تابعوا ڤوغ العربية

الوردة الذهبيّة نزهة العلوي كما ظهرت على صفحات ڤوغ العربيّة

نزهة العلوي، بعدسة تيبي كلينسي، تنسيق دينا ياسين، لصالح عدد شهر سبتمبر من ڤوغ العربيّة

تبدو نزهة العلوي رقيقة حالمة، لكنّها قوية أيضاً لا تتخلّى عن فكرة اقتنعت بها أو حلم قرّرت تحقيقه. عيناها تتعلّقان بنقطة واحدة وهي تفكر في إجابة عن سؤال أو في حلّ لمشكلة نبتت فجأة. تحدّق إلى الغد، ما تراه يشكّل ملامح مشهد مستقبلي. هذا ما لاحظناه خلال «دردشات» جمعتنا بنزهة على مدى أيام أمضيناها معاً في مراكش

نشر هذا المقال داخل عدد شهر سبتمبر من ڤوغ العربيّة 

نحن أيضاً نريد أن نمّكن المرأة، نريد أن نمهّد الطريق للباحثين عن حياة أفضل. لكننا في معظمنا لا نجرؤ على تحويل أفكارنا وأمانينا حقائق ووقائع. أما نزهة فقد تجرأت وأنجزت. لعلّ هذه السيدة المغربية الناعمة والقوية، التي ما زالت في الخامسة والثلاثين، تمثّل نموذجاً لقوة الإرادة والتمسّك بالأحلام. 

وضعت نزهة العلوي أسس نموذج رائد يشكّل مؤسسة مَيْشاد Mayshad المتعدّدة الاتجاهات والأهداف التي ترأسها وتجمع بين ريادة الأعمال والالتزام بالقضايا الاجتماعية كتمكين المرأة ونشر الوعي حول التغيير المناخي وإرشاد جيل الألفية. وتسمح بتنفيذ هذه الأهداف خطوات عملية ترسمها نزهة برؤيتها الفذّة منها تصميم حقائب اليد وبيعها وفرض بصمة في عالم الضيافة عبر دور وفنادق افتتحتها وتسعى إلى افتتاحها.

التخطيط لأعمال مربحة لم يأت من دون أهداف سامية في عالم نزهة العلوي التي تكشف أنّ تنفيذ رؤيتها تم على مراحل مختلفة. «وهي ليست مراحل مبنية على التغيير، بل على البناء. المرحلة تمهّد للأخرى. مشاريعي الخمسة، أو شركاتي الخمس، تعكس الجوانب المختلفة في شخصيتي منها: المصمّمة، وطالما كنت مبدعة في هذا المجال، والناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أقوم به للتعريف بمؤسسة ميشاد والنشاط الخيري الذي أسعى عبره إلى ردّ الجميل إلى المجتمع. ثمة أيضاً وحدة لتطوير مشاريع الأعمال، وأنا طالما كنت بارعة في التخطيط للمشاريع. أما طفلي الجديد الآن، فهو تجربة الضيافة والسياحة الفندقية مع جنان ميشاد ودار ميشاد». 

نزهة العلوي، بعدسة تيبي كلينسي، تنسيق دينا ياسين، لصالح عدد شهر سبتمبر من ڤوغ العربيّة

ما يثير الإعجاب في تجربة نزهة هو قدرتها على التخطيط والعمل على جبهات مختلفة. «النساء موهوبات في إنجاز مهام مختلفة والنجاح فيها على تنوّعها. وأنا شخصياً، عبر أدواري المتعدّدة، أحقّق وجودي كامرأة. لا أنكر أن عدداً من المستشارين حاولوا خلال رحلة تطوير شركتي أن ينصحوني باختيار اتجاه واحد واضح ومحدّد، لكنني لم أقبل بأن أختار بين أحد جوانب شخصيتي». 

لا بد أن ثمة ما أثّر في شخصية نزهة وفتح عينيها وقلبها وعقلها على التواصل مع الآخرين. كلامها على طفولتها كشف عن فيلسوفة صغيرة نمت في داخلها. «منذ أيام طفولتي كنت شغوفة بالعقل الإنساني. أراقب الآخرين وأحاول فهم سرّ السعادة ومعناها. كنت تلميذة مجتهدة في المدرسة حتى الثالثة عشرة. ثم فقدت الاهتمام بما أتعلّمه في الصفوف، لأبحث عمّا يمكن أن أتعلّمه خارج أسوار المدرسة الفرنسية الخاصة التي سرعان ما طُردت منها. وهنا تغيّرت حياتي. أُرسلت إلى تورنتو حيث درست في مدرسة فرنسية عامة، ووجدُتني بين زملاء مكافحين، بعضهم لاجئون، في مدينة لم أكن أتكلّم لغتها، وانفتحت على العالم وحقائقه. كان معظم زملائي مضطرين بعد دوام المدرسة إلى العمل، باعة ولحامين وندلاً. أردت العمل أيضاً. هذه التجربة غيّرت معنى السعادة في حياتي». 

“النساء موهوبات في إنجاز مهمات مختلفة وأنا عبر أدواري المتعدّدة أحقّق وجودي كامرأة”

ينضج معنى السعادة مع تطوّر ظروف الحياة. وربما ظروف حياة نزهة في مرحلة معينة قد دفعتها إلى السير على درب فرضه المجتمع عليها، لكنها في لحظة ما قرّرت التحرّر من توقعات المجتمع لتؤدي الدور الذي طالما أرادت أن تؤديه، دور المؤثرة الاجتماعية. «أودّ أن أرشد الآخرين إلى أهمية الالتزام الاجتماعي. يمكن أن نساعد الآخرين من دون أن نكون بيل غايتس أو أغنى أغنياء الأرض. وأنا انطلقت بإمكانيات ضئيلة بعدما اخترت الانفصال عن والد ابنتيّ لأتحرّر من الدور المتوقع مني. وكنت قد تزوجت الرجل الذي أحببته في المدرسة وأصبحت أماً لابنتين رائعتين ونجحت في عملي الأول القائم على الاستيراد من الولايات المتحدة. لكنني قررت تغيير كل هذا وتمزيق الصورة التي ترسمها في عيون الآخرين ساعتي وحقيبة يدي وسيارتي. لم أود الاستمرار في ما اعتبرته ضياعاً. وقدرتي على الإبداع لم تسمح لي بذلك. فالحياة أهم من المظاهر والضغوط والعبودية للمجتمع. ثم بعد تحرّري من كل تلك القيود اكتشفت أنها من ورق وأن لا معنى لها، وهذا الاكتشاف منحني القوة. أطلقت ميشاد معتمدة على مبلغ لا يتجاوز الألفي دولار. أردت أن أحقّق حلمي بجهدي وإمكانياتي أولاً، من دون مساعدة أحد. وبعد عامين وضعت القواعد الأولى للمؤسسة الاجتماعية». 

نزهة العلوي، بعدسة تيبي كلينسي، تنسيق دينا ياسين، لصالح عدد شهر سبتمبر من ڤوغ العربيّة

شهد عام 2011 تحوّل إحدى رؤى نزهة إلى حقيقة ملموسة. « قدّمت رؤيتي لمشروع فني هادف قائم على التصوير لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة. وقد اختاروا رؤيتي. إذا لم تحققي حلمك سيطاردك كشبح. كنت أعيش في المغرب، وكنت أهوى التصوير لكنني لم أتعلّمه. لذا لم يصدّق أحد أنني يمكن أن أنجح في نيل المهمة. لكنني أرى الأمور قريبة مني، وأحاول نيلها فأنجح في ذلك. تقدَّمَ للمهمة مصوّرون محترفون، لكن القيّمين على المشروع أعجبوا برؤيتي للمعرض الخيري. فأنا أردت أن أظهر ابتسامات الأطفال، والجمال برغم البؤس والشقاء. هذه الرؤية المختلفة والإيجابية قدّمت إليّ المهمة. هنا تغيّرت حياتي مجدداً. واكتشفت أنني أستطيع أن أحقّق ما أريده بعكس ما قيل لي».  

أنجزت نزهة المصوّرة خمس مهمات للأمم المتحدة، كانت آخرها في موريتانيا على الحدود مع السنغال حيث ولدت علاقة شغف بينها وبين الصحراء. « بعد هذه المهمة، قررت أن أزور الصحراء الغربية لأنشر كتاباً يضمّ صورها. فواجهت مجدّداً كلاماً محبطاً وأسئلة سلبية: أين ستجدين ناشراً للكتاب؟ وهل تظنين نفسك قادرة على الذهاب إلى منطقة متنازع عليها؟ الجهل يصنع العوائق الداخلية. قصدت الصحراء الغربية وصوّرتها ونشرت الكتاب في فرنسا بعدما أرسلت طلب النشر لعشر دور ونجحت في نيل اهتمام إحداها». 

تقول نزهة العلوي إن «النجاح يفرض المساهمة والمشاركة». تمكين ذاتها دفعها إلى السعي إلى تمكين النساء. لذا تهدف مؤسسة ميشاد إلى تمكين النساء وبيئاتهن، «لأننا بدأنا بتمكين النساء ثم فهمنا التزامهن بمحيطهن ورأينا أننا نساعدهن إذا مكنّ بيئاتهن. نساعد الآن قرىً ونبني أسواقاً ومراكز صحية ومدارس. ما يغني تجربتنا هو أننا نقرّب بين معارفنا. لقد اهتممت بالجمع بين نساء ناجحات في نيويورك ونساء قويات في أفريقيا. قد لا تملك سيدة مغربية نتعاون معها القدرات المادية التي تتمتع بها سيدة أعمال أميركية، لكنني أرى القوة نفسها لديهما. كما أنّ النساء اللواتي يشترين حقائب ميشاد ويتبرعن للجمعية يطلعن على أعمال نساء التعاونيات في مناطق مغربية مختلفة. ونحن نسمح لهن بتمكين نساء في محيط مختلف وبعيد عنهن عبر بيعهن حقائب يد مصنوعة من أفخم المواد بمعايير ترف الماركات الشهيرة. وهنّ عبر امتلاك هذه الحقائب يؤكدن سعيهن إلى الاختلاف عن غيرهن من نساء محيطهن. نحن نسمح لهن بالتواصل مع نساء مكافحات في أفريقيا، نمنحهن فرص ردّ الجميل إلى العالم. كما نتعاون مع المتبرّعين لتطوير مشاريع جديدة في أفريقيا عبر شبكة علاقاتنا.». 

“القدرة على استشراف المستقبل تأتي من التواضع لأنّ الغرور هو الانشغال بالحاضر”

العام والخاص منسجمان في عالم نزهة العلوي، مترابطان في نسيج واحد. لشركتها وجمعيتها ومشاريعها اسم واحد مؤلف من مزيج الحروف الأولى من اسمي ابنتيها: ميشاد (ميسون وشادن). «في اسم ميشاد يجتمع اسما ابنتيّ. أقول دوماً إن ما يمنحني قوة مواجهة التحديات والعوائق في طريقي هو أنني أستثمر وقت ابنتيّ في إنجاح شركتي. وهذه الحقيقة تجعلني أصرّ على النجاح. أدرك أنني اكتسبت حريتي، لكن ابنتيّ هما الوحيدتان اللتان يمكن أن تؤثرا في قراراتي، لأنهما مسؤوليتي الأهم. وهما تدعمانني. تكفيني ابتسامتاهما. لأجلهما يجب أن أكون صاحبة رؤية وأن أفكر في الغد. والقدرة على استشراف المستقبل والتعاطي معه تأتي من التواضع، لأنّ الغرور هو الانشغال بالحاضر والافتخار المبالغ فيه باللحظة الآنية، بالنجاح الحالي من دون التفكير في الغد. التواضع يدفعك إلى التفكير في المستقبل. وأنا يهمّني أن أحاور المستقبل وجيل الألفية هم المستقبل. لذا سأنتقل إلى نيويورك، وأطلق في سبتمبر كتاب القيادة لجيل الألفية الذي يناقش في 12 فصلاً أسس القيادة على مستويات مختلفة من خلال الروحانية والعلاقات وعمل الفريق». 

أمام الجرأة والإقدام والقدرة المستمرّة على الابتكار نتساءل عن النموذج الملهم الذي شجّع نزهة العلوي على توسيع دائرة أهدافها. تقول نزهة إنها لا تتبع نموذجاً محدداً «ولا أكتشف ما لم يتم اكتشافه. ما أفعله هو جمع الأفضل من كل حقل. يهمّني أن أشرح أنني لا أسعى إلى تقليد هذا النموذج أو ذاك. عقلي مثل شبكة عنكبوت، لحظة تنمو الفكرة فيه أكون وحدي مؤمنة بها، ثم شيئاً فشيئاً تظهر للآخرين، وهنا تلوح ملامح الرحلة الرائعة. طبعاً الصبر مطلوب، والسرّ هو أن أكون في مزاج العمل كل لحظة وأن يكون عقلي في جهوزية تامة. كل لحظة مهمة، فلا يكفي عمر واحد لإنجاز الأهداف، وهو ليس عمري فقط، بل وقت الآخرين الذين يعملون معي ويؤمنون بما نفعله، ويجب أن ألهمهم. أود أن تصبح شركتي مؤسسة ناجحة وأن تحيا وتستمرّ من دوني. هذا هو هدفي، أضع نفسي الآن في الواجهة، لكنني أريد لهذا النظام في المستقبل أن تستفيد منه نساء كثيرات في العالم. المرأة قوية وملهمة وقائدة، فهي تقود عائلتها. وهي الآن ما عادت في الكواليس، بل يُتاح لها أن تلمع وتبدع وأن ترفض ضغوط المجتمع التي تمنعها من تحقيق ذاتها. الأهم أن تختار وألا يفرض عليها التغيير. أنا شخصياً أؤمن بأهمية العمل في حياة المرأة، وأهمية تحرّرها من الحاجة المادية». 

نزهة العلوي، بعدسة تيبي كلينسي، تنسيق دينا ياسين، لصالح عدد شهر سبتمبر من ڤوغ العربيّة

هذا الانفتاح على العالم والإنسان في شكل عام هل يبعد نزهة عن المنطقة العربية؟ «أردّد دوماً أنني امرأة عربية مسلمة أفريقية، لكنني لست ضحية. أشعر بأنني قريبة من النساء العربيات، وأرى نفسي فيهن. محيطنا محافظ ومغلق، لذا الجرأة مطلوبة». لكن مناطق عربية عديدة تعاني حروباً ونزاعات ويحتاج أطفالها ونساؤها إلى كلّ من يمكن أن يمدّ لهم يد المساعدة. «أبحث عن سفراء في مناطق النزاعات. ونحن من خلال المؤسسة يمكن أن نجمع التبرعات لكننا نبحث عن أصوات من المنطقة لإنجاح المهمة. هذا الصوت هو شخص يفهم ثقافة المجتمع ويقدر على إيجاد حلّ محلّي». 

تنهل نزهة العلوي من ثقافات المغرب وفرنسا وأميركا، كما تشرح. «أقيم في الولايات المتحدة حيث أشعر بأنني في بيتي، خصوصاً أن أسلوب تفكيري ينسجم مع طريقة التفكير الأميركية، فأنا إيجابية ومصرّة على الحلم. وبرغم سلبية المدارس الفرنسية إلا أنها قدّمت لي فرصة النهل من حضارة راقية. أما ثقافتي المغربية فقد علّمتني أهمية اللطف وغنى التنوّع. للأسف هناك من يضيعون بين الثقافات وتضيع معهم القيم. لكن يجب أن نشجعهم على معانقة الثقافات الأخرى، بدلاً من الانغلاق في بوتقة مدّمرة».

الإيمان بأهمية معانقة التنوّع الثقافي هو أحد الأهداف الرئيسة لتنظيم مهرجان ميشاد في مراكش الذي أُقيمت دورته الأولى في أواخر يونيو الماضي. «يأخذ هذا المهرجان ضيوفه والمشاركين فيه في رحلة إلى ثقافات العالم المختلفة».   

أما المشروع الجديد الذي تدرسه نزهة العلوي فهو انعكاس لرؤيتها الجامعة بين التكنولوجيا والعمل الإنساني. «هو تطبيق يعرض شبكتنا والقضايا التي نعمل لأجلها وأسماء وعناوين وأهداف جمعيات ومؤسسات حول العالم. كل مَن ألتقيه ويؤمن بما أقوم به ولكن لا يعرف كيف يساهم في العمل الاجتماعي، يقدر من خلال هذا التطبيق أن يحدث فرقاً. أريد دمقرطة العلاقة بين الناس والجمعيات غير الربحية. ردّ الجميل إلى المجتمع والعالم هو الحياة. ونحن نحيا بالعطاء». 

المصممة السعودية رغد الرباح تعرض المجموعة الجديدة من مجوهراتها في صور حصريّة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع