تابعوا ڤوغ العربية

مصمم الأزياء الشهير عز الدين عليّة و 13 نقاشاً حول فكرة الزمن قبل رحيله.. تعرفي عليها

أجرى مصمم الأزياء الشهير عز الدين عليّة قبل رحيله 13 نقاشاً حول فكرة الزمن مع أهم الخبراء في العالم – منهم كارلا سوتزاني، وإيزابيل أوبير، وروبرت ويلسون، وشارلوت رامبلينغ، وجان نوڤيل، وغيرهم. وفي هذه الفقرات المقتطفة التي ننشرها حصرياً من كتاب Prendre le temps (استغلال الزمن)، تتطرق ناومي كامبل إلى أسباب اهتمام المصمم الراحل بهذه المناقشات الفلسفية اهتماماً بالغاً

“قابلت أبي [تقصد عليّة] حين كنت في السادسة عشرة من عمري في أول يوم عمل لي في باريس حين صحبتني إحدى العارضات لتناول العشاء معه في منزله، حيث طهى لنا الطعام وقدمه بنفسه. وبعد ذلك، أخذت في التردد عليه والإقامة عنده كلما زرت باريس حتى صار والداً لي حقاً. وخلال الوقت الذي أمضيته معه، تعرّفت إلى العمارة، والأثاث، والفنانين. وكنا نذهب معاً لمشاهدة مجموعات قدامى المصممين، من العشرينيات والثلاثينات. فقد كان مولعاً بالأدب والفنون.

اعتاد أبي عقد اللقاءات في منزله واستضافة الفنانين والأدباء، وتكريمهم. كانت تجمعه بالمبدعين علاقات شخصية وطيدة: فقد كانوا أصدقاءً له. ولم يكن ليقيم مآدبة عشاء بهذا البذخ لو لم يشعر بقربه من الشخصيات التي يدعوها. وكان اهتمامه بحضورهم لمآدبه يضاهي اهتمامه بحضورهم عروض أزيائه. فقد كان أبي يهوى جمع أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة. وكان يحترم الجميع ويُقدر جميع الفنون، وتفتنه إبداعات الآخرين، سواء أكانت في الأدب، أم الرسم، أم تصميم الأثاث، أم العمارة. وكان يتمتع بنظرة ثاقبة ويعلم تماماً ما يريد أن يفعله الفنانون والحرفيون حين يعملون معه. وكان بعض المقربين من أبي يعلمون ذلك عنه، ولكن ليس الجميع…”.

حوار عز الدين عليّة مع الكاتب دوناتيان غرو

عز الدين عليّة: أنا لا أنتقد السرعة في حد ذاتها ولا الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها، ولكني أعتقد أننا يجب أن نتيح لأنفسنا مساحة للإبداع والحياة. فالشباب، الذين وقعوا أسرى لعصر السرعة، لم يعد لديهم وقت لأنفسهم؛ لا وقت لديهم للحياة والإبداع. لذا يمضون قُدُماً في حياتهم دون أن يعيشوا حياتهم، إلى أن يأتي الوقت الذي لا يجدون فيه ما يقدمونه: لا نتاج إبداعي، ولا حياة. فقد أمضوا وقتهم يطاردون أفكاراً ليست لهم بسبب تعجلهم واندفاعهم. ولم يتمكنوا من الاستمتاع بمباهج الحياة، ولا إبداع ما هم قادرون على إبداعه.

نعيش في وقتنا الحاضر بين ماضٍ ذهب وولّى ومستقبل غامض – وكثيراً ما أفكر في هذه العبارة. هذا الحاضر الذي نحياه يجب أن نزيد مساحته لأنه وقت وجودنا الذي يمكننا فيه الإبداع. ومن الجميل أن نتعمق في الماضي بقدر ارتباطه بالحاضر. ولكننا لا نعلم شيئاً عن المستقبل، لذا يجب ألّا يثير قلقنا. أما الحاضر فهو الذي نعيشه، لذا يمكننا أن نتصرف فيه. وأرى أنه من الخطأ الانغماس عميقاً في الماضي ونسيان الحاضر، أو التفكير في مستقبل نجهله.

“الناس الذين أسعدوني بصحبتهم يسألون نفس الأسئلة التي نسألها نحن جميعاً: لماذا نستمر في فعل ما اعتدنا عليه؟ ما الذي يهم؟ وكيف نعيش في هذا العالم المضطرب؟”

دوناتيان غرو: هل تشعر بأن هذا الأمر ينطبق على عالم الموضة وحده أم على سائر المجالات الإبداعية كذلك؟

تمثّل الموضة أوضح الأمثلة لأنك أحياناً تجد نسخاً طبق الأصل من بعض الأزياء الحديثة التي لا يزال مصمموها يعيشون بيننا. وقد يرون علامة تأخذ قطعة من قطع أزيائهم كما هي، دون أن يغيروا منها شيئاً. ولا أحد يعترض ولو بكلمة. ومع ذلك، لا تقتصر ملاحظاتي على صناعة الأزياء. فكثيراً ما يُقال إنه في عالم الفن أو الأدب، يتحول المبدع إلى فنان قادم من الزمن الماضي، حتى لو واصل تقدمه وتطوره. وبعدها بوقت طويل، ندرك أنه في اللحظة التي كان فيها هذا الفنان يستقطع وقتاً لنفسه، بعيداً عن ضجيج عالم الفن والأسواق، أبدع أجمل أعماله.

لعارضة ليندا إيڤانجليستا في عرض أزياء علّية سنة ١٩٨٩

ونفس الشيء ينطبق على أهل الأدب. فبعض الأدباء بعيدون عن الصيحات الرائجة؛ وينتجون أعمالاً في غاية الإبداع ستظل هكذا أياً كانت الصيحات. فالصيحات بقدر ما ترفعنا تجهدنا وتستنزف طاقتنا. وأولئك الذين ينجرفون ورائها يتسمون بعجرفة الشباب. إنها تثيرهم ولكن يأتي الوقت الذي تنتهي فيه هذه الصيحات، وعليهم بعد ذلك أن يجدوا في أنفسهم الإمكانات ليستطيعوا المضي قدماً. وفوق هذا كله، أؤمن بأن هناك مبدعين في كل المجالات. تستطيع أن تكون مبدعاً في الأزياء، أو التصميم، أو الأدب، أو الرقص، أو السينما، أو الفن، أو حتى في الطهي. وأياً كان مجال تخصصهم، فإن المبدعين يواجهون نفس المشكلات. وقد أردت جمعهم للحديث معاً –عن حياتهم، وفنونهم، وعلاقتهم بالزمن– حتى يتمكنوا معاً من تبادل الخبرات، ودق ناقوس الخطر عن تزايد الهوس بالوقت، وكيف قيّد ذلك من إبداعنا.

علّية وكارلا سوزاني خلال أسبوع باريس للموضة سنة ٢٠١٤

ولا أرى فرقاً بين حياة المبدعين وغيرهم. فهم يواجهون جميعاً نفس الأسئلة والقرارات. ويجب على أولئك المبدعين أن يعثروا على مساحة للحياة على طريقتهم، أما أولئك الذين لا يبدو أنهم من عالم المبدعين فهم يواجهون نفس المشكلات. وإذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه المناقشات، فهو أن الناس الذين أسعدوني بصحبتهم يسألون نفس الأسئلة التي نسألها نحن جميعاً: لماذا نستمر في فعل ما اعتدنا عليه؟ ما الذي يهم؟ وكيف نعيش في هذا العالم المضطرب؟

علّية مع كلبيه باتابوف ووابو مع العارضة فريديريك فان دير ويل في جلسة تصوير لصالح مجلة ڤوغ سنة ١٩٨٦

يبدو أنك لا تفرق بين الحياة والنتاج الإبداعي، أو بين الحياة والعمل. ولكن، بالنسبة للكثيرين، ثمة اختلاف بينهما.

لا أرى اختلافاً. فأنا أعيش وسط الناس الذين أعمل معهم، وهم يعيشون معي. ونحن نعمل معاً، ونعيش معاً. ولو جمعنا شغفٌ واحد أو مهمة مشتركة، حينها لن نستطيع أن نعيش وقتنا بطريقة مختلفة. ويبدو أن ذلك لا يقتصر على ما أعمله. فمنزلي مفتوح لأصدقائي. وهم يعملون طوال الوقت، ولكنهم يستطيعون المجيء. والأوقات التي نقضيها معاً نتقاسمها بين الصداقة والعمل. فنحن دائماً نقوم بعمل شيء ما معاً. وأحياناً يعتقد الناس أن أوقات الفراغ منفصلة عن أوقات العمل، وأنك يجب أن تلبي متطلبات عملك قبل أن تحصل على وقت للراحة. ولكن هذا يجعل “العمل” أشبه بالسجن الذي تحاول الفرار منه ولو للحظات. وأنا لا أرى الأمور على هذا النحو: فلا وقت للراحة دون عمل. عليك فقط إتاحة مساحة للإبداع ضمن ما تتقيد به، واستغلال قيودك في الإبداع. وهذا ينطبق على حياة الفرد، كما ينطبق على أي عمل يقوم به إنسان أو فنان.

يصدر الكتاب في نسخته الإنجليزية بعنوان Taking Time عن دار ريزولي للنشر يوم الثاني من مارس، وهو من تأليف عز الدين عليّة ودوناتيان غرو، وتقدمه للقرّاء ناومي كامبل، بينما كتب افتتاحيته دانيال ميلامود.

اقرئي أيضاً: بطلات الصف الأوّل

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع