن هل تشكيل فريق نسائي لكرة القدم يمكن أن يكون عنواناً لأحدث الانتصارات التي تحققها المرأة؟
نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد يونيو 2018 من ڤوغ العربية.
لا شك أن كرة القدم تستحق لقب الساحرة المستديرة، إلا أن لها جانباً سلبياً ما تزال تحتفظ به لا سيما فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين. ويمكن أن نلمس هذا الجانب بجلاء في دولة مثل السعودية، حيث لا يُسمح للفتيات اليافعات بلعب الكرة علناً، سواء على المستوى الشعبي أو بين أفراد مجتمع النخبة. فحتى شهر يناير الماضي، كان محظوراً على النساء دخول مدرجات ملاعب كرة القدم، ولكن مع اتجاه المملكة تدريجياً نحو منحنهن مزيداً من الحقوق، ربما نسمع قريباً عن تشكيل فريق نسائي محترف لكرة القدم.
وتساهم لاعبتا كرة القدم السعوديتان، سجى كمال ومنيرة الحمدان، في الدعوة إلى تشكيل فريق نسائي منذ أن بدأتا ممارسة هذه اللعبة. وتقول منيرة: “أصبحنا على وشك تشكيل فريق نسائي لكرة القدم مُعترف به. ولكن لا يمكننا تعجل الأمور، وقد علمنا أن صاحبة السمو الأميرة ريما بنت بندر وكيلة رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي تقف في صفنا، وهو ما يساعدنا حقاً”.
“قد أكون مبالغة في توقعاتي، ولكن بوسعي أن أقول أننا قد نُشكل فريقاً رسمياً لكرة القدم بحلول عام 2019″، هذا ما قالته سجى الثائرة بطبعها –والتي تصبغ شعرها بلون أشقر فضي، وتزين مظهرها بالأقراط والوشوم– ولا تشبه بالتأكيد فكرتكِ التقليدية عن المرأة السعودية. وتضيف: “وثَمّ تحد آخر سيواجهنا عندما نشكل هذا الفريق، فقد يظل الجدل قائماً عن إمكانية السماح بعرض مباريات لاعبات كرة القدم الشابات تلفزيونياً أو تصويرهن. كما سنحاول إقناع العائلات أن بناتهن لهن حق اختيار كرة القدم كمهنة. ونحتاج أيضاً إلى نوادٍ محلية أولاً قبل أن نتمكن من المنافسة على الساحة العالمية. ومن ناحية أخرى، قد لا يكون لدينا عدد كاف من اللاعبات لنبدأ حتى في تشكيل منتخب وطني”.
وقد نجحت سجى في تحطيم رقميين قياسيين عالميين، حين تسلقت جبل كليمنجارو في يونيو الماضي لتشارك في مبارة لكرة القدم أُجريت على أعلى ملعب في العالم، وسافرت أيضاً إلى البحر الميت في الأردن خلال أبريل هذا العام لتشارك في مباراة أقيمت على أدنى ارتفاع في العالم كجانب من مبادرتين أطلقتهما مؤسسة المساواة في مجال اللعب غير الربحية، التي تهدف إلى التوعية بأهمية المساواة بين الجنسين في الرياضة في جميع أنحاء العالم.
اقرؤوا أيضاً: تعرفي إلى الشقيقات من آل رشيد لتكتشفي ما يمكن أن تحققه النساء السعوديات في المستقبل
وتوضح سجى التي تشجع فريق يوفنتوس: “أخبرتني الأميرة ريما عن مبادرتيّ مؤسسة المساواة في مجال اللعب، ووجدتهما مناسبتين لي تماماً. وقد شاركت في مجال كرة القدم منذ أن كنت في الرابعة من عمري. وشعرت بشغف حقيقي حيالها ولم أفقد هذا الشعور مطلقاً. وقد أتاحت لي مؤسسة المساواة في مجال اللعب السفر إلى جبل كليمنجارو والبحر الميت والمشاركة في مباراتين لتحطيم رقميين عالميين والتواصل مع غيري من اللاعبات من جميع أنحاء العالم. وقد جعلتني هذه التجربة أكثر إصراراً على تشكيل منتخب وطني سعودي. ولعبت جيداً مثل غيري من اللاعبات الدوليات في الأردن، رغم أنهن يلعبن جميعاً في منتخبات وطنية بينما أنا غير معترف بي في بلدي. وهدفي الآن أن أجعل الحياة أكثر سهولة ويسراً أمام الجيل القادم من اللاعبات السعوديات”.
وقد حظيت مبادرات مؤسسة المساواة في مجال اللعب بتأييد المرشح السابق لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الأمير علي بن الحسين، والنائبة السابقة لقائدة المنتخب الوطني النسائي لكرة القدم في الأردن فرح العزب، المقيمة حالياً في دبي. ويلعب الأمير الحسين دوراً محورياً في تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال كرة القدم. كما دعم بقوة إقامة مباريات كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة في الأردن، والتي نظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 2017، فيما استضافت دولته في أبريل الماضي كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم للسيدات، حيث رفعت اليابان كأس البطولة بعد تغلبها على أستراليا بهدف مقابل لا شيء. كما شيد الأمير، البالغ من العمر 42 عاماً، ملعباً لكرة القدم بلغت تكاليف إنشائه 1.5 مليون دولار أمريكي في غور الصافي -وهي منطقة سكنية مغلقة تقع بالقرب من البحر الميت– ما أتاح لمبادرة المساواة في مجال اللعب تحطيم رقمها القياسي العالمي.
ويقول الأمير الذي لا يستبعد تَرشحه مرة أخرى لرئاسة الفيفا: “تقوم الأردن بدور ريادي في الترويج لكرة القدم النسائية في الشرق الأوسط. ويجب أن يتاح للجنسين لعب كرة القدم. فهي لعبة تعمل على توحيد الناس، وليس تفريقهم، لذا من المُحزن حرمان نصف السكان من لعب هذه الرياضة في بعض مناطق العالم. وتسعى مؤسسة المساواة في مجال اللعب إلى معالجة هذه المسألة ومساعدة النساء على تحطيم أرقام قياسية، وكانت تلك مشاركة طبيعية ومهمة من جانبها. ولكن للأسف لا تزال بعض المناطق أو المجتمعات في الشرق الأوسط تعتبر الفتيات الصغيرات اللواتي يمارسن الرياضة علناً وصمة عار. وإذا كان يتعين علينا دائماً احترام الثقافة العربية، فلا يجب أن يكون لدينا معايير مزدوجة. وإذا كان لعب الفتيان لكرة القدم يلقى ترحيباً في الأردن أو السعودية، فلماذا نُحرّمه على الفتيات؟”.
تؤمن فرح أن الهيئة العامة للرياضة في المملكة يمكن أن تتعلم الكثير من الأمير علي بن الحسين. فمنذ أن تولى رئاسة الاتحاد الأردني لكرة القدم عام 1999، لاحظت تغييراً ملموساً في مسيرة المنتخب الوطني لكرة القدم للسيدات في الأردن، الذي يقترب من التأهل للاشتراك في مباريات كأس العالم لكرة القدم للسيدات التي ينظمها الفيفا في فرنسا عام 2019. وإذا نجحت اللاعبات في تحقيق ذلك، ستكون أول مشاركة لهن على الإطلاق في هذه البطولة النسائية.
وتضيف فرح: “لا تزال كرة القدم النسائية لعبة جديدة إلى حد ما، فقد تم تشكيل هذا المنتخب الوطني عام 2005 فقط. وكان ضمن صفوفنا آنذاك حارسة مرمى في الثالثة والثلاثين من عمرها بينما كنت أنا وزميلاتي في الخامسة عشرة فقط. وقد أصبحنا حالياً أفضل فريق لكرة القدم في الدول العربية، وتاسع أفضل فريق على مستوى آسيا بوجه عام. ونحلم بالتأهل لكأس العالم؛ وهو هدف واقعي للغاية”. ولم لا والأمير الحسين يواصل بلا كلل دعمه لهذا المنتخب، كما قام بحملة ضد الفيفا لحظره اللاعبات من ارتداء الحجاب عام 2007. وقد رفع هذا الحظر عام 2014. وعن ذلك تقول فرح: “يجب أن تشعر جميع المسلمات في العالم بالامتنان تجاه سمو الأمير منذ شهدت الرياضة هذا الجدل. فهذا أمر يتعلق بالحقوق الأساسية والكرامة”.
وبالعودة إلى السعودية، يشارك المنتخب الوطني السعودي للرجال في مباريات كأس العالم في روسيا هذا الشهر، بعد تأهلهم للمرة الخامسة إلى هذه البطولة بفضل الهدف الرائع الذي سجله فهد المولد في شباك اليابان في سبتمبر الماضي، وانتهت المباراة بنتيجة هدف للمنتخب السعودي مقابل لا شيء لمنتخب اليابان. وقد مُنعت النساء من دخول مدرجات مدينة الملك عبد الله الرياضية لمشاهدة هذه المباراة – ولكن في يناير الماضي سُمح لهن بالدخول ومشاهدة المباريات في جدة، والرياض، والدمام.
تقول سجى: “قد ينظر غير السعوديين إلى قضية السماح للنساء بدخول الملاعب على أنه غير ذي أهمية، ولكنها في الحقيقة خطوة هائلة، لأنها تشهد على أن النساء يحصلن على حقوقهن الأساسية في مشاهدة مباريات كرة القدم. وهو أمر يتعلق بنا وآمل أن تكون بادرة تنم عن أننا سنتمكن من اللعب على أرض الملاعب قريباً. وهي أولى مراحل تقبل المجتمع لنا”. ويتردد أن المملكة تتطلع إلى استضافة كأس العالم لكرة القدم يوماً ما، ولكنها لن تستطيع إقناع الاتحاد الدولي بذلك سوى بعد أن تضمن أن الجميع، رجالاً ونساءً، يمكنهم الاستمتاع بمنافسات البطولة ودخول المدرجات لمشاهدة المباريات. وهكذا يجبر النجاح الذي حققه لاعبو المنتخب الوطني المملكةَ على السماح للنساء بمزيد من المشاركة في المجال الرياضي عبر لفت أنظار العالم إلى كرة القدم السعودية. ولكن الأخبار السلبية التي تنشرها الصحافة يمكن أن تعيد مثل هذه الخطوة المحتملة عقوداً إلى الوراء.
وتجدر الإشارة، إلى أن هذا التغيير الإيجابي الذي شهدته المملكة خلال الخمسة أشهر الماضية يعود الفضل فيه إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي يميل بفكره إلى الليبرالية. وقد وضع سموه إصلاحات اجتماعية مشجعة كجانب من برنامج رؤية 2030 الذي يهدف إلى منح المرأة السعودية مزيداً من الحرية بعد رفع حظر قيادة السيارات بناء على مرسوم تاريخي. وسيتيح هذا القرار لفرق كرة القدم النسائية المحتمل تشكيلها في المستقبل التنقل بيسر بين أرجاء المملكة للاشتراك في المباريات. تقول منيرة مبتسمة: “السماح لنا بقيادة السيارات يحررنا. فلم يعد يتعين علينا توفير نصف رواتبنا لمجرد سداد راتب السائق. وبوسعنا أن نكون أكثر إنتاجية. من الرائع فكرة أن أكون قادرة على استقلال سيارة والذهاب لمشاهدة مباراة لكرة القدم مع جميع أفراد عائلتي”.
ويبدو جلياً أن الرياضة السعودية تسير في الاتجاه الصحيح. ففي العام الماضي، استضافت جدة أول بطولة نسائية رسمية لكرة القدم في المملكة، ضمت ستة فرق تنافست على كأس البطولة على ملعب مدرسة خاصة أمام جمهور كان جميعه من النساء. (كما نظمت الدولة بطولة نسائية لكرة السلة للجامعات في نوفمبر الماضي، واستضافت أيضاً أول بطولة اسكواش تقام على الإطلاق للسيدات). وقد تبدو جميع هذه البطولات خطوات صغيرة في أعين غير السعوديين، ولكنها تشكل تطوراً ملموساً منذ عام 2012، حين شاركت النساء السعوديات للمرة الأولى في الألعاب الأولمبية. ويمكنكم مشاهدة كيف استقبلت لندن العداءة سارة عطار ولاعبة الجودو وجدان شهرخاني البالغة من العمر 16 عاماً آنذاك كبطلتين ومثالين يُحتذى بهما، ولكنهما عادتا إلى ديارهما لتجدا في استقبالهما وسماً مسيئاً شهد رواجاً على تويتر.
وتقول سجى: “كانت ردود أفعال الناس تجاه اللاعبتين اللتين سافرتا إلى لندن سلبية أكثر منها إيجابية. وقد تعرضت سارة عطار إلى إساءة لفظية وتم تدشين وسم مثير للاشمئزاز عنها لقى رواجاً على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ليس مقبولاً. فهما فتاتان طموحتان تمارسان الرياضة. ولم ترتكبا أي خطأ، ولا يحق لأي إنسان الاستهانة بهما”.
ورغم ذلك، ترى سجى أن الأمور تسير تدريجياً نحو الاتجاه الصحيح في المملكة. “لقد مرت ست سنوات على هذا الأولمبياد وصرنا نفخر كثيراً بمشاهدة فتيات يرتدين الحجاب التقليدي على الساحة الدولية. وهي فرصة للتعريف بتراثنا. والخطوة التالية ستكون بسيطة: أن تمارس النساء السعوديات الرياضة دون خوف من الإساءة. أعتقد أننا سنبلغ ذلك، ولا سيما في كرة القدم. فهنالك بالتأكيد قبول متزايد لفكرة ممارسة النساء لهذه الرياضة الجميلة، ويجب عليهن ذلك. وبالنسبة لنا معشر النساء، ثمة كثير من الأمور التي تحدد طبيعتنا أكثر من الشعر أو المكياج، أو ارتداء البرقع الذي يخفي كل ذلك في السعودية. قد نغدو طبيبات، وخبيرات في الاقتصاد، ومحاميات، وجيولوجيات، وحتى لاعبات كرة قدم. وكلما زاد عدد الناس الذين يشككون في منحنا حقنا الأساسي في اختيار مَنْ نكون، ازددنا إصراراً على النضال من أجل التغيير.
إقرؤوا أيضاً: سبق عالمي: سمو الأميرة هيفاء بنت عبد الله آل سعود تزين غلاف عدد يونيو من ڤوغ العربية
تصوير: جيكوب وكارول
تنسيق أزياء: سامانثا فرانسيس
تصفيف الشعر والمكياج: أثينا دوتيس
تم تصوير هذه اللقطات في نادي “كرة دوم” لكرة القدم بدبي