تابعوا ڤوغ العربية

جولة داخل منزل فريدة خلفة الباريسي التاريخي الذي يعود للقرن التاسع عشر

يزدان منزل فريدة خلفة في باريس، وهو مبنى تاريخي شُيِّدَ في القرن التاسع عشر، بمزيج عجيب من الفنون العالمية المعاصرة، وأعمال روّاد الفن الفرنسيين القدماء، والمنحوتات الأفريقية.

فريدة خلفة تقف تحت لوحة "ليه مورفينيه" للفنان جورج مورو على دَرَج من تصميم صديقها فيليب ستارك. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

فريدة خلفة تقف تحت لوحة “ليه مورفينيه” للفنان جورج مورو على دَرَج من تصميم صديقها فيليب ستارك. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

رغم سنها البالغة 59 عاماً، لم يسبق لفريدة خلفة قطّ العيش في منزل قائم بذاته، ولم تسكنه إلا قبل عامين ونصف العام لأول مرة في حياتها؛ فقد دأبت هذه العارضة، والممثلة، والمخرجة الفرنسية الجزائرية الأصل -التي ذاع صيتها في الثمانينيات حين اتخذها المصممان جان بول غوتييه وعز الدين عليّة ملهمةً لهما- طيلة حياتها على العيش في شقق. لذا عندما انتقلت للإقامة في هذا المنزل المؤلف من أربعة طوابق، والذي شُيِّدَ في القرن التاسع عشر بالدائرة 16 الفخمة في باريس، تملَّكها الخوف.

توضح: “أعلمُ أن هذا جنون، ولكني لم أعتد عليه سوى بعد عامين. طبعاً ستفترضين أن أقول: ’أحبِّ منزلي!‘ ولكن في الواقع، ’أنا وحدي في هذا المنزل!‘، الآن، أصبحتُ أحبّه حقاً ولا أعلمُ ما إن كان يمكنني العودة للإقامة في شقة. لذا، ها هو ذا!”.

ولحسن الحظ، وجدتْ فريدة وزوجها أونري سيدو مَن يقدم لهما يد المساعدة: صديقهما العزيز فيليب ستارك، أجل هو بعينه، الذي أحال منزلهما إلى مكان خلاب يحبس الأنفاس. تقول فريدة: “فيليب صديقنا منذ سنوات بعيدة. ويفهمنا جيداً ويعرف ما نريد”.

مجموعة من اللوحات المؤطّرة رسمها جان بول غود، منها لوحة لفريدة مع عز الدين عليّة. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

مجموعة من اللوحات المؤطّرة رسمها جان بول غود، منها لوحة لفريدة مع عز الدين عليّة. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

لجأ ستارك إلى هدم الجدران لتحويل كل طابق إلى مساحة مفتوحة، واستبدل الدَرَج الأصلي بآخر حلزوني مصنوع من خشب البلوط الأبيض يلتوي صاعداً حتى منتصف المساحة. وتصفه فريدة قائلةً: “لقد رسم هذا الدَرَجُ شكلَ المنزل حقاً”. كما أضاف ستارك بناءً مميزاً آخر على شكل ملحق زجاجي للمطبخ الواقع بقبو المنزل. “كانت إقامة شرفة فسيحة تفضي إلى الحديقة – أروع أفكار فيليب”.

ورغم فخامة المنزل، إلا أن البساطة تتجلّى في جوهره؛ فالجدران البيضاء التي تتباين مع الألواح الأرضية الضخمة المصنوعة من خشب البلوط والسُقف المقببة على هذا المنزل تضفي روحاً من الهدوء والسكينة أشبه بإحدى الكنائس الأمريكية في منتصف القرن، ما أتاح للمجموعة الفنية الفريدة التي يمتلكها الزوجان أن تشغل مساحتها اللائقة.

“آه، هل تعلمين أن هذه الأعمال الفنية من مقتنيات أونري؟”، هكذا قالت فريدة بلا اكتراث عن هذا المزيج الفني الرائع الذي يزيّن الجدران ويجمع أعمال رواد الفن القدماء واللوحات الأفريقية المعاصرة، فضلاً عن المنحوتات الأفريقية التصويرية والتحف الأثرية التي جمعاها في الصالون العلوي، والتي بدت مثل حشد من البشر يقف في ثبات. ومنذ كان شاباً، دأب سيدو -والد الممثلة ليا ومنسقة الأزياء كاميي (من زواجه الأول)، والذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة “باروت” المتخصصة في تطوير المنتجات التقنية اللاسلكية وتسويقها عالمياً، وشارك في تأسيس علامة كريستيان لوبوتان – على جمع مختلف اللوحات الفنية الزيتية القديمة لعظماء الفنانين -من أمثال فرانسوا جيرار، وإيانسينت ريغو- إلى جانب قطع أثاث من القرن العشرين صممها جان روايير، وجان بروڤيه، وشارلوت بيريان. وتروي فريدة: “كان يتردد في جميع عطلات نهاية الأسبوع على دروو [دار للمزادات في باريس]، التي يقصدها الجميع الآن، ولكنه كان يذهب إليها في التسعينيات، وقد ابتاع العديد من القطع بأثمان بخسة لأنها لم تكن تُعد عصرية آنذاك”.

الملحق الزجاجي الذي صممه فيليب ستارك ويفضي إلى حديقة بفناء المنزل. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

الملحق الزجاجي الذي صممه فيليب ستارك ويفضي إلى حديقة بفناء المنزل. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

وتعتبِرُ فريدة هذه المجموعة من الفنون الأفريقية المعاصرة، التي قد تكون الأهم في فرنسا، مصدراً لسعادتها – وإذا ما تابعتم تحديثاتها النابضة بالحيوية على انستقرام، ستجدونها تصول وتجول بين حفلات افتتاح المعارض لدعم فناني القارة السمراء وغيرهم. وتعلل ذلك قائلةً: “يعدّ الفن الأفريقي حركة فنية مهمة. وأحبُّ شيري سامبا، بالطبع، فهو أحد أفضل الفنانين. وأحبُّ أيضاً جورج ليلانغا، وموكيه، والأثاث الذي يصممه غونسالو مابوندا. وأهوى وضع منحوتة أفريقية معاصرة مع رأس إغريقي قديم ولوحة من القرن الثامن عشر”. وتضيف: “المزج بين جميع هذه التحف يجعل جو المنزل بالغ التميز”.

ومن الطريف أن تعترف فريدة، قبل أن تنتقل إلى هذا المنزل، أن أكثر شيء كان يستهويها هو المساحات الخالية. تقول حالمةً: “لطالما أحببتُ الجدران البيضاء الصماء”. ومع ذلك، كانت هي بنفسها المسؤولة عن هذا الترتيب الدرامي للوحات الفنية. تضحك قائلةً: “لم أكن مشغولة حينها، لذا كان عملي هو تعليق اللوحات. وكان من المثير في البداية هذا الشعور بأن اللوحات تنظر إليّ، ولكنها أصبحت مثل العلاج. والآن، من الممتع وجود لوحات تنتشر في جميع أنحاء المنزل. ويمكنكِ التحديق فيها لساعات طويلة ورؤية أشياءً مختلفة كل يوم”.

وتملك فريدة الكثير من لوحات الرسام الفرنسي الجزائري الأصل عادل عبد الصمد التي تُذكرها بإرثها، ولكن أكثر قطعة تفضلها عبارة عن تمثال مصري قديم للإلهة المحاربة، سخمت، برأس لبؤة. وقد وضعته بجوار لوحتين زيتينين مذهلتين، إحداهما ليواكيم نابليون مورات بريشة جيرار، والأخرى لا تحمل توقيعاً وتصوِّر أرنباً يمشي على ساقيه الخلفيتين حاملاً مظلة. تقول: “إن الإقامة في هذا المنزل أشبه بالسكن في متحف، ولكنه ليس متحفاً رسمياً لأنه بإمكانكِ لمس كل شيء”.

مكتب أونري سيدو، زوج فريدة، في الطابق العلوي، ويزخر بالتحف الفنية التي جمعها من أنحاء العالم، منها نماذج لطائرات خشبية كان يجمعها منذ طفولته. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

مكتب أونري سيدو، زوج فريدة، في الطابق العلوي، ويزخر بالتحف الفنية التي جمعها من أنحاء العالم، منها نماذج لطائرات خشبية كان يجمعها منذ طفولته. بعدسة ماتيو سالڤانغ لعدد أكتوبر 2019 ڤوغ العربية

ويتميز أثاث المنزل بتنوع فريد، منه مقعد يفضله الزوجان يزدان برأس منحوت من أعمال بانديا كامارا، معروف بين أفراد العائلة باسم “المقعد الملكي الأفريقي”، حيث تجلس فريدة، القارئة النهمة، كل صباح لمطالعة كتبها الإلكترونية. وفي المساء، يجتمع الزوجان في المطبخ للحديث مع ولديهما الطالبين: إسماعيل، وهو في الـ24 من عمره، وعُمر البالغ من العمر 21 عاماً، والدردشة مع الأصدقاء. وهنا يقوم سيدو بدور الطاهي. تقول فريدة: “إنه يهوى الطبخ، وهو أمر جيد لأني أمقته. فأنا سيئة فيه للغاية!”.

ويكمن سر مسيرة فريدة الناجحة في عالم الموضة في خزانة ملابسها الرائعة المصممة على هيئة مقصورة، كُسيت من الأرض حتى السقف بالمرايا فيما تنزلق على قضبان تعمل بعجلات يدوية عالية الكفاءة. “فكر أونري في أن أجعلها مثل أرشيف المتاحف. وقد عملتُ في الموضة لسنوات طويلة ولديّ أطنان من الأزياء. وهي تُيسر لي أمري”. وقد وضعت العارضة السابقة في خزانة بعيدة هذا الكم من الأزياء الراقية التي جمعتها على مدى عقود من المصممين غوتييه، وعليّة، وإيڤ سان لوران. تقول: “هذا بالضبط ما أرتديه يومياً. ومن الجميل أن تري كل أزيائكِ، وإلا سترتدين نفس الشيء دائماً”.

وُلِدَت فريدة في ضواحي ليون لأبوين جزائريين صارمين ولديها 10 أشقاء. وفي السادسة عشرة من عمرها، فرّت من منزلها وذهبت للإقامة في باريس. وقد أتاح لها طولُها الفارع، البالغ ستة أقدام، وشعرُها الرائع المموّج بخصلاته المتشابكة الغزيرة، العملَ على باب الملهى الليلي الشهير لو بالاس، الذي كان يتردد عليه كريستيان لوبوتان؛ وبدأت العمل بصفتها عارضة أزياء مع جان بول غوتييه أولاً ثم مع تييري موغلر وعز الدين عليّة. وكانت فريدة من أوائل النساء العربيات اللواتي اقتحمن ميدان الموضة في الغرب، فقد كانت ملامحها الرائعة وجسمها النحيف بمثابة هدية للمصورين من أمثال هيلموت نيوتن، وبيير إيه چيل، وجان بول غود الذي كانت صوره التي التقطتها في الثمانينيات لفريدة بطولها الشاهق وعليّة القصير القامة شديدة الطرافة.

وتتمتع فريدة بمسيرة حافلة في عالم الموضة، فقد أدارت منذ ذلك الحين الأنشطة التجارية لعليّة في مجال الأزياء، ثم خط الأزياء الراقية لغوتييه؛ كما كانت سفيرة لعلامة سكياباريللي عندما أعيد إطلاقها تحت إشراف دييغو ديلا ڤالّي؛ ومثلت في 17 فيلماً؛ كما عملت في مجال الإخراج؛ وقدمت أفلاماً وثائقية عن غوتييه، ولوبوتان، ونيكولا ساركوزي (زوجته كارلا بروني صديقة مقربة لها)؛ إلى جانب فيلمين عن الشباب والنساء في الشرق الأوسط. وفيلمها القادم، الذي لا يزال في مرحلة الإعداد، يتتبع القصة الممتعة لجذورها. وتعيش فريدة حياة تتسم بالانضباط، إذ تستيقظ في الخامسة والنصف صباحاً لتمارس رياضة الجري على جهاز في الصالة الرياضية التي أقامتها في منزلها. وعن ذلك تقول: “اعتدتُ الخروج كل صباح للجري في الظلام، وممارسته هنا أفضل كثيراً”. وتهوى العمل في غرفة نومها على طاولة خشبية من تصميم شارلوت بيريان “ممتلئة بالفوضى”. وتزدهي أغطية فراشها بفن الباتيك الغرافيكي، وجلبها لها من داكار مالك متجر في باريس – “اتصل بي من السوق وقد تمكنتُ من اختيار الغطاء الذي أعجبني”. أما الفراش فقد وُضِع إزاء جدار رخامي وأمامه لوحة زيتية رائعة بإطار مُذهب للفنان لوي جان فرانسوا لاغرينيه. وتلخص هذه اللوحةُ الذوقَ الفريد لهذا المنزل – الذي يزاوج بين الفن، وأفريقيا، والتاريخ الثقافي. تقول فريدة باعتزاز: “قمنا معاً بترتيب المنزل. إنه ليس منزلاً عصرياً أبدعه شخص آخر، بل تصميمنا نحن. ويمكنك قول إنه حياتنا”.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد أكتوبر 2019 من ڤوغ العربية.

اقرئي أيضاً: خلال مشاركتها في دورة هذا العام من فاشن فورورد.. العلامات الشرق أوسطية تدعم الاستدامة بقوة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع