تابعوا ڤوغ العربية

ريم السعيدي بريدي.. أم في عزلة في زمن الكورونا

أنا وحيدة ومشتتة من دون زوجي وعائلتي وسط ظروف صعبة جدا،ً فبين وباء الكورونا الذي انتشر في مختلف أنحاء العالم والحجر الذي أبقاني أسيرة المنزل مع طفلتين صغيرتين، وغربة زوجي عني، ومرض أمي في تونس؛ أعيش أصعب أيام حياتي…. ولكن كما يُقال عند الشدائد تظهر المعادن؛ ويبدو أنني إنسانة تتمتع بمعدن قويّ، قويّ جداً. هكذا انطلق الحوار مع ريم السعيدي بريدي زوجة الإعلامي وسام بريدي التي أخبرتنا بنفسها عن يوميات حجرها في ظل الظروف التي ألمّت بالعالم أجمع.

أنا في المقام الأول ربة منزل وأم لطفلتين وعارضة أزياء في المقام الثاني. أعيش اليوم دوري كأم وربة منزل بطريقة مختلفة، فقد تكون المرة الأولى التي أجد المسؤولية الملقاة على عاتقي ثقيلة جداً. لمست اليوم معنى جملة وسام في الخطاب الذي ألقاه في حفل زفافنا، قال في حينها إنه متأكد أنه إن غاب يوماً أني سأكون المرأة التي تحمي بيته وتكون درعاً قوياً لعائلته. أنا اليوم أشعر فعلاً أنني درع أذود عن المنزل وعن الصغيرتين.

سافر وسام إلى الإمارات لإنجاز بعض الأعمال. سرّني الأمر في البداية نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يرزح لبنان تحت وطأتها. وحصل أن انتشر فيروس الكورونا وحين قرّر العودة إلى لبنان منعت كل الرحلات من وإلى دبي. على غرار غيري من الأمهات أمضي وقتي خلال الحجر برفقة ابنتَيْ في المنزل. حياتي لم تختلف كثيراً بعد الحجر فقد وضعت ابنتي الصغيرة آية صوفيا منذ أشهر قليلة فانشغلت بها وبأمور بيتي، الفارق الوحيد هو أننا لا نخرج من المنزل. لم يعد باستطاعتي الخروج مع بيلا إلى الحدائق وأماكن اللعب أو لمشاهدة المسرحيات، ولكن عدا عن ذلك لم يتغير جدولي اليومي كثيراً. يومي صاخب مع الصغيرتين. بين رعاية الصغيرة والاهتمام ببيلا التي تغار من أختها رغم حبها لها، لا أنام كثيراً. أنظم وقتي لأضمن تلبية احتياجاتهما كافةً من دون أي تقصير. أحاول أن أفي الصغيرة حقها فأواظب بفخرٍ على الرضاعة الطبيعية رغم الوقت الطويل الذي تتطلبه لما لذلك من أثرٍ إيجابي على صحة طفلتي وعلاقتي بها. أحاول ممارسة الرياضة لـ٤٥ دقيقة يومياً بعد نوم الصغيرتين للحفاظ على رشاقتي. ترافقني بيلا أحياناً ويعجبني الأمر إذ أشعر أني أعلمها أهمية الرياضة. وطبعاً أعد الطعام الصحي، وأهتم بنفسي وببشرتي وشعري. رغم غياب وسام إلا أنه موجود معنا افتراضياً أنقل له مجريات يومنا كافةً. أشعر باشتياقه للصغيرتين وبحزنه لأنه بعيد عنا. كان يتمنى أن يكون برفقتنا في هذه الفترة العصيبة.

لا أعيش حزني على غياب وسام عني، أحاول أن أبدو قويةً قدر المستطاع. غيابه صعب عليه تماماً كما هو صعب علينا. أحاول أن أمده بالطاقة الإيجابية وأن أخفف عنه وحدته. ومقابل الدعم الذي أقدّمه له، أحصل كذلك منه على دعمٍ يساعدني على البقاء قويةً أمام الصغيرتين. أخشى على الصغيرتين من الأجواء العامة، أحاول قدر المستطاع أن أخفي قلقي وخوفي. حين تخونني الدموع أفتقد وسام جداً، فألجأ إليه فهو لطالما كان خير شريك، يذكّرني دائماً أنّ الحب الذي يرمي ظلاله على بيتنا الزوجي هو الركيزة الأساس لكل عائلة. أتواصل معه عن بعد فأحس بارتياح شديد وأسترجع كل كلماته لأنطلق من جديد.

ورغم القوة التي أتسلح بها في البيت إلا أنني لا أنكر أنني أتمنى جداً وجود وسام، أتخيل الحب والحنان الذي كان سيغدق بهما على الصغيرتين لو كان محجوراً معنا في لبنان. يؤسفني أنه بعيد ولا يمكنه أن يكون شاهداً على نمو آية صوفيا، ويحزنني حين ترفض بيلا التحدث معه عبر الهاتف رغم تعلقها الشديد به وشوقها له. أجد نفسي عاجزةً حين أسمعها تناديه “بابا، بابا”. تمتعي بالقوة في هذه الظروف ليس خياراً، فهذا أمر محتّم. لأنّه من واجبي أن أحمي بناتي وعائلتي وأدعم شريك حياتي. فعندما قررت الاستقرار وبناء عائلة، تربّعت المسؤولية جنباً إلى جنب مع هذا القرار.

حين أنظر إلى الصغيرتين أشعر أنه لا يحق لي أن أكون ضعيفة. واجبي اليوم يحتّم عليّ أن أحن على الصغيرتين وأن أرعاهما لأعوض غياب وسام وأن أنشر أجواء السعادة في المنزل لا سيما وأنني ألاحظ أن حالتي النفسية تنعكس عليهما. غياب وسام عن البيت علّمني القوة وأشعرني بأهمية التزامي بمبادئي تجاهه كونه شريك حياتي وتجاه بيتي وعائلتي هو الذي آمن بقوتي منذ ارتباطنا. أنا على قناعة تامة أن مصير عائلتي ريثما عودته سالماً مرتبطٌ بصلابتي وقوتي.

خوفي لا ينبع فقط من الحجر المنزلي بغياب وسام، فأنا أيضاً قلقة على أمي المريضة في تونس. أفكر بها كثيراً. صحيح أنني لا أتمنى أن أكون في تونس في هذه الفترة العصيبة لا سيما في ظلّ غياب وسام؛ فكوني زوجة لرجل لبناني فلبنان هو بيتي حالياً ولن أتخلى أبداً عنه، إلا أن ذلك لا يعني أن لا تشغل أسرتي بالي. أحرص دائماً على التواصل معها ومع أختي وأوصيهما دائماً باتباع الإجراءات اللازمة لا سيما عند زيارتها مركز العلاج. حين أفكّر بأمي وبوضعها الصحي، أتذكر نصيحتها. كانت دائماً تنصحني بالاهتمام بصحتي لما في ذلك خير لصغيرَتَيْ. أقدر اليوم نصيحتها. أشعر بحاجة البنات لي لذلك أحافظ على صحتي لأبقى دائماً قوية وقادرة على تلبية كل متطلباتهما.

 

تمتعي بالقوة ليس خياراً، فهذا أمرمحّتم.لأّنه من واجبي أن أحمي بناتي وعائلتي

 

أتشارك ووسام بعض تفاصيل حياتنا مع المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أستفيد من قاعدتنا الجماهيرية لنشر الوعي. أستضيف عبر صفحتي على إنستغرام الكثير من الإختصاصيات اللواتي يعنين بصحة الأطفال العقلية والجسدية. أشاركهم أيضاً بتحضير الأطباق الصحية. وأحاول أن أكون إيجابية لأدعم وأقوّي كل من يبحث عن الإيجابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

من مراقبتي لمواقع التواصل الاجتماعي أشعر أن الناس تعلموا من الحجر الكثير. ازدادوا قرباً، بات الآباء يقضون وقتاً أطول مع أسرهم. رغم فظاعته، هذا الوباء سيف ذو حدّين، أثار الهلع وحصد الكثير من الأرواح إلا أنه لمّ شمل العائلة وهو أمر افتقدناه مؤخراً. علمنا أيضاً التعاطف مع كبار السن والمرضى والتضامن والتكاتف. كثيرة هي المبادرات الخيرية التي ترمي إلى مساعدة كل من خسر مصدر رزقه، إلا أنني كرهت التحديات التي انتشرت فهي تحديات تبتغي الظهور والتباهي. أُفضّل المساعدة بعيداً عن الأضواء وعن الكراهية والسلبية التي يُظهرها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أنا على ثقة أن حياتنا بعد الكورونا لا شكّ ستكون مختلفة. أعتقد أنّ المجتمع سيولي عامل النظافة والتعقيم أهمية أكبر.

بعيداً عن ريم الأم وربة المنزل، لا يسعني أن أغضّ النظر عن لقب أفضل عارضة أزياء الذي حزته في العام 2006 لذلك لن أترك عرض الأزياء، أنا امرأة قوية ومستقلة ومنصات عروض الأزياء لا تزال تليق بي لا سيما في ظلّ الدعم الذي ألقاه من وكالة أعمالي في ميلانو ونيويورك. وأفكر أيضاً أن أتطور في مجال الفن بشكلٍ أوسع وقد أدخل مجال تقديم البرامج أو التمثيل.

أنتظر بفارغ الصبر مرور أزمة الوباء على خير، فأنا بغاية الشوق لاستعادة نمط حياتي القديم. شوقي الأكبر هو لإيطاليا وفكري مشغول بالكارثة التي ألّمت بالشعب الإيطالي. أشعر بالانتماء والولاء لهذا البلد تماماً كتونس ولبنان. تونس بلد الطفولة، في إيطاليا اكتسبت الخبرة ولبنان مستقري إلى جانب وسام والصغيرتين. سأزور إيطاليا فور رفع الحجر وسأتفقد منزلي هناك وسأزور تونس ثم سأتابع مع وسام تحضير منزلنا في دبي.

حياتي في إيطاليا وزواجي بعيداً عن تونس واستقراري في لبنان والأزمة الحالية كلّها عوامل أكدت لي أنه بالقوة والصبر يستمر الإنسان. والقوة سمة لا بدّ أن تتمتع بها المرأة. لا شكّ أننا كنساء عربيات حققنا الكثير من الأحلام إلا أن المرأة العربية لا تزال أسيرة العادات والتقاليد وينقصها دعم المرأة للمرأة. لذلك أنصح النساء بأن لا تخضع لمعايير المجتمع العربي. لن ينقصك شيء إن أنجبت إناثاً ولم تنجبي ذكوراً فهذه مشيئة الخالق. أعطي مثالاً عن نفسي، أحببت أن أنجب بعد بيلا صبياً ولكن من الرائع أن يكون لابنتي أختاً. لا تستلمي لأي عوائق وتحلي بالقوة، كوني سنداً لعائلتك، استمتعي بأمومتك واخفي ضعفك أمام أطفالك.

نشر للمرة الأولى على صفحات عدد مايو 2020 من ڤوغ العربية.

أقرئي أيضاً: مايا دياب تستخدم لغة الإشارات لتوصيل الرقم الساخن للمعنّفة أثناء الحجر

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع