تابعوا ڤوغ العربية

رحمة الإنسانة صاحبة الهمّة القوية غيّرت نظرة المجتمع حيال اختلافها، وجمعت بين الإرادة والطموح، وحققّت ما كانت تحلم به منذ صغرها

المذيعة رحمة بعدسة كريم هاني

اسمي رحمة خالد، أنا الفتاة الوحيدة لأسرة تتألف من 3 أطفال. كنت الفتاة المنتظرة حيث سُعد والدي كثيراً حين علم بأنّ والدتي حامل بفتاة، ولكن «يا فرحة ما تمّت»، جاء المولود عكس التوقعات العادية، إذ ولدت له طفلة من أصحاب الهمم، وقد أخبر الطبيب عائلتي أنّ المولودة «أي أنا» الجديدة تعاني الكثير من المشاكل ولو كتب لها أن تعيش فلن تقوى على الاعتماد على نفسها، وعندما سمع أبي هذا الخبر قرّر أنّ يطلق عليّ اسم «رحمة» لأنّني في نظره «رحمة له في الأرض والسماء».

بعد عودتي في العام ٢٠١٠ من البطولة الإقليمية السابعة المقامة في سوريا والتي حققت فيها ٤ ميداليات وكنت في ١٣ من عمري، تمّت استضافتي في برنامج المذيعة ريهام السهلي التي أعربت عن إعجابها بي وسألتني عن أحلامي وطموحاتي فأجبتها أطمح أن أصبح مذيعة لأغيّر نظرة المجتمع حيال أصحاب الهمم. بدأ الحلم منذ هذه اللحظة وتحقق عام ٢٠١٨. التقيت بالإعلامية أميرة المليجي والإعلامي أحمد الشريف وبدأت تقديم نشرة أخبار ذوي الإعاقة في برنامج أطفال اليوم في الأسبوع الأخير من كل شهر. التحقت بأكاديمية «دهب» وأخذت دورة في التقديم الإذاعي مع الإعلامي مروان قدري لأثبت لنفسي وللمجتمع أنّني صاحبة مهارات تؤهلني لتحقيق حلمي ولأكون إعلامية تغيّر نظرة المجتمع تجاه المصابين بـ«متلازمة داون» وشخصاً ناجحاً ونموذجاً ملهماً.

في يناير 2018، قابلت الأستاذ هشام سليمان وطلب مني التدريب وكلّف الأستاذ ماهر مصطفى الإعلامي الكبير بتدريبي وقد تدربت على يديه من يناير 2018 حتى وفاته في مارس 2018 وبدأت العمل في قناة «دي أم سي» في 11-12- 2018. وهذا اليوم هو يوم تاريخي بالنسبة لي فهو اليوم الأول الذي ظَهَرتُ فيه مذيعة لأول مرة على الهواء من ضمن مذيعي برنامج «٨ الصبح» وتم تعييني أول مذيعة من أصحاب «متلازمة داون». أسرتي هي الداعم الأوّل وخاصة والدتي

لأنّها تثق بقدراتي وفخورة بكل إنجازاتي ودائماً تشجعني على تحقيق أحلامي ووالدي كان ولا يزال السند.  تلقيت كذلك الدعم من الكثير من الشخصيات التي التقيتها منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة والفنانة الكبيرة يسرا التي شجعتني وساندتي من أول لحظة، والدكتورة غادة والي والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والفنان أشرف عبد الباقي، والفنان محمد هنيدي والفنان حمادة هلال والفنان أحمد فهمي والفنانة ليلى علوي والفنانة ريهام عبد الغفور والفنان هاني رمزي واللاعب حازم إمام والفنان هشام ماجد وشيكو والفنان طارق الإبياري والفنان محمد جمعة والفنان تامر فرج وكنت أتمنّى أن ألتقي بالفنانة إسعاد يونس لأنني أحبها كثيراً كونها فنانة وإعلامية شاملة وهي قدوتي. كثيرة هي الصعوبات التي واجهتها بسب «متلازمة داون» من لحظة الولادة حتى يومنا هذا. بدأت والدتي في التدريب والتدخل المبكر بعد الاطمئنان على حالتي الصحية حيث إنها كانت تعمل مع الأطفال ذوي الهمم كـ «إخصائية تخاطب» قَبل قدومي إلى الحياة بأربع سنوات وهي على دراية بأهمية التدخل المبكر حتى أُصبح في مستوى الأطفال من سني ولأستطيع الالتحاق بحضانة عادية، ولكنها هي أيضاً واجهت صعوبة في إيجاد حضانة تقبلني إلاّ أنها لم تيأس ووجدت حضانة تقبل الاختلاف وتم دمجي بالحضانة حتى سن دخول المدرسة وعادت وواجهت نفس المشكلة مع المدارس وقرّرت أن تأسس قسماً خاصاً بالمدرسة التي كانت تعمل فيها والتحقت بالقسم عام 2000.

بدأت بممارسة رياضة السباحة في السادسة من عمري واكتشف المدرب أنّني موهوبة في هذه الرياضة وأخبر والدتي بأنني سأصبح بطلة، وبدأ بتدريبي وشاركت في أوّل بطولة وكنت في الثامنة من عمري. أعتبر أنّ الرياضة جزءاً أساسياً في حياة الإنسان وأنا استفدت منها فقد علمتني كيف أنظم وقتي ومنحتني الثقة بالنفس ورفعت من تركيزي. ممارستي للسباحة أثبتت لي أن العقل السليم يكمن فعلاً في الجسم السليم، لذلك أشجع الجميع على ممارسة الرياضة مهما كانت حالته أو قدرته البدنية فالرياضة للجميع.

في عام ٢٠١٥ تم اختياري «المرأة الأكثر تأثيراً» على مستوى جمهورية مصر العربية وكنت في التاسعة عشر من عمري. رغم صغر سنّي سعدت جداً بهذا الاختيار ومن هنا تأكّدت من حجم المسؤولية التي أحملها على أكتافي في تغيير نظرة المجتمع السلبية اتجاهي واتجاه «متلازمة داون» وبأنّها نعمة وليست نقمة.

لم يقف طموحي عند الدراسة فقط، فأصررت على تفوّقي الرياضي أيضاً، فأنا بطلة مصر وشمال أفريقيا والشرق الأوسط للسباحة والتنس الأرضي ومتحدثة رسمية لذوي الإعاقة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الفترة الممتدة بين ٢٠١٢ و٢٠١٤ وقد فزت بأكثر من ١٨٠ ميدالية منها ٧ دولية.

أقدم عدد من المحاضرات في المدارس للتشجيع على قبول الأطفال من ذوي «متلازمة داون» في المدارس ودمجهم في الفصول مع الطلاب، كما أتوجّه لأصحاب الأعمال في الشركات والمصانع للتوعية بالاستفادة من الشباب من ذوي متلازمة داون للعمل والتدريب، وأقدّم التوعية للمجتمع المدني لزيادة الوعي اتجاهنا وأهتم بمواقع التواصل الاجتماعي لنشر المزيد

من التوعية.

اختلافي منحة من الله وهدية وأول خطوات النجاح هي الرضا ثم العمل على دمج الطفل في المجتمع والتدريب والتدخل المبكر لتفادي أي تأخير ومعاملتنا كأي طفل له حقوق وعليه واجبات. بينما أتقبل النقد البنّاء وأحاول أن أستفيد منه لتصحيح مساري وتفادي الأخطاء وأتجاهل التنمر من منطلق أن ما من مستحيل مع الإرادة والاختلاف سنة الحياة لنكمل بعضنا البعض»؛ أستمد القوة للاستمرار من النجاح، فالنجاح يخلق لدي شعور بالفخر والسعادة ويجعلني أسعى أكثر لتحقيق المزيد ولو واجهت الفشل فهذا يخلق في داخلي روح التحدي في السعي وراء النجاح لأن نجاحي يمنح الأمل لمن هم في نفس ظروفي ولعدد كبير من الأهل ولهم أقول: «ابتعدوا عن الشفقة وانظروا إلى قدرات طفلكم وافتخروا به ولا تلتفتوا للإحباط ولا تخجلوا بوجودهم»، هذه النصيحة تنبع من المواقف التي أثّرت بي وزادت من عزيمتي عندما أقابل الأمهات وأسمع كلمة (يارب أشوف بنتي زيك كدة). تفرحني هذه الكلمات وتشعرني أنّ الطريق ما زال طويلاً لأعمل وأجتهد.

طموحاتي كثيرة أحلم ببرنامج خاص أقابل من خلاله الكثير من الناس ونتكلم في كل المواضيع وأركّز فيه على النماذج الناجحة في كل المجالات وخاصة أصحاب الهمم وأحلم بالتمثيل في أفلام تغير نظرة المجتمع اتجاهنا وتعطي

أملاً بغدٍ أجمل لكل أم لديها طفل من ذوي «متلازمة داون» وأتمنّى أن أمثل أمام الفنان أحمد حلمي.

الموضوع ظهر للمرة الأولى في مجلة ڤوغ العربية

أقرئي أيضاً : بريشوس لي تتألق على غلاف عدد ڤوغ العربية الذي يدعو للنظر إلى الجسم بإيجابية ويتغنّى بالتنوّع الحقيقي والتمكين

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع