تابعوا ڤوغ العربية

عمالقة الزمن الجميل… رحلوا وروحهم لا تزال حيّة معنا

سنوات طويلة مرت على رحيل فنانين عظماء ملأوا الدنيا فناً وطرباً وحباً ومتعة. هم رحلوا عنا جسداً إلا أن روحهم لا تزال حية معنا من خلال إرثهم الفني الكبير الذي تركوه ليحكي عن مجد الأغنية والموسيقى وليعيدنا إلى زمن جميل عشنا تفاصيله في قصص مكتوبة ومصورة وفي أخبار سمعناها من هنا وهناك. وقد تدغدغ هذه الروح أحياناً البعض لا سيما أولئك الذين يتمتعون بموهبة فنية، موهبة فذة تجعلهم يميلون إلى عمالقة الزمن الجميل، فيقعون أسرى فنهم وصوتهم وأدائهم حتى يخيل إلى من يسمعهم أن فناناً رحل قد ُبعث من جديد

أم كلثوم وآمال ماهر

عمالقة الزمن الجميل

الصورة لصالح مجلة ڤوغ العربية

يتحدث الممثل المصري فكري أباضة عن الست أم كلثوم فيقول: «هي تحفة العصر ومعجزة الدهر، قد تمر قرون وأجيال.. فلا تلد القرون والأجيال مثل هذا الكمال». إلا أن هذه المعجزة التي ولدت في 31 ديسمبر 1898 وتوفيت في 3 فبراير 1975 لم تكن عصية عن لمس كل القلوب والمشاعر فقد تسللت أم كلثوم داخل كل بيت عربي واستوطنت في مقاهي الفقراء وآنست وحدة العاشقين في ليالي الشتاء الباردة. وليس ذلك بغريب عن مطربة بإمكانها أن تغني أغنية واحدة على المسرح لمدة تزيد عن الساعة. والفريد في صوت هذه السيدة العظيمة هو أن نسبة النشاز في صوتها لا تتعدى الواحد في الألف من البعد الطنيني الكامل وصوتها هو أكثر الأصوات العربية انطباقاً على السلم الموسيقي في معادلاته الرياضية من المساحات الأكثر ارتفاعاً ووصولا إلى الأكثر انخفاضاً التي نادراً ما تتوفر لأي صوت نسائي آخر.ولعل هذه الميزات الفريدة هي التي أبقت أم كلثوم وأغانيها عبر السنوات مقياساً للحكم على المواهب الفنية الشابة، والغريب أنه حتى يومنا هذا لم يتمكن فنان أو فنانة من مقارعة صوت الست وبقي أداءهــا رناناً لا يمكن أن يقدمه أحد مهما بلغت محاولاته وقدراته الصوتية. وكثيرة هي الأسماء التي رددت أغاني كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، بل تكاد حفلات كبار الفنانين اليوم لا تخلو مـن أغنية لها فـي محاولة لدغدغة مشاعر الجمهور وإقناعه بقدرات فنية مهمة. آمال ماهر من الأصوات التي اشتهرت بتأدية أغاني السيدة أم كلثوم وقد بقيت لفترة طويلة أسيرة أغانيها إذ كانت تحيي حفلات ترددها ولـم تصدر إلا منذ بضع سنوات أغـان خاصة بها أخرجتها من عباءة العملاقة أم كلثوم، أغان قيل عنها ّ إنها أصغر من إمكانياتها الصوتية الرائعة والقوية. غنت آمال وصفق لها جمهور رأى فيها خليفة لمطربة يفتقر إليها فيظّ لا لمستوى الرديء الذي آل إليه الفن اليوم، أطربت حين غّنت «وصفولي» ونقلت الجمهور إلى عالم آخر مع أغنية «أنت عمري» ولم يجاري أي مطرب أو مطربٍة من جيلها صوتها حين غّنت «دارت الأيام».

عبد الحليم حافظ وأحمد دوغان

الصورة لصالح مجلة ڤوغ العربية

العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ملأ الدنيا وشغل الـنـاس منذ أن طـرح أول أعماله «صافيني مرة»، تميز بصوته العذب ونقش على جدران قلوبنا وفي أعماق وجداننا أغنيات خالدة دغدغت مشاعرنا فعشن االحّب والـدفء والشوق والحنين والألم. اكتشف عبد الحليم شبانة الإذاعـي حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه «حافظ» بدلا من شبانة. صحيح أن صوت العملاق عبد الحليم حافظ الذي ولد في 21 يونيو 1929 وتوفي في30 مارس 1977، كان صغير المساحة إلا أنه دافئ وحساس وصادق يلامس القلوب بعفوية وأداء سلس قل نظيره حتى أنه يخيل إلى المستمعين أنهم يذوبون وينتقلون إلى عالم آخر مع كلمات أغانيه وألحانها كلما صدح صوت العندليب الأسمر. عبد الحليم حافظ بعذوبة صوته وحنية إحساسه كان أشبه بآلة الأبوا التي أتقن العزف عليها، رومانسيته فاقت الحدود وعجز مئات المطربين عن بلوغها أو حتى تقليدها وحين توفي هذا العملاق الكبير أخذ معه هذه الرومانسية. مع غياب عبد الحليم خلت الساحة الفنية من الرومانسية، فكلمات الحب وألحان الغرام كانت تخرج من مكامن مجهولة من حنجرة المطرب عبد الحليم، غناؤه لم يكن عادياً كان فعًلا يخرج من قلٍب لمُ يعرف إلا القليل عن أحواله وأخباره. قبل 40 عاماً، رحل عبد الحليم، إلا أنه ترك أكثر من 300 أغنية لا نزال نرددها حتى يومنا هذا وإن كان البعض يجهل أنها لعبد الحليم وليس لفنان شاب يؤديها ليلامس من خلالها مشاعر الجمهور ويحقق انتشاراً على مسارح الفن. لحسن الحظ دائماً ما نجد من يعطي لآلئ الفن الأصيل حقها ويعيد مجدها، وأحمد دوغان واحد من هذه الأصوات. أحمد دوغان فنان لبناني صاحب صوت قوي وحنون يتميز ببحة فريدة. تأثر بالعملاق عبد الحليم حافظ كثيراً وأبدع بأداء أغانيه حتى لُقب بالعندليب الأشقر. قال عنه الفنان السوري الكبير جورج وسوف (الملّقب بسلطان الطرب) أن الساحة الفنية تحتاج إلى صوت أحمد دوغان وأعماله القريبة من الناس بكلماتها البسيطة تضمن نجاحه بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي التي تعطي نجاحاً زائفاً. الاستماع إلى أحمد دوغان يغني «صافيني» أو يصرخ «أي دمعة حزن لا» تعيد إلى الذاكرة عملاقاً من عمالقة الفن الجميل يقف على خشبة المسرح بينما يعطي ظهره لجمهور متعطش لسماع صوته الرومانسي الحنون.

 صباح ورويدا عطية

الصورة لصالح ڤوغ العربية

جانيت فغالي، الأسطورة، الشحرورة… كثرت الأسماء والمقصودة واحدة: صباح! مطربة لبنانية من الطراز الأول ولدت في 10 نوفمبر 1927 وتوفيت في 26 نوفمبر 2014، تنفست فناً حتى الرمق الأخير من حياتها. أحبت الفن والغناء وعشقت الأنغام والألحان فبادلها الحب عشقاً وفتح لها أبوابه على مصراعيها من مسرح وسينما وتلفزيون وإذاعات. جمال أخاذ شامل طبع شكلها وروحها وصوتها، وأناقة ميزت إطلالتها وصوتها وأغانيها حتى البسيط منها. كانت من أولى الأصوات العربية التي نجحت في أسر الجمهور المصري وتمكنت من تحقيق انتشاٍر عربي واسع، فكانت خير صورة للبنان الجمال والفن والثقافة والأنوثة. تمتعت صباح بصوت قوي ومطواع، يتقّمص رْفعة الجبل وروحه، ويبدع في تأدية الطرب الشعبي المصري واللبناني. لم تستطع صباح أن تفصل يوماً بين شخصية الفنانة وشخصيتها كإنسانة فقد فاض صوتها دلالا حيناً و َرصن وعرض أحياناً أخرى فأظهرت وقاراً وظرافة وغنجاً وعبر خير تعبير عن كرمها وفرحها وعشقها للاستعراض. تستمع إلى أغانيها فتشك لوهلة أن من غنت «ساعات ساعات» هي نفسها التي غّنت أغاٍن شعبية كأغنية «عالندا الندا» أو المواويل الشعبية. فعلا كـان صوتها مطواعاً جــداً قـــادراً على أداء الشعبي برقي والأغاني الجامحة بإحسا ٍس عال جداً. ميزات كثيرة واستثنائية قد لا نجدها لدى أي فنان آخر رجلا كان أم امرأة رغم محاولات البعض الاستفادة من إرث الصبوحة لتحقيق إنتشار ما كان ليحلم به لولا أغنياتها المميزة ببساطتها وألحانها القريبة من القلب. الفنانة السورية رويـدا عطية من أكبر المعجبات بصباح هي التي لم تنساها يوماً واعتذرت منها العام الماضي لأنها انشغلت عنها بابنها فلم تذكرها في ذكرى ميلادها فقد كتبت عبر صفحتها على إنستغرام: «من وقت ما اجا زين ع الدنيا وانـا بغنيلو من اغانيك وحيكبر على محبتك ورح خبرو اديــش كنتي تحبيني، لهيك لا تكوني زعلتي وينها رويـدا ما عايدتني». ورويـدا من الأصـوات التي حين تسمعها تصرخ لا شعورياً «الصبوحة» حتى أن الشحرورة صّرحت في إحدى مقابلاتها قائلًة: «رويدا هي أفضل من غنى أغنياتي وذلك حين كرمتني في مهرجان «بيت الدين» الدولي». حين تغني رويدا للشحرورة، تغن يبصدق عميق وإحساس قوي، تنقل للمستمع مشاعرالأغنية، فتشعر بظلم وحزن «ساعات ساعات» وغرام «زي العسل» وهضامة «عالندا الندا». يلامس صوت رويـدا صوت الراحلة صباح بقوته وطواعيته، فالفنانة السورية قـادرة على تأدية مقامات مختلفة وبالتالي استحضار روح العملاقة صباح ونقل محبيها إلى عالمها الفني المتميز.

نزار قباني وكاظم الساهر

الصورة لصالح مجلة ڤوغ العربية

ليس الشاعر السوري نزار قباني الذي ولد في 21مارس1923 وتوفي في 30 أبريل 1998 في لندن، شاعر المرأة والحّب، بعيداًعن عالم الفّن والغناء فقد غنى كبار الفنانين أشعاره واختاروا كلماته ليعبروا عن الحب والظلم والغدر والخيانة والشوق. في فنجان عبد الحليم رأت «قارئة فنجان» نزار قباني امرأة ووصفتها أجمل وصف، ودافعت نجاة الصغيرة عن خجلها أمام محبوبها فقالت له من أشعار قباني «لا تنتقد خجلي الشديد»، وأخفت العظيمة فيروز اسم حبيبها بين كلمات قصيدته «لا تسألوني ما اسمه حبيبي». ولعل الصدق هو الذي حقق لأشعار نزار قباني هذا الانتشار الكبير، فهو أحب وتغزل وثار وكره بصدق فلامس القلب والفؤاد ونطق باسم ملايين العشاق والملوعين. جرعة الجرأة الزائدة التي ميزت نزار قباني من العوامل التي ضمنت أيضاً لأشعاره مكان ًة استثنائية بين من تقبلها ورأى فيها منحى شعرياً أدبياً جديداً وبين من رفضها معتبراً أنها تقترب إلى حٍد ما من الوقاحة. في كلا الحالتين كانت قصائده الشغل الشاغل للناس وحلم كل امرأة. النغم في قصائد نزار قباني كان واضحاً وجذب كبارالفنانين والملحنين ولعّل الفنان العراقي كاظم الساهر الذي أطلق عليه الشاعر السوري لقب قيصر الغناء، وكان الساهر أكثر من تأثر بشعره فغنى الكثير من أشعاره فكانت كغيمة علت به فوق النجوم وجعلته مثاًلا للرجل الحلم الذي تنتظره كل امرأة ليغدقها حباً وعشقاً وغيرة. وعن هذا الشاعر قال الساهر في إحدى مقابلاته: «لقائي بالأستاذ نزار قباني كان محطة عظيمة فيحياتي من خلال أغنية «إّني خيرتك فاختاري». مازلت أحتفظ بالرسائل التي أرسلها لي وكان سعيداً جداً بتعاوننا». صحيح أن الشاعر السوري غادرنا منذ سنوات إلا أن روحه تبقى دائماً حاضرة بفضل قيصر الغناء، فمن لم يجذبه الورق والشعر، لا شك أن صوت الساهر وألحانه المميزة ستأسره وستعرفه إلى شاعر مبدٍع قّدم للشعر العربي الحديث الكثير. نزار قباني رسم المرأة بكلماتهأ فضل رسم وغناها كاظم الساحر بألحانه وصوته الحالم القوي فشكلا معاً ثنائي المرأة.

وردة ونوال الزغبي

الصورة لصالح مجلة ڤوغ العربية

والحديث عن عمالقة الفن لا يكتمل إن لم نأتي على ذكر وردة الجزائرية. ولدت وردة الجزائرية أو أسطورة المسرح الغنائي في 22 يوليو 1939 وتوفيت في 17 مايو 2012، وقد ُعرفت بإشراقها ومرحها وتواضعها وعفويتها، كانت تملك قدرات صوتية فذة تساعدها على الغناء لفترات طويلة على المسرح فـلا يمكن لمطلع على مسيرة وردة إلا أن يتذكر وقوفها على المسرح لمدة ساعتين متواصلتين وهي تؤدي أغنية «بلاش تفارق». يقطر صوت هذه الفنانة العظيمة شجناً ويتميز برخامة ومخملية نادرة يؤكد على أصالته وعلى عمق إحساسه. وعظمة هـذه الفنانة الكبيرة ينبع كذلك مـن حسن اختيارها لموضوع الأغنية واللحن، ومن قدرتها على الإضافة عليه والابتكار أثناء الأداء، وهذا التميز هو الذي ضمن لها النجاح والتألق حتى آخر أغنية قدمتها قبل رحيلها عن عالمنا مع الفنان عبادي الجوهر. وفي فترة زمنية معينة بعد وفاة الفنانة أم كلثوم واعتزال بعض الفنانات ذائعات الصيت في تلك الفترة خلت الساحة الغنائية من فنانة تؤدي الأغنية الطربية الطويلة فجاءت وردة لتسد هذا الفراغ بكفاءة واقتدار ساعدها على ذلك صوتها الجهوري المتمكن وذكاءها الفني. رحلت وردة الغناء إلا أن الوردة وإن ذبلت يبقى شذاها وشذى وردة الجزائرية خالد بفضل الإرث الغنائي العظيم الذي تركته وبفضل فنانين تأثروا بها ورأوا فيها قدوة فنية عظيمة على غرار نوال الزعبي. صحيح أن كل الأصوات إلى جانب صوت الوردة تتضاءل إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن النجمة الذهبية برعت في أداء أغانيها. لطالما صّرحت نوال الزغبي أن وردة هي مثالها وكثيراً ما كانت تقول: «أنا اخترت أن أغني، وأول أغنية حفظتها وغنيتها، وكان عمري حينها سبع سنوات، هي من أغاني السيدة وردة. لذلك، اعترف بأني تربيت على صوتها. وفي نظري هي «الديفا في الغناء». رددت نوال الكثير من أغنيات وردة فاستحضرت رقة صوتها وعذوبة أدائها ولامست قلوب الجمهور وأعادتهم إلى أيام الفن الأصيل.

اقرئي أيضاً: عبير نعمة تُقدّم “موسيقى العالم إلى دلمون” مع انطلاقة مهرجان البحرين الدوليّ للموسيقى مساء اليوم

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع