تابعوا ڤوغ العربية

تعرفوا إلى المجندات العربيات اللواتي تغيّر مسارُ حياتهن إثر التحاقهن ببرنامج تدريب النساء على عمليات حفظ السلام في الإمارات

فيما تحتفي دولة الإمارات بختام أول برنامج عسكري تنظمه لتدريب النساء على عمليات الأمن وحفظ السلام، التقت ڤوغ العربية بالخريجات العربيات اللواتي شهدت حياتهن تحوّلاً كبيراً بفضل هذا البرنامج.

المجندة السعودية إلهام العَريني. تصوير علي شرف، وسارة ناصر، وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

كان الدخان المنبعث يلوث الهواء ويحدّ من رؤية الهيكل الصخري الصغير الذي أحاط به التراب، والرمال، والأنقاض، فيما أكدت صرخة مكتومة لامرأة أن هناك مدنيين داخل المبنى. وفي الخارج، تفحص أربع ضابطات عسكريات منطقة القتال بسرعة، وتشير إحداهن للأخريات باقتحام المبنى. ورغم أن الضابطات كنّ يرتدين أزياءً عسكرياً ويحملنّ أسلحة نارية، إلا أن مسلكهن الهادئ والودود طمأن النساء اللواتي أنقذنهنّ وقدنهنّ إلى المنطقة الآمنة.

صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يلتقي أول مجموعة من المتدربات ببرنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة الذي نظمته بالتعاون مع الإمارات لتدريب النساء العربيات على عمليات الأمن وحفظ السلام. تصوير علي شرف، وسارة ناصر وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

وتعد هؤلاء الضابطات خريجات أول برنامج في المنطقة لتدريب النساء على عمليات الأمن وحفظ السلام والذي عُقد بمدرسة خولة بنت الأزور العسكرية للنساء في أبوظبي في وقت سابق من هذا العام. وقد جرت هذه التدريبات العسكرية القتالية لنساء أغلبهن من المدنيات بدقة شديدة، حتى إنه من الصعب أن نصدق أنه منذ أشهر قليلة فقط لم تكن غالبية هؤلاء الضابطات قد خضن أي تدريبات عسكرية من قبل، ولم يستخدمن قط أسلحة نارية، كما أن الكثيرات منهن لم يسبق لهن مغادرة حدود بلدانهن.

المجندة السعودية إلهام العَريني. تصوير علي شرف، وسارة ناصر، وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

تقول إلهام العَريني، منسقة الموارد البشرية البالغة من العمر 26 عاماً القادمة من السعودية: “كان الأمر مختلفاً تماماً عن مهامي ومسؤولياتي في عملي. في بادئ الأمر، كنتُ أخشى من ألّا أتمكن من تحمل التدريبات التي تجرى في الصحراء، ولكن بفضل الدعم الذي قدمته لي نساء فريقي، نفذتُها بكل حماس”. وكانت إلهام قد اُختيرت للالتحاق بهذه الدورة بعدما طلب المسؤولون في الإمارات من السلطات الحكومية لست دول عربية دعوة النساء للاشتراك في هذا البرنامج، سواء من ذوات الخبرة العسكرية أم دونها.

وتمضي إلهام في حديثها قائلةً: “كانت تدريبات استخدام الأسلحة -التي شملت تفكيكها، وتركيبها، وإطلاق النار بها- من أصعب التجارب التي خضتها، ولكني أحببتها”، وتستطرد: “كان ارتداء الزي العسكري أمراً جديداً بالنسبة لي – وقد جعلني أشعر بالفخر، والانتماء، والقوة”. وتعد إلهام واحدة من 134 امرأة من الإمارات، والبحرين، ومصر، والأردن، والسعودية، والسودان، واليمن، استكملن المخطط التدريبي الذي نظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع وزارة الدفاع الإماراتية، والاتحاد النسائي العام، وهي المنظمة النسائية الرئيسية في الإمارات التي تكرّس جهودها لتمكين النساء الإماراتيات، تحت قيادة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.

المجندة البحرينية سعيدة ثاني خميس الدوسري. تصوير علي شرف، وسارة ناصر، وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

وتضمنت الدورة تدريبات عسكرية أساسية لمدة ثلاثة أشهر تلاها أسبوعان من التدريبات على عمليات حفظ السلام، والتي تعد جزءاً من جهود هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتنفيذ أجندتها لحفظ الأمن والسلام، والتي يهدف جانب منها إلى زيادة عدد النساء المشاركات في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وهناك حالياً 5243 امرأة يشغلن وظائف عسكرية وشرطية في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة، ولكنهن لا يشكلن سوى 6٪ من عدد جميع موظفيها النظاميين.

وصرحت الدكتورة موزة الشحي، مديرة مكتب اتصال هيئة الأمم المتحدة للمرأة بدولة الإمارات ومجلس التعاون الخليجي: “تدرك أجندة المرأة، والسلام، والأمن الأهمية البالغة للنساء في إنجاح محاولات منع نشوب النزاعات، وتخفيف وطأتها، وحلها. وعبر تدريب هؤلاء النساء على خدمة قطاعات الأمن القومي في بلدانهن وعمليات حفظ السلام، نساهم إسهاماً مباشراً في الجهود الدولية لضمان الحفاظ على السلام والأمن العالميين”.

سعادة مطر الظاهري، وكيل وزارة الدفاع الإماراتية خلال زيارته لمعرض سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك بمقر الاتحاد النسائي العام

وعلاوة على أن هذه الدورة تمثل المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة، فقد حققت الإمارات مزيداً من الريادة إذ أصبحت أول دولة تسمح لوزارة دفاعها بتدريب المواطنات الأجنبيات، وتغطية تكاليف رحلاتهن الجوية، وتدريباتهن، وإقامتهن، بل وتنظيم رحلات اجتماعية في عطلات نهاية الأسبوع لجميع المجندات. وقد استضافت الإمارات هذا البرنامج الرائد بفضل علاقتها القوية بهيئة الأمم المتحدة للمرأة، التي افتتحت واحداً من مكاتبها العالمية السبعة للاتصال في أبوظبي، فضلاً عن الجهود التقدمية التي أحرزتها الإمارات للنهوض بمبدأ المساواة بين الجنسين في المنطقة، فقد كانت أول دولة بمجلس التعاون الخليجي تفتتح مدرسة للتدريب العسكري للنساء عام 1991.

وتقول نورة السويدي، مديرة الاتحاد النسائي العام: “لدينا تسع وزيرات في الحكومة الحالية، وتشغل النساء 66٪ من القوى العاملة في الحكومة. وقد عقدنا هذا البرنامج التدريبي، الذي يبني قدرات النساء ويطورها في القطاع العسكري وقطاع حفظ السلام، بالتنسيق الوثيق بين مكتب الاتصال لدعم تمثيل المرأة العربية والإماراتية في القطاع العسكري وبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام”.

المجندة البحرينية سعيدة ثاني خميس الدوسري. تصوير علي شرف، وسارة ناصر، وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

وقد حققت هذه المبادرة نجاحاً كبيراً، رغم التحفظات التي أبدتها المجندات في البداية. وتذكر الدكتورة موزة: “في بادئ الأمر، لاحظت بعض التردد من عدد من النساء في التفاعل مع النساء من البلدان الأخرى. ولكن خلال أشهر قليلة، أظهرت المتدربات نضجهن وتخلين عن تحفظهن”. وتشرح إلهام كيف تغيرت مشاعرها قائلةً: “شعرت بالحرج في البداية لأننا مختلفات في الشخصية والثقافة، ولكني في وقت لاحق أحببت هذا الاختلاف ولا زلت أتحدث مع بعض المجندات يومياً”. وتشاركها هذه المشاعر سعيدة ثاني خميس الدوسري، إحدى المجندات من البحرين، بقولها: “رحبت بنا النساء من الدول الأخرى بحرارة. وكان أمراً غريباً نوعاً ما لأننا لا نعرف بعضنا”. ولكن سرعان ما ارتاحت لهن ضابطة الأمن والحماية بوزارة الداخلية بمملكة البحرين والبالغة من العمر 24 عاماً. “صرنا مثل أسرة واحدة تضم أفراداً من مختلف الدول. ولأني أملك خبرة عسكرية سابقة، لم يكن من السهل أن أتعامل مع النساء، ولكني تمكنت من كسب ثقتهن ومودتهن”.

المجندات يتدربن على فحص المركبات بمدرسة خولة بنت الأزور العسكرية للنساء. تصوير علي شرف، وسارة ناصر، وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

ورغم أن هذه الدورة لن تؤهل المجندات للعمل في جيوش بلدانهن أو المشاركة في عمليات حفظ السلام، إلا أن الكثيرات منهن أبدين اهتماماً كبيراً بدخول هذا القطاع. وسيعمل المسؤولون على إتاحة المزيد من هذه الفرص للمشاركات اللواتي سيلتحقن بالدورة الثانية من هذا البرنامج، المقرر عقدها في يناير 2020، والتي ستكون أيضاً مفتوحة أمام النساء الإفريقيات والآسيويات.

المجندة الأردنية ورود إرشيد. تصوير علي شرف، وسارة ناصر، وعبد الله المشرف لعدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية

وليست مهارات حفظ السلام والصداقات هي فقط ما تحمله المجندات لدى عودتهن إلى أوطانهن. تقول ورود إرشيد، الأردنية البالغة من العمر 24 عاماً والتي تعمل موظفة بمكتب الخدمة العامة: “هذه التجربة منحتني الثقة في النفس. وشعرت معها بأن لي دوراً مهماً في المجتمع. ولقد أثبتت النساء أن دورهن مهم في جميع المجالات وبرهن على أن قدراتهن لا تقل عن الرجال”. وتضيف إلهام: “إن هذه التجربة غيّرتني تماماً وغيّرت نظرتي إلى ما أريد القيام به. لقد بنت ثقتي بنفسي. وأدركت معها أني امرأة قوية. كما شعرت عائلتي بالفخر وازدادت ثقتها بي”.

ومشاعر الفخر أحد الأمور التي تشيد بها المجندات وعائلاتهن. تقول سعيدة الدوسري: “كان والدي قلقاً للغاية من التحاقي بهذه الدورة التدريبية. حتى إنه حاول منعي من الاشتراك في البداية. ولكن بعدما أنهيتها، شعر بالفخر البالغ بي”.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية.

اقرؤوا أيضاً: خمس نجمات من الشرق الأوسط ربما لا تعلمون أنهن سفيرات للأمم المتحدة للنوايا الحسنة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع