تابعوا ڤوغ العربية

ستيلا مكارتني تؤكد: ’’لستِ مضطرة للتخلّي عن أناقتكِ في سبيل الالتزام بمبدأ الاستدامة‘‘

ستيلا مكارتني

بدت ستيلا مكارتني عفوية حين جاءت حافية القدمين مرتديةً فستاناً من الجلد الاصطناعي مخضباً باللون الأزرق المائل إلى الأخضر من مجموعتها لخريف وشتاء 2018. وهذه المصممة بارعة في الترويج لعلامتها التي تدمج بين الملامح الرجالية وتلك المفعمة بالأنوثة، وتقدمها في سرد يتسم بجاذبية وادعة. ويُعد نهجها في تطبيق الاستدامة، ولا سيما سياستها في الامتناع عن استخدام الخامات من مصادر حيوانية، أهم مساهمة لها في مجال الموضة اليوم، يليه التزامها بالارتقاء بالقطع اليومية -مثل الأزياء المفصّلة، والدينم، والقطع الرياضية المفردة- لمستوى أعلى يتجاوز أساسيات خزانة الأزياء. وتقول بإصرار، وهي تقضم ثمرة موز: “منذ اليوم الأول لي لم أرغب أبداً في استخدام المنتجات الحيوانية، والمشاركة في قتل الحيوانات باسم الموضة. فأنا نباتية، ولو قمت بذلك لأصبحت منافقة”.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد يناير 2019 من ڤوغ العربية.

ولا عجب في ذلك، فقد نشأت ابنةُ النجمِ السابق في فرقة البيتلز، بول مكارتني، وزوجتِه الراحلة ليندا، والناشطةُ في مجال حقوق الحيوان، في مزرعة متواضعة باسكتلندا، تحيط بها الطبيعة والحياة البرية التي تمضي حياتها المهنية الآن في المطالبة بحمايتها. وتقول: “كان ثمة تقرير نشرته الأمم المتحدة منذ عدة سنوات ربط بين تناول لحوم الحيوانات وتصنيع منتجاتها وإنتاجها بما يحدث من كوارث بيئية فادحة. على سبيل المثال، تُزال في كل ساعة منطقة بحجم ملعب لكرة القدم من غابات الأمازون لتربية الماشية… وقد فتح هذا التقرير عيني. ومنذ ذلك الحين، بدأت ملاحظة مليون شيء آخر”.

وتتمسك مكارتني بمبادئها، وهي أم لأربعة أطفال (بنتين وولدين)، وتبلغ من العمر 47 عاماً، ولا زالت تحتفظ بشبابها. وما بدأته عام 2001 عبر قرار هادئ وحازم بعدم استخدام الجلود في تصاميمها تطوّر ليصل إلى تحدٍ كامل لزملائها في المهنة. “صناعة الموضة هي ثاني أكثر الصناعات إضراراً بكوكب الأرض. وهنالك الكثير الذي يتعين علينا عمله”. وما هدفها؟ التغيير الكامل للعمليات؛ الذي يمثل نهجاً جديداً يُحول الاقتصاد الأحادي (التقليدي) –القائم على الإنتاج، والاستهلاك، والتخلص منه على هيئة نفايات– إلى الاقتصاد الدائري الذي يعيد تجديد ذاته بمختلف الطرق غير الضارة. وبالفعل، يجري مصممون شباب صاعدون مثل مارين سير وماتي بوڤان بأنفسهم تجارب مع عمليات إعادة تدوير الإبداعات بجودة أفضل. ولكن قد تتطلب ثورة حقيقية في نظام صناعة الأزياء استثمارات نقدية وتخطيطية ضخمة من الحكومات المستنيرة. ومكارتني على قناعة بأن هذا يمكن أن يحدث، لكن بشرط واحد: أن يُشعل التصميم الرغبة في ذلك.

وقد قدمت مكارتني خلال عرض أزياء مجموعتها لربيع وصيف 2019 –الذي شاركت به مجموعة جذابة من العارضات منهن نينا ماركر، وكارا تايلور، وكايا جيربر، ونورا عتّال، وفران سمرز دون وضع أي مساحيق- قطعة كاملة مطبعة بالزهور ومصنوعة من خامة النيوبرين المطاطية، وفساتين طويلة من تلك التي تتميز بها، وقطعاً مفردة مشعّة بقوة، ومعاطف وبذلات خفيفة ورجالية الطابع، وبذلات من الدينم مصبوغة بتقنية ربط القماش، وفساتين التزلج الكلاسيكية التي تنسدل باتساع. وعن قرارها بإضافة القطع المصبوغة بتقنية ربط القماش إلى تشكيلتها تقول مكارتني: “أظن أني كنت أشعر بالحرية نوعاً ما. إذ أن الربيع والصيف، بالنسبة لي، هما الموسمان اللذان أفكر فيهما، بالانطلاق نحو المتعة والحياة اللامبالية… والصباغة بتقنية ربط القماش دائماً ما تُعبّر عن ذلك. إن بها نوعاً من الإيحاء بموسيقى الروك آند رول التي أربطها بالمهرجانات وأمريكا – ولكني أجدها دائماً بها الكثير من البهرجة إلى حد ما؛ وقدر كبير من إطلالات الشارع الراقية و’المحلية‘. وقد أردت أن أرتقي بها”. وتسترسل قائلةً: “كنت أنوي صنعها بطريقة أرغب في ارتدائها؛ بألوان هادئة، ومتسخة، وشاحبة قليلاً”.

وعادةً ما تترجم الأزياء الصديقة للبيئة إلى كتّان لا يثير مرآه النظر وأزياء تشبه الحقائب المصنوعة من الحشائش. ومَن سترغب في دفع ثمن باهظ من أجل الحصول عليها؟ وتجيب المصممة: “يجب أن تملكي منتجاً ساحراً وجميلاً – وتلك نقطة البداية لكل ذلك. ولديّ إيمان راسخ بأنكِ لستِ مضطرة للتخلّي عن أناقتكِ في سبيل الالتزام بمبدأ الاستدامة. ولا أحد في مجالي يشاركني هذا الرأي، لذا أبدو إلى حد ما وكأني أُغرد خارج السرب، مع الأسف”. وعلى مدى عقود، كان مصطلح الأزياء الصديقة للبيئة يعني الإطلالات البوهيمية وأزياء مجتمعات الهيبيز الملونة بتدرجات مختلفة من البيج، ولكن بمرور الوقت، تتقدم التكنولوجيا، لحسن الحظ. وتستخدم مكارتني ضمن خاماتها قماش فيسكوز مصدره الغابات المستدامة (“أمضيتُ ثلاث سنوات –ووجهت مالي، ونفقاتي، والتزام فريق عملي– نحو جلب لب الخشب المستدام الذي يمكن استخدامه في جميع أقمشة الفيسكوز”)، كما تستخدم قماش النايلون المعاد تدويره من إيكونيل في حقائب فالابيلا، التي حققت نجاحاً واسعاً، وغزلاً معاد تدويره للأفضل في الجوارب المصنوعة من خامات خالية تماماً من المواد الكيميائية، والأصباغ، والمبيدات الحشرية. “بالنسبة لنا، تمثل مصادر الخامات جانباً رئيسياً في عملية التصنيع؛ حيث لا نطرح أسئلة لا تنتهي ونتحدى النظام [المتبع]… ونحاول التصميم بطريقة مستدامة فيما نبتكر شيئاً لا يفقد بريقه وبجودة عالية”.

 إطلالة من مجموعة الأزياء الجاهزة من ستيلا مكارتني لربيع 2019

وفي قسم يحمل عنوان “العالم” على موقع ستيلا مكارتني على الإنترنت ثمة صفحة مخصصة لشرح جميع الطرق التي تستخدمها علامتها للالتزام بالاستدامة، وتقدم معلومات عن المبادرات التي تدعمها. وتكشف: “أنا أتحداكم؛ وهذا ليس سهلاً. إنها وجهة نظر أمينة وخاصة للغاية بالنسبة لي وأرى أن كثيراً من الناس يفتقدون لهذا الحس. ولا يكترثون. إذ من الأسهل كثيراً التعامل مع نفس الخامات الأساسية العشر التي تستخدمها صناعة الموضة منذ مئات السنين لأنها متوفرة في سلسلة التوريدات. ويعلم الجميع ثمن هذا الفيسكوز التقليدي وقد سجلوه في هوامشهم”.

وكانت مكارتني قد أشعلت الجدل حول آثار البدائل الاصطناعية على البيئة حين قدمت، عام 2015، مجموعة من المعاطف بفراء اصطناعية ذات شعيرات كثيفة. وتعترف: “الفراء الاصطناعية بالتأكيد موضوع يثير النقاش. ولم أدَّعِ قط بمثاليتي، فهذا سخف – ففي اللحظة التي أصنع فيها شيئاً ما أسبب نوعاً من التأثير الضار على الأرض. ولكن الفرو الاصطناعي أشد استدامة وصديق للبيئة أكثر من الفرو الطبيعي، المثير للغثيان؛ فمصدره غير فخم على الإطلاق أكثر من أي خامة أخرى على وجه الأرض. وأعتقد أنه يجب عليكم الحديث عن رفاه الإنسان أيضاً – وأرى أن صعق الحيوانات بالكهرباء في شرجها للحصول على جلودها من الأعمال التي لا يختار الناس القيام بها حقاً، إنها من وجهة نظري، بداية غير أخلاقية تماماً لأي منتج ولا ضرورة منها، ولا سيما فيما يتعلق بموضوع هذا الحوار”.

من الواضح أنه نقاش معقد، إذ يقول مؤيدو استخدام الفراء الطبيعية إن الألياف الدقيقة الاصطناعية الموجودة في البدائل غير الطبيعية تتسرب إلى إمدادات المياه ومن ثم إلى معدة الأسماك. ويقولون إن الأكريليك أو البوليستر المستخدمين في صناعة الخيارات غير الطبيعية غير قابلين للتحلل بسهولة حيوياً ويبقيان في مواقع دفن النفايات لمئات السنين – وهي حجج ترى المصممة أنها تنطبق أيضاً على الفراء الطبيعية. “الجلود صديقة للبيئة بالتأكيد؛ ونحن أيضاً حيوانات وعندما نموت نتحلل حيوياً. وتكمن المشكلة في أنكم لو دفنتم حقيبة جلدية غداً، فإنها ستبقى حتى 200 عام بسبب كمية المواد الكيميائية التي اُستخدمت في دباغتها. وقد صُنعت لتدوم وتُوضع في المستودعات. والأمر ذاته ينطبق على الفرو، فهو مغطى بالمواد الكيميائية. ويدعي صنّاع الفراء بأنها طبيعية ولكن لا شيء طبيعي بها. وسيبدو الأمر جيداً إذا عملتُ لصالح شركة دعائية للعلاقات العامة تروج للفراء الطبيعية وتدفع راتبي فسأحاول حينها إثارة الجدل في هذا الموضوع، أيضاً”.

ولا تكف مكارتني عن التفكير في التكنولوجيا، فيما تقول إن المستقبل سيكون لصالح الفراء والجلود التي تستنبت في المختبرات (“باستخدام الخلايا الجذعية”) ولكن حتى ذلك الحين، ستستمر في حل مشاكلها مع موردي الفراء الاصطناعية، وحثهم على إنتاج خيوط أفضل. “آمل أن تنقذنا التكنولوجيا وتبتكر الجديد لصناعة في أمس الحاجة إليها. لماذا نحن فقط الذين لا نعمل على نحو وثيق مع التكنولوجيا ومع ذلك من المفترض أن نكون في صدارة كل شيء؟ أصبحنا في خطر التخلف عن الركب”. وقد اشتعل حماسها تجاه هذا النهج التقدمي حين تعاونت مع أديداس في تصميم إحدى المجموعات عام 2005، وقد أثمرت تشكيلة من الأزياء الرياضية وتحولت إلى شراكة ممتدة حتى الآن. وعن ذلك تقول: “وجدت الأزياء الرياضية النسائية آنذاك تتراجع، أما المنتج ففي حالة مزرية.. وهذا كان الحافز الأول لي. عندما أذهب إلى الجيم، أريد أن أحصل على نفس الأسلوب التقني للرجال وألا أخجل من شكلي”. ويشكل ذلك موقفاً مؤيداً لحقوق المرأة ومثالاً آخر على مدى التفكير الطليعي الذي تتمتع به مكارتني – وقد صممت لاحقاً الزي الرسمي للفرق الرياضية البريطانية التي شاركت في الدورة الأولمبية الصيفية لعام 2012 والتي أقيمت بلندن، وبعدها بعام نالت وسام الإمبراطورية البريطانية بسبب إسهاماتها في مجال الموضة.

إطلالة من مجموعة الأزياء الجاهزة من ستيلا مكارتني لربيع 2019

وفي الواقع، يعد فهم احتياجات زبوناتها –والنساء عموماً– جزءاً لا يتجزأ من جاذبية مكارتني. وتتنقل رموز دارها ما بين الملامح الرجالية (فقد تدربت في ساڤيل رو) والأنثوية المفعمة بالمرح (الفساتين الحريرية الناعمة، والدانتيل، والحواف ذات الكشاكش). وتتميز تصاميمها بعناصر حضرية (البذلات ذات الطابع المدني، وحقيبة فالابيلا السالفة الذكر بسلسلتها المعدنية والتي تحظى بإعجاب واسع)، وزخارف ريفية (الخيول، والزهور، والصنادل الصيفية). ويمنح هذا الفهمُ والتقديرُ للجوانب المتعددة من حياة النساء العصريات، مع شخصياتهن المتناقضة ورفضهن الصور النمطية لهن، علامةَ ستيلا مكارتني هذه الجودة التي يبحث عنها الجميع: فضلاً عن الاستمرارية. وبعد 17 عاماً، أعادت مؤخراً شراء نسبة الـ50٪ التي تملكها الشركة الأم كيرينغ في علامتها، ما يدلل، قبل أي شيء، على الثقة التي تشعر بها تجاه مستقبل نشاطها التجاري.

وقد لعب ماضيها دوراً أيضاً في تصاميمها. وعن ذلك تقول: “الكثير من تصاميمي الرجالية والأنثوية تأتي من ملاحظاتي في الطفولة. وأول شيء أذكره حين كنت أتأمل خزانة الملابس التي كان والدي ووالدتي يتشاركانها وأرى أزياء كل منهما تمتزج بسهولة مع الآخر. فقد كانا يرتديان أزياء من ساڤيل رو… وكان هنالك عدم وضوح حقيقي في الخطوط”. ودائماً ما تجسد الحملات الدعائية لمكارتني، التي تتميز بطبيعة عفوية ولا مبالية، امرأةً مماثلة، وغالباً ما تحمل رسائل للبيئة (شاهدي العارضة الشقراء صوفي راسك التي سبحت في بحر من الزجاجات البلاستيكية ضمن الحملة الدعائية لمجموعة ربيع وصيف 2018). ولكن، كيف يمكن للمرأة الشرق أوسطية –المتألقة غالباً مع إحساس بالغ بالأناقة– الارتباط بهذا النهج الذي يحمل شعار الأناقة في البساطة؟ “نحن نعيش في واقع متغير. وبعض النساء يعشقن المظهر المتألق والشعور بهذا الألق، وهذا مسموح أيضاً. فمن نحن لنحكم عليهن؟”. وتضيف: “أنا أستخدم حدسي في كل شيء وأشعر بكثير من الامتنان. وأخدم النساء، وأقدم خدمة لهن وهدفي أن أجعلهن يشعرن بإحساس أفضل تجاه أنفسهن – لهذا أفعل ما أفعله. ويسحرني هذا الاتصال النفسي بين ما ترتدينه وما تشعرين به، وأرى أننا –أكثر من أي إنسان على وجه الأرض– نستحق أن نشعر بأننا مذهلات”.

والآن اقرئي: نور التاجوري تؤكد لآشلي غراهام: ’’كنتُ أعلم أني سأغدو صحفية لامعة رغم أنني أرتدي الحجاب‘‘

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع