تابعوا ڤوغ العربية

هكذا شيّدت الملكة فرح بهلوي إمبراطوريةً للأعمال الفنيّة

صورة للإمبراطورة فرح بهلوي في باريس. بإذن من كتاب إيران الحديثة: إمبراطورة الفن من منشورات دار أسولين

مع احتفالها بعيد ميلادها الثمانين، تستعرض الإمبراطورة فرح بهلوي في كتابٍ جديدٍ تفاصيل الصروح الفنية التي شيّدتها وما تحويه من أعمال فنية لم تشاهدها الأنظار على مدار 40 عاماً.

“بينما أخطّ هذه السطور، يكون قد انقضى 38 عاماً منذ أن غادرت إيران وتركت حياتي كملكة. إلا أن حُبَّ بلدي ومواطنيها يبقى قوياً كما كان دوماً. لاتزال ذكرياتي عن إيران حاضرةً بقوة في ذهني”، هكذا استهلّت الإمبراطورة فرح بهلوي مقدمة كتابٍ جديدٍ يحمل العنوان إيران الحديثة: إمبراطورة الفن (وهو من منشورات دار أسولين). أصبحت فرح ديبا [اسمها قبل الزواج من الشاه] -وهي ابنة عائلة ميسورة- ملكةً في العام 1959 عندما تزوجت الشاه محمد رضا بهلوي في سن الـ21، وبذلك انطلقت في رحلة حياةٍ زاخرة بالسعادة والمصاعب في آنٍ معاً، قادتها في نهاية المطاف إلى المنفى. “عندما عدتُ إلى الوطن أول الأمر بعد أن كنت طالبة في فرنسا لأصبح ملكة إيران، قال الشاه لي: ’عندما تصبحين ملكة سيكون لديكِ الكثير من المسؤوليات‘. وقد وافقت بالطبع، لكن لم يكن بمقدوري تخيل حجم ما ينتظرني”.

نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد ديسمبر 2018 من ڤوغ العربية.

وبعد أن درسَتْ بالخارج في كلٍ من سويسرا وفرنسا -حيث درست الهندسة المعمارية على وجه التحديد في باريس- انطلقت الإمبراطورة بمهمة تحديث النسيج الاجتماعي والتعليم والثقافة في بلدها وتطوير ذلك، حيث أسست جامعة بهلوي، وهي أكاديمية تعليمية على الطراز الأمريكي الهدف منها تحسين فرص التعلُّم للنساء. وبالتوازي مع ذلك، سعت للحفاظ على ثقافة إيران العريقة مع رعاية الفنون الصاعدة في الوقت ذاته. تقول مستذكرةً: “سمح لي منصبي كملكة أن أتصرف بدلاً من مجرد التعاطف مع الفنانين الشباب”. وقد راودتها فكرة افتتاح متحف للفن المعاصر أول الأمر خلال حضورها عرض فنيَّ أواخر الستينيات.

محمد رضا بهلوي، شاه إيران، مع الإمبراطورة وابنهما ولي العهد رضا، عام 1967. Rex

“أخبرتني فنانة مشارِكة في هذا المعرض كم تمنَّت وجود موقع دائم ليعرض فيه الفنانون الإيرانيون مشاريعهم. وعندها، أوكلتُ إلى قريبي كامران ديبا مهمة تصميم مبنى المتحف، وبدأنا بجمع الأعمال الفنية”. وفي حين لم يكن بمقدورهم دفع تكاليف قطع فنية أجنبية قديمة، إلا أنه كانت لديهم أموال -أتت في معظمها من شركة النفط الوطنية الإيرانية- لشراء أعمال فنية حديثة. وإلى جانب مستشارين من دار سوذبي ودار كريستي للمزادات ومؤسسة مايغت ومتحف المتروبوليتان للفنون، بدأتْ الإشراف على جمع أعمال لفنانين انطباعيين ومعاصرين.

وفي يوليو من عام 1976، سافر فنان ثقافة البوب آندي وارهول إلى قصر نیاوران في طهران للتجهيز للوحة الإمبراطورة. وبقوامها الممشوق وشعرها الأشقر الفينيسي المصفَّف بتسريحة شينيون متهدِّلة وعينيها الكحيلتين، وقع اختيار الإمبراطورة -التي كانت تفضّل تصاميم بالنسياغا وإيڤ سان لوران– على بلوزة كريمية أنيقة ارتدتها أمام المصوّر بولارويد. ولم يكن ذلك لقاؤها الأول مع فنان شهير في ذاك العصر؛ فقد استمتعت الإمبراطورة برفقة العديد منهم، إذ قابلت هنري مور في الاستوديو الخاص به، وسلفادور دالي بمدينة باريس، والنحَّات سيزار، وأرنالدو بومودورو، وشاغال، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

الإمبراطورة برفقة آندي وارهول في طهران عام 1977. بإذن من كتاب إيران الحديثة: إمبراطورة الفن (من منشورات دار أسولين)

وقد ابتكر مور تمثالاً برونزياً ضخماً استقرَّ في نهاية المطاف داخل حديقة المتحف الذي صممه ديبا، إلى جانب قطع من إبداع كلٍّ من جياكوميتي، وإرنست، وماغريت، وكالدر. واستند مصدرُ إلهام المبنى الخرساني الذي يتبع نمط العمارة القاسية إلى أبراج الرياح الفارسية وكذلك إلى متحف غوغنهايم في مدينة نيويورك، وتميّز بأدراج لولبية الشكل تصل إلى السرداب تحت الأرض، حيث يمكن الوصول إلى صالات العرض من النقطة المركزية. تصرِّح الإمبراطورة بالقول: “يعكس [أعمال] الفن الحديث في متحف طهران للفن المعاصر (واختصاراً TMoCA) كيف وجدت إيران، في تلك الحقبة، نفسها في مركز الشرق والغرب. أعتبر الفن والثقافة مؤسسة دائمة وخالدة. إنهما مهمان لتوحيد الشعب”. وتستذكر: “أرسلت فنانة إليّ رسالة بريد إلكتروني جاء فيها: ’دمعت عيناي عندما وقفت أمام روثكو‘”. وفي العام 1979، أدى سقوط الإمبراطورية إلى نفي أسرتها، وبذلك تم إغلاق الأبواب على الأعمال الفنية في خزنةٍ تحت الأرض. وفي حين تمَّ بيع عمل فني واحد فقط -وهو لوحة فنية من إبداع الفنان دي كونينغ- لاتزال جميع القطع المتبقية كما يُشاع في الخزنة. ولم تغادر المجموعة إيران إطلاقاً.

ولم يكن متحفُ طهران للفن المعاصر، الذي جرى افتتاحه لأول مرة في عيد ميلاد الإمبراطورة عام 1976، المتحفَ الوحيد الذي تم إغلاقه؛ فقد أسست خلال العشرين عاماً التي قضتها كملكة: متحفَ نيغارستان؛ ومتحفاً للسجاد الفارسي؛ ومتاحف وصالات عرضٍ تزخر بالخزف الإيراني وقطع الصلصال والبرونز والمنمنمات؛ وأربعة مراكز ثقافية؛ وثلاثة مهرجانات فنية وطنية؛ وثلاث مؤسسات للبحوث العلمية والاستكشاف؛ ومسرح مدينة طهران؛ ومتحف أبغينه الذي للأواني الزجاجية والخزفية؛ ومتحف رضا عباسي المعني بالمقتنيات القديمة من عصور ما قبل الإسلام وما بعده.

سيدتان تنظران إلى لوحة Fenêtre Ouverte Sur la Rue de Penthièvre للفنان بيكاسو في متحف طهران للفن المعاصر في العام 2009. Getty

وإثر “عملٍ مفعم بالحب” حقاً كما تصفه مؤلفتا الكتاب فيولا راكيل-بولوت وميراندا دارلينغ، تم تصنيف الأعمال الفنية، التي لم تُشاهَد منذ عقود -ومنها قطع فنية لكلٍّ من الفنانين فان غوخ، ومونيه، وكاندينسكي، وروثكو، وبيكاسو، وباكون، وبولوك، وبراك، وميرو- الآن في كتالوج خلال مدة ثلاث سنوات وتم نشرها معاً للمرة الأولى في كتاب إيران الحديثة: إمبراطورة الفن. وتُعلِّق الإمبراطورة بالقول: “يسرُّني رؤية تصوير الكثير من الأعمال الفنية التي جمعناها هنا في هذا الكتاب”، وتضيف: “نأمل أن يُلهم الشباب الإيرانيين متابعةَ إبداعهم الجدير بالثناء ويذكِّر العالم بإرث إيران الثقافي. كلُّنا أملٌ في أن الأمور آخذة بالتغيُّر، ما يوفر فرصة للمزيد من الناس ليُشاهدوا شخصياً هذه الأعمال الفنية ويتعرَّفوا على ثقافة إيران الثرية”.

اقتباسات الإمبراطورة بإذن من مؤلفتي كتاب إيران الحديثة: إمبراطورة الفن (من منشورات دار أسولين) فيولا راكيل-بولوت وميراندا دارلينغ

والآن اقرئي: كارن وازن تطلق أول مجموعة نظاراتٍ شمسية لها

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع