تابعوا ڤوغ العربية

هل يعكس اختيارُ الممثلين في فيلم ’علاء الدين‘ صورةَ العرب المشوَّهة في هوليوود؟

مع انطلاق عرض النسخة الجديدة من فيلم الحركة والمغامرات “علاء الدين” لشركة ديزني، يظل هناك أمر واحد لا يعترينا أدنى شك بشأنه، ألا وهو: تواصل الامتعاض الناتج عن قرار إسناد دور الأميرة ياسمين إلى ممثلة غير عربية.

الصورة: Getty

نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد ربيع وصيف 2019 من ڤوغ العربية للرجل.

أعاد هذا الفيلمُ إشعالَ الجدل المقترن بالاختيار المناسب للممثلين بعدما أُسنِدَ دور الشخصية النسائية الرئيسية فيه للممثلة البريطانية ذات الأصول الغوجاراتية، نعومي سكوت. ألا ينبغي أن تكون عربية؟ هذا ما عبّر عنه مجموعة من المتابعين الحانقين على الإنترنت عندما جرى إطلاق الفيديو الدعائي للفيلم في بادئ الأمر، ففي نهاية المطاف علاء الدين حكاية فلكلورية يعود منشأها إلى الشرق الأوسط.

لقطة من فيلم “علاء الدين” من شركة ديزني (1992). الصورة: Getty

“شاهدتُ الفيديو الترويجي قبل عدة أيام وشعرتُ أنه كان أسوأ من نسخة الرسوم المتحركة”، هكذا علقت مخرجة الأفلام القصيرة أميرة تاج الدين، التي شاركت أفلامها في منافسات مهرجان صندانس السينمائي وضمن فعالية أسبوع المخرجين بمهرجان كان السينمائي، وأضافت: “اختيار الممثلين خاطئ ويبدو أقرب إلى تقديم شخصيات ببشرة بيضاء في بوليوود منه إلى احتفاءٍ بالتاريخ الثري لفن رواية قصص من الشرق الأوسط أو المنطقة العربية”.

وبالنسبة لكثيرين، لا يُعتبر اختيار سكوت نجاحاً للممثلة البريطانية بل فرصةً ضائعةً، إذ كان من الممكن أن يشكل هذا الدور إنجازاً لشابة موهوبة من المنطقة، وبدلاً من ذلك تمَّ تجاهل الممثلات العربيات مرةً أخرى.

رامي مالك يؤدي دور فريدي ميركوري في فيلم “بوهيميان رابسودي”. الصورة:

وربما يضحك الناس، لكنها مسألة شائكة وليست واضحة المعالم دوماً. رامي مالك، أمريكي من أصول مصرية، فاز بجائزة الأوسكار لتجسيده دور فريدي ميركوري في فيلم “بوهيميان رابسودي”، وهو مغنٍ بريطاني ولد في زنجبار‎ من العِرق البارسي، في حين لعب الممثلُ المصري عمرو واكد دور شرطيٍّ إيطاليّ في فيلم “لوسي” للمخرج لوك بيسون. أحياناً يكون اختيار الممثلين بناءً على الجنسية أو العِرق أمراً غير مهمٍ.

إلا أن ذلك جزءٌ من مشكلة أكبر وأعمّ، فالأمر يتعلق بسوء تمثيل العرب عموماً والتجسيد المسطّح لشعوب المنطقة وثقافاتها المتنوعة، وهي مشكلة ذات بعدين، أحدهما يتمثل في استدامة الصور النمطية عن المشرقيين، والآخر في شيطنة جميع العرب أو تحويلهم برمتهم إلى ضحايا، بمعنى تصنيفهم ضمن فئات مثل “منفذي تفجيرات، أو أصحاب مليارات، أو راقصات شرقيات”، كما أشار ذات مرة الكوميدي جميل أبو وردة، أو الهمجي النبيل.

دانا الدجاني. الصورة: Getty

“بالرغم من أن أبو وردة تحدث عن منفذي التفجيرات، وأصحاب المليارات، والراقصات الشرقيات منذ نحو عقدٍ من الزمن، إلا أن شيئاً لم يتغير”، هكذا صرحت الممثلة دانا الدجاني التي شاركت في تجارب الأداء الخاصة بدور الأميرة ياسمين في فيلم علاء الدين، وأضافت: “نحن لا نتجاوز الصور النمطية المرتبطة بالمنطقة ولا نرى اختيار ما يكفي من العرب في قصص ذات انتشار عالمي. نحن نواجه على نحوٍ دائمٍ تمثيلنا بصور نمطية وكاريكاتورية محدودة للغاية”.

وتتضمن تلك الصور النمطية الإرهابي، واللاجئ، والمسلَّح، والسياسي الفاسد، كما أن هناك الشابة التي تحاول تحرير نفسها من قيود الاضطهاد الأبوي، لينقذها في نهاية المطاف الغرب المتنوّر. وجميعها مضرَّة للغاية، فهي لا تعزِّز الصور النمطية وحسب، بل وتوطِّد حساً من “الاختلاف” وتغذِّي التعصب. وأكبر مُذنبٍ مشارك فيها هو هوليوود. خذوا على سبيل المثال هذه العبارة من فيلم بيروت إنتاج العام 2018، من بطولة جون هام وروزاموند بايك: “ألفا عامٍ من الانتقام، والثأر، والجريمة. أهلاً بكم في بيروت”. إن كان أحدٌ ما لا يحمل مشاعر سلبية تجاه العاصمة اللبنانية وسكانها، فإن تلك المشاعر ستنتابه بعد مشاهدة 109 دقائق من العرض السينمائي المضلِّل.

مورغان فريمان، وسكارليت جوهانسون، وعمرو واكد في فيلم لوسي. الصورة: Getty

إذاً، هل ثمة مشكلة في تمثيل السينما الغربية للعرب في الأفلام؟

“بالتأكيد هناك مشكلة في تمثيل هوليوود للعرب في الأفلام وجميع مَن هم غير بيضٍ عموماً”، هكذا أجابت آن ماري جاسر‎، المخرجة الفلسطينية لفيلم “ملح هذا البحر” وفيلم “واجب” الذي فائز بجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان دبي السينمائي الدولي في العام 2017. وأردفت: “أعادت هوليوود لعقودٍ من الزمن إنتاج صور شديدة العنصرية للرجل العربي بوصفه شريراً ويبعث على التهديد، والمرأة العربية بوصفها مضطهدة ومستغلَّة. ومؤخراً، كان هناك بعض الاستثناءات، ولكن لسوء الحظ كانت متباعدة وتفصل بينها فترات زمنية طويلة. الصور العنصرية تترك أثراً مدمراً، وأعتقد أنه بالنظر إلى الولايات المتحدة حالياً، مع الرئيس الراهن، بوسعنا أن نرى كم يجب أن يبذل الأمريكيون من جهدٍ للتعامل مع مشكلة العنصرية”.

بالطبع تتواجد الصور النمطية في جميع الثقافات والطبقات الاجتماعية، لكن شيوع هذه الصور النمطية هو ما يسبب مشكلة. أجل، هناك شخصيات غربية نمطية تمثل عناصر من مجتمعاتها كلاً على حدة، ولكن بالنسبة للعرب، فإن الصور النمطية هي القاعدة السائدة وليس الاستثناء.

ولا يقف المخرجون والمنتجون والممثلون وعشَّاق السينما من المنطقة مكتوفي الأيدي، فالمخرجون من أمثال جاسر يحاولون معادلة الموقف، وهو ما ينطبق أيضاً على زياد دويري ونادين لبكي، مخرجيّ الأفلام اللبنانيين اللذين ترشحت أفلامهما لجوائز الأوسكار خلال العامين المنصرمين. إنهم يصنعون أفلاماً فلسطينية ولبنانية تزخر بقصصهما المحلية الثرية. المشكلة الوحيدة هي أن مثل هذه الأفلام لا تُعرَض كثيراً في الخارج.

وتدعو بثينة كاظم، المؤسسة الشريكة والمديرة الإدارية لدى سينما عقيل في السركال أفينيو بدبي، باستمرار لجدولة عروض أفلام سينمائية مستقلة في المهرجانات السينمائية وكذلك برامج ثقافية عبر أنحاء العالم. إنها تفعل ذلك لكي “تهدم وتتحدى الصورة التي غالباً ما تتسم بأنها قصيرة النظر وتبسيطية وتعتمد المذهب الراسخ عن الشخصية العربية وصوتها في السينما السائدة”. وبالنسبة لبثينة، لا شيء يُعبِّر بشكل أفضل من الأصوات المحلية التي تتحدى الصور المشوّهة عبر “تجارب مُعاشة ووجهات نظرٍ أعمق وأقرب وأكثر صدقاً حول مكانٍ ما وشعبه”.

وعلى الجانب الآخر، هناك آخرون يرفضون أن يكونوا جزءاً من نظامٍ يعمل على إطالة أمد الصورة المشوّهة، فعلى سبيل المثال، قرَّرت دانا الدجاني، التي عُرِضَ عليها تمثيل دور لاجئة لا حول لها ولا قوة ودور زوجة إرهابي، ألَّا تقبل تجسيد أي شخصية تُغذِّي الصور النمطية عن النساء، أو العرب، أو المسلمين.

تقول آن ماري: “يجب عدم تصوير أي ثقافة أو شعب بصورة ملائكية أو بصورةٍ جيدة وحسب – لن يكون هذا صادقاً”، وتضيف: “عندما يتم تصوير مجتمعٍ ما بصورةٍ سلبية بشكل متواصل، فإن الجهل والضرر الذي يسببه ذلك مؤذٍ جداً. لكنَّ هوليوود لم تكن يوماً داعمة للتعددية على نحوٍ خاص، والعنصرية في الأفلام كانت ترتبط تاريخياً بالسياسة الأمريكية الخارجية في حينها. أرغب برؤية المزيد من الشخصيات الحقيقية، والأشخاص الحقيقين، بجميع عللهم. أعتقد أن معظمنا قد ملَّ من قصة ’الرجل الأبيض المنقذ‘. هوليوود بحاجة إلى أن تكسر القوالب وتجرّب أكثر مع طريقة أخرى من رواية القصص، وتسمح للناس من هذه المجتمعات بأن يرووا قصصهم الخاصة”.

وتوافقها الرأي في ذلك أميرة تاج الدين، أول مخرجة كينية يقع عليها الاختيار للمشاركة في ورشة كُتّاب السيناريو Screenwriters Lab وورشة المخرجين Directors Lab التابعتين لمهرجان صندانس السينمائي. صرحت قائلة: ” يزخر العالم العربي بالقصص القديمة والجديدة، المأساوية والرومانسية، ولا أعتقد أننا حظينا بفرصةٍ مشاركة تلك القصص على منصاتٍ أكبر”، وأضافت: “لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً للسماح بوجود فيلم ’النمر الأسود‘ بالطريقة الرائعة التي وُجِد بها، وما فعله لثقافة العِرق الأسمر والأفارقة على المستوى العالمي والاتجاه السائد. وبالتأكيد، لا تسفر الصورة الملائمة (للأعراق المختلفة في السينما) إلا عن قصص أكثر ثراءً – نوع من الإقرار بأن الأصوات الفردية والمجتمعية مهمة”.

والآن اقرؤوا: رامي مالك في الجزء الجديد من سلسلة أفلام بوند

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع