تابعوا ڤوغ العربية

لقاء ڤوغ العربيّة مع الممثلةُ السعودية عهد كامل النجمةَ الصاعدةَ في سماء العصر

الممثّة عهد كامل، بعدسة فيليب سيندن لصالح عدد شهر يونيو من ڤوغ العربيّة

بعدما تخطّت عقبات هائلة، باتت الممثلةُ السعودية عهد كامل النجمةَ الصاعدةَ في سماء العصر، وأعلنت مشاركتها في فيلم رعب هوليوودي جديد بعنوان “بينغ” يخرجه دوغلاس ويليام، بعد أن شاركت في مسلسل نتفلكس بعنوان ”كولاتيرال“، نستعرض في السطور التالية حوار ڤوغ العربيّة مع عهد كامل داخل عدد شهر يونيو الذي تصدّرت صورة غلافه الأميرة هيفاء بنت عبد الله آل سعود. 

لأول وهلة، ربما يخيب ظن جمهور الفنانة عهد كامل جرّاء مشهدها الأول في مسلسل ”كولاتيرال الذي أنتجته شبكة نتفليكس لصالح قناة بي بي سي البريطانية، فخلاله تنهض الممثلة السعودية، التي تلعب دورَ لاجئة عربية تدعى فاطمة آصف، من المكان الذي تنام فيه، وهو أرضية مرآبٍ تغمرها الأوساخ والقاذورات، وتلفُّ سريعاً وشاحاً حول رأسها، بينما تشير إلى المحققة الجنائية (التي تلعب دورها الممثلة كاري موليغان المُرشحة لنيل جائزة الأوسكار) بأنها لا تتحدث الإنجليزية. وبعد شهورٍ من التخمينات التي دارت حول الدور الذي تلعبه في المسلسل، تبدو شخصيتها كما لو كانت صامتة. وبطبيعة الحال، فإن هذا الصمت هو جزء أصيل من تكوين الشخصية التلفزيونية. ومع توالي ظهورها خلال أحداث المسلسل، يتعرَّف المشاهدون إلى امرأة معقّدة تتكلم العربية بصوتٍ حاد وواثق؛ في حين أنَّ لغتها الإنجليزية هي في الواقع واضحة، بل حتى دافئة وبعيدة كلَّ البعد عن الرتابة والجمود. وخلال اللحظات الأولى، سواء تكلمت أم ظلّت صامتة، فإن عهد كامل تجعل المشاهدين يتسمَّرون في مكانهم؛ حيث إن “أول ممثلة سعودية على الإطلاق” تلعب دور البطولة في مسلسل لشبكة نتفليكس تتحدث بعينيها؛ نظراتها ثاقبة ولها وقع آسر في النفوس. 

تقول ضاحكةً: “لم أتخيل أبداً أن يأتي يومٌ أُجري فيه مقابلةً مع ڤوغ”. وهو تصريحٌ واقعي تماماً؛ فرحلتها كانت مليئة بالتحديّات التي صادفت خلالها الكثير من المطبّات – إذ تخلَّلتها فترات من الحيرة والشك، كما عانت أحزاناً متكررة. وتستذكر عهد، التي ولدت في الرياض عام 1980، وكانت الفتاة الوحيدة بين أربع صبيان، أنها كانت “طفلة مشاكسة”. انتقلت أسرتها إلى جدة عندما كانت في السابعة من عمرها، وفي سن الرابعة عشرة عاشت مأساة رحيل والدها بسبب مرض السرطان. وبعد ذلك بخمس سنوات، رحلت والدتها أيضاً بسبب المرض ذاته. تقول: “كانت مرحلة المراهقة قاسية، عانيت فيها فقدان الأحبّة وكثيراً من الأحزان”. 

وفي سن السابعة عشرة، التحقت كامل بجامعة كولومبيا في نيويورك. تقول: “بعد وفاة والدي، لم تكرر أمي على مسامعي تلك الأحاديث التقليدية – من قبيل عليكِ أن تتزوجي، ابحثي عن رجل [مناسب]. وبذلك اعتدت الاعتماد على نفسي”. رحلتها في اكتشاف الذات قامت على التجربة والخطأ؛ فخلال دراستها التمهيدية للتخصص في المحاماة “أُغرِمَت بالدراما التي تشهدها قاعات المحاكم” بدلاً من ذلك. ثم أوقفت دراستها في الجامعة المرموقة بعد فصلٍ دراسيٍّ واحد. تقول مبتسمةً: “أردتُ أن أكون فنَّانة”. وبعد رحيل والدتها، شعرت كامل بأن القدر يدفعها لأن تصبح أكثر استقلاليةً. وعن دافعها للحرية ورغبتها بالتحرُّر، تقول: “لم أرغب في البقاء بالسعودية؛ كان أمراً مؤلماً جداً وحسب”.

وبعد ذلك، التحقت كامل بكلية بارسونز للتصميم، حيث درست فن الرسوم المتحركة. “كرهته”، تقول ضاحكةً قبل أن تردف: “كان مجالاً منعزلاً جداً، لكني أحبَّبت بارسونز”، مشيرةً إلى أنها تفوقت في دروس الفنون المتحررة، وعلم الاجتماع، وتاريخ الفن. وكان مشروع تخرجها عبارة عن فيلم وثائقي مدته 30 دقيقة تخلَّلته فواصل من رسوم متحركة. تقول: “أردتُ منح السعوديات صوتاً، إلا أنني لم أجد سوى أربع صديقات مستعدات للتحدّث”. وكانت تلك المرةَ الأولى التي تقف فيها كامل خلف الكاميرا، وكانت بالفعل لحظة مفصلية في حياتها. تقول: “بعد التخرّج، وبطريقة ما، شعرتُ كما لو أنني قد عدتُ لنقطة البداية مجدداً، لذا فكرتُ: لماذا لا أجرِّب دراسة الأفلام؟”.

جعلتني كلُّ المِحَن التي واجهتها ممثلةً أفضل وأكثر معرفةً

وبسبب الحظر الذي كان مفروضاً في الماضي على دور السينما في السعودية، لم تنشأ كامل على مشاهدة الأفلام بالمعنى التقليدي للكلمة. تقول: “كان عندي تلفزيون، وشاهدت الكثير من الأفلام المصرية. وكان أول فيلمٍ شاهدته في صالة عرض سينمائية بلندن هو فيلم ديك تريسي. كانت مادونا من فناناتي المفضلات، وكنت أردِّدُ أغنياتها ليل نهار، الأمر الذي كان يفزع والديّ، فلم يرق لوالدي سماعي أردِّدُ أغنية ’مثل العذراء‘!”. وبعد التحاقها بأكاديمية نيويورك للأفلام، ومع خوض أولى تجاربها في عالم السينما، “استحوذ عليها” ذلك الأمر. تقول مستذكرةً: “كنت أعمل 14 ساعةً متواصلة دون أن أنظر حتى إلى الساعة، وكان ذلك أمراً غير مسبوقٍ بالنسبة لي”. وخلال تعلُّمها أصول الإخراج والإنتاج، التقطت عدوى حبّ التمثيل، لكنها لم تكن مستعدة للحديث عن شغفها الجديد علانيةً. تقول: “لم أبدأ التمثيل إلا بعد زواجي، فتحت مظلة الرجل كان الأمر مقبولاً طالما أنه لا يمانع”. 

وبالعودة إلى العام 2012، أثار فيلمٌ طويلٌ عرض لأول مرة في ذلك الوقت فضولَ المنطقة والعالم، وهو فيلم وجدة. وعن دورها في هذا الفيلم الروائي الطويل الذي تم تصويره في السعودية تقول: “كنتُ منزعجة بعض الشيء من أداء دور مديرة المدرسة الشريرة، لكني سرعان ما أحببتها. فعلى سبيل التغيير، لم أكن الضحية، بل كنتُ أقود الأحداث”. تقول كامل إن أحد أشقّ المصاعب التي يواجهها الممثل هي الوصول إلى الجانب الإنساني في الشخصية، ومن ثمّ إطلاع الجمهور عليه. والصعوبة الأخرى هي القدرة على التعامل مع الرفض [من قِبَل المسؤولين]. تستذكر كامل تجارب الأداء التي خاضتها وتبعها صمتٌ مطبق، وتلك الأوقات التي تساءلت فيها ما إن كان غير مرغوبٍ بها، أو إن كان سنّها أكبر من اللازم. وعن ذلك تقول: “كممثل، أنت الأداة. وبخلاف الرسَّام، فأنت محصِّلة الإبداع. في مجال التمثيل، يجب ألّا يتأثر الممثل بالنقد”. 

بعد مرور 13 عاماً على عملها في هذا القطاع، تعتبر الرفضَ الآن معلِّمها الأكبر، تقول: “جعلتني كلُّ المِحَن التي واجهتها ممثلةً أفضل وأكثر معرفةً. عندما تكونين مبتدئة، تربطين كل السحر والفتنة بتلك المهنة، إلا أنَّ الواقع أصعب من ذلك بكثير. إن تمكنتِ من العيش مع الواقع، فأنتِ تقدمين على ذلك لأسباب وجيهة”. 

وهذا لا يعني أنَّ مسلسل كولاتيرال، وهو مسلسل جريمة تشويقي تدور أحداثه في غضون أربعة أيام، لم يقدم لها خبرات هائلة. وتتذكر كيف كان المخرج الحائز على الجوائز، السير ديڤيد هير، مرتبكاً لدى مقابلتها، إذ لم يسبق أن كتب عن شخصية عربية من قبل. ومن واقع تأثرها بتلك المجاملة اللطيفة، أدركت أنها كانت تعمل مع الفريق المناسب. وتصف كاملُ الممثلةَ موليغان بأنها “لطيفة وعنيفة”، وتتحدث أيضاً بشغف عن شخصية فاطمة اللاجئة التي تؤديها في المسلسل – تقول عنها باعتزاز أنها: “ناجية ومناضلة”.

وعندما بدأت رحلتها في عالم الأفلام والتلفزيون، نعتها الجميع بأنها طائشة – تقول مبتسمةً: “فتاة من بلاد ليس فيها سينما. إلا أنَّ السنوات مرَّت، وها نحن اليوم هنا”، وتقصد بكلمة “هنا” شمال غرب لندن، حيث تعتبر هذه المدينة موطناً لها، إذ تزورها بشكلٍ متكررٍ منذ أن كانت طفلة صغيرة. وهي تعيش بالقرب من منتزهٍ، مقابل شارع آبي رود، حيث يعبر الناس الشارع كل يوم لإعادة ابتكار صورة غلاف ألبوم فرقة البيتلز الشهير، وهو منظرٌ يضحكها على الدوام.

تدشين وزارة الثقافة في السعودية وتعيين الأمير بدر بن عبد الله آل سعود كأوّل وزير لها

الممثّة عهد كامل، بعدسة فيليب سيندن لصالح عدد شهر يونيو من ڤوغ العربيّة

وتعمل كامل حالياً على تنفيذ دوبلاج عدة أعمال، ومشروع تجاري، كما تعمل على تطوير فيلمها الطويل الخاص، حيث تنكبّ على حاسوبها المحمول لتكتب وتنقّح، مرتديةً إطلالتها الاعتيادية المؤلفة من بذلة رياضية وحذاء سنيكرز، وعن ذلك تقول: “إنه فيلم درامي بطابع يشبه فيلم سينما باراديزو. أكتب النص حالياً. أشعر بالإلهام!”، وتردف بالقول: “يحمل العنوان أنا وسائقي، ويدور حول قصة حلوة ومريرة في آنٍ معاً، تقوم إلى حدٍّ ما على نشأتي وعلاقتي بسائقي السوداني. لقد كان جزءاً كبيراً من حياتي؛ فمنذ نحو 12 عاماً، علمت بنبأ وفاته، وأدركت في تلك اللحظة أنني تعاملت معه وكأنه باقٍ طوال العمر، وهذا الفيلم تكريم له”. 

جزءٌ كبيرٌ من قصة كامل تخلَّله الخسارة وفقدان الأحبّة، ولكنها مع ذلك تظل متزنة ومتفائلة. تقول: “أشعر بالسعادة لأنني أعمل ما أحبُّ. عندما كنت صغيرة، طُرِح عليَّ السؤال: ’أنتِ من عائلة محترمة، لماذا اخترتِ مجال الفن؟‘”، إلا أنَّ العقلية في السعودية تتغير. أمَّا فيما يتعلق بأدوار النساء في السينما، فتصرِّح بأنهن يمثلِّن المخرِجات الأكثر لفتاً للأنظار في المنطقة. تقول: “علينا أن نروي قصصنا، حاجتنا لذلك أقوى بكثير من حاجة الرجال، فالكثير من النساء قد رحلن – حتى إننا لا نعرف أسماءهن، يُشار إليهن فقط بلقب أم فلان وأم فلان. كانت جدتي تروي القصص والحكايات. والطريقة التي روت بها قصتها وما عانته لا تذهب هباءً هكذا ببساطة، بل يجب أن يتمَّ تناقلها”. وفي ختام حديثها، قالت كامل التي تدرك عملياً تأثيرها على وطنها: “أحبُّ أن أشبّه نفسي بالشجرة؛ فكوني سعودية هو جزءٌ من هويتي، لكني تفرَّعت، والآن أريد أن أكون في مكانٍ أستطيع من خلاله الوصول إلى العالم أجمع”. 

محمد التركي يستعيد ذكريات حياته المشبّعة بعشق السينما

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع