تابعوا ڤوغ العربية

تنطلق المجوهرات الراقية في رحلة فاخرة في عالم الألوان بفضل عودة الأحجار شبه الكريمة إليها

“ماذا لو استلزم أحد الخواتم شيئًا أكثر ضبابيةً وغموضًا مما يقدمه الألماس؟”

بين أحضان باريس، يعرض باتريس ليغيرو مدير مشغل إبداع المجوهرات في ’شانيل‘، لوحة أفكاره. وهذه اللوحة لا تحمل صورًا مجمّعة قُصت ولُصقت كالمعتاد (كولاج)، بل طائفة من الألوان المائية طلاها بيده الواثقة بفرشاة عريضة. وإلى جانب الأسود القاتم، كانت درجات غروب الشمس تقفز من بين ثنايا الصفحة. ويتساءل: “أليست هذه الألوان هي التي يمكن تخيّلها لـ’شانيل رقم 5‘؟”. وخارج الغرفة، يتألق بالحيوية عدد كبير من قطع المجوهرات الراقية التي أبدعها احتفالاً بمرور 100 عام على إطلاق أشهر عطر في العالم –والبالغ مجموعها 123 قطعة– بألوانه بالاستعانة بالألماس والأحجار الكريمة وشبه الكريمة. وتنبض نفحات الياسمين واليلانغ يلانغ بالحيوية في هذا العطر بالألماس والعقيق، بينما تضج قلادة Golden Burst بألوان: التوباز والذهب الأصفر والبلاتين والألماس. وتتميز الأحجار شبه الكريمة بطائفة واسعة من الألوان، من البني إلى الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر والوردي والأرجواني. ويتجلى بريق الأحجار الكريمة وجاذبيتها، سواء الألماس أو الصفير أو الياقوت، عند النظر إليها حتى بالعين المجردة. وهي تتحدث لغة الفخامة والثراء والرغبة والقوة – الشهوات التقليدية للإنسان. ولا عجب أن تظل هذه العناصر المتلألئة منذ أمد بعيد تمثل الرمز الأسمى للمكانة الاجتماعية. بيد أنها قد تضع قيودًا أمام أكثر مصممي المجوهرات إبداعًا وطموحًا. والآن، تعود الأحجار الصلبة، أو شبه الكريمة، إلى مجموعات عدد من أفخم دور المجوهرات في العالم.

وحين يحدق المرء في الصفير، تأسره أسطحه البراقة. وعلى هذا الحجر تنعكس المحيطات والسماوات ومشاهد القطب الشمالي، كما يعاد تخيلها من خلاله مجددًا. يتكون الصفير من الكورَندوم، وهو معدن يوجد في الصخور النارية، ويتشكل حين تبرد هذه المادة النارية بمجرد تعرض الصهارة السائلة للهواء. وكلما كانت عملية التبريد أبطأ، كانت الحجارة أكبر. ورغم أن النار والحرارة قد تشكلان هذا الحجر، فإنه يذكرنا على الفور بالمناخ البارد. ويوفر الصفير إمكانات واسعة للمصمم، بألوانه التي تتراوح ما بين الأزرق والأصفر والوردي والأبيض. ولكن ماذا لو كان صائغ المجوهرات يبحث عن درجة معينة من اللون الأزرق؟ أو كان الياقوت الأحمر الدموي لا يمثّل الدرجة التي يحتاجها؟ ماذا لو استلزم أحد الخواتم شيئًا أكثر ضبابيةً وغموضًا مما يقدمه الألماس؟ أو ماذا لو أراد شيئًا غير لامع؟ ومن هنا لجأ المصممون إلى عالم الأحجار الصلبة.

وتعد الأحجار الصلبة، أو ما يُسمى غالبًا بالأحجار شبه الكريمة، أقارب للياقوت والألماس والزمرد والصفير. وهي جواهر في حد ذاتها، ويستخدمها الصاغة بنفس الطريقة إلى حد كبير، رغم أنها أقل قيمةً عادةً من أقاربها الأكثر شهرةً. ويمكن استخدام الأحجار الصلبة لصنع قطع أكبر وأعرض من الأحجار الكريمة التقليدية لأن الحصول عليها أقل كلفةً. كما أن الأحجار الصلبة تصلح أيضًا للتصاميم المعقدة التي قد تتضمن عددًا كبيرًا من القطع المنفردة.

ولعل الإضافة الأكثر إثارةً للاهتمام التي تضيفها هذه النوعية إلى ذخيرة الصائغ هي ألوانها التي تفوق الوصف. فقد تلتقط أسطح الأحجار التقليدية الضوءَ ولكن لا شيء يضاهي عمق الألوان غير اللامعة التي يقدمها عديد من الأحجار الصلبة، حتى إن الصفير يتوارى بجوار اللازورد. وتتراوح درجات اللون الوردي في حجر المورغانيت بين الشاحب والعميق والداكن وشبه الأبيض، وهكذا. ويقدم العقيق أحلك درجات الأسود، تمامًا وكأن المرء ينظر إلى أعماق الفضاء. في حين يضفي اليشب، الحجر الأشهر في آسيا والمحبوب جدًا فيها، درجات الأخضر الكريمي على العروق العميقة شبه السوداء. أما عمق الألوان، التي تظهر عندما ينظر المرء إلى الأحجار الصلبة، فيمتاز بأنه لا نهائي، لذا فلا عجب في أن يستخدمه عدد من أشهر وأرقى دور المجوهرات الراقية في العالم.

ويتجه المصممون، سواء في “شانيل” أو “بولغري” أو في الشركات الصغيرة مثل “هاوس أوف جيرارد” و”بوميلاتو”، لاستخدام الأحجار الصلبة كقطع قائمة بذاتها أو كمكملات للأحجار التقليدية. وقد قدمت “ديور” في مجموعتها Rose des Vents أقراصًا من الأحجار الصلبة في خطوطها التي تمتاز بسهولة ارتدائها، فأتاحت بذلك بديلاً مغريًا للأحجار التقليدية. وعرضت “بولغري” مؤخرًا مجموعة ساعاتها ومجوهراتها الراقية Magnifica في شنغهاي، والتي امتازت بقطع جريئة غير معتادة. وكانت الأحجار الصلبة، مثل الروبليت والعقيق الأسود والزبرجد، تزين القلائد والساعات. وخلال أسبوع الموضة في باريس، عرض مصمم المجوهرات اللبناني سليم مزنر، الحائز على جوائز والذي يصف نفسه بأنه “متفائل لا يمكن كبح جماحه”، طائفة من الألوان بصالونات كبار الشخصيات في متجر Le Bon Marché. يقول إن اللون يحدد طبيعته [طبيعة المصمم]. وكانت قطعه الشاعرية الوفيرة، التي صُنعت جميعها يدويًا من الذهب الوردي في بيروت، زاخرة بالتورمالين والمورغانيت والرودوليت والزبرجد. وقد علقت إحدى العميلات في ذهول قائلة: “لا أستطيع أن أكف عن التحديق بها”. وأمسكت عدة خواتم مرصعة بأحجار شبه كريمة وكدّستها على أصابعها النحيلة.

وقد يقول قائل إن هذه الأحجار ليست شيئًا جديدًا، مشيرًا إلى ورش صقل الحجارة الكريمة التي أقامها كارل فابرجيه وشهدت ازدهارًا إبان الإمبراطورة الروسية. وقد أبدع هذا الاسمُ الشهير في عالم المجوهرات قطعًا عامرة بالأحجار الصلبة بجميع الأشكال والأحجام والألوان لإسعاد القياصرة والملوك والدوقات، من الملكيت الأخضر واليشب الأحمر المرقط إلى المرمر الغني بلونه الفاتح والعقيق البرتقالي المذهل.

والأحجار الصلبة ليس فقط تزين الجسم، بل وتم استخدامها أيضًا في صنع قطع أثاث استثنائية، منها طاولة Tavolino di Gioie التي تعد ضمن المعروضات الدائمة لمتحف اللوفر أبوظبي، بسطحها المصنوع من المرمر المطعم باليشب وحجر الدم والكورنيل واللازورد وغيرها. وقد صنعها النحّات برناردينو دي بورفيريو دا ليتشو بتكليف من عائلة ميديتشي من لوحة لجورجيو ڤاساري، بين عامي 1568 و1577. كما كانت هذه العائلة أيضًا مسؤولة عن إقامة Opificio delle Pietre Dure، وهي ورشة عمل متخصصة في الحجر الصلب.

وشأن كثير من الأشياء، تعود الأحجار الصلبة إلى الأضواء من جديد؛ فهي قبل كل شيء، احتفال بالألوان. إذ تقدم الأحجار شبه الكريمة لوحة من الألوان لا يمكن للأحجار الثمينة منافستها، من الدرجات الوردية الرقيقة إلى الأسود الفاحم والبرتقالي الجريء والأخضر العميق وكل ما بينها من ألوان. وسواء كانت برفقة أقاربها الأكثر شهرةً أم كانت قطعًا مستقلة، فإن عالم الأحجار الصلبة مشرق وجريء ولا حدود له بالتأكيد. وفي هذا الأوقات المظلمة في غالبها، يمكن للجميع استخدام مزيد من الألوان في حياتهم.

 

اقرئي ايضاً : ملحمة يونانية في عرض مجموعة كروز 2022 لدار ’ديور‘ في أثينا بقيادة المديرة الإبداعية ماريا غراتسيا كيوري

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع