تابعوا ڤوغ العربية

الاقتصاد الإبداعي والروافد الثقافية: كلمة المحرر الضيف سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني لعدد نوفمبر من ڤوغ العربية

Photo: Alanoud Alghamdi

بمرور السنين، ازداد إدراكي للدور المهم الذي تلعبه الأزياء في التعبير عن شخصياتنا وهويّاتنا. كيف نلبَس؟ وماذا نلبس؟ ولماذا نختار لباسًا بعينه لهذه المناسبة؟ كلُّ هذا لا يمرُّ بشكل اعتباطي.

وبينما يمضي بنا العمر، تتغير أذواقُنا؛ بالنسبة لي، ولأكون صريحةً، في أوّل صِباي لم أكنْ ألتفتُ للتَّفنُّنِ في ارتداء الملابس، لكنّ عملي في مجال الفنون والثقافة جعلني أنظر إلى الأزياء بطريقة مختلفة، وأؤمن بقدرتها على التواصل بما يتجاوزُ الكلمات.

والأهم من ذلك، أحببت كيف تتيح الموضة للمرء حرية التعبير عن أسلوبه الخاص. أنا شخصيًّا أُفضلُ ارتداء أحذية رياضية مع عباءات وملابس غير رسمية لأني أجد هذا الأسلوب عمليًّا ومريحًا للغاية. قد يبدو أسلوبي مفارقة غريبة بالنظر إلى أسلوب أمي، صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، التي تُعتبر أيقونةً للأناقة ليس في قطر فحسب، بل في العالم بأسره. ولغاية الآن تعلّمتُ الكثيرَ من طريقة لباسها، بأناقتها التي تتلألأ عبر العالم، وتواكبُ آخر صيحات الموضة، مع محافظتها على اللمسة الدينية والثقافة الشرقية. كلُّ هذا مع تمكين الشابات بأدوات تجعلهنّ أنيقاتٍ، وفي نفس الوقت حريصات على ثقافتهن.

ليس لدي شك في أننا سنكون على موعد مع باقة متنوعة من أزيائنا التقليدية وأناقتنا الوطنية، مع الاحتفالية التي ستشهدها قطر كأول مستضيف عربي لبطولة كأس العالم. وقد وجدتُ في هذه المناسبة فرصةً رائعة لتكليف علامات تجارية عالمية بإبداع عباءات تقليدية مستوحاة من تشكيلات الأزياء الخاصة بهم. في عام 2022 وحدَه، تمكنّا من العمل مع محمد بن شلال وعبد القادر الطيب (الفائزين بجوائز فاشن ترست أريبيا لعام 2021)، وبرادا، وأديداس، وأوف وايت (مع صديقنا العزيز الراحل فيرجيل أبلوه)، وفاي توغود، وروني حلو (الفائز بجائزة فاشن ترست أريبيا لعام ٢٠١٩)، وبالمان، وفالنتينو، وإميليا ويكستياد، وغابريلا هيرست، وإردم، وجيف كونز، وهارلينز بهدف تصميم عباءات مميّزة تتناسب ومُتطلَّباتنا الثقافية.

اليوم، لم يعد من المستغرب أن تجعل المؤسسات الثقافية الكبرى معارضَ الأزياء جزءًا أساسيًّا من برامجها العامة. ومتاحفُ قطر ليست استثناءً في ذلك؛ إذ تَعرضُ الأزياء باعتبارها عنصرًا يتكامل مع العناصر الثقافية الأخرى، ولا يعبّر عن هويتنا فحسب، بل يسهم أيضًا في تهيئة بيئة مواتية للابتكار والإبداع؛ أي ما نطلق عليه: الاقتصاد الإبداعي.

يعرض متحف الفن الإسلامي الأزياءَ من خلال باقة من المنسوجات واللوحات ضمن مجموعته المميزة. في حين يعرض متحف قطر الوطني أشكالًا متنوعة من الملابس التقليدية والتراثية. كما أسهم متحف: (المتحف العربي للفن الحديث) في إطلاق المسيرة المهنية لمصممي أزياء بارزين مثل «وضحى» من خلال توفير منصة للمصممين الشباب لعرض مواهبهم. أمّا 3-2-1 متحف قطر الأولمبي والرياضي -الذي افتُتح مؤخرًا- فيعرضُ الأزياءَ الرياضية التي تُلبَس في المنافسات الرياضية على تنوُّعها، وكيف يُبدع بعضُ الرياضيين في تحويل بدلة رياضية عادية إلى زِيٍّ عصري أنيق داخل ساحات اللعب وخارجها.

في عام ٢٠١٨، أسَّسْنا “فاشن ترست أريبيا” وهي فعالية غير ربحية، تهدف إلى تقديم الدعم المالي للمبدعين المحليين والدوليين، في مختلف مجالات صناعة الأزياء، بالإضافة إلى توفيرها بيئة تحفيزية للمواهب الناشئة، وتنظّمُ برامج تدريبية لتطوير مهاراتهم، بالتعاون مع شركاء FTA الرئيسيين. كما تكرّم المواهب الرائدة في تصميم الأزياء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتسلّط عليهم الأضواء العالمية.

في السنوات الثلاث الماضية – بما في ذلك خلال الوباء العالمي – دعمَت فاشن ترست أريبيا المواهبَ في المنطقة، ومكّنتها لإبداع تجارب أصيلة ومؤثّرة. ويرتدي المشاهير العديد من تصاميم الموهوبين الذين استفادوا من منحة فاشن ترست أريبيا، ويستخدمها مصمّمو الإطلالات في القصص الصحفية حول العالم (بمن فيهم كثيرون في هذا الإصدار).

تساعدنا كذلك جميع برامج الأزياء لدينا على احتضان المواهب للقيام بمشاريع مستقبلية رائدة، تشمل دَدُ: متحف الأطفال في قطر، ومتحف قطر للسيارات، ومتحف لوسيل، ومتحف مطاحن الفن، وستكون منطقتنا حافلة بمجموعات ستُلهم الأجيالَ القادمة. وسيتمُّ عرضُ أجزاء من هذه المشاريع في إطار البرامج الثقافية المصاحبة لبطولة كأس العالم FIFA قطر 2022.

لدينا العديد من مصممي الأزياء الموهوبين الذين يعيشون في الدوحة، ويُشكِّلون جزءًا من اقتصادٍ إبداعي ضخم يسهم في تطوير مجتمعنا. سيقدم  M7(مركز قطر للابتكار وريادة الأعمال في مجالات التصميم والأزياء والتكنولوجيا) معرضَ «فالنتينو إلى الأبد» أكبر معرض حتى الآن يدور حول دار الأزياء الإيطالية (فالنتينو) في أول عرض لها في الشرق الأوسط، والذي يلي العرض المذهل «كريستيان ديور: مصمم الأحلام». وسيُعرض «غَزْل العروق: حياكة تاريخ فلسطين» في جاليري متاحف قطر – كتارا، وهو معرض يتناول الزّيّ الفلسطيني التقليدي.

أما (مطافئ- مقرّ الفنانين) الذي افتُتح عام 2015، فيواصل دعمَه للفنانين الشباب الذين يعيشون في قطر، وحاليًّا يحتضن متحف: (المتحف العربي للفن الحديث) أعمالَ خريجي مطافئ الذين شاركوا في برنامج الإقامات الفنية. كما يعرض كلٌّ من الفنانة القطرية الأمريكية صوفيا الماريا، والفنان الفلسطيني تيسير البطنيجي أعمالَهما في متحف.

ولا يتوقف العمل عند هذا الحد؛ فمؤسسة الدوحة للأفلام تقدّم الدعم إلى صُنّاع الأفلام في المنطقة منذ تأسيسها عام 2010. ومؤخرًا تم عرض 13 فيلمًا مدعومًا من مؤسسة الدوحة للأفلام في مهرجان البندقية السينمائي 2022؛ ووصلَتنا أخبارٌ سارّة عن فوز 3 أفلام منها.

كما أنّ «ليوان» (استديوهات ومختبرات التصميم) الجديدة الخاصة بنا -الذي يشغل مبنى تاريخيًّا كان مخصصًا لمدرسة بنات الدوحة، والذي تم تجديده بشكل مُذهل في حي مشيرب- يوفّرُ مساحاتٍ للعلامات التجارية العالمية، جنبًا إلى جنب مع التصاميم الإبداعية المحليّة، بحيث تكتسي المشاريع صبغةً عالمية ومحلية في آنٍ واحد.

أنا فخورة برؤية نموّ قطاع الاقتصاد الإبداعي، ومعجَبةٌ جدًّا بجودة المواهب التي يمتلكُها أبناءُ بلدي، ومن خلال المنصّات التي أنشأناها، يستطيع رُوّاد الأعمال الشباب خَلْقَ مستقبلٍ مهنيّ لأنفسِهم في عالم الإبداع.

وبعد أن نشرت كتابي «سِحْرُ الثّقافة»-وهو سلسلة من الأفكار والخواطر حول رحلة قطر للتطور الثقافي حتى كأس العالم FIFA قطر2022- من الواضح أنني قضيتُ شطرًا من حياتي في التأمُّل والتفكير حول الدور المهم للثقافة في عولمة المحلي وتوطين العالمي؛ فبريقُ الثقافة يشملنا جميعًا: كيف نعيش؟ وبماذا نؤمن؟ دون الشعور بالحاجة إلى التخلّي عن هوياتنا الأصيلة.

أنا ممتنةٌ جدًّا لهذه الفرصة التي أتيحت لي من أجل إبراز هذه التطورات المذهلة، وإظهار صُنّاع التغيير الثقافي في المنطقة. لذلك، لم تكن هذه المهمة سهلة على الإطلاق؛ لأنه بإمكاني ملءُ العديد من المجلَّدات بالزخم الهائل من المواهب في قطر والمنطقة، ورغم ذلك، آملُ أن تكون القصصُ والشخصيات التي قمت باختيارها هنا -والتي تمهّدُ الطريقَ لنا لفهم القوة الحقيقية للثقافة- مصدرَ إلهام لكم بقدرِ ما ألهمتني.

يصعب التعبير عن مدى امتناني للأفراد الذين كرّسوا جهودَهم لهذه الصناعة، وللجنود المجهولين الذين يبذلون كل غالٍ ونفيس في سبيل تنويع اقتصادنا، كما أنه لم يكن في وسعي ذِكْرُ جميع المواهب التي تضمُّها هذه المنطقة. ومن خلال انتقائي لمجموعة من الشخصيات من مختلف المجالات الإبداعية التي يشملها الاقتصاد الإبداعي، آمل أن تكونوا قادرين على التفكير في الفرص المستقبلية أمامنا بفضل هذا الاقتصاد.

إقرأي أيضاً: سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، تشارك في تحرير عدد نوفمبر 2022 من ڤوغ العربية

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع