تابعوا ڤوغ العربية

كيف مهّدت نعمة التبنّي للقائي بابنتي؟

ميكيلا سيموني مع ابنتها ستيلا على صفحات عدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية. بعدسة أنكيتا تشاندرا

التقيتُ بابنتي ستيلا لأول مرة في التاسع من يناير 2019. وكان عمرها حينها لا يتعدى أسبوعاً واحداً. ولم أكن قد رأيت سوى بضع صور لها، وكنت أشعر بتعب شديد بعد رحلة استغرقت 20 ساعة للوصول إليها، تضمنت رحلات جوية، ورحلة بالقارب، وجولة بالحافلة. وكانت هي في انتظارنا بملجأ للأطفال في سيراليون، مرتديةً زيّاً وردياً واسعاً يفوق بكثير حجم جسمها الضئيل. أذكر أن الجو كان عليلاً فيما كانت الشمس ترسل أشعتها على النوافذ، لتنشر ضوءها البهيج في هذا الملجأ المتهالك. تعلقت عيناها الواسعتان بعينيّ، ومنذ تلك اللحظة، أصبحنا نفساً واحدة. وفجأة اختفت جميع مخاوفي، وزال تعبي، وجميع هواجسي. لم تكن بالنسبة لي مجرد طفلة رضيعة، بل تجسيداً لجميع أحلامي في الأمومة. ولم أكن مجرد امرأة تحملها، بل مستقبلها المقبل، وقصة جديدة تعد بالنجاح، حملتها بعيداً عن حياة الفقر – بفضل نعمة التبنّي الرائعة.

لم أكن أؤمن قط بأن العائلة يجب أن تجمعها صلات الدم أو أن على أفرادها أن يحبوا بعضهم بعضاً. فقد نشأتُ في كنف عائلة كبيرة العدد – تسكن ذلك المنزل الإيطالي التقليدي الصاخب الذي يضم مئات من أبناء الأعمام والعمات والأخوال والخالات، والجيران. تزوجت والدتي في سن مبكرة للغاية ورزقت بثلاثة أبناء. وللأسف، ترملت في السابعة والعشرين من عمرها. ولكن ذلك لم يمنعها من شق طريقها في العمل، وتربية أشقائي، والأهم من ذلك كله، الاحتفاظ بشخصيتها المحبة للجميع والتي تفتح باب بيتها دائماً للأصدقاء في المحن، والأقارب الذين فقدوا منازلهم، والحيوانات الضالة على السواء. وقد رُزقتْ بي من زواجها الثاني، ولم أشعرُ يوماً في حياتي بأن شقيقتيّ الأكبر مني وشقيقي الكبير أقل ارتبطاً بي. كنت ولم أزل دميتهم الصغيرة. وقد ترسخ حلمي في تبني الأطفال من هذه العلاقة. وأجدها تستوطن ذكرياتي، ففي أحد الأيام الممطرة لفتت والدتي انتباهي إلى الحظ والسعادة اللذين نتمتع بهما وكيف أن الكثير من الأطفال الآخرين يفتقدون هذه النعمة؛ أن يحبهم أحد كما نحب بعضنا بعضاً. وخلال سنوات نشأتي، كنت منشغلة بحياتي إلى أقصى حد: كنت أدرس، وأبني مسيرتي المهنية، وأجتمع بالناس، وأبحث عن الرجل المناسب. وحين قررنا أنا وزوجي أن الوقت قد حان للإنجاب، كان الوقت المناسب قد فات بالنسبة لي. وفيما كنت أفكر ملياً في إنجاب طفل بيولوجي بالتلقيح الاصطناعي، عاد حلم تبنّي الأطفال يتسلل إلى عقلي، ولا سيما قلبي. وكان زوجي سعيداً أيضاً بفكرة التبنّي. ودائماً ما كنا نتهكم بأننا، على أي حال، لا نملك في جيناتنا تراثاً فكرياً علينا نقله إلى الأجيال القادمة.

ولأننا مغتربان في دبي ونخطط للتبني، فقد اتصلنا بدايةً بسفارتنا في الإمارات. كنا نحتاج إلى الاطلاع على المتطلبات القانونية في بلادنا لرغبتنا في أن تحصل ابنتنا على جنسيتنا. كما اطلعنا على معايير التبنّي الدولية، أي اتفاقية لاهاي، وقوانين البلد الذي سنتبنّى طفلة منه. بعدها اتصلنا بطبيب نفسي لعمل بحث منزلي، وهو تقييم يهدف إلى دراسة الحياة المنزلية للآباء الراغبين في التبنّي قبل السماح لهم بذلك. ولمساعدتنا في التوفيق بين جميع هذه المتطلبات، اتصلنا بمحامٍ ومستشار عائلي، أرشدنا إلى أفضل طريق للتبنّي يراعي قوانيننا، وظروفنا الاجتماعية، والعائلية. وحينها فقط أصبحت رحلة التبنّي على أهبة الانطلاق.

ميكيلا سيموني مع ابنتها ستيلا على صفحات عدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية. بعدسة أنكيتا تشاندرا

وأتساءل: لِم لا ينصح الأطباء مطلقاً بالتبنّي كحل لعدم الإنجاب؟ قد يكون ذلك، على نحو ما، مثل الزورق الأخير للنجاة في سفينة توشك على الغرق. سيخبركم الأصدقاء والمعارف عن مدى نُبل هذه الفكرة ولكن أغلبهم سيضيفون بأنهم لا يستطيعون أبداً عمل ذلك بأنفسهم. لماذا؟ في رأيي، عملية الحمل والولادة تشبه كثيراً التبنّي، إنه حمل طويل يغمره إحساس عالٍ ولا إرادي بالإثارة والعاطفة؛ فأنتِ لا تعلمين ما الذي ينتظركِ ولكنكِ تدركين أن هناك طفلاً سيصل قريباً. وأحياناً، عليكِ أيضاً مواجهة الأوهام والنكسات. فقد حاولنا أولاً التبني من ثلاث دول مختلفة. ورأينا صور الأطفال الرضع، وانشغلنا تماماً بهذا الأمر، ولكن جاءت خيبتنا مثل الحمّام البارد، ففي النهاية، لم تنجح أياً من محاولاتنا. لقد ظننت أني مستعدة، وقوية؛ إلا أن مرارة الواقع خيبت أملي. ولكني لم أستسلم. وأحد أسباب ذلك أن لدينا في عالمنا أناساً في غاية الطيبة والإنصاف. والكثير منهم قدموا لنا دعمهم – منهم الأخصائيون الاجتماعيون، والأطباء النفسيون، والأصدقاء، والعائلة، والأزواج الآخرون الذين تبنوا أطفالاً. وقد وجدنا مجتمعاً كريماً أعاد لي إيماني. وبعد الحمل، يبدأ المخاض. لكنه كان مخاضاً صعباً عليّ وعلى ستيلا، فقد امتد لأشهر. قضيتُ أغلب تلك الفترة وحدي، في أفريقيا، ولم أحتمل فكرة تركها ورائي في الملجأ خلال قيامي بإنهاء الإجراءات القانونية. فقد تأججت عاطفة الأمومة في نفسي، رغم أني لم أحملها لتسعة أشهر ولم أتعلق بها كجنين ينمو في أحشائي. ولم أجرِ اختبارات حمل، ولم أكشف بالموجات فوق الصوتية، أو أقيم حفلاً لرضيعتي. أعتقد أننا في حاجة لمراجعة مفهوم الأمومة، فقد أثبت العلم أن الأمهات اللواتي يلدن والمتبنيات يصبن بنفس التغييرات الهرمونية عندما يصبحن أمهات، بل ويرتفع في أجسامهن هرمون الأوكسيتوسين (الهرمون المسؤول عن تعزيز مشاعر الحب، والترابط، والرفاه). فغريزة الأمومة متجذرة في عقولنا –سواء كنا أمهات ولدنّ أبناءهن أم لا– وتدفعنا إلى الاستجابة إلى إشارات الرضع، وخاصة البكاء.

بالطبع عاطفتي أكبر مما يقوله العلم. فهناك أحاسيس أخرى، وربما قدر أيضاً. وقد قضيت عامين أتخيل فيهما شكل ابنتي. وفي النهاية ظهرت – طفلة أحلامي. إنها ببساطة طفلة مثالية. فشفتاها مثل قوس ملاك الحب، وشعرها مموج، ويداها صغيرتان، وحركاتها جميلة. ورغم إيماني بأني أحب ستيلا منذ الأزل وأن الكون قد قدر اجتماعنا معاً، إلا أن رحلة الوصول إليها لم تكن مفروشة بالورود.

كان علينا أنا وزوجي، طوال رحلة التبنّي، في بيتنا في الإمارات، أن نتغلب على العديد من الصعاب والعقبات، التي لم تكن قانونية في معظمها فحسب، بل وعاطفية أيضاً. لقد اقتربت ستيلا مني بعد احتضاني لها منذ زمن ولكني أعلم أن هناك أسئلة صعبة يجب الإجابة عنها يوماً، وفي مرحلة ما، سيجعلها أحدهم تلاحظ أنها لا تحمل نفس لون بشرتنا. ولكن لم تخلق بعد أم خائرة العزيمة. ونحن جميعاً نحب أبناءنا، ونرعاهم، ونمسح دموعهم. وأنا أم أصيلة، وستيلا ابنتي الحقيقية، ومن الآن فصاعداً لن نفترق أبداً.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد سبتمبر 2019 من ڤوغ العربية.

اقرؤوا أيضاً :حصرياً: كانييه ويست يحاور زوجته ونجمة غلاف ڤوغ العربية كيم كارداشيان

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع