تابعوا ڤوغ العربية

بكل تأكيد، سيدهشكم ما تتمتع به السعودية من ثراء لوني مذهل

تعد المملكة العربية السعودية أرضًا ثرية بالألوان ووجهة للمناظر الطبيعية الخلّابة الضاربة في القدم. ومنذ أن فتحت المملكة أبوابها أمام الزائرين من جميع أنحاء العالم، باتت تنتظركم معالمها الرائعة الجديرة بتزيين البطاقات السياحية، والتي ينافس كل معلم منها المعالم الأخرى في السحر والجمال. وعلى صفحات عدد العيد السنوي الرابع للمجلة، الذي يحمل اسم “عدد الإبداع”، تدعوكم ڤوغ العربية بالتعاون مع الهيئة السعودية للسياحة إلى استكشاف الوجه الحقيقي للسعودية الذي تلعب فيه المناظر الطبيعية الغنية بالألوان دورَ البطولة.

ومن الجدران الطينية البرتقالية بالدرعية، إلى ورود الطائف المزهرة التي تزهو بلونها البنفسجي، وحتى واحة الأحساء الخضراء الوارفة، ووصولاً إلى مياه أملج الزرقاء الوادعة، لقد حان الوقت لتمتِّعوا أنظاركم بجمال السعودية.

البرتقالي، الدرعية

الدرعية هي الموطن الذي شهد بروز العائلة الملكية السعودية، وتقع تقريبًا وسط المملكة، وتعدّ من أهم المواقع التراثية والثقافية بالدولة. وفي قلب الدرعية، يقع حي الطريف، أو جوهرة المملكة، المدرج على لائحة المواقع التراثية العالمية التابعة لليونسكو. وما بين أرجاء تضاريسها ووديانها المتعرجة الجميلة وقصورها التاريخية المشيدة بالطوب اللبن، مثل قصر سلوى وقصر سعد بن سعود وقصر الناصر، لا تزال هناك كنوز لا تعد ولا تحصى بانتظار اكتشافها. أُسِّسَت الدرعية في القرن الخامس عشر، وتم إعلانها عاصمة للدولة السعودية الأولى في عام 1744، وأنشأت ما يُعرَف اليوم بالدولة السعودية الحديثة، ووحدت تحت لوائها جميع أركان هذه الوجهة بما فيها من تنوع وثراء ثقافي لتكون بذلك مهد قيام المملكة. ويبرهن وجود الجدران القديمة المبنية بالطوب اللبن على دحض الأكذوبة القائلة بأنها كانت ذات يوم مدينة صحراوية كبيرة. وكانت الدرعية تقع في مفترق طرق الحجيج والتجار الوافدين من كل من آسيا وإفريقيا وأوروبا، ما جعل منها مركزًا قويًا للثقافة والتجارة والسياسة. وكان حي الطريف المركز التاريخي لمدينة الدرعية، وقد استبدت بالوجدان أصوات الإبل، ودخان الشيشة المتصاعد، وجدال التجار حول الأقمشة والبخور.

وقد خضعت الدرعية مؤخرًا لمشروع طموح يهدف إلى تطويرها، والذي أكد على أن الدرعية والمناطق المحيطة بها ستظل كنزًا محفوظًا، وأن هذا الإرث التاريخي سيصان من أجل الأجيال المستقبلية. وتم ترميمها بعناية وتحويلها إلى متحف مفتوح ضمن مشروع تطوير الدرعية واسع النطاق. ولا تزال أطلال الجدران الأصلية تقف راسخة، فيما يظهر الطراز المعماري النجدي جليًا على البنيان. وبينما تعرجون بين أزقتها المتداخلة، لاشك أنكم ستقفون مشدوهين أمام الزخارف الهندسية النابضة بالألوان والأبواب الخشبية الثقيلة التي تتميز بها منطقة الخليج حتى يومنا هذا. ومن المقرر أن يشتمل مشروع تطوير الدرعية عند إتمامه على بناء مسجد، وإنشاء عدد وفير من المعاهد الثقافية، وسوق تقليدية، حيث يمكن للزوار التعرف إلى طبيعة الحياة التقليدية قديمًا في السعودية. كما يمكن لزوار الدرعية التجول في شوارعها سيرًا على الأقدام، ومشاهدة المطاعم والمقاهي والمتاجر التي تعرض هدايا ومنتجات يدوية أصيلة، مثل المنسوجات والمطبوعات المزينة بالحروف. وتقدم الدرعية، التي تعتبر بوابة للماضي، رؤية مشوقة لما سيكون عليه مستقبل السعودية.

الأرجواني، الطائف

بفضل درجته اللونية الرقيقة، ارتبط الأرجواني على مدى قرون بالروعة والنعومة والرومانسية، فهو يبعث في النفس الهدوء والسكينة، ويحيطها بهالة من الوهج الدافئ. والأرجواني هو قطعًا اللون المرادف لمدينة الطائف، حيث يهنأ المقيمون والسيّاح على حد سواء بسعادة العيش. تقع الطائف في منطقة مكة المكرمة غرب المملكة، وتعرف بلقب “مملكة العطور” كما تشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة. مناظر خلابة مترامية الأطراف وأرض مفروشة بالورود تحتضنها مدينة الطائف التي تقع على ارتفاع 2000 متر فوق سطح البحر وتضم أكثر من 900 مزرعة تنتج نحو 300 مليون وردة كل ربيع. وفي واديي الهدا والشفا، نجد التلال وقد غطتها البتلات الوردية التي تُحصَد في مارس وإبريل استعدادًا لتحويلها إلى أفخم أنواع الخلاصات والزيوت العطرية في العالم. وتقبل أفخم دور العطور، مثل “غيرلان” و”شانيل” و”هيرمس”، على استخدام الورد الجوري المميّز ببتلاته الثلاثين والمعروف بعبيره المعبق بالتوابل.

وفي الطائف، يظهر اللون الوردي بكثافة على الأرض عندما يعانق الأفق وقت الفجر والغسق ليكسو الأجواء جميعها بحُمرة تبعث في النفس الهدوء. وعندما يرخي الليل سدوله، يتغيّر طابع المدينة، حيث تعطي بضع قطرات على البشرة من الورود إحساسًا بالفخامة والرقي. وقد حرصت لورا بوسيتي توناتو، التي تتمتع بأنف خبير في تجربة العطور والحائزة على وسام الاستحقاق الإيطالي، على استخدام وردة الطائف لابتكار مجموعة حصرية معدّة بمواصفات خاصة لملكة إنجلترا إليزابيث الثانية. “هذا هو أثمن الورود، الذي تغمره الرياح والعسل والحمضيات”، بهذه الكلمات وصفت توناتو ذلك العبير منقطع النظير.

ويتسنى للمستكشفين الوصول إلى المرتفعات، حيث المناظر الطبيعية بالطائف الزاخرة بالورود، عن طريق أطول تلفريك في المملكة العربية السعودية، وذلك قبل الذهاب لاستكشاف الطابع المعماري الحجازي والأسواق المحيطة وشراء المنتجات اليدوية التقليدية منها. أمّا سوق عكاظ، فهي سوق كبيرة ومفتوحة وكانت مركزًا للفنون والتجارة في الأزمنة القديمة. وتحتفي سوق عكاظ بتكريم شاعر جديد كل عام، كما تقدم مجموعة من المحاضرات والأعمال الفنية، علاوة على إقامة المسابقات الرياضية، مثل سباق الهجن وكرة القدم. وتضم سوق عكاظ 200 متجر تعرض المنتجات الفخارية والفضية والزجاجية، والمخطوطات التاريخية، وكذلك العطور. كما يستضيف قصر شبرا، الذي كان مقر إقامة ملكية قبل تحويله إلى متحف تاريخي في عام 1995، عديدًا من الفعاليات وعلى رأسها مهرجان الورد الطائفي.

الأخضر، واحة الأحساء

يقال إنه عند رؤية اللون الأخضر أثناء ممارسة رياضة التأمّل، تتجدد شاكرا [مركز طاقة] القلب ويعود إليها شبابها. والآن، ولأول مرة، سيتسنى للسيّاح تجديد شاكرات قلوبهم على نحو لم يسبق له مثيل عندما تفتح واحة الأحساء أبوابها أمام العالم، تلك الواحة التي تعدّ الأكبر في العالم وجنة الله على الأرض بالمملكة العربية السعودية. وفيما ظلت الحكايات عن الحدائق الأسطورية متداولة طوال آلاف السنين، بات ذلك الموقع المدرج على لائحة المواقع التراثية التابعة لليونسكو اليوم يشهد على معجزات الطبيعة اللامتناهية.

تقع الأحساء شرق شبه الجزيرة العربية، على بُعد أربع ساعات ونصف الساعة بالسيارة من ناطحات السحاب المذهلة بالرياض. ولطالما أذهلت هذه الواحة الحجيج على مدى قرون، بطرقها المكسوة بالغطاء النباتي الأخضر والنضر، وعجائب مسطحاتها المائية الخفية، حيث تزخر بغطاء زمردي بقوامة 2.5 مليون نخلة يغذيها أكثر من 280 ينبوعًا ارتوازيًا طبيعيًا. وكانت الأحساء على مدى قرون، ولا تزال، تتميز بكثافة غطائها النباتي، حتى أن التجول في هذه المنطقة دائمة الخضرة (التي تمتد على مساحة 220 كيلومترًا مربعًا) أشبه باستكشاف غابة شديدة الخصوبة.

وكلمة الأحساء معناها “صوت الماء تحت الأرض”، ويقال إنها كانت مأهولة بالسكان منذ عصور ما قبل التاريخ، غير أننا لا نعرف الكثير عن السكان الأصليين للواحة. وتعود الآثار الباقية عن الاستيطان البشري فيها إلى العصر الحجري الحديث، ويقال إن المنطقة وصلت لأوج مجدها الثقافي والاقتصادي خلال فترة حضارة دلمون قبل 3 آلاف عام، نظرًا لازدهار طرق التجارة بالخليج العربي آنذاك.

وسواء داخل واحة الأحساء أو حولها، يمكنكم أن تغمروا أنفسكم في مياه عين الجوهرية، وعين أم صباح، وعين الخدود، وعين الحارة، وهي مياه استشفائية وغنية بالمعادن. ويبلغ عمر سوق القيصرية المفتوحة، وهي إحدى أقدم الأسواق بالسعودية، نحو 200 عام وتضم عددًا من المنتجات الجميلة، مثل التوابل، والعطور، والرسم بالحنّاء، كما تعرض بعض الأزياء، مثل البشت، التي صنعت على يد الحرفيين من منطقة الأحساء. ويعكس قصر إبراهيم، وهو قلعة وحصن تاريخيين، الطراز المعماري الذي تتميز به المنطقة، ويوجد به متحف ومسجد لا يزالان مستخدمين حتى يومنا هذا. ومن ناحية أخرى، تشتهر قرية القارة، التي تبعد بمسافة 25 دقيقة بالسيارة عن الأحساء، بمزارع النخيل، كما تتميز بوجود جبل صغير وهو جبل القارة، الذي يشتهر بوجود كهوف شاهقة الارتفاع ذات درجات حرارة معتدلة طوال فصل الصيف. وخارج مدينة الأحساء، توجد بحيرة الأصفر التي تشكل أحد المسطحات المائية القليلة الموجودة بالمملكة. وتحاط بحيرة الأصفر بالكثبان الرملية، وتمتد لمسافة 12 كيلومترًا على طول ضواحي مدينة الأحساء.

الأزرق، أملج

في هذه المدينة الساحلية الصغيرة، يتجلى اللون الأزرق المذهل لهذه المنطقة القديمة، لا في مياهها اللازوردية والصافية فحسب، بل وفي إيقاع حياتها الهادئ والمسالم. فأملج مدينة الهدوء والرفاه، حيث تصطبغ باللون الأزرق السماوي. وتقع هذه المدينة على حافة المملكة العربية السعودية، وهي واحدة من النفائس الخفية على ساحل البحر الأحمر. وتمتاز أملج بشواطئها الرملية البكر والنخيل القديم المتمايل. وعند السفر إلى الجزر الصغيرة الواقعة قبالة ساحل المنطقة التي يبلغ عددها نحو 100 جزيرة صغيرة تقريبًا، يستقل الزوار قاربًا في رحلة يشقون به صفحة المياه الزرقاء لإيصالهم إلى المناطق التي تكسوها أشجار النخيل والشواطئ ذات المياه الصافية بجزر مثل جزيرة رأس الشبعان والدقم. وعلى بعد 150 كيلومترًا شمال ينبع، تنتشر جزر أخرى منها جزيرة لبنة وجزيرة أم سحر، ما يجعل من أملج ليس مجرد مكان نقضي فيه إجازاتنا وحسب، بل ومركز للاستشفاء والاسترخاء.

ظل السكان المحليون على مدى قرون يعيشون داخل حدود هذه الجنة الزرقاء، ومن ثم أصبحوا يتشاركون خيرات هذا الملاذ السري، حيث الإنتاج الطازج والوفير، والحياة ذات الإيقاع الهادئ المريح. في الواقع، يحظر على السفن الكبيرة والعبّارات السفر عبر هذه المنطقة، وذلك في إطار مشروع البحر الأحمر، حتى تظل أملج ملاذًا بكرًا لم تعبث به الأيادي. ومقارنة بالمناطق الزرقاء المنتشرة حول العالم، التي يزداد فيها متوسط الأعمار بفضل اتباع أهلها أسلوب حياة صحي ومريح، فإن هذا الكنز الفيروزي النفيس الواقع شمال تبوك كان بشهادة التاريخ قد وفّر لسكّانه موطنًا آمنًا ومعزولاً، موطنًا فيه حياة نوعية منقطعة النظير، والآن أصبح مفتوحًا لاستقبال الزوار والترحيب بهم.

تظل الشمس ترسل أشعتها طيلة العام على مدينة أملج السعودية، وتعدّ بحارها الدافئة موطنًا لنحو 300 سلالة من الشِعاب المرجانية الصلبة. وتعيش في مياهها السلاحف الخضراء وتلك الصقرية المنقار وكذلك الدلافين والأطوم، علاوة على ما يربو على 1200 نوع من الأسماك. وإلى الشمال الغربي من المملكة، في الأنحاء الداخلية من أملج، تتوافر مساحات شاسعة من الكثبان الرملية السوداء، كما تكتسي الأرض بالحرات البركانية ومنها حرة لونير، وهي عبارة عن بركان خامد يشكل بقعة مثلى لهؤلاء الراغبين في التنزه على الجبال. وبالنظر إلى ثرائها بالأطباق التقليدية والمأكولات البحرية العديدة والمتنوعة فضلاً عن مياهها الفيروزية وخدمات الضيافة المنقطعة النظير التي تقدمها، لم تعد أملج من أسرار السعودية المكنونة، بل باتت معروفة على نطاق واسع.

 

أقرئي أيضاً : من ’دولتشي آند غابانا‘ إلى ’أكوازورا‘، احتفت كبرى علامات الأزياء والموضة بما تنطوي عليه السعودية من مظاهر جمالية آسرة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع