تابعوا ڤوغ العربية

حكمة بسمة آل سعيد على صفحات عدد شهر ديسمبر من ڤوغ العربيّة

سمو السيدة بسمة آل سعيد ترتدي فستاناً من بيت الفنار. بعدسة زيغا مليشيك لصالح عدد شهر ديسمبر 2017 من ڤوغ العربيّة

تحرّك المعالجة النفسية بسمة آل سعيد طاقة يعبّر عنها نشاطها الاجتماعي وحماستها لنشر الوعي بأهمية الصحة النفسية وكلماتها التي تحكي عن الرغبة في التأثير الإيجابي في مَن حولها وفي المجتمع في شكل عام.

«لأنني أنتمي إلى العائلة الحاكمة في سلطنة عمان يجب أكون قدوة وأقدّم المساعدة الاجتماعية المعنوية العلمية الثقافية. نحن أربع أخوات، ووالدي شجعنا على الدراسة والعمل وعلى أن ننجز أمورنا بأنفسنا. كثيرات بين نساء أسرتي يعملن، فنحن نقدّر اللقب الذي نحمله وندرك في الوقت نفسه أن الثقافة والعمل أساسيان وأن سموّ الأخلاق والعلم أهمّ من الألقاب الرفيعة.
منذ الطفولة سكنتني الرغبة في التواصل مع الغير وتقديم المساعدة. كنت أسارع إلى شراء مجلات عربية تنشر في زوايا خاصة مشكلات القراء وتطرح أساليب معالجتها، وأكبّ على قراءتها. كما كنت أحاول حلّ مشكلات تواجهها زميلاتي في المدرسة. ثم دفعتني الرغبة في مساعدة الغير إلى الانضمام إلى الكشافة والقيام بأعمال تطوّعية. ووجدتني قبل دخول الجامعة أختار دراسة علم النفس.
خلال سبعة عشر عاماً عُرفت بأنني من أوائل مَن درسوا الصحة النفسية ومارسوا هذا التخصّص في مستشفى جامعة السلطان قابوس في عُمان حيث قصدني كثرٌ كاشفين من دون خجل أو خوف عن المشكلات التي تواجههم. وقد اكتشفت خلال عملي في المستشفى أن هناك حاجة للتعبير عن الصعاب والعوائق والمشكلات الداخلية وأن التوعية بأهمية الصحة النفسية شبه غائبة. وتوصّلت إلى أنّ المشكلات تتشابه في كل المجتمعات وأنّ الاعتراف بالحاجة إلى زيارة المعالج النفسي غير مرتبطة بالضرورة بالمستوى الثقافي.
بعد تجربتي في مستشفى الجامعة، والتي استمرّت أحد عشر عاماً، افتتحت أول عيادة نفسية خاصة في السلطنة وواصلت أنشطتي المتعدّدة ومن ضمنها أول حملة للصحة النفسية بعنوان “نحن معك” والمستمرة منذ أربعة أعوام. كما أطلقت حملة أخرى تنصبّ على حماية الأطفال من التحرّش، إلى جانب أنني السفيرة الفخرية لمجموعة نبع الأصالة التي تهدف إلى الحفاظ على التراث العماني الثري من الأزياء والحلي والمجوهرات إلى الآثار والقلاع.

“درستُ واجتهدتُ وأنجزتُ وتعبتُ كي أثبت لنفسي أولاً بأن لا علاقة للقبي بالنجاح”

أتحمّل بسعادة كل هذه المسؤوليات لأنني محاطة بدعم زوجي ومحظوظة بمساعدة والدتي. ولا أدّعي أنّ نجاحي في ما أقوم به يعود إليّ وحدي، بل أقدّر حقيقة أن زوجي يدعمني ويساعدني على تنظيم حياتي. أما إحساسي بالتقصير تجاه أولادي الأربعة، فقد أصبحت مقتنعة بأنني كأمّ لا بد أن أشعر بتأنيب الضمير وبأنني يجب أن أعطي أكثر. نحن الأمهات العاملات نسعى إلى ألا نقصّر في أي من واجباتنا، ونؤدي أدواراً عديدة ونتحمّل أعباء ثقيلة. ونساء جيلنا، في شكل خاص، يسعين إلى إثبات أنفسهن والتفوّق على الرجل ويضاعفن جهودهن ليصمدن في مجالاتهن. وأنا أرى أن قدرة المرأة على التحمّل تتجاوز قدرة الرجل، في حين أن هورموناتها تعدّ المحرّك الأساسي في التغيّرات في جسمها خلال مراحل حياتها المختلفة، المراهقة ثم الزواج والحمل والولادة. وخلال كل هذه المراحل مطلوب منها أن تعتني بعائلتها. لكن ما يساعد المرأة هو قدرتها على التنفيس. فأنا أشفق على الرجال عموماً لأنّ المتوقع منهم هو أن يكبتوا مشاعرهم وألا يعبّروا عنها حتى لأقرب الناس. هذا ما ألاحظه من خلال تجربتي في العيادة.

لقد تغيّرت حيواتنا مع تطوّر وسائل التواصل، وبرغم بعض فوائد هذا التطوّر إلا أن مشكلات كثيرة استجدّت وأصبح علاجها مطلوباً، ومنها التنمّر الإلكتروني الذي تعاني منه الفتيات في شكل خاص. كما هناك الهوس بالمظهر الذي أصبح عند البعض مرضاً نفسياً وترويجاً للفراغ. بصراحة أخشى أن يضيّع الجيل الجديد البوصلة. لدينا نماذج قيادية رائعة، لكن لدينا أيضاً مَن تبرزهم وسائل التواصل ولا نريد أن يتأثر أولادنا بهم. فقد وصلنا إلى مرحلة يتساءل فيها أولادنا عن أهمية الدراسة للنجاح لأنهم يرون من ينجحون ويحصدون الأموال بتصوير الفيديوهات ونشرها على مواقع التواصل. هذا ما يخيفني. يؤرّق أولادنا أيضاً مرض “الغروبات” والتهديد بأن يُطردوا منها.
أنا لست ضد التكنولوجيا، لكنني ضد التفاهة، أحزن حين يُنشر لي فيديو أناقش فيه موضوعاً مهماً ويكتفي البعض بالتعليق على ما أرتديه. عدنا إلى الجاهلية، بالتركيز على مظهر المرأة فقط وحصرها في إطار شكلها. مع العلم أنني أحبّ الموضة وأتابعها لكن أحبّ أيضاً أناقة التفكير وجمال الفكر. والاعتدال مطلوب هنا، أن نحب الموضة والماكياج لكن ألا تقتصر حيواتنا عليهما. لقد كنا في بلداننا الخليجية نهتم بالأكثر ثقافة والأشد ذكاء، الآن نولي أهمية كبرى للكلام عمّن يلبس أثمن الأزياء ومَن يتعلّم أطفاله في أغلى مدارس.

سمو السيدة بسمة آل سعيد ترتدي فستاناً من ديباج عمان، ومجوهرات من ديمة عمان. بعدسة زيغا مليشيك لصالح عدد شهر ديسمبر 2017 من ڤوغ العربيّة

معضلة أخرى نحاول المساهمة في التخفيف من آثارها النفسية هي الهروب من الحروب والبحث عن حياة جديدة في الغربة أو المعاناة في مخيمات اللجوء. زرت أخيراً مخيمات للاجئين في لبنان واختبرت إحساساً غريباً بعيداً عن الشفقة. التقيت نساء قويات، وقالت لي إحداهن جملة لن أنساها: أنا مقتنعة بما حدث ولا أعرف ما سيحصل، لكنني أريد أن أفهم الآن ما يجب أن أفعله.
وأنا أركز في عملي على الآن، على تقدير اللحظة التي نعيشها. أما أكبر تحد واجهني فهو أن أقتنع بأن الآخرين يقدّرون إنجازاتي بعيداً عن لقبي. لقد حاربت لأثبت نفسي وصارعت نفسي لأقتنع بأن لا علاقة لاسمي بنجاحي، بل إنني نجحت لأنني درست وتعبت وأنجزت. توقفت عن التفكير في ما يقوله الناس عني. ارتحت. وها أنا أركز على مهنتي وعلى كل ما يفيد المجتمع والمرأة في شكل خاص. المرأة العمانية تاريخياً نشيطة، ساعدت قديماً الرجل في الزراعة والتجارة، والآن بدأت تثبت دورها وتفوّقها في مجالات مختلفة. ونحن كبرنا ضمن أجواء تشجعنا على التقدّم والإنجاز. أحرص على صحة المرأة النفسية التي تنعكس على المجتمع ككل، فالأم هي المدرسة الأولى، كما أن المشكلات النفسية تنعكس على الصحة الجسدية. لذا ضروري الاعتراف بها من أجل معالجتها وأن تشعر المرأة بأن الوقت قد حان، بأنها تحتاج إلى تغيير الوضع القائم والذي يزعجها، فتلبّي نداء داخلياً. يحب أن تحبّ المرأة نفسها كي تحب زوجها وأولادها، وهذه ليست أنانية. لذا حملة “نحن معك” تهمّني وأحرص على استمرارها. كما أعشق تراثنا العماني الواسع والغني والعميق. منطقتنا رائعة، وأنا أسعى إلى الجمع بين الصحة النفسية والسياحة.
أؤمن بالعطاء وردّ الجميل للمجتمع. كلنا يجب أن نعطي بطريقة معينة، ولا يمكن أحداً أن يجرّدك من سلاح العلم والشهادة. أنا فخورة بما أستطيع أن أقدّمه لمجتمعي والحقل الذي أحببته واخترت العمل فيه».

نشر هذا المقال للمرّة الأولى على صفحات عدد شهر ديسمبر من ڤوغ العربيّة.

تابعي أيضاً: شيرين رضا تتحدّى نفسها

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع