على جزيرة ماديرا، أبدع المهندس المعماري البرتغالي دينو غونسالڤيس ملاذه الخاص الذي استوحاه من عالم الموضة، كما زيّن مساحاته بمقتنيات تروي قصته الشخصية
بعض الناس يُولدون ليكونوا روّاد أعمال؛ فهم يعرفون بالتحديد ما يريدون، ويلاحقون أفكارهم إلى أن تُكلل بالنجاح. وتوجههم في هذه الرحلة روحُهم الحرّة وعزمُهم الذي لا يتزعزع. ودينو غونسالڤيس أحد هؤلاء؛ فهو مهندس معماري، ومصمم داخلي، ومنسّق زهور، ومنسّق واجهات متاجر، ورسّام – كل هذا في آنٍ واحد. وكان غونسالڤيس، الذي يترأس الاستوديو الذي يحمل اسمه، قد تعاون بالفعل مع عدد من العلامات المرموقة مثل «سيلفريدجز» و«هارودز» و«هيرميس»، كما وضع ديكورات عدد من الفعاليات للأمير ألبرت أمير موناكو، والملكة ليتيزيا ملكة إسبانيا، ودوق ودوقة كينت، وغيرهم من النبلاء. ويقيم غونسالڤيس حاليًا في موطنه البرتغال، وقام بالفعل بتنفيذ عديد من المشروعات في الشرق الأوسط، لفندق أرماني في برج خليفة بدبي، ولشخصيات من العائلة المالكة في البحرين. وجدير بالذكر أن بلوغ هذا المستوى من النجاح لم يحدث بين عشيّة وضحاها.
كان غونسالڤيس يحلم منذ صغره أن يصبح رسامًا. وانتقل من ماديرا -حيث وُلِدَ وترعرع – إلى لشبونة لدراسة العمارة في الجامعة. يقول: «لم أكن أحب العيش في العاصمة، وكنتُ أتوق للعودة إلى جزيرتي الساحرة وسط المحيط الأطلنطي حيث أشاهد يوميًا المنحدرات الرائعة والشواطئ الصخرية والجبال المكسوّة باللون الأخضر». بيد أنه اضطر إلى الانتظار لبضع سنوات قبل أن يحوّل حلمه إلى حقيقة. وشهد غونسالڤيس نقطة التحوّل في مسيرته المهنية أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ لم يستسلم إزاء رفض مشاركته في بادئ الأمر في منصة التصميم الداخلي السنوية «كازا ديكور»، بل أصرّ على إظهار موهبته. وبالفعل، أتى إصراره بثماره، وتم التواصل معه في نهاية المطاف قبل انطلاق الفعالية بيوم واحد من أجل أن يحلّ محلّ أحد المصممين. ومنذ ذلك الحين، تلقى غونسالڤيس الدعوة للمشاركة في عدة دورات من «كازا ديكور»، وبنى شبكة علاقاته، وكوّن علاقات تجارية في أنحاء كثيرة من العالم، وأصقل ممارساته.
والآن، اهتدى غونسالڤيس إلى التوازن الأمثل في حياته المتخمة بالمهام والتي يقسمها بين لشبونة – يقول عنه: «مكان نشأتُ على حبه» – ومكان إقامته في جزيرة ماديرا حيث اشترى بيتًا ثانيًا خلال فترة الجائحة. وأسهمت دوافع، مثل الطقس المشمس طوال العام ووجود عائلته علاوة على كثرة أعماله في الجزيرة، في إقناع المهندس المعماري بأن هذا الاختيار هو الصحيح. وبالفعل، اختار شقة تمتد على مساحة 270 مترًا مربعًا في مدينة فونشال، بالمجمّع السكني الفاخر «ساڤوي ريزيدنس كازا برانكا»، حيث تتميّز العمارة الحديثة بدرجات الرمادي الداكن وتهيمن الخرسانة المكشوفة على المشهد. وتمتاز هذه المساحة، ذات الواجهة الجنوبية، بوفرة الضوء الطبيعي، وتشرف علاوة على ذلك على مشاهد خلّابة مطلّة على المحيط الأطلنطي. وفي نفس الطابق الذي توجد به الشقة يتوفر المسبح ومنتجع السبا علاوة على مساحات خضراء. وفي الداخل، يقبع المطبخ وغرفة المعيشة وغرفة الطعام التي تتمتّع جميعها بالجاذبية، بينما تحتوي كل غرفة من غرف النوم الثلاث على حمّام وخزانة خاصين بها. وتربط النوافذ الكبيرة دومًا بين التصاميم الداخلية للشقة والتصاميم الخارجية.
«كان مصدر إلهامي في هذه الشقة فستان أبيض مائل للأصفر للمصمم هيرڤيه بيير»، هكذا يقول غونسالڤيس الذي ركّز على هذا اللون دون غيره، بمختلف مستويات ملمسه، ليشكّل منه درجات لونية متناسقة في أرجاء الشقة، فيما تتداخل مواد البناء والديكور لتشكّل معًا طابع التواصل والاستمرارية بين مختلف المساحات. كما اهتم بالإضاءة، فاختار مصابيح خافتة وناعمة لبث جو من السكينة والراحة والأناقة، واضعًا أيضًا جميع تركيباتها بطريقة مدروسة تضيء بدورها اللوحات الفنية تمامًا وكأنها معروضة في إحدى صالات العرض.
لقد تخيّل غونسالڤيس جميع تفاصيل شقته وفي ذهنه أجواء معيّنة أراد أن يعكسها في تصميمه. ويصفها قائلاً: «تخيّل شمعة كبيرة بها عدة فتائل مشتعلة ببيت مخضب بالأبيض المائل للبيج في [جزيرة] ميكونوس، وفيه يجتمع [مشهد] الغروب مع رائحة الخزامي والبحر. إنه أسلوب المعيشة في هذا البيت – فهو بيت أنيق وراقٍ وعملي وخالد، بينما تعدّ سهولة المعيشة به أروع ميزاته».
وقضى غونسالڤيس عامًا في تزيين كل ركن من أركان شقته، وشيئًا فشيئًا، استطاع أن يهيّئ الأجواء المثالية. وقد أتى بأقمشة التنجيد البوكليه والقطنية من علامات فرنسية وإيطالية. وصمم أغلب أثاثه في «ستوديو دينو غونسالڤيس»، بينما جلب بعضه من الدنمارك، مثل الطاولة المركزية في غرفة المعيشة التي تعود للثمانينيات. واشترى بضع قطع مميّزة من المزادات، مثل المصابيح في الجناح ولوحة الخريطة الكبيرة في المطبخ. وأغلب القطع الخزفية –من تصميمه الخاص – جاءت من جنوب إيطاليا. أما الأكواب المصنوعة من زجاج مورانو فقد جلبها خلال رحلاته ونسّقها مع قطع خشبية من شمال البرتغال، وأيضًا مع إبداعات من الخيزران واللوحات التي رسمها خصيصًا لهذا البيت. وتساعد الستائر الكتانية بنسبة 100%، والمصنوعة داخل البلاد، على الفصل بين المساحات المختلفة. وبعنايته البالغة بجميع التفاصيل، أراد بث جو مريح لا ينقصه الرقي. يقول: «تعود إلى البيت، وتبدّل أزياءك، وترتدي أزياءً كتانية مريحة، وتشعل الشموع، وتعطّر البيت برائحة اليوسفي والريحان، وتفتح النوافذ، فتشعر بنسيم المحيط، وتشتم رائحة أشجار فنشال بتناغم مثالي».
وقبل أن يصمم هذه النسخة الأخيرة من بيته، كان قد أتمّ بالفعل ديكورات شقته. ولكنه باع جميع محتوياتها وبدأ من جديد حين أغرم أحد عملائه بتصميمها بعد أن رأى صورها على إنستغرام. يؤكد: «كل منزل أُصممه وكأنه لي، سواء كان منزلي أم مشروعًا لعميل، وأضفي فيه الكثير من ذوقي وجمالياتي، وأيضًا الأبعاد والمقاييس التي تعجبني. وأضع دائمًا روحي وبصمتي حتى يكون جوهر أعمالي ماثلاً للعيان». وبهذه الأفكار العديدة التي تجول في رأسه، يقف غونسالڤيس دائمًا متأهبًا لخوض التحديّات الجديدة ومستعدًا لما تحمله الأيام. والآن، يستمتع بهذا البيت البديع في ماديرا كجانب من نشاطاته في الصيف.
الموضوع نشر للمرة الأولى في عدد شهر يوليو من المجلة