تابعوا ڤوغ العربية

ملالا يوسفزي تتحدث عن حياتها الجامعية في أكسفورد والسبب الذي يجعل كلَ فتاة تستحق فرصةً مثلها

ملالا يوسفزي تلتقي فتيات شيبوك بالعاصمة النيجيرية أبوجا.

لباسي الجامعي الرسمي جاهز، والقراءة التحضيرية منجزة، وثمة جزمة جديدة في خزانتي.. هكذا بدأتُ أسبوعي الأول في كلية ليدي مارغريت هول التابعة لجامعة أكسفورد في شهر أكتوبر من العام الماضي. تمثّل الحياة الجامعية تغييراً كبيراً في حياة أي طالب، وأنا لست استثناءً. لا وجه للمقارنة بين أيٍّ من الأطباق التي تُقدَّم في قاعة الطعام بطبق الدجاج والأرز الذي تعدُّه أمي. وفي بادئ الأمر، افتقدتُ والديّ كثيراً، حتى أنني اشتقت لأخويّ الصغيرين أيضاً. كثيراً ما يشتكيان بأنني لا أفتقدهما مثلما يفتقدانني – وهذا صحيحٌ على الأرجح، إلا أن السبب في ذلك يعود إلى أن الحياة في أكسفورد مليئة بالانشغالات.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد نوفمبر 2018 من ڤوغ العربية.

كانت أمامي قوائم طويلة من الكتب التي ينبغي عليَّ قراءتها وكثير من المقالات المطلوب مني كتابتها لأبقى مواظبةً على دروسي في الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وإلى جانب الدراسة، ترغبون أيضاً في الاختلاط مع الآخرين والقيام بنشاطات اجتماعية – سماع الخطابات، والذهاب إلى الحفلات الراقصة، والتشجيع في المباريات الرياضية. وتمثّلت أصعب مهامي في تنظيم وقتي، بما أنني، وعلاوةً على دراستي وضرورة الموازنة بين عملي وصندوق ملالا الخيري، أودَ أيضاً الاستفادة من كل ما تقدمه الجامعة. انضممت إلى نادي الكريكيت، واتحاد أكسفورد، والجمعية الباكستانية في أكسفورد. حضرتُ محاضرات وعروض أفلام، وأيضاً قمت بدور المرشدة في الجولات التي تهدف لتشجيع الطلاب الأصغر سناً، خصوصاً القادمين من مجموعات غير ممثَّلة بالشكل المطلوب، ليتقدموا للتسجيل في كلية ليدي مارغريت هول. أقمتُ صداقات جديدة رائعة، وواجهتُ الكثير من الأيام المثقلة بالالتزامات.

ملالا يوسفزي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، تُلقي كلمة بمدرسة دنڤر ساوث الثانوية يوم الجمعة 21 أكتوبر 2016. Getty

وجدت نفسي في العام الماضي أركض بين المحاضرات، ومجموعات الدراسة، ومباريات الكريكيت، والاجتماعات مع المجموعات خارج المنهج الدراسي. وكنت أذهب إلى غرفة صديقة أو تأتي الصديقات إلى غرفتي لنتبادل الحديث بعد العشاء؛ وعندما أنظرُ إلى الساعة مرةً أخرى، أجدها الثالثة صباحاً! وفي مرات قليلة -بل بالأحرى عديدة- كنت أبدأ بكتابة مقال الساعة 11 مساءً في الليلة السابقة لموعد تسليمه. لقد غمرتُ نفسي بما توفره الحياة الجامعية من إمكانات، وأنا ممتنة لذلك. أعلمُ كم أنا محظوظة لحصولي على فرصة مذهلة لتلقي العلم، ومتابعة المحاضرات، والفنون، والرياضات، ووجهات النظر الجديدة.

في سن الحادية عشرة، استيقظتُ ذات صباح ولم أتمكن من الذهاب إلى المدرسة لأن [حركة] طالبان منعت تعليم الفتيات في سوات، وهي المنطقة التي ولِدتُ فيها في باكستان. أنا مسرورة جداً لأنني تكلمتُ بلا خوف وقمتُ بحملات طوال السنوات التي تلت ذلك. والآن وأنا في الحادية والعشرين من عمري، أتيحت لي فرصة الدراسة في جامعة مرموقة – لكني أريد أن أحيا في عالم تتمكن فيه كل فتاة من التفكير بخياراتها المهنية المستقبلية بنفس الطريقة التي أتطلع إليها عندما أتخرج.

اليوم، هناك أكثر من 130 مليون فتاة غير ملتحقات بالمدارس حول العالم، وكثيرات يُجبَرن على الزواج وهنَّ في الحادية عشرة أو الثانية عشرة لا غير، لذا بدلاً من التعلُّم، يقمن بالطهو والتنظيف وتربية أطفالهن. في عديد من الأماكن، يُجبِر الفقرُ الفتيات على العمل للإنفاق على عائلاتهن. وفي أحيان كثيرة، في ظل الحروب والنزاعات، تجد الفتيات أنفسهن مجبراتٍ على الفرار من منازلهن ومدارسهن. فلا خيار أمامهن، ومعظمهن لا يعدن أبداً إلى المدارس، وبعض الفتيات يسلكن دروباً طويلة ومحفوفة بمخاطر التحرش والعنف الجنسي، وكل ذلك فقط كي يصلن إلى مدارسهن. والبعض الآخر لا تتوفر لهن دورات مياهٍ صالحة، ويتوجب عليهن الاختيار بين كرامتهن أو التعليم، فيما لا تتوفر المدارس إطلاقاً لفتيات أخريات. لقد زرتُ مخيمات لجوء، ومناطق حروب، وأكواخاً، وأحياء فقيرة. وأصعب شيءٍ هو رؤية فتاة في مثل عمري تقريباً، بكل الأحلام والطموحات التي أحملها، عالقةً في ظروف فُرضت عليها، وعاجزةً عن اختيار مستقبلها.

ملالا يوسفزي بصحبة والدتها، وشقيقها، ووالدها في باكستان في وقت سابق من هذا العام. وكانت تلك المرة الأولى التي تزور فيها ملالا وطنها بعد إطلاق عناصر من طالبان الرصاص عليها عام 2012.

حيثما ذهبتم اليوم، تشاهدون تيشيرتات نسوية وشعارات من قبيل: “المستقبل أنثى”، و”قوة الفتاة”، و”مَنْ يُدير العالم؟” – ولكن إن كنا نؤمن حقاً بذلك، علينا دعم الفتيات على جبهات هذا القتال. لقد سافرتُ خلال الصيف إلى البرازيل للقاء الفتيات من السكان الأصليين، اللواتي يواجهن بعضاً من أسوأ أشكال التهميش والعنف في بلادهن لأن أسرهن فقيرة، وبشرتهن “داكنة جداً”، ولأنهنَّ إناث. إحداهن، وتدعى أندريا باك، تبلغ من العمر 17 عاماً، أخبرتني كم كانت متحمسة لدراسة الكيمياء في المدرسة هذا العام، وأنها ترغب في أن تصبح طبيبة أسنان، وأن تخُرِج عائلتها من الفقر، وتقدِّم رعاية صحية ميسورة التكاليف لمجتمعها.

قبل عدة سنواتٍ، قابلت زينب عبدي، وهي فتاة من اليمن تبلغ 21 عاماً. قصَّت عليَّ كيف فرَّت من الحروب في ثلاث دول قبل أن تبلغ السابعة عشرة. واليوم زينب لاجئة تعيش في أمريكا، وتدرس العلاقات الدولية في كلية للفتيات. تعمل في ثلاث وظائف من أجل دفع رسوم تعليمها، وتحصل على أعلى الدرجات، وتخدم في مجلس للطالبات، وتقود فريق كرة قدم. تريد أن تصبح محامية حقوق إنسان وأن تعود إلى وطنها لتساعده.

ومثلي تماماً، فإن أندريا وزينب متحمستان للعودة إلى مقاعد الدراسة. هما تدركان أن التعليم يمكن أن يغيِّر مسار حياتهما ويجعل من السهل أمام الجيل القادم من الفتيات من مجتمعيهما أن يفعلن الأمر نفسه. يجب أن يكون واضحاً أن وجود 130 مليون فتاة غير ملتحقات بمدارس ليست مشكلة أولئك الفتيات الشخصية فحسب، بل هي مشكلة لعالمنا بأسره. فعندما تحصل الفتيات على التعليم لمدة 12 عاماً، من الأساسي وحتى الثانوي، فإنَّ ذلك يقلِّل من خطر النزاع العنيف، ويسهم في تحسين مستوى الصحة العامة، وإبطاء آثار التغيّر المناخي، كما يسهم في نمو الاقتصاد.

ملالا يوسفزي بمقر الأمم المتحدة بنيويورك العام الماضي. Getty

في شهر يوليو، نشر البنك الدولي بحثاً أوضح أنه بإمكاننا إضافة ما بين 15 إلى 30 ترليون دولارٍ أمريكيٍّ إلى الاقتصاد العالمي إن ذهبت كل فتاةٍ إلى المدرسة. وتكسب الفتيات اللواتي يتخرجن في الثانوية في المتوسط ضعفيّ ما تكسبه الفتيات المتسرِّبات من التعليم. ومع التغييرات التي تُحدِثها التطورات التقنية في طبيعة العمل وفي اقتصادنا العالمي، فإن الشابات غير المتعلمات سيتأخرن [عن ركب الحضارة] أكثر من ذلك؛ فالثورة الرقمية والأتمتة وعلم الروبوت والذكاء الاصطناعي كلها تُغيِّر طريقة حياتنا وتعليمنا وكسب عيشنا. ودون بداية مناسبة في حياتهن، لن تملك ملايين الفتيات المهارات التي يحتجن إليها للنجاح في سوق العمل في يومنا هذا. إنهن يعانين طوال العمر من العمل منخفض الأجر ذي القيمة الاجتماعية المتدنية، وكذلك الفقر وعدم الأمان. إمكاناتهن غير المستثمرة خسارة لنا جميعنا.

وسواء كنتم داعمين للحركة النسوية أم خبراء في الاقتصاد -أو تريدون العيش في عالمٍ أفضل- فلابد أن ترغبوا في رؤية جميع الفتيات في المدارس. استمعوا إلى قصص الفتيات، مثل أندريا وزينب، وشاركوها مع أصدقائكم وعائلاتكم. جابهوا الظلم عندما ترونه. صوِّتوا لقادة يؤمنون بالمساواة ويلتزمون باستثمار المزيد في التعليم.

أعود إلى الجامعة هذا الشهر، ومع بدء عامي الدراسي الثاني، أخطط للموازنة بشكل أفضل بين الحياة الجامعية والحياة الاجتماعية. أريدُ أن أمنح الأولوية للنشاطات التي تثير اهتمامي أكثر، وأن أكوّن فكرة أفضل عما أريد أن تبدو عليه حياتي بعد التخرج. لا أعلم إلى الآن أيُّ طريقٍ مهني سأسلك – لكني أعلم أنني سأواصل الدفاع عن الفتيات والنساء. إن كان بوسع فتاة متعلمة واحدة تغيير العالم، فقط تخيَّلوا ما يمكن أن تفعله 130 مليون فتاة.

والآن اقرئي: ملالا يوسفزي تكشف عن خططها للمستقبل

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع