تابعوا ڤوغ العربية

سارة هرمز تتحدّث إلى ڤوغ العربيّة عن مساحة بيروت الإبداعيّة

سارة هرمز مؤسسة مساحة بيروت الإبداعيّة. بإذن من سارة هرمز

أسّست سارة هرمز مساحة بيروت الإبداعيّة Creative Space Beirut، وهي مدرسة تعلّم تصميم الأزياء للذين لم تسمح لهم ظروفهم المادية والاجتماعية بالتعبير عن مواهبهم والاستفادة منها.

الموضة وقضيّتي

“خلال طفولتي كنت أراقب جدّتي وهي تخيط الثياب. كانت آلة الخياطة جزءاً من عالمها، وكنت أتابع بحماسة ما تصنعه بالأقمشة. وعندما كبرت، بدأت أقصّ أقمشةً أجمعها من هنا ومن هناك، ثم أخيط أزياء لي ولأقربائي. لكنني لم أفكر يوماً في أن أدرس تصميم الأزياء. ثم أهدتني قريبتي، بهدف تشجيعي على تطوير موهبتي، كتاباً عن الموضة والتصميم. عندها عرفت أنني أريد التخصّص في ما يعبّر عني. وعندما أنهيت أعوامي المدرسية في الكويت قررت أن أغادر إلى نيويورك حيث بدأت في كلية بارسونز للتصميم دراسة تصميم الأزياء، وفي الوقت نفسه تخصّصت في الإعلام ودراسات الحضارات. فهمت تصميم الأزياء كوسيلة للتعبير، وجذبني الجانب الإبداعي فيها. ثم مع التقدّم في الدراسة فهمت قدراتي الإبداعية خصوصاً بعدما تعرّفت إلى معلّمتي كارولين سيمونيللي، اللبنانية الجذور (أهلها غادروا لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، ولم تكن قد زارت لبنان بعد حين تعرّفت إليها). أمسكت كارولين بيدي وساعدتني على فهم أهدافي. أما تخصصي في الإعلام ودراسات الحضارات، فقد أوصلني إلى الهند، إلى دارمسالا حيث عشت مع عائلة لاجئين من التيبيت، ثم إلى كمبوديا حيث فهمت الحياة السياسية هناك وعملت في دار للأيتام. هاتان التجربتان غيّرتا نظرتي إلى العالم وحدّدتا اختياراتي المهنية. عرفت أنني لا أريد أن أكون مصمّمة أزياء فقط. شغلتني فكرة العدالة الاجتماعية، وفتح عملي مع المهمّشين في مناطق محرومة عينيّ على حقيقة معنى السلطة والظلم والمساواة وغيابها، كل هذا جعلني أعرف أنني أريد أن أؤثر في حياة الآخرين عبر مساعدتهم. درست تصميم الأزياء لسبب وجيه وواضح، لكن لم تستهوني فكرة أن أبقى في نيويورك بعد تخرجي وأن أتدرّب لدى مصمّم معروف ثم أقدّم مجموعتي التي تحمل اسمي. أردت أن تدور حياتي حول الآخرين.”

صورة تضم خرّيجي مساحة بيروت الإبداعيّة، بإذن من سارة هرمز

تساؤل وهويّة

“بعد تخرّجي قررت أن أعود إلى وطني الأول الذي لم أعش فيه. وكنت أحمل الجواز اللبناني من دون أن أفهم معنى الانتماء إلى لبنان، فانتقلت للعيش فيه. بدأت العمل في تصميم الأثاث، ومع منظمة غير ربحية حيث درّست صفوف الروضة في المخيّمات الفلسطينية. كنت سعيدة بما أقوم به. لكنني كنت أتساءل لماذا أُتيح لي أن أدرس في نيويورك، وفي أفضل كليات التصميم في العالم، في حين أن هناك مَن تتجاوز موهبتها موهبتي ولم تحصل على فرص تطوير إبداعها. يمكن أن تسمّيه إحساساً بالذنب، وإقراراً بغياب العدل. من هنا ولدت فكرة Creative Space، لأجل هؤلاء الموهوبين الذين لم تسمح لهم الحياة بإظهار مواهبهم والتعبير عنها. أردت أن أقدّم لهم فرصة صقل مواهبهم وتطويرها.”

 

تصميم على الفكرة

“خلال زيارة إلى نيويورك، أخبرت كارولين (سيمونيللي) أنني أريد أن أجمع شغفيّ في عمل واحد، فاقترحت عليّ أن أبدأ مدرسة في تعليم التصميم. عندها عرفت أنني وجدت هدفي، خصوصاً أن سيمونيللي ستساعدني في تحقيقه. وتأكيداً على دعمي، قررت إحدى صديقاتي أن تشجعني عبر التبرّع بالأقمشة من دار دونا كاران حيث كانت تعمل. هكذا وجدت المعلمة والأقمشة، فبدأت في لبنان البحث عن التلاميذ. ولم أستطع العمل تحت مظلة منظمة غير ربحية لأن المطلوب كان تعليم عدد كبير من النساء. ولم يكن هذا ما أهدف إليه. أردت أن أدرّب أصحاب مواهب على بناء مهنة في تصميم الأزياء. فلجأت إلى أهلي، وكتبت رسالة إلى أبي شرحت فيها شغفي وهدفي، فقبل مساعدتي مادياً خلال الأشهر الثلاثة الأولى. ثم بدأت جدياً البحث عن التلاميذ. اتصلت بمخيّمات للاجئين وزرت دور أيتام ومنظمات غير ربحية ومدارس حكومية. وما يحصل ضمن بيئات مختلفة هو أن الناس يدلّونك على الموهوبين بينهم، يشيرون إلى هذه التي بدأت الرسم منذ طفولتها، وذاك الموهوب في الفنون… اخترت خمسة تلاميذ، وانطلقنا من دون أن أكون مرتبطة بأي مؤسسة. كارولين كانت سندي الحقيقي والوحيد، وكنت في الرابعة والعشرين، ولم أكن قد عملت ضمن إطار مؤسساتي، أو قمت بأي دور قيادي، وهو ما زلت أتعلمه إلى الآن. كان علينا أن نكتشف تلاميذنا. منذ اليوم الأول عرفنا أننا أمام مواهب حقيقية. المجموعة الأولى صنعت 30 فستاناً بعناها واستطعنا جمع 17 ألف دولار، استثمرناها في الانتقال إلى مكان أوسع.”

تصميم خرّيجة مساحة بيروت الإبداعيّة فاطمة نور الدين، تصوير طارق مقدّم.

برنامج Creative Space

“مدة البرنامج الآن ثلاثة أعوام، ونحن نقبل بين ثلاثة وخمسة طلاب سنوياً. حضور الطلاب إلزامي يومياً من الاثنين إلى الجمعة. يشرف طلاب السنة الأخيرة على طلاب السنة الأولى، فتجمع أجواء التعاون والتنسيق بين الطلاب. هم يعملون معاً، وكلّ منهم يحمل مفتاحاً للمساحة أو الشقة التي هي المدرسة.

لسنا جامعة أو أكاديمية، فنحن نقبل تلاميذ لم يتسنّ لهم إنهاء أعوامهم المدرسية والحصول على شهادة بكالوريا. نركّز على صقل المواهب بالعمل اليومي التطبيقي. هذا ما سمح لإحدى الطالبات، والتي بنت خلال أعوامها الثلاثة في المدرسة ملفّاً ماكناً يعبّر عن موهبتها، بأن تقدّم طلب انتساب إلى جامعة في ميلانو Politecnico Di Milano، فتُقبل وتنتقل، بعدما أمّنا لها الدعم المادي، من محيطها البسيط إلى أهم مدن الموضة في العالم… يأتي التلاميذ من خلفيات دينية وثقافية مختلفة ومناطق متباعدة، لكنهم يصبحون عائلة واحدة، وما يجمعهم هو حبهم للتصميم. ونحن نساعدهم على التدرّب لدى مصمّمين، وعلى التعامل مع الزبائن، كما ننظّم معارض كل عام حيث نبيع التصاميم ونستثمر الأرباح كلّها في تطوير المدرسة.”

من تصميم خرّيجة مساحة بيروت الإبداعيّة هبة نحلة، تصوير طارق مقدّم.

إنجازنا

“أنا سعيدة بما ننجزه. كنت في البداية أمنح وقتي كلّه للطلاب، والآن يساعدني في التعليم والتوجيه أساتذة يتبرّعون للمدرسة بوقتهم، وما زالت كارولين سيمونيللي تزور لبنان كل ثلاثة أشهر. يفرحني أن نؤمِّن لمن خرّجناهم وظائف في عالم التصميم. فقد انضمّ أحد الخريجين أخيراً إلى بوتيك Starch (الذي يبيع أزياء المصمّمين الجدد) وانضمّت زميلته إلى Sarah’s Bag. لكن التحدي الأبرز هو تأمين التمويل. استطعنا خلال خمس سنوات أن نبني حولنا جمهوراً من المصوّرين والمخرجين والمصممين الذين يدعموننا ويشجعوننا. لكننا نسعى إلى أن نتوسع في المتاجر ليتعرّف إلينا الجميع. تحدّي تأمين التمويل ليس سهلاً، خصوصاً أن تجربتنا فريدة وأننا نصرّ على تقديم فرص لمن لا تساعدهم ظروف الحياة. طلابنا حالياً سوريون ولبنانيون، لكن أبوابنا مفتوحة للجميع، وما يهمنا هو الاجتهاد واحترام الموهبة

مازالت تصلنا كل عام أقمشة متبـّرع بها من دونا كاران وديريك لام وديان فون فورستنبرغ. نريد أن تقارَن مدرستنا بأشهر مدارس الموضة، ولسنا بعيدين عن هذا الهدف الذي تُقرّبنا منه تصاميم الطلاب والخرّيجين تحت إشرافنا. لكننا نسعى إلى أن يكون لكل تلميذ أسلوبه، وندفعهم إلى التعرّف إلى ما يقدّمه المصمّمون في الخارج وإلى تحدّي أذواقهم واكتشاف هوياتهم. ولا نفرض أسلوباً معيناً، فهم يؤثرون فينا ونحن نؤثر فيهم.”

أسلوبي

“لا يهمّني أن أقدّم مجموعة باسمي. أنا خجولة بطبعي ولا أحب أن تُسلّط الأضواء عليّ. لكنني أصمّم قمصان ماركة Second Street التي أطلقتها مع تريسي موسي وجورج روحانا، وهي قمصان تناسب النساء والرجال. ويعود ثلاثون في المئة من أرباح بيع القمصان إلى تمويل المدرسة، كما نوظف بعض الطلاب أو الخريجين لمساعدتنا في مشاريعنا المختلفة. أصمم أيضاً أزياء مجموعة Creative Space Beirut الجاهزة، وأنا أميل إلى إبداع المصمّمين اليابانيين، أحبّ تصاميم كوم دي غارسون وإيسيه مياكي، وأقدّر بساطة جيل ساندر، وما يهمّني شخصياً هو الراحة، كما أعشق اللون الأسود.”

من كواليس عرض خرّيجي مساحة بيروت الإبداعيّة، تصوير طارق مقدّم

مكاني

“نشأت مدلّلة في الكويت، ثم انتقلت إلى فوضى نيويورك وجنونها، إلى الاعتماد على نفسي. تعلّمت الكثير من هذا التناقض بين ما نشأت عليه وما اكتشفته وحدي خلال دراستي الجامعية وأعتبر أنه صنعني. نيويورك ربتني، هناك كبرت وفهمت الدنيا. لم أكن كويتية يوماً، ولم أصبح نيويوركية، وفي لبنان فهمت أنني لن أنتمي إلى مكان واحد. هذا ما يحصل مع كل من يولدون ويعيشون خارج بلدانهم. في البداية أردت العودة إلى الجذور، إلى التراث، أردت الانتماء، ثم فهمت أنني حيثما حللت يمكن أن أجد مكاني.”
شاهدوا هنا أولى مجموعات حازم قيس، خريج مساحة بيروت الإبداعيّة.

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع