تابعوا ڤوغ العربية

إمبراطورةُ إيران فرح بهلوي وحفيدتُها الأميرة نور تتحدثان عن حياتهما بعيداً عن ’عرش الطاووس‘

تكشف جلالة فرح بهلوي، إمبراطورة إيران السابقة، وكبرى حفيداتها، سمو الأميرة نور بهلوي، عن عمق العلاقة التي تربط بينهما وما تتطلعان إليه في المستقبل، في أول حوار يجمع بينهما على الإطلاق.

إمبراطورة إيران تحمل كلبها موغلي، فيما تقف الأميرة نور بهلوي مرتديةً فستاناً من ألكسندر ڤوتييه. بعدسة: ستيفاني ڤولباتو لڤوغ العربية

من نافذة في الطابق الخامس تطل على نهر السين الغارق في الظلام في باريس، تقف سيدة في الثمانين من عمرها منتصبة القامة ترتدي طقماً أبيض مؤلفاً من سترة وبنطلون أضاءا بلونهما عتمة الشتاء الرمادي الكئيب. ورغم مرور السنوات، لا زالت جلالة الإمبراطورة فرح بهلوي (تُعرَف أيضاً بالشهبانو فرح بهلوي، وباسم فرح ديبا بالفارسية) -وهي آخر إمبراطورة اعتلت عرش إيران خلال العهد الإمبراطوري الذي استمر 2500 سنة- تحتفظ بذلك القوام الذي يبدو وكأنه من نحت مَثّال. وقد أخذْتُ أتأملها بهدوء وأنا أقف على مدخل باب منزلها حيث تراءت أمامي كصورة تتماوج بين الواقع وعالم الأساطير.

الإمبراطورة فرح بهلوي في منزلها بباريس. بعدسة: ستيفاني ڤولباتو لڤوغ العربية

لقد مر أربعون عاماً منذ أن أُرغمت الشهبانو وزوجها الراحل، جلالة الإمبراطور محمد رضا بهلوي، على الحياة في المنفى إبان الثورة الإيرانية. وقد قاد الشاه بنفسه طائرته الخاصة من طراز بوينغ 707 بصحبة زوجته وأصدقائهما المقربين يوم 16 يناير عام 1979 ورحلوا عن إيران للمرة الأخيرة إلى حيث كانت تنتظرهم رحلة طويلة لم تخل من الآلام والمآسي. فقد أصيب الشاه بمرض سرطان الغدد الليمفاوية وتُوفِّي بعد 18 شهراً من إجباره على مغادرة الوطن بعد حكم استمر 38 عاماً. وقد وارى جثمانه الثرى بمسجد الرفاعي، الذي شيّد على أرض مسجد آخر كان يسمى “مسجد الذخيرة” بُني في العصر الأيوبي، في القاهرة. ولم يستطع أصغر أبنائهما، الأميرة ليلى والأمير علي رضا، التأقلم مع حياة المنفى فوضعا حداً لحياتيهما. ورغم أنني أعتبر هذه الأحداث من المحن الأليمة، التفتت جلالتها من أمام النافذة نحوي وقالت باسمةً: “لا أشعر بالمرارة. فمثل هذه الأفكار لن تؤدي إلا إلى انتصار الأعداء”.

الشاه محمد رضا بهلوي مع زوجته الإمبراطورة فرح وابنهما الأمير رضا، ولي العهد، خلال حفل تتويجهما عام 1967. الصورة: Rex

لم يتبق سوى بضعة أيام على حلول العام الجديد، ورغم أن الجو لم يكن شديد البرودة، كانت المدينة يخيم عليها الكآبة والعبوس. وقد أخذ الضوء الخافت المنبعث من النافذة إلى سقف الصالون المغطى بالخشب يخفت سريعاً أثناء حواري مع الشهبانو الذي استغرق ثلاث ساعات، حتى كدنا نختفي في حلكة الظلام فيما كانت سمو الأميرة نور بهلوي، حفيدة الشهبانو البالغة من العمر 26 عاماً، تجلس على يساري فوق أريكة صُفت عليها الوسائد البيضاء. وتدرس أولى بنات ولي العهد الأمير رضا بهلوي –الذي كان سيعتلي عرش إيران– ماجستير إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا وتعمل مستشارة لصندوق الاستثمار النافذ غير الهادف للربح، أكيومين. وقد بدت الأميرةُ، التي كانت ترتدي بنطلوناً أسود ضيقاً وكنزة قطنية حمراء، ببنيتها الرقيقة مثل إحدى عارضات الأزياء الراقية، فيما كشف شعرُها الذي عقصته بتسريحة ذيل الحصان عن وجنتيها البارزتين وعينيها اللوزتين الواسعتين اللتين تشبهان عينيّ جدها الراحل.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2019 من ڤوغ العربية.

الأميرة نور بهلوي ترتدي إطلالة من ميزون ربيع كيروز، وتتزين بمجوهرات من ڤان كليف آند أربلز. بعدسة: ستيفاني ڤولباتو لڤوغ العربية

وقد تحدثنا لساعات بلا انقطاع، ولكني شاهدت في اليوم التالي، في غمرة الضجة التي أثارها طاقم جلسة التصوير في منزل الشهبانو، عراكاً معتاداً في هذه العائلة، فقد صاحت الأميرةُ نور قائلةً لجدتها: “لا بأس أبداً بهذا الفستان!”. وكانت ترتدي فستاناً من ديور بلون البشرة؛ بدا صداره الرقيق أشبه برداء الراقصات أثناء التدريب ولكن من دون أكمام. ورغم أنها بدت مثل راقصات الباليه، اعترضت الشهبانو بإصرار على هذا الفستان. ولم يكن التصوير قد بدأ بعد، ويمكنها أن توقفه في أي لحظة. ولم يكن غضب الأميرة نور نابعاً من امرأة محبّة بطبيعتها للظهور والبريق، بل من إيرانية أثقل كاهلها القيود التي وضعها النظام الحاكم الذي يطالب النساء الآن بالاحتشام.

الإمبراطورة فرح بهلوي ترتدي بذلة من رالف لورين، فيما ترتدي الأميرة نور فستاناً من جيامباتيستا ڤالي. بعدسة: ستيفاني ڤولباتو لڤوغ العربية

وكان جدها الأكبر، رضا شاه بهلوي، مؤسس الدولة البهلوية، قد أصدر مرسوماً ملكياً عام 1935 يقضي بمنع ارتداء الحجاب. ولكن الحجاب عاد مرة أخرى كرمز لمقاومة العائلة الإمبراطورية خلال الثورة عام 1979، التي قادها آية الله الخميني. وبحلول عام 1983 فرضت الحكومة على النساء -في هذه الدولة التي يتعايش فيها المسلمون، والمسيحيون، واليهود، وأتباع الديانة الزرادشتية جنباً إلى جنب- ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بغض النظر عن معتقداتهن الدينية.

الإمبراطورة فرح بهلوي بصحبة للا سلمى أميرة المغرب، وآن إيمون زوجة ڤاليري جيسكار ديستان، وماتيلد ملكة بلجيكا، في قصر فرساي عام 2003.

وحين طلبتُ من الشهبانو أن تصف لي مشاعرها حين رزقت بأول حفيدة لها في واشنطن، ابتدرتني قائلةً: “لم تعد ذاكرتي تسعفني مثل الماضي. لقد كنت سعيدة فحسب لأني رزقت بحفيدة بصحة جيدة”. ولكن لكم كان هذا المشهد مختلفاً حين أهدت الشهبانو –وهي الزوجة الثالثة للشاه بعد طلاقه من الأميرة المصرية فوزية، وثريا إسفندياري بختياري– زوجَها ووطنَها وليَ العهد الذي طال انتظاره. تجيب وقد أثارت هذه الذكرى العزيزة ابتسامتها: “كان فستان زفافي من تصميم إيڤ سان لوران، الذي كان يعمل في ديور آنذاك. وقد حاكت خيّاطتُه فستاني بخيوط زرقاء كي أُرزق بصبي”.

الإمبراطورة مع ثلاثة من أبنائها، وهم: ولي العهد الأمير رضا، والأمير علي رضا، والأميرة فرحناز، في السبعينيات.

واختلج جسمها قليلاً كما لو كانت تعود من ذكريات الماضي إلى عالم الواقع، وأخبرتني أن حفيدتها تتمتع بموهبة الرسم. وهي لا شك إشادة لا يستهان بها من امرأة كانت صديقة لرسامين من أمثال سلڤادور دالي وآندي وارهول، وأقامت في السنوات الأخيرة من عهدها، في عام 1977، أول متحف متكامل للفنون في المنطقة، أُطلق عليه اسم متحف طهران للفن المعاصر. وتبتسم الأميرة نور قائلةً: “لقد ورثت هذه الموهبة منكِ، يا ماما يايا”، ما كشف لنا عن اسم التدليل الذي تنادي به الأميرةُ جدتَها. “لقد اعتدتُ رؤيتكِ تصنعين وتلونين بالألوان المائية فواصل الكتب التي كنتِ تهدينها لي وشقيقتيّ [الأميرة إيمان البالغة 25 عاماً، والأميرة فرح البالغة 15 عاماً]. وكان لديكِ جميع التجهيزات الفنية في منزل غرينتش”. وتعود الشهبانو سريعاً إلى ذكريات الماضي: “بعدما فقدتُ ابني علي رضا عام 2011 –وكان جاداً في عمله وشديد الذكاء؛ وعالماً بتاريخ إيران على نحو لا يصدق– قالت صديقة لي: ’لماذا لا تأتين إلى منزلي وترسمين؟ لديّ قماش الرسم والألوان‘. وقد ساعدني ذلك…” وتتحدث بطلاقة وحب عن أبنائها الأربعة. وتصف ابنها البكر، ولي العهد الأمير رضا قائلةً: “إنه طيّار بارع، وينظر إلى العالم ’عالياً من هناك‘ ولا يحمل ضغينة لأحد”. وتقول عن ابنتها الثانية، الأميرة فرحناز: “كانت فتاة ’مسترجلة‘ في صباها، كما يُقال في إيران، ولكنها عذبة للغاية وطيبة القلب. حتى إن إخوتها ينادونها بالأم تريزا. وقد جاءتها ليلى ذات يوم وقالت لها: ’رأيتُ الرجلَ المشرد قريباً من الشقة مرتدياً الكنزة التي أهديتُها لكِ!‘. إن فرحناز من هذه النوعية من النساء”. وعن الأميرة ليلى، صغرى أبنائها والتي توفيت في الـ31 من عمرها في لندن عام 2001، تذكر الشهبانو: “كانت ذكية للغاية، ولديها الكثير من الأفكار الجميلة. ولن أنسى ما حييت ما أخبرتني به من أنها ستقول لوالت ديزني أن يصنع أفلام كرتون عن القصائد الملحمية لشاعر إيراني بارز…” ويتهدج صوتها حين تذكر بنتها وابنها الراحلين، وتردف: “لا يمر يوم واحد دون أن أذكر ليلى وعلي رضا. ولكن عليّ ألا أخسر نفسي وأحتفظ بشجاعتي من أجل أبنائي الآخرين وإيران”.

الإمبراطورة فرح بهلوي مع أبنائها الأربعة: ولي العهد الأمير رضا، والأميرة فرحناز، والأمير علي رضا، والأميرة ليلي، عام 1976.

ويتألف منزل الشهبانو في باريس من طابقين، ويحتوي على ممرات متعرجة وغرف خفيّة، ويزخر بصور عائلية لوجوه مبتسمة تحتفل بالتقاليد الإيرانية، مثل حرق بخور إسفند (بخور الحرمل)، وإشعال النار خلال احتفالات عيد أربعاء سوري [مهرجان تقليدي إيراني يقام في آخر أربعاء من السنة الفارسية لوداع آخر شمس فيها]، والمناسبات السعيدة الأخرى مثل أعياد الميلاد وحفلات التخرج. وتعلو الابتسامة وجه الإمبراطورة وتقول: “أحتفظ بجميع الرسائل، والصور، والصحف، وعدد كبير من الكتب في منزلي هنا وفي الولايات المتحدة – فأنا ممن يُطلق عليهم الأمريكيون “عشاق التكديس”. وتجيل البصر حولها وتقول فيما تستغرق في تفكير عميق: “أتساءل ما الذي سيحدث لكل هذا”. وفي الطابق الثاني من الشقة علقت على الحائط صورة للشاه الراحل والشهبانو أثناء استقلالهما دراجة نارية. وتعلق الأميرة نور عليها قائلةً: “إنها صورتي المفضلة لها. إنها تدفعني للتفكير في أن جدتي كانت ’فتاة شقية‘”. تعترض جدتها ضاحكةً: “كنت ماذا؟”. تكرر الأميرة وهي تؤكد على كل حرف من كلماتها: “فتاة شقية، يا ماما يايا”. بالطبع، لم يكن أحد ليجرؤ أمامها على وصفها بهذه الكلمة. وتوضح: “لقد ركبتُ دراجة نارية في جزيرة كيش. وانطلقتُ بها بسرعة شديدة فسقطتُ على الأرض. وعندما تمددتُ هناك مصابة بالدوار، رجاني رجال الأمن قائلين: ’يا جلالتكِ، انهضي! سيمر الناس من هنا بالحافلة. ولكني فقدتُ الوعي! وحتى الآن لا يزال الناس يسمون هذا الطريق بطريق فرح”.

الأميرة نور بهلوي ترتدي فستاناً وحزاماً من ديور. بعدسة: ستيفاني ڤولباتو لڤوغ العربية

وتروي كلُ قطعة في منزل الشهبانو قصةً ما، سياسية كانت أم شعرية. وثمة قطعة من حائط برلين –تقول عنها الإمبراطورة: “لكم أتمنى لو كانت أكبر من ذلك!”– موضوعة بجانب كتاب ضخم من البرونز يحتفي بالإصلاحات التي أنجزها الشاه. وعلى رف آخر وُضعت نسخة طبق الأصل من تاج التتويج. ففي عام 1967، قام الشاه بتنصيب فرح بهلوي إمبراطورةً لإيران كرمز لتحرير المرأة الإيرانية – وكلل رأسها، في هذه المناسبة، بتاج من مقتنياته. وقد اُختيرت دار المجوهرات ڤان كليف آند أربلز لتصميم المجوهرات الملكية، إلى جانب التاج المرصع بحجر من الزمرد بلغ 150 قيراطاً من بين 1541 حجراً كريماً جُلب من خزانة الإمبراطورية.

وخلف الجدران الحجرية لمنزلها، بدت الشهبانو غير عابئة بما يحيط بها من مقتنيات خلابة. وتعلق قائلةً: “عندما تسيرين في الطرقات، ينتابكِ شعور بأنها ليست أرضكِ”. ولعل هذا الإحساس يرجع إلى أنهم أُجبروا على الحياة في المنفى بعيداً عن وطنهم. وتقول الأميرة نور بإنه رغم الترابط الذي يجمع بين أفراد العائلة إلا أن كلاً منهم يحترم حرية الآخر. “لطالما منحتْ جدتي أبناءها مساحةً خاصة على الدوام، أكثر من أيِّ أمٍّ إيرانية أخرى. وهي موجودة لدعمهم في كل مرةٍ يلجؤون إليها – وهذا ما يفعلونه غالباً. وعندما يجتمعون معاً، دائماً ما يستمتعون بسعادة حقيقية”. وتمضي في حديثها مشيرةً إلى شقيقتيها وابنة عمها: “ولكن علاقتنا بها مختلفة”، مضيفةً: “كان والدي يملك منزلاً خاصاً به في الرابعة من عمره [بقصر نياڤاران]؛ ولم يكن ينام في فراشها مثلما كنت أفعل”.

الإمبراطورة فرح بهلوي ترتدي بذلة من رالف لورين. بعدسة: ستيفاني ڤولباتو لڤوغ العربية

وتتقن الأميرة نور عدة لغات، وجانب من ذلك يعود إلى قراءتها للقصص الواقعية، مثل السيرة الذاتية لرائد التكنولوجيا إيلون ماسك، وعلوم الأعصاب، والقصص الملحمية مثل رواية “البؤساء” التي دعمت الثورة الفرنسية وكتبها ڤيكتور هوغو، أحد المناهضين للحكم الملكي، ونشرت عام 1862. وتكشف بأنها كانت واعية ويقظة حتى حين كانت طفلة رضيعة. وتضيف الشهبانو مؤكدةً على قولها: “ولم تكن تكف مطلقاً عن طرح الأسئلة”. وقد لاحظتْ الأميرةُ الصغيرة سريعاً هذا الاهتمام الذي يحيط بجدتها. “كان الناس من حولها يغلب عليهم التأثر ويظهرون لها مشاعر المودة، ومن الواضح أنه كان أمراً محيّراً لي كطفلة”. وحين اكتشفتْ أنها من عائلة إمبراطورية، لم يخبرها أحد قط أنه امتياز؛ بل دور مسؤول لخدمة المجتمع. “كان والداي يشعران بالخوف، أعتقد، بسبب ما حدث مع قيام الثورة، وكيف أثرت على عمي وعمتي. لذا لم يريدا أبداً أن تتمحور هويتي حول هذا الأمر أو تلك الحياة. كانا يريدان منا أن نركز على دراستنا؛ وألا نفكر أبداً في أننا سنحصل على شيء بسبب لقب أو نسب”.

وقد تحدثتُ هاتفياً بعد بضعة أسابيع من لقائي معهما بسيدة من النازحين الإيرانيين المسجلين والبالغ عددهم مليون إيراني. وقد وافقت هذه السيدة على الحديث معي شريطة عدم الكشف عن هويتها، لحماية عائلتها في إيران. وابتدرتني قائلةً: “تتمتع الشهبانو بشعبية كبيرة، وتحظى بكل الحب والاحترام. ونحن ندعوها باسم ’أم إيران‘. وحين كانت إمبراطورة، كانت دائماً تستحث النساء – وقامت بأشياء لم تفعلها زوجتا الشاه السابقتان خلال تاريخهما. ولعبت دوراً كبيراً في حياة النساء آنذاك حتى بدأنا نشعر بأننا مساويات للرجال، بما في ذلك انضمامنا للجيش – وجميع الأمور الأخرى التي لم تكن متاحة لنا في السابق. وقد أنهيتُ دراستي في مدرسة الحقوق، وبعد الثورة، مارست العمل مع شقيقي. وكان لدي أحلام كثيرة وقتذاك، ولم يتحقق أي منها. فقد كنتُ أريدُ العمل قاضية – ولكن لم يكن هناك قاضيات في إيران، إذ تُعتبر النساء ’عاطفيات للغاية‘ ما لا يؤهلهن لاتخاذ القرارات”. وأخذت تروي لي كيف مزقت الثورة العائلات وفرقت بين أفرادها، وصار الناس فقراء. وما تبع ذلك من تضخم. كما جُردت النساء من حقوقهن. “والآن، يقولون في إيران، إن الشخص الوحيد الذي يرغب في العودة إليها هو ولي العهد الأمير رضا – أما الإيرانيون فيرغبون في الرحيل عنها. وقد كتبتُ يوماً رسالة لجلالتها ورويت لها قصة فراري من إيران أثناء حملي، وبأني أتطلع للعودة إليها يوماً ما. وكتبتْ رداً على رسالتي: ’أنا موقنة بأن إيران ستنهض وتنفض عنها الرماد‘”.

الإمبراطورة مع حفيدتها نور خلال طفولتها. الصورة بإذن من ولي العهد الأمير رضا

وقد شرع رضا شاه بهلوي، بعدما اعتلى العرش بقرار من المجلس الوطني عام 1925 عقب الانقلاب على آخر حكام الأسرة القاجارية عام 1921، في إقامة حكومة مركزية وإنشاء بنية تحتية لا تزال قائمة حتى اليوم – ضمت الجيش، والشرطة، وأولى الجامعات، والطرق، والسكك الحديدية، والمستشفيات. وقد حافظ الشاهُ الراحل وإمبراطورتُه على هذا الإرث وواصلا بناء الدولة بإصدار قوانين لإصلاح الأراضي، ومنح النساء حق التصويت، وتأميم شركات النفط، حتى حققت إيران نمواً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي لا مثيل له في العالم، إلى جانب رعايتهما للفنون والثقافة. وتعلق الأميرة نور قائلةً: “لا أعرف كثيراً من الثقافات تراجعت للخلف مثل ثقافتنا. فقد كان للنساء، أثناء حكم جدي، مجموعة موسعة وشاملة من القوانين التي تهدف لحمايتهن، كما حصلن على حق التصويت [عام 1963] – حتى قبل أن تحصل عليه النساء في سويسرا”.

واليوم، وفقاً لتقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2018 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل إيران المركز الـ142 من بين 149 دولة. ويتم حرمان النساء الإيرانيات على نحو ممنهج من الحقوق والحماية الاجتماعية، والتعليمية، والقانونية. وتشير الأميرة إلى التباين الشديد بين سكان المدن والقرى قائلةً: “ثمة اختلاف هائل بينهم، حتى في مجال الرعاية الصحية، المتاحة للنساء. وقد لفت انتباهنا الكثير من هذه الاختلافات بسبب مرض والدتي”. وكانت الأميرة ياسمين، زوجة ولي العهد، قد أعلنت عبر انستقرام في نوفمبر من العام الماضي أنها مصابة بمرض سرطان الثدي وأنها ستُجري عملية استئصال للثديين. وتقول الأميرة بفخر: “لقد أقامت هذه البوابة المفتوحة لعلاجها حتى ترفع مستوى الوعي بمرض سرطان الثدي وصحة المرأة. ولكنها اكتشفت أن إيران تُولي عناية كبيرة بالصحة الإنجابية فقط، وعلى النقيض من ولادة الأطفال، تتجاهل رعاية المرأة كأنثى”.

الإمبراطورة خلال حفل تتويجها عام 1967. شرفت بتصميم التاج والمجوهرات الملكية دارُ ڤان كليف آند أربلز

تقول الشهبانو: “بعض الناس من الأجيال الأكبر عمراً تساءلوا عني قائلين: ’لماذا تتحدث عن ذلك؟‘. ولكنه أمر إيجابي للغاية أن تكشفه للناس”. وتستكمل الأميرة نور حديث جدتها قائلةً: “تتمنى والدتي أن ترى وصمات ثقافية معينة يُقضى عليها. وكثيراً ما واجهت انتقادات شديدة طوال زواجها – وأحياناً لسفرها فقط دون زوجها. ولا أعلم ما إن كان ذلك يعود لكونها امرأة، أم أنها بسبب فكرة ما على ما ينبغي أن تكون عليه العائلة الإمبراطورية. ولكن بالنسبة إليها، الحديث عن مرضها مهم للغاية”. وأضافت بأن والدتها كانت ربما لتموت لو لم تكن تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية تتلقى العلاج بها.

وفي التفاتة بدت وكأنها تستمد منها الراحة، ربتت الأميرةُ نور على بطن موغلي، وهو كلب من سلالة فارس الملك تشارلز، كانت قد أهدته إلى جدتها. وكان موغلي قد قضى الساعات القليلة الماضية يتنقل بين المرأتين اللتين لم تبخلا عليه بالحنان والتدليل. وتعلق الأميرة نور فيما تنظر بحنان إلى جدتها ماما يايا: “إنها طيبة تجاه جميع الكائنات الحية وتتعاطف مع أي شيء يتسم بالبراءة. وبرؤية كمّ التجارب التي مرّت بها وحفاظها على رباطة جأشها ووقارها، نشعر بدورنا بالاستقرار والقوة”.

وعن تطلعاتها لإرث بهلوي، الذي ستحمله يوماً ما على كتفيها الرقيقين، أجابت: “إرثنا يحيا حتى اليوم – بفضل الإسهامات التي قدمتها عائلتي وما نؤمن به أفكار”. وتؤكد أن والدها من المناصرين للحرية والديمقراطية. وتنهي حديثها قائلة: “إيران تعني لنا كل شيء، ولكن تقلدنا لأي منصب رسمي في المستقبل لن أقرره أنا بل الشعب. فالمستقبل في أيديهم، وهو ما يجب أن يكون”. 

تصوير: ستيفاني ڤولباتو
تنسيق الأزياء: سارة كازينوڤ
تصفيف الشعر: أوليڤييه ليبرون
المكياج: كاميل سيغوريه
شكر خاص لنازي نازهاند.

والآن اقرؤوا: تعرَّفوا إلى هؤلاء السيدات الأنيقات اللواتي يستعنَّ بالموضة لردِّ الجميل إلى المجتمع

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع