تابعوا ڤوغ العربية

خطوط الروح: احتفالاً بيوم المرأة العالمي نسلّط الضوء على فنانات اخترن التعبير بالخط العربي

ثلاث فنانات عبّرن بحروف عربية، بأسس فن قديم لكن أشكال خطوطه تبقى حديثة وساحرة، هو فن الخط العربي الذي اختارته كلّ من بهية شهاب وجمانة مدلج وكارلا سالم وسيلة للتعبير عن رؤيتها للفن ودوره

بهية شهاب

بهية شهاب ترسم على جدار في باريس.

تتحدّث المصمّمة والفنانة والمؤرّخة بهية شهاب بحماسة وشغف دفعاها «إلى البحث في الماضي عن أسباب قبح الحاضر»، كما تقول. سؤال البداية يقودنا إلى الجامعة الأميركية في بيروت حيث زرع الدكتور سمير الصايغ الدهشة بفن الخط العربي لدى مجموعة من تلاميذ قسم التصميم الغرافيكي الذي كان قد تأسس حديثاً (في التسعينيات). «اهتمامي بفنّ الخط نقله إليّ الأب الروحي سمير الصايغ. كانت البداية في صف التيبوغرافيا حيث غصت في شروحه. ومنذ تلك المرحلة أسأله وأستشيره، وأتبع طريقته، أنا ومجموعة من زميلاتي المصمّمات الفنانات، ويمكن القول إننا «مريداته»، وإن مشت كلّ منا في طريقها».

قرّرت شهاب، التي أسّست قسم التصميم الغرافيكي في الجامعة الأميركية في القاهرة حيث تشغل منصب أستاذة مشاركة، أن تدرس الماضي لتفهم الحاضر. «وجدتُ في التاريخ الأجوبة عن أسئلتي حول تشوّهاتنا في هذه المنطقة. ولم أهتمّ في أبحاثي بشكل الحرف فحسب، بجمالياته أو تطوير شكله أو علاقته بحضارة أخرى، بل اهتممت أيضاً بالأحداث التاريخية، وفهمت ارتباط الحرف بتطوّر المجتمع والاقتصاد والثقافة».

توافق شهاب على أنّ الاهتمام بإبراز فنّ الخط العربي يخفّف من عتمة الصور التي تُرسم عن منطقتنا. «التثقيف البصري مهم، وهو ينطبق على كل شيء، على لوغو أو لوحة إعلانية. ما ينقصنا هو أن نعمل كفريق. يجب أن نبتكر أشكالاً جديدة، فنحن نحتاج إلى خط جديد، لكن العقل الذي سيصمّم هذا الخط الجديد لا يزال مفقوداً أو غائباً أو مغيّباً. فلنأخذ درساً من روعة ما حدث في الجامعة الأميركية في بيروت خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية بعد تأسيس برنامج التصميم الغرافيكي، حيث تخرج جيل أبدع في علاقته بالخط العربي. لا نحتاج إلى مزيد من الخطاطين، فنحن نخط الأشكال نفسها منذ أكثر من ١٥٠٠ عام. وكل المبادرات التي نشهد ولادتها تدور حول الأشكال نفسها. نرى التجديد في اللوحات فقط. نعم، ثمة إبداع مذهل في هذا المجال. سمير الصايغ أول مَن أبدع في التجديد في اللوحة، ورشيد قريشي ونجا المهداوي وحسن المسعودي، هؤلاء جددوا شكل الخط العربي في اللوحات، لكن ما نحتاج إليه وينقصنا هو تجديد “مقروئية” الحرفي العربي على الكومبيوتر كي يستطيع ال٣٦٢ مليون شخص الذين يقرؤون هذه اللغة استعمال هذه الحروف. لن يصبح كل منهم خطاطاً ويخط بريشته. لكننا كلنا نكتب بهواتفنا. هذا ما ينقصنا ويحاول أن يقوم به مصممون مثل طارق عتريسي وكريستيان سركيس وباسكال زغبي ونادين شاهين. لكن مهمتهم صعب في ظل غياب مؤسسات حكومية تدعم أفكارهم وأبحاثهم. لذا نراهم يقصدون مؤسسات في الغرب فهمت المشكلة وعرفت حصد الفائدة المادية من ابتكارات هؤلاء المبدعين».

شهاب، أول امرأة تنال جائزة اليونيسكو-الشارقة للثقافة العربية (عام ٢٠١٦ مناصفة مع الفنان إل سيد)، شاركت في تأليف كتاب سيصدر في الصيف عن تاريخ التصميم الغرافيكي في العالم العربي. «درستُ، مع هيثم نوار، مئة عام من التصميم الغرافيكي في العالم العربي. وأستطيع أن أقول إن سبب تخلّفنا يعود إلى أيام الحكم العثماني. اختُرعت الطباعة في أوروبا في القرن الخامس عشر ولم تصلنا إلا في القرن السابع عشر، للحفاظ على مهنة آلاف الخطاطين في إسطنبول! ثم في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين جاء مَن ابتكر أحد الحلول، وهو اللبناني الأميركي نصري خطار الذي أوجد «العربي الموحّد» ودعمته «آي بي أم» وأُنتجت آلات طباعة بالعربية. وقد وصلت هذه الآلات فعلاً إلى المحاكم في عهد الملك فاروق، لكن علت الأصوات التي ادعت الخوف من مسّ التراث. نحن لا نمسّ التراث، بل نريد حلولاً. وها هي التكنولوجيا قد محت أدواراً كثيرة. وما الذي جنيناه من الهجوم على العلم والتقدّم، ومن الجهل والخوف من التحديث؟ بدلاً من أن نتقدّم، تهنا وراوحنا مكاننا، ولم نجدّد لغتنا البصرية».

لا تكتفي شهاب بدورها الأكاديمي بل تصرّ على ابتكار أساليب حديثة في كتابة الخط العربي على جدران المدن. رسالتها الأولى كانت كلمة «لا» التي كتبتها بألف شكل، وأرفقتها برسائل سياسية أيام الثورة في مصر. أما الآن، فهي تنثر شعر الراحل محمود درويش على جدران العالم. تقول شهاب إن «العالم الافتراضي موجود ونحن نستخدمه أداة للتواصل، لكن دينامية الشارع مختلفة، وهو ما اكتشفته أيام الثورة في القاهرة. للشارع حياة مختلفة، وهو للجميع، وليس فقط لهؤلاء الذين تتاح لهم فرص الدخول إلى دوائر معينة. الإعلانات تقتحم المساحات العامة للسبب نفسه، ولا يحقّ لنا أن نعترض».

اختارت شهاب قصائد درويش لأنه كما تقول «سيبقى أبداً شاعر الثورة». وهي تؤمن بأنّ حروفها تصرخ على الجدران وبأنّ «الفن أقوى أدوات التغيير الاجتماعي. لطالما كانت الثقافة الناعمة سلاحاً قادراً على التغيير. بهذه الثقافة الناعمة استُعمرت عقولنا، فلننظر حولنا، نحن مستعمرون ثقافياً. ويجب أن نقاوم بالسلاح نفسه، الفن والثقافة».

تشجّع شهاب ظهور الخط العربي في الشارع، وعلى الأزياء، «مَن يريد أن يستقي من التاريخ ما سيكتب على العباءة، فليفعل. ولنرَ كلمات بالعربية على القمصان وحقائب اليد».

ترى الفنانة والباحثة، التي نالت «جائزة الأمير كلاوس» (عام ٢٠١٧)، أنّ أوان قطف ثمار ما زرعته لم يحن بعد. وهي تعمل على صدور موسوعة النص العربي، إلكترونياً، والتي تضمّ٨٠ ألف حرف. «حصلتُ على منحة من صندوق الأمير كلاوس، فأرّخت ووثّقت ثمانين ألف حرف، ستصبح موجودة على الإنترنت مجاناً. هذه الحروف متاحة لكل من يريد أن يدرس تاريخ اللغة العربية، وأيضاً للمصممين الذين يريدون تطوير الحرف العربي». كما يصدر في الصيف المقبل كتاب يوثّق أعمال شهاب الفنية المرسومة على الجدران [الكاليغرافيتي]، عارضاً، كما تشرح «قصة العمل الفني والجدار. يعرض الكتاب أيضاً تفاصيل محو العمل الفني أو الحفاظ عليه إذا كان لا يزال موجوداً».

هذا العام محيت آخر «صدرية زرقاء» رسمتها شهاب على جدران القاهرة. «بيعت مجموعة منها مطبوعة محدودة الكمية لتمويل الفيلم الوثائقي Nefertiti’s Daughters(يلقي الضوء على الدور الذي لعبه فن الشارع أيام الثورة). لكنني لست الوحيدة التي رسمت الصدرية الزرقاء. لعلّني نجحت في توثيق القصة، قصة الصبية التي عُرّيت من عباءتها لمنعها من التعبير عن رأيها. فالقصة هنا أهم من الرسم. ولعلّ ما نجحت فيه هو أنني لخّصت الفكرة في رسم واحد. كأنكِ التقطت “سنابشوت” لحدث تاريخي من دون الصورة، لتصبح اللحظة أيقونة».

غالباً ما تختم شهاب محاضراتها المصوّرة ومداخلاتها بأهمية التمسّك بالأمل. «فقدان الأمل هو الموت»، تقول، «فالأمل هو كل ما بقي لنا. أجد الأمل في نجاح تلاميذي وإصرارهم وتطوّر أفكارهم».

جمانة مدلج

بعد تخرّجها حاملة شهادة في التصميم الغرافيكي، عملت الفنانة جمانة مدلج مساعدة لأستاذها [في قسم فنون الغرافيك في الجامعة الأميركية في بيروت] الفنان والشاعر والمؤرّخ سمير الصايغ خلال نحو ثمانية أعوام، فتعلّمت على يده فن الخط لتكتشف شغفها به وتبني مشاريعها المهنية حوله. وبعد انتقالها إلى لندن تأكّد لها أنّها أصابت في اختيارها. وتصرّ جمانة على أنها لو بقيت في لبنان لما تسنّى لها أن تستفيد من شغفها بفن الخط ليصبح أساس عملها الثابت الذي تمنحه وقتها كاملاً. «ليس سهلاً أن يكون الفنّ مهنتك. عندما غادرت لبنان لم يكن ثمة اهتمام بفن الخط العربي بل بكل ما يأتي من الغرب. هنا في لندن جمهور فن الخط العربي عريض ومؤلّف من جنسيات مختلفة، كما أنّ الاهتمام بهذا الفن حقيقي وصادق. في حين أننا في بلدنا لا نعتبر تعليم الفن أساسياً، وما زلنا لا نقدّر الفنون. جمهور فن الخط العربي هنا يفهمون خطوطه الهندسية ويحترمون قدسيته. أسمع دوماَ عبارات الإعجاب، كأن يقال لي إن هذه الأشكال هي أجمل فنون العالم. وليس للانتماء الديني علاقة بعشقهم هذا الفن، إذا كانوا مسلمين أم لم يكونوا، يقدّرون الخط العربي كأشكال وكفلسفة يغوصون في معانيها». حتى أن مدلج تعتبر أن إنجازها الأهم هو نجاحها في لندن حيث لا أحد يعرفها. «إنجازي الأهم هو اختيار الرحيل إلى لندن لأبدأ من الصفر في مكان لا يعرفني فيه أحد. الآن يحيط بي جمهور يتابع عملي الذي أصبح جزءاً من المشهد الفني».

لوحة خيال

تلخّص مدلج الافتتان الغربي بفن الخط العربي قائلة إن «أشكال الحروف حديثة، برغم قدمها، تجذب هؤلاء الذين لا يفهمون العربية، ويمكن أن تجذب البعض الآخر الروحانية التي توحيها».

توافق مدلج على أن هذا الاهتمام يساعدنا في التركيز على الجميل والغني في التراث العربي، وتضيف أنّ الاهتمام بفن الخط العربي نابع أيضاَ من ردة فعل على السيناريوهات القاتمة التي تُسرد عن المنطقة. «يهتمون بهذا الفن لأنهم لا يريدون أن يصدّقوا أن الصورة قاتمة إلى هذا الحد. كثيرون يقصدونني ليتعرّفوا إلى أسس الخط واللغة، ثم يُغرمون بالثقافة الإسلامية كردّ فعل على ما يسمعونه ويقرؤونه ويُحكى لهم. إذا عرفنا استثمار ما يعكس صورة جميلة عن حضارتنا، فهو أمر رائع، هذا ما يجب أن نركّز عليه ونصدّره، وما أقصده هو التبادل الثقافي».

برغم غوص مدلج في تاريخ فن الخط واختيارها الكوفي والتعابير الصوفية أسساً لأعمالها الفنية إلا أنها لا تؤمن بأنّ لانتمائها إلى بلد عربي علاقة بفنّها. «أنا شخصياً لا أؤمن بالهويات، ولا أحب أن أتعلّق بما يجعلني منتمية إلى هنا أو هناك. أتجاوز عبر فني كل هذه الحدود المخترعة. الفن هو هويتي الأولى».

يقود معنى الكلمة الفنانة إلى عملها الفني أي أنّ المعنى يسبق الشكل في لوحاتها، فتقول «لا يمكن أن أهتمّ بشكل الكلمة إذا لم يكن معناها يمسّني. لا تهمّني الكلمات الفارغة، بل إن معنى الكلمة يقودني إلى الشكل. أبحث عن كلمات محمّلة بالمعاني في نصوص صوفية، أو في تجارب أعيشها وتوحي لي كلمات معيّنة».

جذب، عمل فني لجمانة مدلج.

اختارت مدلج الخط الكوفي، أقدم الخطوط العربية، لتنجز به أعمالها، والكوفي «ظهر للمرة الأولى في مسجد الصخرة، واستُخدمت أشكال حروفه لتدوين القرآن. أحب الكوفي لأن أشكال خطوطه فريدة وهندسية، تحرّك مشاعر روحانية، كما أنه لا يعكس أي انتماء متخطياً الفروق». كما تعلّم مدلج الكتابة والرسم بالخط الكوفي، «لقد أعدت اكتشاف طرق الكتابة به، فعدد قليل من الفنانين يختارونه، وعدد الباحثين الذي ينشرون حوله دراسات، أقلّ».

مدلج التي تسعى في أعمالها الفنية إلى التجديد في الخط، تصنع من مواد طبيعية الحبر الذي تستخدمه، «أصنع الحبر مثلما كان يُصنع في الماضي لأرسم ما يبدو معقّداً لكنه مبني على أشكال بسيطة. وهذا ما يجعل هذه الخطوط تبدو حديثة [بعد ١٥٠٠ سنة]، فأشكالها هندسية، والهندسة لا يحدّها زمن، ولا ترتبط بأي موضة أو اتجاه، بل تبدو حديثة معاصرة في كل الأزمنة، لأنها تمثّل الشكل في وضوحه ونقائه وبساطته».

تراقب مدلج الاهتمام المتطوّر بالخط العربي، وتسمّي هذا الاهتمام يقظةً وموضة أيضاً لتقول إنّ «ما يروج كموضة لا يعنيها. المهم أن ثمة حركة الآن، والهدف هو أن نجذب الاهتمام إلى روعة هذ الفن، ثم مع الوقت يبقى الجديون والموهوبون. كما لا يضرّ أن نرى الحروف العربية مرسومة على الثياب، وفي الشارع، المهم أنّ ثمة يقظةً واهتماماً بفن الخط العربي».

كارلا سالم

ليست تقليدية مسيرة الفنانة التشكيلية كارلا سالم. مثل بهية شهاب وجمانة مدلج درست التصميم الغرافيكي في الجامعة الأميركية في بيروت حيث انضمّت إلى «صف سمير الصايغ الذي حمل اسم «أرابيسك» وتعلّمت خلاله أسس فن صياغة الحروف أو التيبوغرافيا». تسرد كارلا بداياتها، «كمصمّمة اهتممت في بداية الأمر بالتيبوغرافيا، ثم تعلّمنا الخط الكوفي. عندها طلبت من أستاذي أن يعطيني دروساً في فن الخط العربي. وغصت في شروحه وتفاصيل أشكال الخطوط المختلفة، واطلعت عن قرب على أعماله لأدرك أنني تعلّقت بفن الخط».

لعلّ علاقة سالم باللغة وألعابها وأبوابها ونوافذها هي التي حملتها إلى البحث عن استكشاف طبقات الكلمات واللعب الجمالي الفني على معانيها. «العربية لغتي وصلتي بها لا تضعف، فهي تحضن أفكاري. أنا أفكر بالعربية وأتكلّم بالعربية، لذا أكتب بالعربية. وقد جعلتني أمي أقع في عشق هذه اللغة لتعلّقها بها، وربما لهذا اخترت التعمّق في الخط العربي».

يحمل الانتماء إلى منطقة ناطقة باللغة العربية معنى في تجربة كارلا سالم التي تشير إلى ما قدّرته خلال تجربتها الأكاديمية، كما تقول، وهو «إننا كتلاميذ لبنانيين، من هذه المنطقة، ما جعلنا قادرين على التميّز هو مزيج اللغات التي نعرفها والثقافات التي ننفتح عليها. هذا الغنى يظهر في عملنا. ونعم نحن ننتمي إلى هذه المنطقة، وهذه اللغة جزء من حاضرنا وتاريخنا، لكننا لا نرى هذه الحروف إلا في الكتب القديمة. لم نجدها في الكتب التي نطلع عليها يومياً أو التي هي ضمن برامجنا التعليمية. عندما رأيت الخط متحرراً من قوانينه أحببته. لم أحبه حين كان تقليدياً. وقعت في غرامه عندما رأيته حراً، كأنه لوحة فنية، والهدف منه ليس فقط القراءة بل التأثير في المتلقي وتحريك عواطفه. جميل أن أقرأ وأرى وأبصر. كما جذبتني الكتابة التعبيرية، أن أقدر على التعبير عن مشاعري من خلال الشكل المكتوب أو الحرف المكتوب».

حبر كاليغرافي على ورق ياباني

لإتقان هذا التعبير اختارت سالم التعمّق في الطريقة القديمة، فن الخط. «بعض زملائي اختاروا التركيز على فن صياغة الحروف (التيبوغرافيا)، والبعض الآخر فن الخط (الكاليغرافي). نحتاج في التصميم إلى المزج بين الاثنين. أنا اخترت الطريقة القديمة، فن الخطّ، وتعمّقت فيها لأنني أفضّل العمل بيديّ لا بواسطة الكومبيوتر».

هذا التعلّق بتقدير الطرق التقليدية، والرسم باليد، ينسجم مع التوجه الذي ميّز تجربة كارلا سالم. فإلى جانب العلاقة باللغة وكلماتها حين تصبح رسوماً تعبيرية، حرّكها شغف بالورق. والفنانة التي سُميّت «شاعرة الورق» (في مقالة للناقدة ميموزا العراوي) أكملت دراستها الأكاديمية لتنال شهادتي ماجستير ودكتوراه في اليابان تدوران في فلك الطباعة واستخدام الورق المصنوع يدوياً. «اخترت الذهاب إلى اليابان حيث وجدت نفسي في بلدة يُصنع فيها الورق من الأشجار عبر اتباع أسلوب تقليدي قديم، هو أسلوب الأجداد الذي يورّث من الأب إلى الابن (أو الابنة)، وكنت محظوظة بإتقانه. لقد أمضيت سنوات في بلدة في شمال اليابان حيث تعلّمت تقدير الصمت، وحيث كنا نلوّن بالثلج الورق الأبيض. ثم أكملت دراستي في طوكيو. الآن أصنع الأوراق التي أرسم عليها، أصنعها من الشجرة بيديّ، ثم تصبح الأوراق هذه جزءاً من عملي».

من مجموعةالأوراق،حبر صباغ على ورق ياباني تقليدي مصنوع يدويًا

أنظمة الكتابة الأربعة في اليابان حمّست سالم على الدراسة هناك، كما شرحت. وهذه الأنظمة هي «الهيراغانا والكاتاكانا والكانجي والروماجي، وهذا الأخير مبني على الأحرف اللاتينية. أنظمة الكتابة هذه متوازنة. وما درسناه في التصميم الغرافيكي مبني على التوازن بين العربي واللاتيني. إذا كانت الأحرف العربية ٢٨ أو ٢٩ إذا احتسبنا الهمزة، فعدد الحروف هناك لا يحصى».

تبحث كارلا سالم عن الأشكال المتعانقة المتكاملة للحروف العربية واليابانية. وفي العربية أحياناً تبدأ من اللغة، «لكنني سرعان ما أخرج منها، تأخذني الحالة البصرية التأملية إلى أماكن أخرى. في البداية أفكر في اللغة، ثم أنساها، ليقودني الشكل إلى عوالمه. الاختلاف كبير بين طريقة الكتابة في اليابان والطريقة التي نكتب بها. هم يكتبون بريشة ناعمة، وعندما يكتبون تبدو الريشة معلّقة، كأنهم يكتبون بالجسم كلّه، لا يمسّون الورقة في حين أننا نلمسها».

لم تتعلم سالم لغة جديدة فحسب، هي اليابانية، بل «تعلّمت أيضاً طريقة جديدة أستخدم بها جسمي وأنا أكتب، وهذه الطريقة تريحني. الأدوات تتغير مع تغير التكنولوجيا، لكنني تمسّكت بالأدوات التقليدية لأستمتع بما أعتبره صادقاً وأصلياً، وهذا ما يهمّني. كما أنّ اللغة اليابانية غنية بالإشارات، وأنا أنقل هذا الغنى إلى العربية. أدمج بين الحروف اليابانية والعربية. أريد للمتلقي أن يرى المعنى من دون أن أرسمه بوضوح، فيتمسّك برؤية خاصة به تعكس تاريخه وقصصه. التفسير الواحد المحدّد لا يهمّني».

تقول كارلا سالم إن «الحرف العربي هندسة صافية وشكل جمالي صرف، لذا يجذب مَن لا يفهمون اللغة. هذه الحروف جميلة إذا حُمّلت قدسية لأنها جزء من نص ديني أو إذا استُخدمت كلوحة بصرية أو شكل جمالي. والاهتمام بالخط العربي ليس جديداً، ناقشت هذا الافتتان بجماليته مع أستاذي سمير الصايغ الذي قال إن هذه الحروف بأشكالها قد تكون في اللاوعي جسراً يصل المتلقين بالماضي».

بمناسبة يوم المرأة العالمي إليكِ عشر روايات من كاتبات عربيات ملهمات

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع