“منازل شديدة البرودة. وأحذية بالغة الصغر. وموارد شحيحة. وظروف قاسية. وكل هذا ولا خيار آخر أمامهم سوى تقبّله كذكريات تشكل مرحلة طفولتهم.
قبل أسبوعين، بدأت مهمتي الإنسانية الثالثة كعضوة لدائرة القيادة في اليونيسف. وفي منطقة نائية في الأردن، تعرفتُ إلى أطفال سوريين وعائلات سورية تقيم بمخيم الزرقاء للاجئين الذي يحيط به حي بسيط وفقير يسكنه الفلسطينيون، حيث زرتُ روضة أطفال صغيرة أقامتها اليونيسف. وهناك، لاحظتُ على الفور كيف تعمل المؤسسة كملاذ لجميع الأطفال الصغار؛ إذ تقدم لهم الألوان، واللُعَب، والطلاء، وتهيّئ لهم أجواء تتيح لهم الشعور مجدداً بطفولتهم وتجعلهم للحظات ينسون صعوبات واقعهم. وقد أدركتُ الأهمية الكبيرة لمدارس اليونيسف التي تساعد على إبعاد الأطفال عن الشوارع وإرشادهم إلى فرص وطريق أفضل.
ولسوء الحظ، لا تستطيع هذه الروضة استيعاب العديد من الأطفال. حتى التعليم أصبح امتيازاً هناك لا يتاح للجميع، نظراً لقلة الموارد في المخيمات. ورغم أن المدارس تعمل لفترتين أو ثلاث فترات يومياً، لا يزال يوجد مئات من الأطفال على قوائم الانتظار للحصول على فرصتهم وحقهم البسيط في التعليم.
وقد لاحظتُ بعض الاختلاف في هذه الزيارة إذ رأيتُ الأطفال يتحركون خلال يومهم بروح الدعابة، والانطلاق، ولديهم تطلعات في مجال التعليم والعمل، ويحدوهم الأمل. ولقد أتيحت لي فرصة الحديث مع العديد من الفتيات الصغيرات اللواتي أخبرنني عن أحلامهن في الالتحاق بالجامعات والعمل كطبيبات ومحاميات. وكان هذا ملهماً لي بالنظر لما عرفته عن العقبات المالية وأوجه قصور التعليم في المخيم.
كما حظيتُ بفرصة زيارة المختبر الطلابي للابتكار، حيث يعمل الأطفال في المشاريع الاجتماعية لتحسين ظروف المجتمع في المخيم. وتشمل هذه المشاريع مكتبة متنقلة تتيح للناس استعارة الكتب مقابل دفع المال، وبنكاً للوقت يعمل على تبادل الوقت والمهارات بين فردين؛ وأخيراً مشروعاً مستداماً يعيد تدوير المواد لعمل إكسسوارات للزينة. ولقد تأثرتُ حقاً برؤية أنه رغم ظروف هؤلاء الطلاب الصعبة والعقبات التعليمية، لا زالوا يتمتعون بنفس العقلية السباقة للجيل الذي نشأوا به.
ولا تكشف قصتي وتجربتي تلك سوى عن جانب طفيف من حياة 13 مليون و500 ألف سوري فروا من بلدهم ويحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. وقد قمنا بالكثير، بفضل اليونيسف، ولكن لا يزال أمامنا أميال علينا قطعها.
ويجب ألا نفقد الأمل، وإلا فكيف يمكنهم هم الاحتفاظ به؟”.
بقلم: جيسيكا قهواتي
تعمل جيسيكا قهواتي، العارضة والناشطة الإنسانية التي درست القانون، عضوةً في دائرة القيادة لليونيسف.
والآن اقرؤوا: عبايات تاء مربوطة تعود إلى اللمسات الكلاسيكيّة بالأبيض والأسود