تابعوا ڤوغ العربية

محمد التركي يستعيد ذكريات حياته المشبّعة بعشق السينما

بعدسة عبد الجليل الناصر

مع افتتاح السعودية لأولى دور السينما العامة فيها بعد حظرٍ دام 35 عاماً، يسترجع المنتج السينمائي محمد التركي ذكرياته، ويعرّفنا كيف أصبح مفتوناً بعالم الأفلام خلال فترة الحظر، كما يتحدث عن صعود نجمه السريع في سماء هوليوود.

“عندما كنتُ صغيراً، تساءلت دوماً لماذا لم يكن لدينا دور سينما في السعودية. وقد ربطنا هذا الأمر بالرقابة، لكني لم أحصل على جوابٍ شافٍ بالمطلق. وبالنسبة لشخصٍ يعشق السينما، كان ذلك محزناً، وكنت أتطلع على الدوام إلى رحلاتنا الصيفية السنوية في الخارج. وقبل انتشار الإنترنت، وفي كلِّ مرة كنَّا نزور فيها لندن، كانت أمي، وهي من أكبر الداعمين لشغفي بالأفلام، تشتري أقلاماً ومجلات ترفيهية بحيث يمكننا وضع دائرة حول الأفلام التي نرغب في مشاهدتها. أصبح الذهاب إلى دور السينما تجربة عظيمة، وإن كان هناك 15 فيلماً جديداً في ذاك الصيف، كنت أُشاهدها جميعاً. وكنَّا نزور في الخارج متاجر تاور ريكوردز أو ڤيرجن ميغاستورز لشراء جميع الأفلام التي سنشاهدها خلال العام. وعندما نسافر، كنَّا نصطحب معنا حقيبة فارغة لنحمل فيها علب مجموعات برامجنا التلفزيونية المفضلة وأقراص الدي ڤي دي.

ولحسن الحظ، لم يمنعنا ذلك من مشاهدة الأفلام في بلدنا. كنَّا نعيش في المنطقة الشرقية، حيث تستقر شركة أرامكو السعودية، وهي أضخم شركة لتكرير النفط في العالم، وداخل منشآتها كانت هناك صالة سينما حيث كان بإمكاننا مشاهدة فيلمٍ مرة بالأسبوع. وبما أنَّ والديّ كانا من كبار هواة الأفلام، كان بإمكاننا أيضاً أن نجتاز جسراً من منطقة الخُبر، حيث كنَّا نعيش، للوصول إلى البحرين حيث لم تكن دور السينما محظورة. نشأت وترعرعت مثل أيِّ شخصٍ آخر، وشاهدت جميع الأفلام، من أفلام ديزني الناجحة جميعها إلى أفلام جون واين الكلاسيكية.

موضوع متصل: افتتاح أول صالة سينما في السعوديّة بعد أسبوعين فقط

وفي حين كان الأولاد الآخرون يجمعون الكتب الهزلية أو التذكارات الرياضية، كانت غرفتي أشبه بمتجرٍ للأفلام. ودون مبالغة، كنت أمتلك أكثر من ألف قرص دي ڤي دي وشريط كاسيت فيديو منزلي ڤي إتش إس. وعندما توقف والداي عن منحي المال لشراء المزيد من الأفلام، أجّرت الأشرطة لزملائي وجيراني بحيث أمكنني مواصلة توسيع مجموعتي منها.

أول مرةٍ فعلت شيئاً في مجال الأفلام كان خلال دورة تدريبية صيفيّة، حيث كُلِّفت بتصوير فيديو موسيقي قصير. استمتعتُ بوجودي خلف الكاميرا وبكامل العملية الإبداعية التي ينطوي عليها ابتكار شيءٍ لجمهورٍ ما. لقد حفَّزت هذه التجربة رغبةً لديّ في أن أتوسع فيما أفعل – بالرغم من أنني لم أعتقد يوماً أنَّ ذلك كان ممكناً. كيف كان بإمكاني النجاح في هذه الصناعة بينما لا توجد دار سينما رسمية واحدة في بلدي؟ كان والداي قلقين أيضاً من أنني لن أجد أي فرصة عمل.

سارة سامبايو ومحمد التركي في مهرجان كان السينمائي 2015

بعد ذلك الصيف، تنامى شغفي بالأفلام وبدأ ذوقي يتجه نحو القصص التي تنضح بالقوة، مثل تلك التي يقصُّها المخرج الإسباني بيدرو ألمودوبار. وقد جذبتني السينما الأوروبية بقصصها الواقعية، بالرغم من أنها أقل سحراً وألقاً من إنتاجات هوليوود الضخمة.

موضوع متصل: فيلم النمر الأسود يضع حَّداً للحظر المفروض على صالات السينما في السعوديّة والذي دام 35 عاماً

كنت ما أزال متردِّداً عندما التحقتُ بالكلية في لندن، لذا قرَّرتُ دراسة الإعلام ووسائل الاتصال، مع تخصُّص مزدوج في الأفلام. لقد كانت تجربة مذهلة، وأحبّبتُ إجراء الأبحاث وتأليف الأوراق البحثية حول أعمال أساطير على غرار فيديريكو فلـّـيني وفريتز لانغ. ومع ذلك حصلتُ لدى تخرجي على عملٍ في السعودية، حيث عملتُ في شركة خدمات للمنتجات النفطية والغازية، في قسم العلاقات العامة. وهناك عملنا على تطوير العلامة التجارية للشركة، ولكن بعد مضي عامٍ واحدٍ، أدركت أن شغفي ليس هنا.

وخلال تلك الفترة، تعرَّفتُ إلى المخرجة البريطانية زينة الدُرَّة من خلال أصدقاء مشتركين لنا. اكتشفتُ شخصيتها الآسرة والمثيرة للاهتمام، وأدركتُ فوراً أنها موهوبة. وبما أننا انسجمنا معاً بشكلٍ رائع، أطلعتني على نص لفيلم الإمبرياليون على قيد الحياة!، وكان يدور حول قصة امرأة عربية تعيش في مدينة نيويورك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد أغرمتُ به على الفور. وفيه تُراود البطلةَ شكوك وأوهام، وتشعر بأن الناس في الغرب يستهدفونها رغم أنها لا علاقة لها بالهجمات. وإلى جانب عددٍ من الأشخاص المنحدرين من الشرق الأوسط من معارفي، شعرتُ بصلةٍ تربطني بتلك القصة. كنَّا نشعر بنوعٍ من الذنب يحوم في الأجواء، خصوصاً عندما كانت وسائل الإعلام تصوَّر العالم العربي على نحوٍ سيءٍ للغاية.

لم يكن قراراً سهلاً، لكني قرَّرت قبول التحدي وإنتاج الفيلم. كانت الميزانية صغيرة وقمنا بالتصوير في مدينة نيويورك، خلال عشرين يوماً لا غير. ولعبت الممثلة الفرنسية إلودي بوشيه دور البطولة. وحالما أنهينا تصوير الفيلم، لم نكن نعرف ماذا نفعل به. كنتُ ما أزال في الثالثة والعشرين من عمري، ولكنَّ جَمال هذه الصناعة يكمن في أنَّك تتعلم كلَّ شيءٍ أثناء ممارسة العمل. بدأنا الترويج للفيلم وقدَّمناه في المهرجانات. لقد كان شرفاً كبيراً لنا أن يتنافس فيلم الإمبرياليون على قيد الحياة! في مهرجان صاندانس السينمائي، دورة 2010، ويواصل مسيرته ليفوز بجوائز بمهرجانيّ وراسو وسان فرانسيسكو الدوليين للأفلام الآسيوية الأمريكية.

موضوع متصل: السعوديّة تفتتح ثاني صالة عرض سينمائية لها في الرياض

ومع فيلمي الثاني، بعنوان المتاجرة (إنتاج 2012)، كان الأمر مختلفاً تماماً. حيث عملتُ مع نجوم كبار، من أمثال سوزان ساراندون، وريتشارد جير. وكان التواجد في موقع تصوير واحد مع هؤلاء النجوم المذهلين لأكثر من شهر والسفر معهم في جولات صحفية تجربةً لا تصدق. لم أدرك حقاً ما أنجزته إلا بعد أن تمَّ إطلاق الفيلم وتلقى نقداً إيجابياً جداً. لقد كانت تجربة سريالية – حصلت على عملٍ حقيقيٍّ في مجال الأفلام.

 

من فيلم “الإمبرياليون على قيد الحياة!” إنتاج 2010

وعلاوةً على نجاحه في شباك التذاكر، سمح لي فيلم المتاجرة بإقامة صداقات رائعة، مع ريتشارد على وجه الخصوص، الذي نشأتُ على مشاهدته في أفلام من قبيل أمريكان جيغلو وامرأة جميلة. روحه جميلة جداً، وقد علَّمني أنه كلما عظُمَ شأن الممثل، ازداد تواضعاً. وكان ريتشارد أيضاً داعماً لخلفيتي الشرق أوسطية، وتأثَّر بحقيقة أنه لا توجد أية دورٍ للسينما في بلادي.

وعندما أطلقت أبوظبي مهرجانها السينمائي، تمَّ اختيار فيلم المتاجرة ليُعرض ليلة الافتتاح الهامة، وذلك يعود لجذوري العربية. وكنتُ فخوراً لوقوف ريتشارد إلى جانبي، بينما كنتُ أرتدي الثوب التقليدي. وفي كلمتي ذكرتُ أنه وفي حين كان حلمي على الدوام ترك انطباعٍ جيدٍ في هوليوود، إلا أنَّ جلب هوليوود إلى الديار كان بمثابة حلمٍ تحقق على أرض الواقع. عندما بدأتُ العمل في مجال الأفلام، لم يتم أخذي على محمل الجد، ففي بلادي يعتبرها الجيل الأكبر سناً مهنةً غير لائقة، وبالمجمل ظنَّ الناس أنني كنتُ أستمتع بوقتي ليس إلَّا. وبعد مهرجان أبوظبي، حظيت بتغطية إعلامية واسعة في صحف الشرق الأوسط، وأدرك الناس أنه عملٌ جاد. وبالتوازي مع ذلك، كان صنَّاع الأفلام السعوديون الآخرون، مثل هيفاء المنصور، يزدهرون.

أشعر بالسعادة والتأثُّر بنبأ افتتاح السعودية لدور سينما عامة. لم أعتقد أبداً أنني سأشهد اليوم الذي يمكنني فيه الجلوس بصالةٍ للسينما في وطني. ومع افتتاح نحو ألفيّ دارٍ جديدة في كافة أنحاء السعودية لأبوابها، فإنَّ الساحة جاهزة لأضخم سوق أفلامٍ في الشرق الأوسط، والتي ستقدم فرصاً عظيمة لصنَّاع الأفلام والممثلين الذين سيشهدون ولادة صناعةٍ جديدةٍ كلياً. وهنا تحضرني كلمات أغنية للفنَّانة نينا سيمون: ’أنه يومٌ جديد، إنها حياةٌ جديدة‘”.

كما ورد في حواره مع مانويل أرنو على صفحات عدد مايو 2018 من ڤوغ العربية.

في عشق السينما… 4 مخرجين عرب يكشفون لڤوغ العربيّة عن أفلامٍ ألهمتهم

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع