تابعوا ڤوغ العربية

عرب يعيشون في الهند وهنود انتقلوا إلى العالم العربي.. يروون تجاربهم في هذين العالمين المتوازيين

تصوير Bjorn Wallander و Prachi Sharma و Keir Harris لصالح عدد يوليو وأغسطس 2022

يستأثر العالم العربي والهند بحضارتين قديمتين وعظيمتين تفيضان بالدفء والألوان وتضعان العائلة في صميم اهتماماتهما. وهنا، يروي مسؤولو أربع كيانات مرموقة، من العرب الذين انتقلوا إلى الهند والهنود الذين انتقلوا إلى العالم العربي، تجاربهم في هذين العالمين المتوازيين

طاهر سلطان

مصمم كويتي هندي يقيم في دلهي وجايبور

طاهر سلطان من أب كويتي وأم هندية، فقد مكّن ذلك المصممَ ورائد الأعمال من الانتقال بسلاسة بين الثقافات. ومع ذلك، تشكّلت هوية طاهر المزدوجة في أجواء من الحب والحرب على حد سواء: فقد اضطرت العائلة لمغادرة الكويت والعودة إلى وطن الوالدة على إثر الغزو العراقي للكويت في عام 1990. يقول: «اشترى والداي عقارًا في الهند، وكانت والدتي تحصل على دعم هناك؛ فلم يكن أحد يعلم إلى متى سيستمر الغزو، لكن كان علينا الذهاب إلى المدرسة. وهكذا انتقلنا».

ومع ذلك، لم يُكتب لطاهر البقاء في الهند لفترة طويلة، ومرت رحلة عودته إلى ما يسميه الآن الوطن -جايبور ودلهي– بمنعطفات شهدت السفر في أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة. وقد أكمل عامه الدراسي الأخير في فلورنسا، حيث انغمس في دراساته عن عصر النهضة والتاريخ الأوروبي الحديث. ومن هناك، ذهب إلى لندن، لكنه لم يجد نفسه، حتى اقترحت عليه صديقته ومرشدته المهندسة المعمارية زها حديد على العشاء في إحدى الليالي بأن يسير على خطى والده ويتقدم للالتحاق بمدرسة الجمعية المعمارية للهندسة المعمارية. يقول: «عندما قابلتها بعد ذلك وأخبرتها بالتحاقي، صدمت!»، ويضيف: «أخبرتني أنها لم تكن تدرك أنني موهوب إلى هذا الحد. لكنني كرهت الدراسة هناك وأردت الانتقال إلى سنترال سانت مارتينز لدراسة الموضة والأزياء بدلاً من ذلك. ظن والداي أنني مجنون، لأنها مدرسة معروف عنها صعوبة الالتحاق بها». وعاد طاهر إلى الكويت إلا أنه أصيب بخيبة أمل من حال صناعة الأزياء أو بالأحرى عدم وجودها. وعن ذلك، يقول: «كان الأمر مفاجئًا. فلم تكن هناك صناعة أزياء في الخليج. ولم أكن أعرف ماذا عليّ أن أفعل لاكتساب خبرة حقيقية». وهنا، انتقل مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الهند. وهناك، فتح عالم الأناقة ذراعيه أخيرًا لطاهر، حيث وجد وظيفة عمل خلالها مع مصممي الرقصات الذين يصممون عروض الأزياء ويديرونها. كما التقى مكتشفي المواهب من سنترال سانت مارتينز وبدأ عملية التقديم الشاقة. وبالفعل، نجح في الالتحاق، وعند الانتهاء من دراسته، تدرب لدى ألكسندر مكوين وجون غاليانو. ولدى عودة طاهر إلى الكويت عندما توفي والده، أدرك أن شغفه الفني يتجاوز مجرد الموضة – وربما يمكن للهند تعزيز هذه المساعي.

يؤكد قائلاً: «أنا محظوظ لأني أنتمي إلى عائلة فائقة الإبداع»، فوالده مهندس معماري، ووالدته صانعة خزف، وإحدى قريباته صاحبة معارض وناشطة في مجال حقوق المرأة، وهم جمعيًا لا يتوانون في تعزيز مواهبه.

ورغم أنه كان يعيش في الهند على فترات متقطعة على مدار السنوات العشر الماضية، أجبرته ظروف الجائحة على بناء منزل دائم. يؤكد: «لطالما كانت تجذبني دومًا ثقافة هذا البلد وتاريخه وحرفه اليدوية وزخمه. إنه بلد متنوع للغاية وثري جدًا بمعالمه الجمالية. الألوان، والهندسة المعمارية القديمة، والطعام المتنوّع كلها أمور تأسر الألباب». وما سهّل على طاهر الاستقرار بالهند إتقانه للغة الهندية، فضلاً عن وجود الكثير من الأصدقاء، كما أنه يحب الحياة التي هيئها لنفسه. تعيش والدته أيضًا في دلهي الآن، وهو يقسم وقته بين دلهي وجايبور. يقول: «أنا محظوظ لأني اكتسبت الكثير من الأصدقاء المقربين على مدى عقود. ولن أقول بالتأكيد إن الأمر كان سهلاً؛ حيث كان عليّ اجتياز مجموعة جديدة من العقبات أثناء الجائحة – فالموضة والفن والعمل الخيري كلها ذهبت أدراج الرياح، لذلك قررت أن أبدأ في تقديم خدمات توريد الطعام – ولكن لن تتوقف عن مواجهة التحديات ما دامت الحياة
مستمرة. وموقفك منها وكيف تختار التغلّب عليها هو ما يعني الكثير».

هل يا ترى سيعود إلى الكويت؟ ويأتي الجواب سريعًا وقاطعًا: لا. يقول: «لم أعد منذ الجائحة»، ويضيف: «أنا أعيش في راجستان، لذا فإن الرمال والحرارة يجعلاني أشعر وكأنني في وطني! علمني الغزو أنه يجدر بي ألّا أكون شديد الارتباط بالأماكن والأشياء. فالوطن يعيش داخل الإنسان».

تصوير Bjorn Wallander و Prachi Sharma و Keir Harris لصالح عدد يوليو وأغسطس 2022

نور قاوقجي

الشريكة المؤسِّسَة بشركة «إكرو» في جايبور بالهند، وهي لبنانية الجنسية

في اللحظة التي وطأت فيها قدما نور قاوقجي أرض جايبور في راجستان الشرقية لفترة تدريب لمدة أسبوعين، علمت أنها وجدت موطن قلبها. وحتى عام 2006، لم تسافر المصممة اللبنانية إلا إلى الهند لأنها لم تستطع الوصول إلى بيروت بسبب الهجمات الإسرائيلية. «قالت لي صديقة لوالدتي: لماذا لا تذهبين إلى جايبور؟ أنا أعرف صائغًا للمجوهرات هناك، وسيكون سعيدًا بوجودك». وكان صائغ المجوهرات هو مونو كاسليوال، صاحب «قصر الجواهر» وسليل عائلة صنعت جواهر تاج المهراجا منذ القرن الثامن عشر. تقول نور: «وصلت في الخامسة فجرًا خلال موسم الرياح الموسمية – ولم أرغب مطلقًا في المغادرة». وأثناء استقلالها السيارة من المطار، لم تستطع أن ترفع عينيها عن الطريق، وانغمست في تجربة الحب القوية من النظرة الأولى. تقول: «فعلت كل شيء حتى أتمكن من إنهاء رسالتي في الهند، ولا أعود إلى كلية الأزياء في لندن». وخلال الـ16 عامًا التي قضتها منذ وصولها الملهم، لم تقم بتجهيز مكان للإقامة فحسب، بل أطلقت أيضًا علامة عالمية لأسلوب الحياة، ودرست الحرف اليدوية التقليدية في جايبور، كما صممت دار الضيافة الصغيرة «28 Kothi»، ووجدت الحب وتزوجت من المهندس الداخلي الفرنسي الإيطالي ليڤيو ديليسغيس في عام 2018. «لم أكن بحاجة إلى «الإقامة»، فقد انتقلت [إلى بلد آخر] واعتبرته وطني».

وفي جايبور، نما لدى المصممة نفس الشعور بالانتماء للمجتمع الذي غرسه فيها والداها بمنزلهم في الكويت بعد أن هاجروا إليها في الثمانينيات. تقول: «وُلِدت وترعرعت هناك. لم أنشأ مع أبناء عمومة أو وسط عائلة كبيرة، لكن كان لدي شعور قوي بالانتماء للمجتمع بين أصدقاء والدي ووالدتي، الكويتيين منهم وغير الكويتيين، وعشت طفولة عربية بامتياز: مضيافة، ودافئة، ومرحة، ومحبة». كان والدها أسامة القاوقجي يدير وكالة إعلانات فيما كانت والدتها سلام قاوقجي كبيرة أمناء مجموعة الصباح من الفن الإسلامي. وكانت كثيرًا ما تسافر إلى الهند، وتعود محملةً بالكتب القصصية وتحف خشب الصندل التي أثارت فضول ابنتها الصغيرة آنذاك. واليوم، يمضي إطار حياة نور قاوقجي بنفس الروح الفنية الرائعة الموروثة عن والديها، وقد كوّنت صداقات «في غمضة عين». «لقد حدث ذلك بصورة طبيعية»، على حد قولها، وتضيف: «كنت سعيدة جدًا لوجودي هنا ومهتمة جدًا بكل ما تقدمه الهند – أن أكون بجوار الحرفيين، وأن أتعلّم من الثقافة الثرية القريبة جدًا من ثقافتي. لم أشعر بأني غريبة على الإطلاق. ولكن سيطر عليّ هذا الشعور أكثر عندما كنتُ أعيش في لندن. ولكن هنا، سرعان ما كان لدي مجتمع صغير، وأسرة مثل تلك التي كانت لدينا في الكويت».

وفي عام 2013، أطلقت نور قاوقجي علامة أسلوب الحياة «إكرو» بالتعاون مع صديقتيّ طفولتها نور الصباح وحصة التميمي، كاندماج مبهج يجمع بين خلفيتهن الشامية والحرف التقليدية القديمة في الهند. وهن يعملن حاليًا على تجهيز «الكثير من المفاجآت» بمناسبة الاحتفال بمرور 10 سنوات على إطلاق العلامة بمعروضات من الديكور، والأزياء، والأدوات المنزلية. وفيما تتخذ «إكرو» من الكويت وجايبور مقرًا لها، لم تعد نور قاوقجي إلى هذا البلد الخليجي منذ الجائحة، لكنها اعتادت السفر إلى هناك مرتين في العام وما زالت تعتبره وطنها الثاني، إلا أنها لن تعود للإقامة في الكويت بشكل دائم في القريب، فقد رسخت الهند في روحها. «ستظل الكويت دومًا وطني، فوالدتي تقيم هناك وشركتي هناك. ولكن كوني لبنانية وزوجي فرنسي إيطالي يجعل الأمر معقدًا بالفعل! الوطن هو المكان الذي يوجد فيه أهلي وناسي – وهكذا، فلبنان وطني، والكويت وطني، والهند وطني. والآن فرنسا وإيطاليا بسبب زوجي».

وتشتمل شقة نور قاوقجي وديليسغيس المفعمة بالألوان على بعض ملامح الحياة في الهند -من الكراسي الأثرية إلى الجداريات القماشية الڤينتج التي تم جلبها من جودبور وجايبور– فيما لم تخل الشقة أيضًا من اللمسات الشرق أوسطية، مثل الأَكْلِمة من الكويت والطباعة الحجرية من قريبتها صاحبة المعارض لوتشيا توباليان. أما المساحة ذات السقف المرتفع والمغمورة بالضوء فهي
بمثابة لوحة ترسم عليها نور اكتشافاتها المستمرة عن البلد الذي اختارته وطنًا. تقول: «أكثر ما أحبه في العيش في الهند هو أنني أتعلم باستمرار»، وتضيف: «أنا لا أهدأ أبدًا. أتعلم حرفًا جديدة طوال الوقت، والناس هنا يفاجئونني، حتى الطعام يفاجئني. وتاريخ هذا البلد ثري جدًا. وكلما سافرت أكثر، أحببته أكثر». وهي لم تمر أيضًا بما يمكن أن تعتبره تحديات، وبدلاً من ذلك اختارت اتباع نهج متفائل للاستقرار في مكان مختلف. «لا أستطيع القول إني ألاقي صعوبة في العيش في بلد مختلف، لأني نشأت في بلد ليس بلدي. ورغم أني أشعر بأن الكويت وطني، فنحن لسنا كويتيين – هناك فرق. لقد وُلِدت مغتربة دائمًا».

ومن خلال مجتمعها في جايبور ومساعيها الإبداعية كمديرة إبداعية لـ«إكرو»، يمكن القول إن نور قد عادت إلى نقطة البداية من طفولتها السعيدة في الكويت – حيث نقلت حياة الفرح والصداقة والفضول إلى المدينة الوردية بكل سلاسة.

تصوير Bjorn Wallander و Prachi Sharma و Keir Harris لصالح عدد يوليو وأغسطس 2022

رومانا نظيم

محامية هندية ومؤسِّسَة متجر «ذي إيديت» في دبي

حين يكون المرء سليل عائلة من روّاد الأعمال، فإنه يحظى بالفرص وتُعقد عليه الآمال – فما بالكِ لو كنتِ من أفراد عائلة نظيم المقيمة في الإمارات والتي لا تهاب المغامرة، فحتمًا ستحققين أكثر مما يحققه غيركِ. وتستهلّ المحامية ورائدة الأعمال رومانا نظيم حديثها قائلة: «انتقل والدي وحده من الهند للإقامة في دبي منذ 50 عامًا، حين كان في العشرين من عمره. كان من أصول متواضعة وكان لزامًا عليه إعالة والدته وستة أشقاء بعد وفاة والده. ولم يستطع السفر بعيدًا، وكانت دبي اسمًا يتردد كثيرًا – فبدت مثيرة للغاية»، وتضيف: «كان الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم صاحب رؤية سبّاقة وأراد استقدام الشباب من أصحاب المواهب الطامحين الذين يمكنهم المساعدة في بناء الدولة إلى جانب الإماراتيين». وهكذا حصل الشاب محمد نظيم على عمل – ولكنه كان شاقًا. توضح ابنته: «كان تحديًا كبيرًا له»، وتضيف: «الحرارة العالية… فلم يكن معتادًا عليها. كما كان يفتقد عائلته. لقد جاء هنا بلا مال، ولم يكن في جيبه سوى حلمه؛ بأن يبني حياته ويحقق شيئًا لنفسه». وكانت الإمارات ترحب بالقادمين ولا سيما الهنود، وكان معظم الناس يتحدثون الأردو والعربية والإنجليزية، لذلك كان التواصل سهلاً. واجتهد ربّ عائلة نظيم في العمل وأقام علاقات في مجال النفط والغاز، ومن هنا نمت إمبراطوريته التجارية التي تعمل على توريد المواد التقنية للصناعة. وتضيف: «انتقلت والدتي للإقامة هنا عندما تزوجت والدي عام 1979. كانت في العشرين من عمرها آنذاك، ولم يكن في دبي الكثير مما يمكن القيام به، ولكنها لم تصب بصدمة حضارية لأنها عاشت في الكويت أغلب سنين عمرها تقريبًا». وتذكر رومانا نظيم أن المركز التجاري كان أطول مبنى في دبي يومئذ. «لم يكن لدينا أصدقاء كثيرون، وكنا نخرج لمشاهدة الأفلام وزيارة المنتزهات. وكنت أقرأ كثيرًا، ولم يكن هناك أي مكتبات أو متاجر لبيع الكتب. وفي نهاية المطاف، أقام زوجان هنديان مكتبة متنقلة بها كتب ومجلات – وكنت أهرع إليهما بحماس كل أسبوع!». وبمرور السنوات، انتقلت شقيقة رومانا وأفراد آخرون من العائلة إلى دبي أيضًا، وبنى آل نظيم مجتمعًا مترابطًا.

درست رومانا وشقيقاها الأكبر منها في الخارج ولكنهم عادوا إلى دبي؛ فقد كان الوطن يجتذبهم نحوه بقوة. تقول: «لدينا عائلة كبيرة هنا، نحو 50 من أبناء العمومة وعدد كبير من الأعمام والعمات. ودبي من الأماكن التي تشعر فيها في نهاية المطاف بأنك في وطنك، وبأنك جزء من الثقافة والشعب». ورغم أن رومانا لا تزور الهند كثيرًا هذه الأيام، لا تزال تشعر بارتباط قوي بتراثها. توضح: «عندما أذهب إلى الهند، لا أشعر بالضرورة أنني أنتمي إليها، فأنا لا أتحدث اللغة جيدًا، وأجد صعوبة قليلاً في التعامل مع الفوضى المنظمة، كما يسميها والدي. ولكني أهوى كل ما يتعلق بثقافتي، مدى غنى كل شيء بالألوان، والطعام وحفلات الزفاف والأفلام… إن دفء الهنود وحفاوتهم مميزان للغاية. نحن ندعو الناس إلى منزلنا – وهو ما يشبه كثيرًا ما يفعله الإماراتيون، فهم أيضًا شعب في غاية المودة».

وترى رومانا أن التداخل بين الثقافتين والتعرّض للكثير من الخبرات ميزةً لأن ذلك يفتح العقل والأفق بطريقة قد لا يعرفها مَن يعيشون في بلدان أكثر تجانسًا. «لقد دفعتنا دبي للخروج من منطقة راحتنا. نحن نشأنا في بوتقة تنصهر فيها الجنسيات، ولدينا تفاهم وتسامح واحترام لمختلف الثقافات والأديان. إنها تجربة لا مثيل لها».

ولم يكن الطريق ممهدًا دائمًا أمامها، فقد كانت تناضل أحيانًا في صباها من أجل التوفيق بين هويتيها. «شعرتُ بأن عليّ أن أقسم جوانب مختلفة من نفسي إلى أجزاء؛ ربما كان عليّ أن أكون هندية أو محافظة أكثر في جوانب معينة، وأكثر استقلاليةً في جوانب أخرى. ولكن دراستي في لندن ساعدتني على دمج جميع جوانب شخصيتي. الآن، وبعد أن بلغت الخامسة والثلاثين من عمري، أشعر بالرضا عن جميع التجارب التي شكلت هويتي».

ومن المحطات المميّزة في حياتها افتتاحها لمتجر «ذي إيديت» في مايو عام 2018. تقول: «أحب التجارب الممتعة فيما يتعلق بالتسوق؛ شيء ليس مكانًا تقليديًا للبيع بالتجزئة. ولأن دبي تستجيب كثيرًا لكل ما هو جديد ومبتكر، أخذت تتطور في ذهني فكرةُ امتلاك متجر ذي مفهوم خاص (كونسبت ستور) أجمع فيه بين العلامات العصرية والواعية بالبيئة. ولم يكن لدي أدنى فكرة عن طريقة تنفيذها؛ فأنا محامية ولست رائدة أعمال. وكان الأمر مخيفًا، ولكني حظيت بدعم عائلتي وأصدقائي وشجعوني على المضي قدمًا». وهو إنجاز آخر من إنجازات آل نظيم ترعاه دولة الإمارات، وأحد المشروعات التي تمزج بين الثقافتين بدقة وبراعة. تقول: «يتسم الهنود بالمرونة ويعملون بجد، بينما يتخطى الإماراتيون الحدود ويحققون أشياء لم يكن أحد ليتخيل بأنها يمكن أن تتحقق». أما ردود الفعل على متجر «ذي إيديت» فكانت «استثنائية» بفضل تشكيلته من علامات الأزياء والتجميل والمستلزمات المنزلية، وكذلك بفضل رائدة الأعمال الشغوفة بتمكين المرأة. تؤكد: «أفخر بوجودي في هذه المدينة وأشعر بالأمان كامرأة وإنسانة
تعيش هنا وتسمي دبي وطنها».

تصوير Bjorn Wallander و Prachi Sharma و Keir Harris لصالح عدد يوليو وأغسطس 2022

سوريش وعائشة ميراندا

المديران الهنديان لـ «DecoRlab Group» التي تتخذ من دبي مقرًا لها

يقول سوريش ميراندا: «الحياة جميلة في دبي». وينظر رائد الأعمال والقيادي في عالم التجارة المولود في مومباي إلى حياته في الإمارات بعين الرضا: فقد نجح في منصبه كمدير تنفيذي لمجموعة «ديكورلاب»، حيث يتعاون مع زوجته عائشة في إقامة ملاذ مريح ومزدهر لعائلته. وقد منحته نشأته في مومباي في السبعينيات والثمانينيات كطفل يصغر أصغر أشقائه بتسع سنوات إحساسًا بالاستقلالية، فغادر منزل والديه في السابعة عشرة من عمره للدراسة في غوا – وهي الفترة التي يسميها «سنواتي العجيبة». واستهوته دبي آنذاك. يذكر: «بعد تخرجي، كان عليّ البحث عن مستقبلي. ودعتني شقيقتي التي تقيم في دبي لزيارتها. ومنذ أن وطأت قدماي أرضها – لم أغادرها أبدًا. وكان انتقالي إلى هنا خطة ’لم أخطط‘ لها». وسرعان ما وجد عملاً في بيع العطور الفاخرة، ولكن حبه لريادة الأعمال كان يجيش في صدره. يقول مازحًا: «كان أول وآخر عمل التحقت به»، مضيفًا: «جئت إلى دبي رجل أعزب في أوائل العشرينيات من عمري. وكان معي القليل، لذا لم يكن لدي ما أخسره». وقد أقام مؤسسته الخاصة لتوزيع علامات التجميل الفاخرة مثل «ديور» و«هيرميس» وجيڤنشي»، وبعد عشر سنوات، استحوذ على مصنع نجارة وتصنيع داخلي تطور حتى أصبح اليوم مجموعة «ديكورلاب» المتعددة الجنسيات. وقد عملت شركته مع عملاء مرموقين في قطاعيّ
الفنادق والتجزئة مثل فندق «فور سيزونز» و«حياة» و«دي غريسوغونو» و«مويت آند شاندون» و«إعمار»في المنطقة والهند.

وقد انتقلت عائشة أيضًا من قلب مومباي النابض إلى دبي في التسعينيات، حيث عملت في قطاع إدارة الرفاهية قبل إطلاق شركتها الخاصة لإنشاء علامات خاصة لقطاع التجزئة والسفر. ولأنها تتمتع بخلفية في التصميم الداخلي، كان من الطبيعي أن تنضم إلى فريق العمل في مجموعة «ديكورلاب» مع سوريش في منصب المديرة التنفيذية. توضح: «ترحب دولة الإمارات بجميع الجنسيات والأديان والثقافات، وهو ما يتناسب تمامًا مع قيمنا العائلية ويعكس وطننا في دبي». وتقول عن ابنها الأصغر: «نبدأ يومنا وننهيه بمزيج من الصلوات الهندوسية والإسلامية والمسيحية، ولا يزال صغيري ريان، الذي يصادف عيد ميلاده نفس يوم ميلاد «أبو الأمة» صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لا يستوعب أن هذه الطقوس من ديانات مختلفة». كما يتم الاحتفال بجميع الأيام المقدسة وتقديرها. تقول: «نحتفل بالصيام خلال شهر رمضان ونحتفل بالعيد، ونزور المعبد في بر دبي احتفالاً بعيد الديوالي، ونُحضر تمثال غاناباتي إلى منزلنا كل عام لمهرجان غانيش تشاتورثي، كما نَحضر القداس في كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي أو كنيسة القديسة ماري الكاثوليكية لعيد الفصح وعيد الميلاد… نفس ما نشأنا عليه في الهند. ويعلق سوريش مازحًا أنه يجدر بنا إضافة السنة الصينية الجديدة أيضًا، نظرًا لأن عديدًا من شركائنا التجاريين من الصين». والتعددية الثقافية النابضة بالحياة ليست الشيء الوحيد الذي ما زال سوريش يحتفظ به من حياته في مومباي. وحتى بعد يوم كامل من العمل، تقوم عائشة بطهي وجبة عائلية معدّة بعناية فائقة، تمامًا كما اعتادت جدتها أن تفعل، باستعمال مكونات تحصل عليها من سوق الفواكه والخضروات في ديرة. وتقول عن وطنها المختار: «إن القيم الأسرية المتجذرة والفخر بالمشاركة والتكاتف أمور ملهمة».

وقد رسخت عائلة ميراندا جذورًا لا تُمحى في دبي، والتي يصفها سوريش بـ«الانتقال السلس» بفضل وجود أصدقاء مقربين لهما من كل مناحي الحياة يعكسون حياتهما في مومباي. وتدير ابنتهما جنات شركتها J.Mode الخاصة للوسائط الرقمية والتسويق، بينما يدرس ريان في المدرسة الأمريكية في دبي. وفيما يسافر سوريش إلى الهند كثيرًا، من غير المرجح أن يعودوا جميعًا إليها بصفة دائمة. «لدينا عائلة هنا، وأصدقاؤنا. لكنني لن أنسى أبدًا من أين أتيت. قلوبنا في دبي ولكننا محظوظون بأن تكون الهند وطننا الثاني». وبالنسبة لعائشة، ترى أن الفرص التي تحظى بها المرأة في المنطقة والاحترام الذي تلقاه فيها مصدر للفخر، وهو ما ينعكس أيضًا على حياة ابنتها والفرص المتاحة أمامها. تقول: «على مر السنين، عندما كنت أقدم نفسي في المؤتمرات العالمية، تساءل كثيرون كيف كنت أسافر وحدي، كامرأة هندية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط. واليوم، تغيّر الوضع تمامًا بفضل الثقة والانفتاح والتفكير التقدمي للحكّام، الذين حرصوا على تمثيل النساء بالصورة اللائقة وسماع أصواتهن».

ورغم استقرار العائلة في دولة الإمارات منذ عقود، فإنهم لا يزالون يقفون مشدوهين أمام كل ما تقدمه الدولة – بالنسبة لسوريش، تجذبه المعالم المعمارية الرائعة مثل برج خليفة، بينما تقدّر عائشة الجمال الطبيعي. تقول: «نحب إجازاتنا في الإمارات، فقد أمضينا
لحظات جميلة في ربوعها». ويعلق سوريش موافقًا رأيها: «نحن نعيش الحلم».

 

نشر الموضوع لاول مرة على صفحات المجلة عدد يونيو ويوليو 2022 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع