تابعوا ڤوغ العربية

تناقضات جميلة… ڤوغ العربيّة في حوارٍ خاص مع الممثلة جميلة عوض

جميلة عوض ووالدتها الفنانة راندا بعدسة بتول الدعاوي لصالح عدد شهر فبراير 2018 من ڤوغ العربيّة.

في الأعوام الثلاثة الأخيرة تغيّرت حياة جميلة عوض. تحوّلت تماماً، وشعرت الصبية التي ترفض الكشف بدقّة عن سنّها وتشارك ملامح وجهها الهادئة في لعبة الغموض هذه بأنها «كبرت نحو عشرة أعوام. التجارب التي مررت بها أكبر مني، لأنّ كل شيء حصل فجأة. وجدت نفسي فجأة بين مجموعة جديدة من الناس، وفي مواجهة مجموعة من القرارات المهمة». ما حدث هو أن جميلة حفيدة الممثل الكوميدي الراحل محمد عوض وابنة المخرج عادل عوض والفنانة راندا قدّمت في مسلسل «تحت السيطرة» (2015) دور مدمنة مخدرات تفصلها بضعة أعوام عن بلوغ العشرين. هذه المدمنة جذبت اهتمام ملايين المتفرّجين الأوفياء للأعمال الرمضانية عبر دور مثّل خطوتها الفنية الأولى. وتلك البداية تجاوزت حلم جميلة التي أكدت أن «ما حدث فاق ما حلمتُ به. لكن طموحي يتجاوز خيالي».

 تلمع عينا جميلة بالحماسة وهي تستعيد الحماسة التي شعرت بها. «كل شيء حدث بسرعة، كل لحظة مضت حملت معها حدثاً جديداً وتحدياً جديداً. وأنا أنقد نفسي بقسوة. وقد شعرت بالقلق وبثقل المسؤولية عندما عرفت أن ثمة جمهوراً يتفاعل معي وأن هناك مَن يعبّر عن إعجابه بأدائي. لا أبالغ إن قلت بأنني لم أعد أستطيع النوم بل أردت استثمار كل لحظة. سعيت إلى أن أردّ على جمهوري، وكنت أشعر بالذنب لأنني لن أقدر على التعبير عن امتناني لاهتمامهم بي».

«أمي المسالمة علّمتني المواجهة وتقدير الحرية»

مثلما فاجأت الجمهور في أدوارها الأولى تفاجئ جميلة المتحدّث إليها بالتناقض الجميل بين قسمات وجهها الناعمة والهادئة وصوتها الرفيع، وبين عمق الكلمات والأفكار التي تعبّر عنها. الصبية التي تحتفظ قسمات وجهها بالنعومة من أعوام طفولتها، كبرت في سنّ صغيرة. «كثر يصدمون ما إن أتكلّم. يصعب عليهم الربط بين شكلي وطريقة كلامي. وقد كنت طفلة ناضجة، إذا دلّلني أحدهم كما يدلل الأطفال، كنت لا أردّ عليه، بل أنتظر أن يتحدّث إليّ مثلما يتحدّث مع الكبار. ومنذ طفولتي، لا أقترب من الأشياء التي أتعلّق بها ولا أعبّر عن رغبتي فيها. أحب أن يطاردني الأمر الذي أرغب فيه. قبل «تحت السيطرة» كنت أرفض تقديم الإعلانات، لكنني في داخلي كنت واثقة بأن فرصة أخرى ستتاح لي. هي كبريائي تمنعني من الانجرار نحو ما تصعب عليّ مقاومته».

الفنانة راندا، والدة جميلة مسؤولة عن نضج ابنتها المبكر. «كنت أجالس أمي وأصدقاءها، أتشارك معهم في حواراتهم. وكنت كثيرة التأمل. كما أن أمي لم تتعامل معي كطفلة، إذا وصلت من المدرسة لأجدها تدردش مع إحدى صديقاتها التي تواجه مشكلة ما، تطلبان رأيي وتستمعان إليّ».

جميلة عوض بعدسة بتول الدعاوي لصالح عدد شهر فبراير 2018 من ڤوغ العربيّة.

الطفلة رفيقة والدها المخرج وصديقة أمها الممثلة كانت تزور الاستوديوهات والمسارح، تنهي فروضها في الكواليس وقد تغفو في انتظار أن يسدل الستار على خشبة المسرح. لا بد أنها ورثت الموهبة وتشرّبت حبّ الفن. «كنت أعرف أنه امتياز لا يمنح لكثر أن يتسنّى لي اللعب في كواليس المسرح، وأن أشاهد تدريبات الفنانين وتصوير الأفلام. تعلّمت بعض تفاصيل المهنة من دون أن أقصد ذلك، من دون أن أعي الأمر أو أنتبه إليه. بدت هذه التفاصيل بالنسبة إليّ أمراً طبيعياً، جزءاً مني، كأنها لغة ولدت في بيت يتحدث بها. أستسهل أموراً تبدو صعبة لآخرين في بداية رحلتهم الفنية. السهر، على سبيل المثال، مرتبط في عقلي الباطن بذكريات جميلة. فقد كنت أرافق والديّ إلى الاستديوهات حتى وقت متأخر. يلهمني السهر، أحس بأنني أستفيد من الوقت في أجمل مراحله».

ابنة العائلة الفنية شقّت وحدها طريقها إلى الشهرة التي لم تكن هدفاً بحد ذاتها بل هي إحدى نتائج النجاح الفني. «لم أحب الشهرة وما سعيت إليها. بعد نجاح «تحت السيطرة» دعيت إلى برامج متنوّعة ومناسبات عديدة، وكنت أضطر أحياناً للاعتذار. أحب التمثيل لكن لا يهمني أن أظهر هنا وهناك، في هذا المهرجان وذاك. لا أركض وراء هذا الأمر بل وراء التمثيل الذي يعبّر عني. أقبل بالشهرة لأنها تأتي مع التمثيل، وأتضايق عندما تضغط عليّ، وتأخذ من دربي الوقت الذي يمكن أن أستثمره في القيام بأمور أستمتع بها وأحبها. وكنت أخشى أن يظنّ البعض أنني متكبّرة إذا لم أشارك في هذا المهرجان أو أحضر هذه المناسبة، لكن كل يخطط لحياته مثلما يريد».

«راندا شجّعت نضجي المبكر وشغفي بالتعبير عن نفسي»

الشهرة التي رافقت النجاح، ودور منصّات التواصل الاجتماعي مسؤولان عن ولادة علاقة جديدة بين جميلة وجمهور المعجبين بأعمالها. «أحس الآن بأن علاقتي بجمهوري على السوشال ميديا أصبحت أمتن. هم أوفياء، أي صورة أنشرها تتبعها تعليقات إيجابية، كأنهم ينتظرون مني أن أنشر أي صورة لي أو أن أمدّهم بأي معلومة عني. تعليقاتهم إيجابية ومحترمة، بالرغم من أنني في البداية لم أتواصل معهم مثلما يجب. الآن أصبحت أتحمس لأن أطلعهم على خبر ما أو صورة أعجبتني».

التمثيل الذي تعشقه جميلة ليس مهنة تبني أسسها فحسب بل هو أيضاً وسيلة للتعبير عن ذاتها. وهو ما سعت إليه الممثلة الشابة منذ سن صغيرة، فقد درست الإعلام وأخرجت فيديو كليب وشاركت في نموذج الأمم المتحدة في فرنسا ممثلة جامعتها لتنتخب أفضل مندوبة. «هذه طرق مختلفة للتعبير عن كل ما يمسّني. ساعدتني هذه الأنشطة في التعبير عن نفسي، هناك أمور كثيرة تؤرقني ولا يمكن أن أتحمّلها وحدي، فأعبّر عنها بأساليب مختلفة. التمثيل نفسه وسيلة للتعبير عن نفسي من خلال دور شخص آخر ليس أنا. أجد هذا الأمر ساحراً. لا لوم عليّ، أختبئ خلف الشخصية».

جميلة عوض ووالدتها الفنانة راندا بعدسة بتول الدعاوي لصالح عدد شهر فبراير 2018 من ڤوغ العربيّة.

هذه الأمور التي تؤرق جميلة ترتبط باهتمامها بالدفاع عن قضايا تعتبرها قضايا عادلة. «القضية الأقرب إلى قلبي والتي تمسّني بسهولة هي القضية الفلسطينية. كنت في صغري أشاهد برفقة والدي ما تنقله شاشة التلفزيون من مشاهد الظلم الذي يتعرّض له الفلسطينيون. مصير محمد الدرة مسّ طفولتي. وفي المدرسة كنت أحاول أن أحتج وأعترض، وقد رافقت والدي إلى وقفات احتجاجية شارك فيها. الإحساس بالظلم والخوف سكن مناماتي. لعلّ أحد أسباب خوفي هو أن أمي لبنانية وقد هاجر أهلها إلى مصر بسبب الحرب». القضية الثانية التي أصبحت تهمني بعد مسلسل “تحت السيطرة” هي قضية مكافحة إدمان المخدرات. خلال عرض المسلسل تابعت اجتماعات عقدت للغاية نفسها، كما طلبت مني وزيرة التضامن الاجتماعي المشاركة في حملة تكافح الإدمان عند الشباب، لأن التجاوب مع دوري خلال عرض المسلسل كان مهماً جداً. وقد وردتني رسائل من أشخاص تفيد بأنّ متابعتهم المسلسل شجعتهم على التخلّي عن الإدمان».

تكشف جميلة عبر كلامها أنها تعلّمت من والدها عادل عوض أن تتحمّل مسؤولية متابعة ما يجري حولها. «علّمني والدي أن أطرح الأسئلة، وألا أفترض أن ما يقوله الآخرون صحيح قبل أن أتأكد من صحته. والدي إذا كشف عن آرائه يشرح أسبابها، وهذا ما أفعله، فلتصرّفاتي ومواقفي مبررات وشروح، ليست اعتباطية أو “من غير ليه”. كما تعلّمت من والدي حب العمل ومواجهة التحديات المرتبطة به والصعاب التي ترافقه».

هذه المواجهة هي أحد أهم أسباب غياب الفنانة راندا والدة جميلة عن الشاشة. راندا «مسالمة»، كما تصفها جميلة، و«تحب التمثيل لكنها لا تحب الشهرة، فلا تجد نفسها مضطرة لمواجهة الضغوط والمطبّات التي تلازم العمل. ما أقدّره لدى أمي أنها تركتني أطوّر شخصيتي وأرسم ملامح الشخص الذي أريد أن أكونه. هي شخصية حرّة، ولا تفرض نفسها ولا اتجاهاتها عليّ. حتى خلال طفولتي كانت تفسح المجال لأن أقول رأيي. أن أكون صغيرة لم يعن أن تفرض رأيها عليّ. هي لا تدخل في صدام مع أحد إذا لم توافق على رأي خلال حديث أو نقاش، لكن إذا أنا عبّرت عن عدم موافقتي تشجعني».

الهدوء في شخصية جميلة يشبه هدوء والدتها، كما تتشابهان بالتوق إلى الحرية. أمي منذ طفولتها تحمي حريتها وتقدّرها، بهدوء ومن دون صدام تحقّق غايتها هذه».

جميلة عوض ووالدتها الفنانة راندا بعدسة بتول الدعاوي لصالح عدد شهر فبراير 2018 من ڤوغ العربيّة.

تصرّ جميلة على أنّ أمها لم تعتزل، «لم تضغط على نفسها، ومزاجها لم يشجّعها على اقتناص الفرص. كما لم تشأ أن تتقيّد بشروط الشهرة. عندما أحسّت بأن التمثيل يفرض عليها نمطاً معيناً من الحياة شعرت بالتعب. عرضت عليها سيناريوهات عديدة، لأعمال جمعت أسماء متألقة، لكنها شعرت بأنها غير مرتاحة وغير جاهزة لها».

تستشير جميلة والدتها حين تعرض عليها المشاركة في أعمال فنية، «تقرأ النصوص سريعاً وتكشف لي عن رأيها. لكننا بالطبع لا نختلف على النص الجميل. ممكن أن أتمسّك بدور في حين ترى هي أنه ليس مهماً لي».

الدوران المهمان اللذان طبعا بداية جميلة هما دوران تلفزيونيان. «الدوران اللذان أديتهما للتلفزيون أهم وأعمق من الأدوار السينمائية التي عرضت عليّ. هذا هو واقع الإنتاج الآن، فالناس ينجذبون إلى المسلسل الذي يدخل بيوتهم، كما أنّ المواضيع المهمة تعرضها المسلسلات لأنها تحقق مكاسب مادية».

بعد فيلم«هيبتا» الذي شاركت فيه، تنضمّ جميلة إلى أسرة فيلم سينمائي جديد للمخرج هادي الباجوري لم يبدأ تصويره بعد، وهو من بطولة خالد الصاوي، شيرين رضا وأحمد مالك، تأليف إبراهيم عيسى، ويحمل مبدئياً عنوان «الضيف». هذا الفيلم الذي سيستغرق تصويره زمناً طويلاً جعلها تعتذر عن أعمال أخرى عرضت عليها.

التزام جميلة المهني يسعد أهلها، «ما يعطيني دافعاً أقوى لأن أقدّم المزيد، وألا أستسلم للضغوط التي تحيط بالعمل»، وهو ما لم تشأ والدتها راندا القيام به. «نعم، أنا مستعدة لمواجهة صعاب المهنة، لكنني أواجهها لأنّ والدتي علّمتني المواجهة، وحصّنتني للتأقلم مع الشهرة. هي دفعتني إلى أن أقوم بأمور كثيرة، حاولت أن تنمي لدي التعلّق بهوايات وعلّمتني ألا أتوقف عند العوائق، أن أكافح، وها أنا أكافح. الصداقة بيننا تسمح لي بأن نتشارك في كل شيء.

روح راندا شابة، تقوم بأمور لا يمكن أن يقوم بها من هم في سنّي، وجلستها ممتعة. يمكن أن نخرج لنتنزه في الثالثة فجراً أو الخامسة صباحاً. وأغرب ما قمنا به معاً هو أننا تعلّمنا ركوب الأمواج بالطائرة الورقية».

نشر هذا اللقاء للمرّة الأولى داخل عدد شهر فبراير 2018 من ڤوغ العربيّة.
بقلم: هالة كوثراني
تصوير: بتول الدعاوي
تنسيق الأزياء: بثينة
مكياج: سهى خوري
تصفيف الشعر: صالون الصغير
موقع التصوير: مرزعة سارة العضويّة

تصاميم داخلية بروح الأزياء والموضة من إبداع رانيا حامد

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع