فارس بطل وحاكم حكيم وقائد مغوار وشاعر فصيح، هكذا عُرف الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني مؤسس دولة قطر
ديوان من قصائد الشعر النبطي للشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ت. ١٣٣١هـ/١٩١٣م المطبعة المصطفوية، مومباي، ١٣٢٥هـ/١٩٠٧م
بدأ الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني إدارة شؤون البلاد إلى جانب والده المسن عام 1876، ثم خلفَ والدَه بعد وفاته في 18 ديسمبر 1878. وفور توليه زمام القيادة، كرس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني السنوات الأولى من حكمه لبناء الدولة، فاهتم بوحدة الشعب عبر توحيد القبائل القطرية التي ساندته ودعمته. وجعل اهتمامَه منصبًّا على التعليم، فأسس على نفقته الخاصة العديد من الكتاتيب (المدارس التقليدية)، وطبع الكتب ووزّعها، واهتم ببناء المساجد ودعوة الفقهاء والعلماء إلى قطر. وعمل على تعزيز البنية التحتية لتجارة اللؤلؤ (عصب الاقتصاد القطري آنذاك) عبر تحسين الموانئ وبناء السفن وتنظيم قوانين الأنشطة المتعلقة بصيد اللؤلؤ والتجارة البحرية.
ولعل معركة الوجبة (التي انتصرت فيها القبائل القطرية بقيادة المؤسس الشيخ جاسم على القوات العثمانية) من أبرز الأحداث التي تحفظها الكتب التي تؤرخ لدولة قطر الحديثة ولهذه المنطقة.
فالشيخ جاسم -بالإضافة إلى خبرته العسكرية، ومكانته الدينية والعلمية كإمام ومفتي في جامعها الكبير، وبالإضافة إلى نجاحه الكبير في مجال تجارة اللؤلؤ- امتلك المؤسس الحكمة والرصانة، وكان شاعرًا (له ديوان شعر مطبوع)، وكان حريصًا على التمسك بالدين واللغة العربية والثقافة العربية الأصيلة، كل هذه الصفات جعلته مؤهَّلًا لتوحيد القبائل القطرية، وتأسيس الدولة، ومواجهة العثمانيين والإنجليز وغيرهمم ممن تعرّضوا للدولة.
وعندما تقرأ ديوان شعر المؤسس ستجده شاهدًا على مسيرة حياته، ومآثره الخالدة، وقيمه الإنسانية النبيلة، كقائد اجتمعت فيه القوة والرحمة والأخلاق النبيلة. وتعد «كعبة المضيوم» (أي ملاذ المظلوم) من أشهر قصائده، وقد عبر فيها عن رؤيته كمؤسس لدولة قطر وأمله في أن تظل دولته ملجأً وعونًا لكل من أصابه الظلم والضيم.
ولعل الازدهار الثقافي في الدولة اليوم ليس إلا تكملة لتاريخ ثقافي كتبه الشيخ جاسم بأحرف من نور؛ فالشعر الذي كتبه الشيخ جاسم يعكس الأحداث وأحوال القطريين في زمنه، لذا يُعتبر ديوانه مصدرًا تاريخيًا كبير الأهمية. وتكمن أهميته في تقديمه وصفًا مباشرًا لمرحلة محددة في تاريخ قطر الحديث، ساردًا الأحداث الحاسمة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية في قطر والمنطقة خلال مطلع القرن التاسع عشر. وهذا الديوان دليل على الهوية الثقافية والروحية للمؤسس والتزامه بالقيم التي تأسست عليها بلاده.
تتجلى أهمية التراث الشعري عميق الأثر للمؤسس في جميع مناحي حياة القطريين، ويتجلى ذلك في بعض شعارات اليوم الوطني الذي تحتقل به قطر في 18 ديسمبر من كل عام. ففي عام 2021 كان الشعار الداعي للحفاظ على البيئة: «مرابع الأجداد أمانة»، في إشارة مباشرة إلى قصيدة للمؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، يقول فيها:
«مرّت بي العيرات عدٍّ ومنزلٍ ورسم لنا ما غيّرته الهبايب
ديارٍ لنا نعتادها كلّ موسم مرباعنا لا زخرفتها العشايب»
ترتبط هذه الكلمات ارتباطًا وثيقًا بحياة القطريين وقد استمر أثرها على مر الزمن لما تعكسه من عادات وتقاليد راسخة تجسد تقدير الشعب القطري لبيئته وأرضه، فضلاً عن إحساسه فيما بعد بالانتماء إلى الأرض نفسها. ولقد ظل شعر المؤسس يتردد صداه لأنه يُعبّر عن ثقة القطريين في أرضهم ويبرز بدايات قطر كصحراء شهدت نماءً وازدهارًا، إلى جانب فهمه لطبيعة قطر وبحرها وفصولها كمصدر للفخر والاعتزاز بالوطن.
واليوم، يعد ديوان المؤسس، الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، الذي طُبع عام 1907 في مومباي –وهو أول كتاب شعر نبطي من شبه الجزيرة العربية يتم طبعه– أحد المقتنيات البارزة في معرض المكتبة التراثية بمكتبة قطر الوطنية.
الفنان راكو كيتشيزيمون
ولا يزال الشيخ جاسم مصدرَ فخر وطني للشعب القطري ومصدر إلهام للعديد من الفنانين المعاصرين كما في معرض «راكو كيتشيزيمون الخامس عشر. جيكينيو – فخار ياباني تقليدي نابض بالحيوية» في متحف الفن الإسلامي أكتوبر 2022. إذ يضم طقمًا من أربعة عشر إناء شاي احتفاليًا مستلهمًا من البيئة الطبيعية لقطر وأسلوب حياة شعبها. وفي هذا المعرض نرى الامتزاج بين الفن الياباني وبين أشعار المؤسس في رمزية على انفتاح المشهد الثقافي القطري وعمق أصالته.
من أعمال الفنان راكو كيتشيزيمون الخامس عشر.
وقد صنعت هذه الأواني من الرمال والمعادن المستخرجة من الصحراء القطرية، من وحي زيارة قام بها راكو إلى قطر عام 2018، استلهم ابتكار هذه الأعمال الفنية. ويستشهد الفنان بزيارته إلى مكتبة قطر الوطنية التي نجح من خلالها في استعراض شعر المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني باعتباره مصدر إلهام، قائلًا: «في هذه المناسبة، تحركت مخيلتي على إثر البيئة الطبيعية لقطر وشعبها، وبفعل الهبات الرملية التي تلقيتها من الصحراء. لقد كانت مصدرًا جديدًا ومنعشًا للإلهام». والجدير بالذكر أن عام 2022 يوافق مرور 50 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين قطر واليابان، علاقة وطيدة فيها شراكات في العديد من القطاعات منها الفن والثقافة.
من أعمال الفنان راكو كيتشيزيمون الخامس عشر.
وبعد فوز قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم، فإنّ متاحف قطر بقيادة رئيس مجلس الأمناء، سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني أطلقت عام 2012 مبادرةَ «الأعوام الثقافية» وهي مبادرة للتبادل الثقافي الدولي لتعميق التفاهم بين الشعوب والأمم.
وبينما يستغرق كل برنامج عامًا كاملاً، فإن روابط الصداقة والتبادلات الثقافية بين الشريكين لا تتوقف، بل تبقى إرثًا مستمرا لكلا البلدين.
المقالة من عدد نوفمبر 2022 من ڤوغ العربية
إقرأي أيضاً: سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، تشارك في تحرير عدد نوفمبر 2022 من ڤوغ العربية
