نجم إماراتي لمع اسمه على خشبة المسرح، لم يخطّط لكنّه كان مؤمناً ومتوكلاً بأنّ الكون سيضعه على المسار الصحيح، لكنّ الصدق في كل خطواته كان العامل الأساس لنجاحه.
لم يكن راشد النعيمي ذلك الطفل الذي سُئِل ذات يومٍ عن المجال الذي سيمتهنه فأجاب الفن! صحيح أنه ينتمي إلى عائلة تهوى الموسيقى إلا أن الصدفة هي التي أدخلته مجال الفن؛ إذ كغيره من شباب جيله تعرّف على انستقرام فكان يغني شارات برامج قناة سبيس تون عرّفت الجمهور عليه وأتيحت له فرص ذهبية ساهمت في إعلاء اسمه في سماء الفنّ فدخل معهد بوسطن للموسيقى في بيركلي بولاية ماساتشوستس الأمريكية لنيل شهادة في المسرح الموسيقي.
اليوم، بات المسرح الموسيقي شغفه الحقيقي بعد أن مضى سنيناً في دروبٍ لم تعبّر عنه فقط إرضاء للآخرين، وهو يقول: “المسرح الموسيقي يغذّي روحي الفنية بمزجه بين الرقص والموسيقى والتمثيل ويحثّني على التطور والسعي الدائم لتعلم المزيد عن أبجديات كلّ من هذه الفنون وقواعدها وأساليبها المختلفة”.
أكد النعيمي أن الفنان يحتاج إلى ترسانة كاملة من الأدوات لنقل موهبته إلى الجمهور وعلى رأس هذه الأدوات يأتي الصدق الذي نلمسه من خلال تفاعل الجمهور. وقد استفاض كثيراً في شرح هذه النقطة إذ قال: “الصدق هو العامل الأساسي الذي نتعلّمه من مدرسة التمثيل. إنه الدرس الأول في عالم المسرح، ففي أي مشهد عليك توصيل صدق اللحظة،” وتابع قائلاً: “عليك أن تعلم أن التعبير بصدق مهمة صعبة جداً خاصةً وأن التمثيل مرتبط بأخلاقيات الإنسان وتحكمه حدود من المعيب تخطيها ويراعي ثقافة الفنان التي تفرض عليه احترام الإطار الاجتماعي. الصدق هو الباب الذي منه يلج الفنان إلى حقيقة نفسه ليكتشفها ويفجّر مكامن موهبته وليطلق العنان لعطائه الفني”.
وإلى جانب الصدق، تحدث راشد عن فضول الفنان ليعرف كلّ جديد وليطرق كل باب مما علّمه أن المهارات مَلَكَةٌ مرنة يمكن تطويعها وتنميتها وقد قال: “علمني الفضول أيضاً أهمية الالتزام بمبدأ الصدق وضرورة التسلح به لأصل إلى قلب الجمهور”.
شغف راشد بالمسرح دفعه إلى الاستفادة من الدروس التي تعلمها في المسرح وإلى تطبيقها في حياته اليومية، فتمكن من خلق نوع من الانصهار بين شخصية الفنان على المسرح وشخصيته الحقيقية كإنسان.
كنت بأمسّ الحاجة لهذه اللحظات فأنا أشعر أن العالم أصبح أكثر تشتتاً فالحجر أتاح لي بعض الاستقرار لألملم ذاتي وأرتبها”.
راشد النعيمي الذي اعتلى خشبة مسارح الولايات المتحدة الأمريكية وقدّم أعمالاً عظيمة لفت أنظار جهات كثيرة ومنها رابطة النقَّاد المسرحيين في بوسطن، وحاز ترشيحاً للأداء الموسيقي المتميز لممثل ضمن حفل جوائز إليوت نورتون للعام 2020 عن أهم ما أداه من أدواره في مسرحية “أوليفر”، يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة، فهو يقول: “بعد الصدى الإيجابي الذي تتلقاه من المجتمع، يجد الفنان نفسه مجبراً على إعادة النظر بكل الأمور المحيطة به والمتعلّقة بحياته ومهنته وعقليته. إعادة النظر هذه بالنسبة لي هي نوع من التطور. الوصول إلى العالمية يتطلب جهداً هائلاً ليثبت الفنان جدارته بهذه العالمية، فالعالم الخارجي ليس رحيماً،” وأضاف: “العالمية دفعتني أيضاً للبحث عن الأمان الداخلي قبل الخارجي، ففي هذه المرحلة أدرك أن الأضواء تسبب ضغوطات لا يمكن علاجها إلا من خلال التركيز على عملي وعلى تطوير ذاتي وعلى استخلاص دروس تقوّيني على الصعيد المهني والشخصي”.
وصول النعيمي إلى العالمية، جعله يفهم أيضاً أننا كعرب نخاف من المغامرة والانتقادات، وقد صرّح قائلاً: “تنقصنا المغامرة في أفكارنا وأسلوبنا وشخصيتنا. ينقصنا كذلك الصدق،” وتابع قائلاً: “الفن يحتاج إلى المغامرة، أتمنّى أن نبني مجتمعاً يهتم بالمسرح”.
في ظل الظروف الراهنة التي ألمّت بالعالم بسبب جائحة كورونا، أُجبٍر الناس على التباعد الاجتماعي وتأثّر المسرح بشكل عام فألغيت جميع المسرحيات التي كان مقرّر عرضها في الفترة القادمة، وقد قال راشد: “أعتقد أنّ مرحلة ما بعد كورونا ستكون مرحلة خصبة لكل الإبداعات والأفكار الجديدة. وبما أنّ كل تجارب الأداء أصبحت افتراضية فهذا سيتيح فرص المشاركة للأشخاص أينما وجدوا.” في ظلّ هذا الواقع، يجد راشد نفسه كممثل مجبر على التحرر من حدود المسرح الحيّ وعلى مواكبة العصر وتثقيف نفسه في مختلف المجالات. وهذا ما حاول فعله طوال فترة الحجر التي أتت في وقتها المناسب فقد استفاد منها للرجوع إلى ذاته وأجبرته على التريّث والغوص في أعماقه وهو يقول: “كنت بأمسّ الحاجة لهذه اللحظات فأنا أشعر أن العالم أصبح أكثر تشتتاً فالحجر أتاح لي بعض الاستقرار لألملم ذاتي وأرتبها”.
بعد كلّ ما أنجزه، يرفض راشد أن يضع خططاً طويلة المدى، رغم أنه يتمنى العمل مع أساتذة أبهروه في الجامعة، ويحلم بإنتاج ألبوم كامل، وخوض تجربة الإنتاج السينمائي، إلا أنه دائماً ما يعود إلى قاعدة أساسية يختصرها قائلاً: “لم أخطط أو أرسم خطاً معيناً، كنت متوكّلاً ومؤمناً بأنّ الكون سيرسم لي المسار الصحيح”.
اقرئي أيضاً: 4 من أفضل البودكاست في مجال الموضة والأزياء