تابعوا ڤوغ العربية

الفن حق للجميع: قطر تتحول إلى متحف فني مفتوح

في سياق مبادرة تمتد لعدة سنوات، تحولت قطر إلى متحف فني مفتوح يسلط الضوء على أكثر من 80 عملاً فنيًا قُبيل انطلاق كأس العالم لكرة القدم هذا الشهر.

منذ عام 2013، يستقبل الزائرين الذين يهبطون في مطار حمد الدولي بالدوحة دبٌّ أصفر عملاق (للفنان السويدي أورس فيشر) صار مَعلمًا بارزًا على مطار حمد الدولي بالدوحة. وحاليًا يستمتع الجمهور بأعمال فنية عامة مثل «الدب المصباح» متوزعة في جميع أنحاء قطر، من المتاحف والمنتزهات إلى المستشفيات والهيئات الحكومية، في إطار مبادرة «الفن العام» التي تقودها متاحف قطر، والتي دشّنت على مدى السنوات القليلة الماضية أكثر من 100 عمل ومنحوتة تزين المشهد الحضري المتطور في قطر.

وتعد المبادرة، التي أطلق عليها اسم «قطر تُبدع» مهرجانًا فنيًا وطنيًا يستمر على مدار العام ويرعى ويروج ويحتفي بمختلف الأنشطة الثقافية في الدولة.

يقول عبد الرحمن أحمد آل إسحاق (مدير إدارة الفن العام في متاحف قطر): «إن الفن لغة عابرة للثقافات والحدود، وأفكار الفنان يترجمها إلى أعمال فنية». ويضيف: «والمجتمع الذي يقدّر الفن يقدّر أيضًا الفكر والحوار والتقدّم». ومن خلال جعل الفن جزءًا من الحياة اليومية، تعتبر قطر من أوائل الدول التي وضعت برنامجًا شاملاً للفن العام المعاصر في الخليج. وتفتخر الدولة الآن بأعمال فنانين مشهورين عالميًا، مثل «صقر» لتوم كلاسن (2021) في مطار حمد الدولي، و«رب ضارة نافعة» لغادة الخاطر في مطافئ مقر الفنانين، و«بلا عنوان» (خندق، عمود، حفرة، نفق وحجرة) لبروس نومان في مركز قطر الإبداعي للابتكار وريادة الأعمال (M7)، و«قردة غاندي الثلاثة» لسوبود غوبتا في الحي الثقافي «كتارا».

وقد تصدرت «الرحلة المعجزة» لداميان هيرست عناوين الأخبار لأوّل مرة حين أزيح عنها الستار عام 2018 فكشفت عن سلسلة مثيرة من 14 منحوتة برونزية ضخمة تجسد مراحل حمل الجنين داخل الرحم، من التخصيب حتى الولادة. وينتهي العمل بتمثال طفل رضيع مكتمل النمو يبلغ ارتفاعه 14 مترًا. ووفقًا للفنان، يعد هذا العمل، الذي كُلف بتنفيذه لمستشفى سدرة للعناية بصحة النساء والأطفال، مكرسًا لجمال عملية الإنجاب البشرية غير العادية. وهذا العمل الفني يقابل كلية الطب التابعة لجامعة وايل كورنيل.

وقبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم Fifa قطر 2022 هذا الشهر، تسعى مبادرة الفن العام في متاحف قطر إلى تحويل البلاد إلى متحف فني مفتوح بعرض أعمال إنشائية لفنانين بارزين، منها عمل للفنان الأمريكي جيف كونز؛ حيث تُعرض منحوتته «الأطوم» التي يبلغ ارتفاعها نحو 21 مترًا وعرضها 31 مترًا ومصنوعة من الفولاذ المصقول العاكس بزخرفة متعددة الألوان، في حديقة مسرح قطر الوطني. وتتعاون متاحف قطر مع عدة هيئات محلية لتوسيع برنامج الفن العام في كل أنحاء البلاد، ومنها مطار حمد الدولي، واللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهيئة الأشغال العامة (أشغال)؛ بغية تركيب أعمال فنية في طائفة متنوعة من الساحات والأماكن العامة، كالحدائق، ومراكز التسوق، والمرافق التعليمية والرياضية، ومحطات مترو الدوحة، بالإضافة إلى الملاعب التي ستستضيف مباريات كأس العالم.

كما تُعرض أعمال فنية مثل «مقام 1، ومقام 2، ومقام 3» (2022) للفنانة
اللبنانية سيمون فتال التي أبدعت ثلاث منحوتات من الغرانيت الأزرق بأشكال متنوعة يمكن رؤيتها ككثيب رملي أو بناء أو خيمة في آن واحد. ويُعرض أيضًا العمل الفني الأيقوني «الديك الأزرق» (2021) للفنانة الألمانية كاتارينا فريتش الذي تم تركيبه مؤخرًا في فندق شيراتون الدوحة. ويوضح مدير إدارة الفن العام: «إن التكليف بعمل جديد، يمر بمراحل؛ إذ يبدأ بمرحلة البحث والتطوير بناءً على مفهوم يقدمه الفنان. وفي نهاية هذه المرحلة، يتطور العمل إلى أبعد من مجرد مفهوم، وعند هذه النقطة يتم تكليفه ويجري تصنيع العمل الفني وتركيبه»، ويضيف: «يبدأ اختيار الموقع دائمًا بالقيّم، سواء كان الفنان سينضم للموقع من أجل عرض عمل جديد، أو يتم تحديد موقع لعرض عمل موجود بالفعل. وتتم دراسة السياق لكل من العمل الفني والموقع من قبل المخططين الحضريين والمهندسين ومتخصصي السلامة الذين بدورهم يساعدون القيّم في التحقق من صلاحية الموقع من الناحية الفنية». ويضيف آل إسحاق أن قدرة الفنان على تنفيذ المشروع أمر أساسي، حيث يقوم الفنانون أحيانًا بتوسيع مفاهيمهم بالقدر الذي تسمح به قوانين الفيزياء. كما يلعب الإطار الزمني والسلامة العامة واحتياجات الصيانة المستمرة دورًا أيضًا في اختيار الأعمال التركيبية بشكل ناجح.

وتسلط المبادرة الضوء أيضًا على فناني قطر، كما تدعم المواهب المحلية والإقليمية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولطالما كان التنوع هو الدافع وراء مبادرة متاحف قطر الطموحة. يقول آل إسحاق: «نظرًا لأن بطولة كأس العالم قطر 2022 لا تمثل قطر فحسب، وإنما تمثل كل من يشاركنا ثقافتنا، فنحن نحرص على مشاركة فنانين بارزين تعود جذورهم للمنطقة مثل سيمون فتال، ومنيرة القادري، ونجلاء الزين». ويردف: «فنانونا المحليون هم نجومنا ونحن متحمسون ليشاهد العالم ما ابتكره كل من فرج دهام، وشعاع علي، وشوق المانع». ومن بين إحدى هذه التكليفات عمل فني للفنانة القطرية شعاع علي بعنوان «توازن» (2022). مستلهمة إياه من حطام الأبنية وعلامات المواقع (النيشان) الموجودة في كل من البيئات الحضرية والصحراوية؛ حيث تستكشف الفنانة القطرية من خلال العمل الفني «توازن» في مشيرب ومنحوتة «معالم» (2022) في ساحة حمد الكبير العلاقة بين الدوحة في الماضي والحاضر، من خلال التراص الرمزي للمواد لإنشاء أعمال نحتية حالمة متوازنة.

وثمة عمل فني آخر للفنانة القطرية شوق المانع بعنوان «عقال» (2022) على ممشى مارينا لوسيل، وهو بمثابة تكريم لتاريخ قطر وتقاليدها. ويضيف آل إسحاق: «لقد كنت محظوظًا بالعمل مع بعض أبرز الفنانين في العالم بفضل التزام رئيستنا، سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني،
بتطوير المشهد الفني في الدوحة». ويضيف: «شغفها بالفن ملهم، كما أني أنا شخصيًا أحب العمل مع المواهب المحلية الصاعدة وآمل أن يصلوا إلى العالمية».

ومن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجد العمل الفني الضوئي للفنان العراقي عادل عابدين «طلبوا مني أن أغيرها ووافقت» (2022) على واجهة متحف: المتحف العربي للفن الحديث، وهو عمل يستكشف الفن المعاصر كوسيلة للحوار والتغيير، إلى جانب العملين الفنيين الموجودين بالمكان نفسه، وهما «السفينة» للفنان المصري آدم حنين، و«حارس الهلال الخصيب» (2001-2010) للرسام والنحات العراقي الراحل إسماعيل فتاح.

كما يُعرض العمل الفني «نسيم» (2022) للفنانة الكويتية منيرة القديري على طول الشاطئ الشمالي للخليج الغربي، وهو عبارة عن مجسم ضخم لكائنات حية مجهرية موجودة في الطحالب البحرية المتحجرة في شبه الجزيرة العربية. وثمة عمل
فني إقليمي آخر خاص بالموقع هو منحوتة «نحن وهي وهو» (2022) للفنانة اللبنانية نجلاء الزين الذي يعرض في ساحة الأعلام على الكورنيش المتلألئ، وهذا العمل يستكشف العلاقة بين الشكل والاستخدام والفضاء والعاطفة من خلال مواضيع تتعلق بالمفاهيم المجردة للجسد.

وبسؤاله عن العمل الفني المفضل لديه، أجاب آل إسحاق: «من الصعب اختيار عمل مفضل، ولكن إذا كان لدي ضيوف أرغب في إثارة إعجابهم، كنت سأصطحبهم إلى محمية بروق الطبيعية لمشاهدة منحوتة «شرق-غرب/غرب-شرق» الرائعة للفنان ريتشارد سيرا، والواقعة وسط الصحراء بمناظرها الطبيعية الخلابة»، مضيفًا: «الاختلافات الجذرية في الطقس والضوء تجعل كل زيارة تجربة فريدة من نوعها. لقد كنت هناك أثناء هبوب عاصفة رعدية وأثناء هجرة الجراد. إن كل زيارة تمثل قصة جديدة قائمة بذاتها».

 

الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد شهر نوفمبر 2022 

 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع