تابعوا ڤوغ العربية

سعود السنعوسي يتحدث عن روايتِه المقبلة ومعاناتِه في الكتابة من منظور امرأة

بينما كنا نجلس في بهو فندق إنتركونتيننتال دبي فستيڤال سيتي، التقت أعيننا بعينيّ رجل جاد المظهر يرتدي كنزة سوداء بياقة عالية، وسترة رمادية وبنطلوناً بلون متناسق معها، ولم يكن هذا الرجل -الذي كشفت الهالة الهادئة التي تحيط به ونظارته الدائرية عن شخصيته، وتبادل معنا النظرات- سوى سعود السنعوسي، الروائي الكويتي الذي نالت أعماله الأدبية عدداً لا يُحصى من الجوائز، ومنها “فئران أمي حصة” و”ساق البامبو”، وأصدر أحدث رواياته “حَمَام الدار” في نوفمبر عام 2017.

الصورة: كما وردتنا

وحين بدأت عيناه في الاتساع وتسارعت خطواته تدريجياً، بدا جلياً أنه عرف أننا هنا من أجله. وبعدما فرغنا من تبادل التحية، عثرنا على مكان هادئ للجلوس في مقر مهرجان طيران الإمارات للآداب، وطلبنا ماءً، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث.

وقبل أن نبدأ حديثنا لاحظنا عليه بعض التوتر، فأخبرَنا بأن ذلك يعود إلى أن لغته الإنجليزية ليست جيدة مثل العربية. وعندها، ألقينا نكتة طريفة وأخبرناه بأن لغتنا العربية لن تكون بأي حال أفضل من لغته الإنجليزية.

وبعدها بخمس دقائق، حضرت مترجمتنا فبدأنا حوارنا مع سعود السنعوسي.

سعود، نشرت آخر رواياتك “حَمَام الدار” منذ أكثر قليلاً من عام… فهل من السابق لأوانه أن نسأل ما إذا كنت تعتزم إصدار رواية جديدة قريباً؟
أعكف حالياً على كتابة قصة قصيرة. ولا أستطيع إخباركِ بعنوانها بعد – فهو مثير للجدل قليلاً، ولكني سأعلن عنه عندما أستعد لذلك. وآمل أن أنشر هذا الرواية قبل شهر مايو هذا العام. لذا، من المرجح، أن أعلن عن عنوانها في أبريل.

لقد أثرت شوقنا بالفعل. وبما أنك تتكتم على اسم الرواية، فهل موضوعها غامض أيضاً؟
[يضحك]، لا ليس كذلك. إنها قصة حب بين بدو الكويت، وتدور أحداثها عام 1901، قبل اكتشاف النفط. وقد استلهمت قصتها من أغنية قديمة تُعزَف على الربابة وتتغنى بالفقدان، اسمها “الخلوج”، وتحديداً تصف ناقة تفقد وليدها أثناء الوضع. وهو حدث يبكي هذه الحيوانات – وهذا الصوت ومشهد الدموع هو ما ألهم الأغنية. وتحوي قصتي القصيرة عناصر مشابه. على سبيل المثال، تسلك ناقتي في الرواية سلوكاً مشابهاً، بعدما تفقد وليدها. وربما تكون هذه الرواية قصيرة ولكن كتابتها كانت أشد صعوبة.

وما السبب في ذلك؟
بهذه الرواية كثير من الأمور التي أقوم بها للمرة الأولى؛ فللمرة الأولى أكتب عن الكويت من منظور الصحراء – ومدينة الكويت وصحراؤها مختلفتان أشد الاختلاف، كما أنها المرة الأولى التي تقوم ببطولة روايتي امرأةٌ، والمرة الأولى أيضاً التي أكتبُ فيها من منظور امرأة.

ولقد وجدت مشقة في الكتابة عن امرأة تقع في حب رجل. كيف أصف ذلك؟ وما أفضل طريقة أصف بها هذا الرجل؟ وماذا عن بطلتي وسائر الشخصيات النسائية في الرواية، كيف أصفهن بطريقة لا توحي للقرّاء بأن الكاتب رجل؟ لقد أدركت أثناء تأليفي لهذه الرواية مدى صعوبة العيش كامرأة. وكان كشفاً جديداً تماماً بالنسبة لي.

كما أن أحداث قصتي تدور في الصحراء في عام 1901، وقد تعيّن عليّ حقاً إجراء بحث للتأكد من أنني لن أصف الصحراء على نحو مباشر، بل تجربة العيش فيها أيضاً. ولذلك، ذهبت وحدي، عدة مرات، إلى الصحراء ليلاً. لأني أردت أن أعرف بنفسي، ماذا يعني، ليس فقط الضياع في الصحراء، بل خوض هذه التجربة في الظلام الدامس – وهو ما حدث لشخصيتي الرئيسية.

هل عرضت روايتك على امرأة لتقرأها؟
إلى حد ما… فقد دعوت بثينة العيسى (زميلته الروائية الكويتية وضيفة مهرجان طيران الإمارات للآداب هذا العام) لقراءة بعض الأجزاء، وقد أسدت لي بعض النصائح الجيدة عن كيفية صياغة بعض المواقف والأوصاف وجعلها أكثر أنثويةً. وتبيّن لي أن بعض أوصافي لجسم المرأة كانت تبدو كثيراً وكأن كاتبها رجل. على سبيل المثال، ذكرت لي أنه عندما تصف النساء أجسامهن، لا يخضن مطلقاً في تفاصيل كثيرة. لذا، كنت بحاجة إلى تغيير ذلك.

أصبحنا ليس فقط متشوقين لقراءة هذه الرواية فحسب، بل ونود أيضاً رؤيتها تتحول إلى عمل سينمائي. بالمناسبة، هل تتقبل فكرة تجسيد رواياتك على الشاشة الكبيرة؟
لا. ولكن، في الواقع، أود ذلك… لو وجدت المنتِج الملائم، الذي يفهم القصة حقاً ويرغب في تحويلها إلى عمل سينمائي، مثلما وردت في الكتاب تماماً. كما أود أن يُعرَض الفيلم في دول الخليج. وقد مُنِعَت روايتي “فئران أمي حصة” بالفعل في الكويت. ولكن، في الوقت الحالي، لم أرَ أياً من قصصي تُعرَض في عالم السينما. وأود أن تُعرَض قصصي أولاً في الشرق الأوسط وتنطلق من أرضه، ولا أريد أن تُنتَج أو تُعرَض في أي مكان آخر لتحظى بالنجاح والشعبية، فدعم المنطقة مهم جداً لي، ولن أحوّل كتبي إلى أفلام، إلا إذا لم يكن للحكومة أي سيطرة عليها أو تخضع لرقابتها.

ترتكز جميع رواياتك على الكويت وتتناول العديد من الأحداث السياسية والثقافية في المنطقة… فهل يمكننا قول إن بلدك تمثّل أحد مصادر إلهامك الرئيسية؟
بصراحة، أستمد الإلهام من كل ما يحيط بي – قد أعثر على منديل ملقى على الأرض أو يمر شيء أمامي فيلهمني أو يثير فكرة قصة ما. على سبيل المثال، استلهمتُ روايتي “حَمَام الدار” من حمامة كانت تحط لأشهر وبلا انقطاع على نافذة بيتي. أما “فئران أمي حصة” فقد استلهمتها من وقائع حدثت لي في الماضي، لقد جعلتها تستند إلى ذكريات طفولتي واتجهت إلى أصدقائي، وعائلتي، وكتبي القديمة لمساعدتي في التفاصيل الدقيقة، مثل التواريخ، والأسماء، والأماكن. كما أنني مهتم حقاً بالسياسة، والدين، والهوية. لذا، ستجدي عادةً عناصر تتعلق بها في أعمالي.

ذكرتْ لنا أنك دعوت الروائية بثينة العيسى لقراءة قصصك، فهل يعجبك كاتب بعينه من الشرق الأوسط؟
بالطبع، ثمة الكثير من الكتّاب الموهوبين في الشرق الأوسط، بصراحة. وكل يوم يشهد ظهور المزيد والمزيد من الأدباء. ويخطر على بالي هذه اللحظة فهد إسماعيل، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وغيرهم.

وماذا عن الأدباء الغربيين؟
كانت أول رواية أثرت فيّ كثيراً هي رواية البؤساء لڤيكتور هوجو. لقد قرأتها وأنا في الـ14 من عمري، وجعلتني أفكر حقاً فيما هو أبعد من الخطوط البيضاء والسوداء التي تظهر بجلاء في قصص الأطفال. لقد تعلمت أن ثمة الكثير من الظلال الرمادية تقبع في المنتصف. على سبيل المثال؛ كان بطل الرواية، جان فالجان، رجلاً طيباً، وصالحاً، ولكنه ارتكب أموراً سيئة، فقد سرق. وعن نفسي، وجدت صعوبة في الحكم عليه لاقترافه هذا الإثم لأنه، في النهاية، رجل صالح. وثمة مثال آخر، شخصية فانتين. كانت فتاة ليل – وهو عمل يُعد منافياً للقانون والإسلام على السواء في الشرق الأوسط، ولكنها باعت كل ما كانت تمتلكه. باعت شعرها وأسنانها، ولما لم يتبق لها أي شيء، ثم باعت جسدها لتنفق على عائلتها وابنتها. فكيف لنا أن نحكم عليها لهذا السبب؟ في البداية، وافقتُ على رأي المجتمع بأنها امرأة ضالة، ولكن بينما تتجه القصة إلى نهايتها، لم أتمكن من منع نفسي من الشفقة عليها، والإعجاب بشخصيتها – لقد فعلَتْ شيئاً نبيلاً للغاية. في الواقع، لو كان بوسعي أن أنسب لنفسي روايةً ما، لكانت هذه الرواية. ولطالما كنتُ من عشاق بول أوستر لسنوات. وأحب جميع أعماله، ولا سيما روايته “4 3 2 1″، فلغتها في غاية الجمال، وقد ساعدتني على تحسين مهاراتي ككاتب.

ومن ناحية أخرى، كان السنعوسي واحداً من عدة كتّاب حضروا مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته هذا العام – وهو حدث يقام سنوياً بهدف جمع كل شرائح الجمهور من جميع الأعمار، والعِرقيات، والخلفيات مع الكتّاب القادمين من جميع أنحاء العالم لتعزيز التعليم وتسليط الضوء على أهمية القراءة والتأليف.

والآن اقرؤوا: مؤلفة كتاب “كن سعيداً” تقدم 7 نصائح لإدخال السعادة في حياتكم اليوميّة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع