تابعوا ڤوغ العربية

باسل خياط يترجم حالة استثنائية من الحب من خلال دوره في مسلسل الثمن

تصوير Timoféy Kolesnikov تنسيق الأزياء Cedric Haddad

باسل خياط، قلب الموازين وغيّر نظرة الناس في الحب، يقف أمام الكاميرا ليترجم حالة استثنائية من الموهبة متفوّقاً على نفسه في الكثير من الأحيان، سوري الهوى والهوية، عائلته أولوية ولو شعر بسيطرة مهنته على حياته فيتخلّى عنها بأي لحظة

المتعة، جرعة كبيرة من الرومانسية، الإيمان بالتضحية من أجل الحبّ بكافة أشكاله.. هذا هو الثمن الذي يدفعه كلّ من تسمّر أمام الشاشة ليتابع مسلسل «الثمن». وجرعة الرومانسية التي يحظى بها المشاهدون فريدة من نوعها، فمن يضخها في قلوبهم هو النجم السوري باسل خيّاط!

«دور من أسهل الأدوار التي لعبتها، أدواري السابقة مركّبة ومعقّدة. هذا النوع من المسلسلات التي تحاكي مجتمعنا العربي ممكن أن تكون صعبة في طرحها لكنّ دوري أنا كممثل كان سهلاً بسيطاً وممتعاَ»، هذا هو رأي خيّاط بدوره في هذا المسلسل.

«الثمن» مسلسل غير واقعي يُعرض على منصة شاهد، وقد قلب الموازين وأصبح للشارع العربي مادة دسمة تطرحها النساء ويناقشها الرجال ويرويها الشايب. تدور أحداث المسلسل حول سارة (رزان جمال) التي تبحث عن عمل يؤمّن لها المال لمعالجة طفلها المريض بسرطان الدم. تشاء الظروف أن تتقدم للعمل في شركة ترفض توظيف المتزوجات أو الأمهات، مما اضطرها للكذب للحصول على الوظيفة ولكن الأمر الذي ازداد سوءًا هو المهلة القصيرة التي تملكها لأجل جمع أموال عملية ابنها. تُضطر سارة لقبول عرض مديرها (باسل خيّاط) مقابل ثمن لم يكن أبداً في الحسبان بعد أن رفض جدّ ابنها مساعدتها. مع تقدم الأحداث يكتشف المدير الحقيقة ويحاول الاعتذار منها ليجد نفسه واقعاً في حبها.

تصوير Timoféy Kolesnikov تنسيق الأزياء Cedric Haddad

يشارك باسل على غير العادة في مسلسل طويل ويقدّم عبر حلقاته شخصية زين التي تتعارض مع الحدّية التي اشتهر بها باسل والتي ربما يوحي بها شكله الخارجي. يُعزى قبول باسل لهذا الدور رغبته في تلبية طلب الكثيرين الذين اشتاقوا لرؤيته بدور رومانسي وحاجة العالم العربي الماسّة إلى هذا النوع من الدراما، لا سيما وأنه يفتقر إلى هذا النوع من العلاقات التي ينعدم فيها التواصل بين الرجل والمرأة. «زين» رجل عطوف وحنون يدلّل المرأة ويسعى وراء صوت قلبه متخطياً كل الحواجز التي تواجهه، حاول باسل من خلالها تسليط الضوء على هذا النوع من العلاقات، وقد قال: «أردت أن أعرف الشخص كيف يمكن أن يتصرف لو وضع في الظروف ذاتها. لم أقدّم نموذجاً للرجل في كيفية تعامله مع المرأة، لكنّني كنت أرى من خلال أعين «زين» كيف يمكن أن تبنى العلاقة بين الرجل والمرأة، ولم أعمل على فكرة الرسالة الموجّهة».

النجاح الذي حققه المسلسل منذ حلقاته الأولى ملفت، والأصداء التي تتداول على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد على إعجاب الجمهور بالمسلسل ككل وبشخصية زين. إلا أن بريق هذا النجاح الباهر لم يتمكن من إخفاء أجواء الكآبة والحزن والأسى التي خيّمت على اللقاء الذي جمعنا بالنجم السوري باسل الخيّاط في التاسع من فبراير. جوّ يفرض نفسه بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير ليدمّر مناطق عن بكرة أبيها في كلا البلدين. ولم يعزّي الممثل الشاب أن أحداً من عائلته أو معارفه لم يصب بأذى، فالفاجعة كبيرة والمُصاب الذي ألّم بالشعبين السوري والتركي وجد لروحه وقلبه طريقاً، هو الذي بالكاد تخطى الأزمة النفسية التي وقع ضحيتها بعد أن عايش ما حلّ ببلده جرّاء اندلاع الأزمة السورية التي بدأت عام 2011، هو الذي لم يتوقّع أن يشهد يوماً مآسي شعب ومعاناة وطن أحبّه. «العبرة لمن اعتبر» … بهذه الكلمات علّق خيّاط مشيراً إلى أن نتائج الزلزال ستظهر تباعاً وستستمر في زرع مشاعر أليمة في نفوس الناس.

أزمة باسل النفسية لم تكن مجرد كلام… فقد لازمته لمدة عامين اشتد به الحال لدرجةٍ عجز معها عن الوقوف أمام الكاميرا: «لم أعد أحتمل وقوفي أمام الكاميرا ولا يمكنني شرح ذلك مع أنّني أتعامل مع مهنتي بكل حرفية. خارت قواي أنا الذي كنت بأمس الحاجة إلى هذه القوة لأحمي ابني «شمس» وعائلتي»، وتابع قائلاً: «تنقّلي من بلد إلى آخر وحساسيتي العالية جداً وإحساسي بالمستقبل الغامض، كلّها عوامل ساعدت على تحويلي إلى شخص مكبّل اليدين، وضعيف الحيلة، كنت حاضراً جسدياً وغائباً نفسياً وأردت أن يذكّرني أحدهم بوجودي». والغريب أن باسل لم يلجأ إلى أي اختصاصي في علم النفس، فالفترة التي عايشها كانت صعبة جداً، فضّل أن يداوي نفسه بنفسه وأن يترك الحزن يأخذ مجراه في نفسه علّه يكتسب مناعةً ضد الأزمات والأحزان.

تصوير Timoféy Kolesnikov تنسيق الأزياء Cedric Haddad

بدايات باسل في التمثيل وليدة الصدفة، فهو لم يسعَ وراء التمثيل، فقد وجد نفسه صدفة على خشبةٍ حركت مخيلته وفتحت له الطريق ليدخل إلى عالم التمثيل. ففي طفولته انضم باسل إلى الكشاف الذي أتاح له المشاركة في العديد من النشاطات ومنها الفنّية. تعرّف باسل الشاب ضمن ما تعرف عليه في الحياة الكشفية على المسرح إنما كمشاهد، فقد كان يجلس إلى جانب أولياء الأمور لمتابعة الأعمال التي كان أصدقاؤه يقدمونها على خشبة المسرح. جلوسه متفرجاً خلق لديه فضولاً للتعرف أكثر فأكثر على هذا المجال الغامض على حد تعبيره، «يطل أصدقائي من خلف ستائر سوداء على مسرح فناء المخيم الخلفي، يؤدّون أدوراً لشخصيات غريبة، ثم يصفق لهم الأهل». فكرة فريدة نالت إعجاب الشاب الصغير فقررّ أن يشارك، إلا أن التجربة غيرت انطباعه ولم يُعجب بما قام به. وبعد أن حدّثه زوج خالته الذي كان يعمل في استوديوهات في أمريكا عن صناعة الأفلام، قرر دراسة الإخراج، وهو تخصص لم يكن متاحاً وقتها في سوريا فاختار التمثيل كونه الأقرب إلى رغبته والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

ومع تدفق هذه الذكريات، استعاد باسل سمير الخيّاط المولود في منطقة الديوانية في فترة السبعينيات في سوريا صوراً عاشها في الحيّ الشعبي. صحيح أنه غادر موطنه الأم منذ ١٠ سنوات إلى دبي العظيمة، على حدّ قوله، وحصل فيها على الإقامة الذهبية فأصبحت هي الأمان والملاذ لشاب مقدام وطموح، وصحيح أن الفرصة لم تُسمح له للعودة مجدداً إلى سوريا إلا أن صورة الحي، ومنزل والديه المتواضع، وغرفته الصغيرة، وأصدقاء الطفولة لا تغادره أبداً وتتراءى له أحداثاً يليق بها أن تُدوّن في رواية، نظراً لغناها بالشخصيات الاستثنائية والقصص الفريدة. يذكر أيضاً مسلسلات الأبيض والأسود كمسلسل «صح النوم»، وعمله على غرار غيره من الصبيان في العطل المدرسية، وقد أخبرنا قائلاً: «كنت أبيع «حلاوة بالسميد» تحضّرها والدتي والصبّار الشوكي، بعد ذلك ومع انخراطي في الحياة العملية، عملت في بيع الحقائب المدرسية والأحذية». لم يخجل باسل يوماً من هذه المهام فقد ساعدته على بلورة شخصيته وعلى تحسين أسلوب تعاطيه مع محيطه، وقد أكّد أنه لم يعمل يوماً من أجل المردود المالي فحسب، بل كان سعيداً بتحمّله هذا النوع من المسؤولية في سن مبكرة.

بعد التخرّج بدأ مشوار باسل الفنّي وبدأت فصول حياته المهنية، فالانطلاقة كانت مع «مسلسل الخيزران» عام ١٩٩٩ لتكلل مسيرته بأعمال تلفزيونية ومسرحية وسينمائية كثيرة. شارك باسل في العديد من المسلسلات تخطّت جغرافية سوريا وبطولات سينمائية أبرزها فيلم ثنائية «باب الشمس» في العام 2002 للمخرج يسري نصر الله، أول عملٍ له في مصر والذي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي واعتبرته مجلة تايم الأمريكية واحد من أفضل 10 أفلام تم عرضها في العام 2004، وفيلم «الشياطين: العودة» في العام 2007 المستوحى من سلسلة روايات الجيب الشهيرة الشياطين الـ13، والفيلم الغنائي الاستعراضي «سيلينا» للمخرج حاتم علي.

تميّز باسل بأسلوب مميز وفريد في التمثيل، فهو يمثّل بإحساس عال ويتعامل مع مهنته بحرفية لا يشوبها شائبة، يمكن للمشاهد قراءة أدائه من خلال نظرة عينيه، يستحضر باسل المشاعر ويديرها بشكل محترف. انطلاقاً من خبرته الطويلة في هذا المجال يعتقد باسل أنّ الجمهور يهوى الغموض الذي يحوم حول شخصية أي ممثل، وباسل وهو الملك على عرش هذه الأدوار. لباسل القدرة على التعاطي مع النص الذي بين يديه دون حفظه، فموهبته وسرعة بديهيته ساعداه على التعامل مع النصوص الفنية بكل أريحية، فبمجرد قراءة النص يخزّن المعلومات ويؤدي دوره وعن هذا يقول: «أخزّن المعلومة وأرتجل في معظم أعمالي، يكفيني رؤوس الأقلام».

قدّم باسل العديد من الأدوار بمهارة تجعل من الصعب تصور فنان آخر بديلاً عنه، فهو يحسن الإلمام بتفاصيل الشخصية ويحوّلها إلى واقع ينبض بالحياة، ومن أدواره الدرامية التي قدّمها هي «أسرار المدينة» و«نيران صديقة» و«طريقي» و«الميزان» و«30 يوم» و«الرحلة» و«تانغو» و«الكاتب» و«النحات» و«منعطف خطر» وغيرها الكثير.

لعب باسل أمام ممثلين مخضرمين وآخرين في مستهل مسيرتهم الفنية، يقبل الملاحظة التي تأتي في مكانها ويقدّم الكثير من خبرته ويوجّه غيره لو دعت الحاجة إلى ذلك، ويقول: «أنا فنان كريم بعمله وأحاول منطقة ما ليس له منطق». يؤمن باسل بالمنافسة الصحيّة وبرأيه هذا العامل يحفّز كل شخص وليس الممثل فقط على تقديم الأفضل، وهو من الفنانين الذين يركّزون على عملهم فقط ولا يراقب الآخرين. باسل يتابع أعماله ويتحوّل إلى جلّاد ينتقد نفسه بقسوة، يمتلك غرور ذاتي وليس مهني وثقة عالية بنفسه. المهنة التي اختارها باسل أخذت منه وقدّمت له، فالعمل الفني يحتاج إلى توازن ويقول: «أنا أعشق مهنة التمثيل، ولكنني مستعد للتخلّي عنها بأي لحظة لأنني أرفض أن تسيطر على حياتي». يحب باسل تمثيل الممثل الإنكليزي Daniel Day-Lewis والممثلة الأمريكية Jane Fonda.

أعمال كثيرة وضعت باسل في مصاف كبار الأسماء لكنّه لا يمكنه أن يحكم عليها ويغربلها وهو كممثل محترف يعيد النظر في أعماله فهناك أعمال كثيرة تمنّى لو كانت بشكل أفضل ويقول: «مسيرتي الممتدة لأكثر من عقدين عبارة عن حقل تجارب أكتشفه كل يوم، وفكرة الممثل ليست سهلة، عليك أن تكون مثقفاً وواعياً ولديك القدرة على البحث، أنا أطوّر من قدراتي بشكل مستمر».

باسل في الحياة الواقعية رجل خجول وطيب القلب لمن لا يعرف هذا لكنّه دائماً يغلّفه بالقسوة والحدية ويُخفي هذا الطبع لتفادي استغلاله، يتّبع حدسه ويعترف بأخطائه ويتعلّم منها ويعمل على تحسينها. هو الأب الحنون والزوج المتفهّم والرجل البسيط عائلته الأهم في حياته، يفضّل عدم دخول شمس (ابنه) وإيزابيلا (ابنته) إلى عالم التمثيل، لا يجبرهما على متابعة أعماله كي لا يتأثرا، ويبرر رفضه ويقول: «طريق التمثيل وعر ومتعب وحساّس وليس له أمان».

١٥ عاماً من الزواج سمحت لشريكة حياته ناهد زيدان للتعامل مع حياة زوجها بشكل عقلاني لأنّه قدّم لها المعطيات الصحيحة، «أنا شرقي، ولكن لست سي السيّد»، هكذا عبّر عن تعاطيه مع رجولته. هذا الرجل العربي يعود طفلاً ويتألّم عند سماع كلمة «بابا»، فمع رحيله افتقد باسل لدعوات الأب، وفكرة وجوده دعم بحد ذاته له، وباسل أخذ طيبة القلب من والده رحمه الله.

أناقة باسل علامة تميّز النجم السوري بالإضافة إلى أسلوبه الخاص في التمثيل. أطل باسل قبل جلسة التصوير بثياب غير رسمية وحذاء رياضي، قميص بأكمام قصيرة تكشف عن ثلاثة وشوم على ذراعه اليسرى، الأول هو عبارتان للشاعر الفرنسي آرثر رامبو: It has been rediscovered again. What? – Eternity أي لقد أُعيد اكتشافه من جديد، ماذا؟ الخلود، وIt’s the sea fused With the sun أي حين ينصهر البحر مع أشعة الشمس. كانت هذه الجمل الوحيدة التي بقيت على جدار غرفته في منزله في سوريا بعد أن هدمه التنظيم المدني، فقرر أن يضعها وشماً على ذراعه، فهي بنظره ترجمة لبعد فلسفي في حياته، ورسم خطه الشاعر بكلماته. أما الوشم الثاني فهو شكل الصبار الشوكي الذي باعه في صغره، في حين يمثل الثالث خطوط هندسية، وكلها وشوم تعني له الكثير وتعبّر عن حالات عاشها واختبرها شخصياً.

كممثل يدرك باسل أن مهنته تتطلّب منه مظهراً أنيقاً يختاره بمساعدة زوجته متّبعين قاعدة «لكل مقال مقام»، في ما يترك المهمة لمنسق أزياء المشاهير سيدريك حدّاد عند التحضير للمناسبات الكبيرة. اليوم، يحضّر باسل لمشروع لا يمكنه الإفصاح عن تفاصيله، إلا أنه يعد نفسه أن يحقق الحلم الذي رافقه منذ صغره حتى قبل التمثيل ويمنّي نفسه ومحبيه بالوقوف يوماً ما وراء الكاميرا كمخرج.

 

ظهر الموضوع للمرة الأولى على صفحات المجلة عدد شهر مارس 2023 

مدير قسم الأزياء Amine Jreissati مسؤولة العناية الشخصية Kavya Raj مساعد الإضاءة Denis Timoshenko مساعدتا تنسيق الأزياء Rita Abi Antoun وAlyaa Hajaig المنتج Sam Allison المنتجة في موقع التصوير Danica Zivkovic شكر خاص لـ Ka’ak Al Manara

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع