تابعوا ڤوغ العربية

قيادات نسائية ملهمة يسهمن في الارتقاء بالاستدامة في المنطقة

الرسومات التصويرية Deena El-Doghry

مع تحول الاستدامة إلى موضوع مُلح للغاية، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أن عام 2023 هو عام الاستدامة، حيث دعا إلى اتخاذ إجراءات جماعية ملهمة للارتقاء بحدود الاستدامة البيئية وتعزيز الشراكات العالمية من أجل إعادة تشكيل مستقبل أكثر إشراقًا لكوكبنا وسكّانه. وتلعب المرأة دورًا جوهريًا في تحويل هذه الرؤية إلى واقع.

وبالتزامن مع انطلاق عام الاستدامة وبدء العد التنازلي لمؤتمر قمة المناخ «كوب 28»، دعونا نلقي نظرة عن قرب لمعرفة كيف تحوّل القيادات النسائية الملهمة الالتزامات إلى أفعال، وكيف يسهمن في الارتقاء بالاستدامة في المنطقة. ومن وحي الخيارات المبكرة، تسلط هؤلاء النساء الرائدات الضوء على تحويل الطاقة إلى ناتج من مصادر نظيفة ومستدامة، والإشراف على تحويل التنمية السياحية إلى وجهات عملية متجددة، واستعادة محيطاتنا وتنوعها البيولوجي إلى سابق عهدها من أجل كوكب أفضل اليوم وغدًا.

 

سعادة الدكتورة نوال الحوسني، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، الإمارات

قررت سعادة الدكتورة نوال الحوسني، التي ترعرعت في كنف منزل ليس به تحيزات مسبقة لجنس على حساب الآخر وبيئة تشجع كل من فيها على السعي وراء شغفه، أن تدرس العمارة المستدامة علمًا بأنها بارعة بطبيعتها في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ومن واقع افتتانها بدور التكنولوجيا في دعم تنمية المجتمعات، حصلت الدكتورة نوال على درجة الدكتوراه من جامعة نيوكاسل بالمملكة المتحدة عام 2002، وتخصصت في الاستدامة، ما أثار اهتمامها بالطريقة التي يمكن أن تساعد بها البيئة المبنية في تعزيز العالم الطبيعي وحمايته والحفاظ عليه.

تقول الدكتورة نوال الحوسني: «كانت طموحاتي المهنية مدفوعة بهذا الشعور الذي لا يتزعزع بأنني أرغب دومًا في المساهمة في جهود أو قطاع أو مبادرة تخطيط تحدث تأثيرًا ملموسًا ومجديًا وهادفًا وتساعد في مواجهة أكبر تحديات عصرنا. وبالنسبة لي، ليس هناك تحد أكبر من التصدي لتغير المناخ وتشكيل مستقبل مستدام».

واليوم، بوصفها المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، تتحدث الدكتورة نوال الحوسني عن إنجازاتها المهنية ومنها منصب المدير التنفيذي للاستدامة في «مصدر»، رائدة الطاقة المتجددة الدولية التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، ومدير إدارة جائزة زايد لطاقة المستقبل (المعروفة الآن باسم جائزة زايد للاستدامة) على مدى ثماني سنوات (2011-2018) حيث لا تزال عضوًا في لجنة التحكيم حتى اليوم. تقول موضحة: «كان الكثيرون من خارج دولة الإمارات يعتبرون فكرة بناء مدينة مستدامة في قلب أبوظبي، في الوقت الذي تم تصورها فيه، بمثابة حلم غير واقعي وبعيد المنال. ولكن كما هو الحال دائمًا، قامت الإمارات بتنفيذها. واليوم، تعد مدينة «مصدر» إحدى القوى الرائدة في العالم في مجال الطاقة المتجددة
والابتكار المستدام».

وبطبيعة الحال، لم تكن هذه الرحلة تخلو من التحديات. ولا يزال قطاع الطاقة يعاني من نقص تمثيل المرأة، ولا يزال الطريق أمامه طويلاً لتحقيق المساواة بين الجنسين. وتضيف: «فكما أننا لا نقدم على منازلة ملاكم من الوزن الثقيل وإحدى ذراعينا مكبلة خلف ظهرنا، ينبغي ألا نحاول حل هذا التهديد الوجودي للمناخ بنصف سكاننا فقط، في حين أن نصف إمكانياتنا موجهة في هذا النزال لمستقبلنا».

تعمل الدكتورة نوال الحوسني، من خلال تمثيلها لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى «آيرينا»، على عدد من المبادرات الاستراتيجية الرئيسية التي تستهدف التأقلم، وتخفيف الأضرار، والتعليم، والشمولية، وتمكين المرأة، وتمويل المناخ. ومن بين المبادرات الرئيسية التي تشارك فيها اليوم منصة تمويل مسرع انتقال الطاقة (ETAF)، وهي أداة تمويل أطلقتها دولة الإمارات و«آيرينا» في مؤتمر المناخ ”كوب 26“ بغلاسكو، بقيمة مليار دولار، وهي مصممة لتعبئة التمويل المتعلق بالمناخ من أجل المساعدة في زيادة تمويل المشروعات المتجددة في الدول النامية بحلول عام 2030.

وإلى جانب عملها في المساعدة على تسريع عملية تبني الطاقة المتجددة وتحسين فرص الحصول على الطاقة والتعليم من خلال «آيرينا»، تعد الدكتورة نوال الحوسني من عشاق الطبيعة في الأصل، حيث تقدم على السفر والمشي لمسافات طويلة بين أحضان الطبيعة والغوص، حين تسمح الظروف. نشأت الدكتورة نوال في خورفكان التي تقبع جبال الحجر في خلفيتها، وسرعان ما تعلمت العناصر الدقيقة التي تحافظ على توازن البيئة ولاحظت مدى هشاشتها بفعل تأثير النشاط البشري في رحلاتها إلى كليمنجارو وجزر المالديف. تقول: «علمتني الطبيعة قيم المرونة والقدرة على التكيف والاتساق. علينا أن نعمل مع الطبيعة وليس ضدها».

 

الرسومات التصويرية Deena El-Doghry

الدكتورة ريم المعلا، عالمة الأبحاث البحرية ومؤسسة bnature، أول موسوعة بيئية في البحرين، البحرين

بعدما شاهدت فيلم «إطلاق سراح ويلي» في الثانية عشرة من عمرها خلال دراستها للغة الإنجليزية في المجلس الثقافي البريطاني في البحرين، قررت ريم المعلا دراسة علم الأحياء البحرية بوحي مما كشفته العالمة الشابة التي جسدتها لوري بيتي في المشهد الأخير للفيلم. تقول: «لم أكن أعلم ما هو علم الأحياء البحرية، ولكني كنت دومًا مفتونة بالمحيط في نشأتي على جزيرة البحرين حيث كان الشاطئ ملعبنا». وشرعت في دراسة علم الأحياء البحرية في المملكة المتحدة، وساعدت نفسها بالعمل في ثلاث وظائف منها وظيفة في مترو الأنفاق المحلي وأخرى في تدريس اللغة الإنجليزية. وقد كان أكبر تحد واجهته هو غياب تمثيل النساء، وخاصة من الأصول العربية، في علم الأحياء البحرية. وكثيرًا ما سألت والدها في طفولتها عن سبب عدم وجود نساء على القوارب، ولم تتخيل قط أنها ستصبح أول عالمة أحياء بحرية في البلاد.

وقد حصلت على درجة الدكتوراه في علم الأحياء البحرية من جامعة إسيكس وماجستير في علم البيئة والتطور والحفظ من كلية لندن الإمبراطورية، وتخصصت في بيئة الشعاب المرجانية ولديها أكثر من 10 سنوات من الخبرة في مجال البحوث الميدانية في البيئات الاستوائية وشبه الاستوائية، وأجرت العديد من المشروعات البحثية في أنحاء إندونيسيا، وسيشيل، وجنوب إفريقيا، ومدغشقر.

وكان تلقيها دعوة للمشاركة في مؤتمر «كوب 18»، الذي استضافته قطر عام 2012 من بين عدد قليل من الشباب العربي الساعين لمعالجة قضايا المناخ والبيئة آنذاك، نقطة تحول في حياتها. وعلى مدار الأشهر الستة التالية، عملت الدكتورة ريم عن قرب مع المنظمات غير الحكومية المحلية والإقليمية لإشراك المزيد من الأصوات العربية الشابة في الاستدامة البيئية. ثم أصبحت عضوة في مجموعة العمل المعنية بالمرأة والشئون الجنسانية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، حيث شاركت بنشاط في أعمال الدعوة بمؤتمرات «كوب 18» و«كوب 19» و«كوب 21»، ووسعت مهامها لتشمل النوع الجنساني والعدالة المناخية.

يعد الحفاظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي للمحيطات أمرًا محوريًا بالنسبة لعمل الدكتورة ريم نظرًا لتوازنه الدقيق وأهميته المطلقة في تلبية احتياجات الأجيال الحالية والقادمة. وتشكل مصائد الأسماك جزءًا لا يتجزأ من الأمن الغذائي العالمي والتغذية والرفاهية الاقتصادية. وتضيف: «يتوقع العلم بأن المحيط يستطيع، عبر تحسين الإدارة والابتكار التكنولوجي، أن يوفر أكثر من ستة أضعاف ما يوفره اليوم من الغذاء؛ وهو ما يمثل أكثر من ثلثي البروتين الحيواني اللازم لإطعام سكان العالم في المستقبل والذين من المتوقع أن يصلوا إلى نحو 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050 وفقًا لإحصاءات منظمة الأغذية والزراعة».

وتواصل الدكتورة ريم عملها كعالمة أحياء بحرية وتقود مشروعات تركز على النظم البيئية للشعاب المرجانية إلى جانب مشروعات أخرى بالتعاون مع العلماء المحليين والعالميين. وترأست العديد من الدراسات الأساسية منها أول دراسة اجتماعية واقتصادية للبحرين عن الهيرات الشمالية المدرجة في قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2012.

ولأنها تتطلع للمستقبل، فإنها تنظر إلى عام الاستدامة بتفاؤل وتأمل. تقول: «أرى أن عام الاستدامة يشكل فرصة للناس للتفكير في علاقتهم بالطبيعة وتحديد مساهمتهم في الحفاظ على سلامتها واستعادتها وأيضًا رفع مستوى أعمالهم لخلق عالم أكثر استدامة».

الرسومات التصويرية Deena El-Doghry

 

الدكتورة مريم فيكتشلو، رئيس الحوكمة في شركة البحر الأحمر للتطوير، المملكة العربية السعودية

لأنها ابنة والدين يعملان في الأوساط الأكاديمية، تأثرت الدكتورة مريم بوالديها وأرادت أن تتخذ العمل الأكاديمي مهنة. ومع مرور الوقت، وبعد حصولها على درجة الدكتوراه في الابتكار والتغيير التنظيمي من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، قررت تغيير مهنتها والاتجاه إلى تقديم الاستشارات، حيث اكتسبت خبرة واسعة في تقديم المشورة لمختلف الكيانات العامة والخاصة في مجال التطوير العقاري، والضيافة، والطيران والدفاع، والإعلام، والرعاية الصحية، والتعليم، والتصنيع، والإنشاءات مع التركيز على تحليل الفجوات وتصميم معايير الحوكمة وإدارة المخاطر. وعلى الرغم من اختيار مسار مختلف عن مسار والديها، فإن الدكتورة مريم تعتبر أن لهما عظيم الأثر على رحلتها. تقول: «ما زلت أعتقد أن والدي ووالدتي لا يزالان من أكبر المؤثرين بالنسبة لي من حيث أخلاقيات العمل، والإصرار، ورد الجميل إلى المجتمع».

كان هذا وقتًا مختلفًا بالنسبة للنساء في المملكة العربية السعودية. اليوم، تسعد الدكتورة مريم بكونها شاهدة على حركة النهوض بالمرأة في المملكة العربية السعودية وأن لديها الكثير لتفعله أكثر من قيادة السيارات: «يرى كثيرون أن حركة المساواة بين الجنسين في المملكة العربية السعودية يرمز لها بخروج النساء تاريخيًا بالسيارات على الطرقات في عام 2018. بيد أنه قد تم تشكيل مسار أكثر جرأة من خلال رؤية 2030. إذ يجري تمكين المهنيات لشغل 30 في المائة من جميع الوظائف في القطاعين العام والخاص بحلول نهاية العقد».

بصفتها رئيس الحوكمة في شركة البحر الأحمر للتطوير، إحدى كبرى شركات التطوير في العالم وأكثرها رؤية، تشعر الدكتورة مريم بسعادة غامرة لرؤية النساء يشاركن باضطراد في مجال السياحة. تقول: «ألهمتني رؤية زميلاتي يقفن في الخطوط الأمامية
لاكتشاف حلول رائدة للتحديات الإنسانية المعقدة. من المهندسات والغواصات وعالمات الأحياء البحرية ورئيسات العمال إلى العالمات والمخترعات، انضمت إلينا نساء من جميع مناحي الحياة في رحلتنا لتغيير وجه السياحة نحو الأفضل».

وفي رحلتها نحو الاستدامة، ترى الدكتورة مريم أن العلم هو أسمى دليل في طريق رحلتها لتكون مطورًا لوجهة سياحية فاخرة مستدامة ورائدة عالميًا. واليوم، من المقرر أن يتم تشغيل مشروعات كل من شركة البحر الأحمر للتطوير وشركة أمالا بالطاقة المتجددة بنسبة 100% بحلول عام 2030. وتعد الفيلات المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ المطلة على البحر ومشاتل الشعاب المرجانية العائمة المبتكرة ونشر أكبر شبكة في العالم للتكنولوجيا الذكية القابلة للارتداء الخاصة بالقوى العاملة في مجال البناء مجرد أمثلة قليلة على إنجازاتها الرائدة في مجال الاستدامة. تقول: «هذا الطموح لا يقتصر على البيئة فقط. فجانب من مهمتي الخاصة هو تتبع الكفاءات الملبية لهذه الطموحات وجمع شركائنا العالميين في مجالات العلوم والهندسة والتصميم والهندسة المعمارية والتكنولوجيا الذكية والبناء وفقًا لحوكمة قوية».

وترى الدكتورة مريم أن عام الاستدامة فصلاً مهمًا يرمز إلى أكثر من مجرد احتفال يستمر لمدة عام. وتختتم حديثها قائلة: «سيكون ’عام الاستدامة ‘ فصلاً مهمًا في مسيرة المنطقة للاعتراف بمسؤوليتنا المشتركة في حماية بيئتنا».

 

الموضوع ظهر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2023 من المجلة 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع