لقد أصبح الأمر بمثابة تقليد سنوي لعلامة دولتشي آند غابانا؛ ففي كلِّ عامٍ وفور انتهاء عرض مجموعات الأزياء الراقية، تدعو العلامةُ أبرزَ زبائنها وعدداً من الضيوف الذين يتم اختيارهم بعناية للسفر إلى إيطاليا، لتمتِّعهم هناك بعرض مجموعتيها ألتا مودا وألتا جيوليريا. وهذه التصاميم المصنوعة بكاملها يدوياً تتميز بأعلى مستويات المهارة الحِرَفية، حيث تستعرض حسَّ البراعة الفريد من نوعه الذي تتحلَّى به العلامة. وهي أيضاً لحظةٌ تسمح لدولتشي آند غابانا بالاحتفاء بجوهرها الإيطالي المفعم بالأصالة، وتعزيز روابط الصداقة التي تجمعها بزبائن قادمين من البرازيل وروسيا والولايات المتحدة ودول عديدة أخرى.
وبعد مفاوضاتٍ طويلة مع المؤسسات المحلية، تمكنت دولتشي آند غابانا من إقامة هذه النسخة من عرض ألتا مودا في صقلية، فهذه الجزيرة تتمتع بأهمية خاصة بالنسبة لدومينيكو دولتشي، إذ ينحدر المصممُ من تلك المنطقة. ولكن ليس أيّ موقعٍ يفي بهذا الغرض، حيث هيمنت العلامةُ على أروع المواقع التاريخية وأكثرها إبهاراً، في إطار تعاون يعود بالمنفعة على جميع الأطراف، فقد قدمت العلامةُ الإيطالية تبرعات مالية من أجل المحافظة على تلك المواقع وترميمها [بالتوازي مع عرض أزيائها هناك]. وكان عرض أول أمس لحظةً مميزةً ذات أبعاد ملحمية، إذ أقام دومينيكو وستيفانو عرضاً على المنصة قدّم 125 إطلالةً في معبد كونكورديا بمدينة جرجنت (أغريجنتو)، وهو تحفةٌ أثريةٌ شُيِّدت نحو العام 440 قبل الميلاد، ويُعتَبر من أفضل المعابد على الطراز “الدوريي” [أحد أنظمة البناء في اليونان القديمة والعمارة الرومانية لاحقاً] التي لاتزال محافظةً على شكلها إلى حدٍّ بعيدٍ على الجزيرة.
وعن ذلك يعلِّق المصممان بالقول: “وادي المعابد في مدينة جرجنت هو أحد أبرز الأمثلة على الفن والهندسة المعمارية التي ورّثها اليونانيون القدماء لنا، وربما لا يضاهيه في روعة تصاميمه المعمارية وكماله إلا معبد البارثينون في مدينة أثينا”، ويضيفان: “تستحضر قطعُ مجموعة ألتا مودا أساطير الكلاسيكية، التي لاتزال منذ قرون وإلى الآن تأسر بسحرها خيال الشعراء والرسَّامين والنحَّاتين. وتماماً مثل أولئك الفنّانين الذين لم يملّوا مطلقاً من إعادة تأويلها في تحفهم الفنية، رسمها خياطو دولتشي آند غابانا وقاموا بتطريزها وحياكتها على الأزياء بلا كللٍ أو مللٍ. كما هيمنت قوة تلك الأساطير -التي لا يوازيها شيءٌ- على تفرُّد ألتا مودا، مثلما سحر جمالُ صقلية الفريد مخيلةَ اليونانيين قبل آلاف السنين”.
ومع غروب شمس ذلك اليوم، ملأت أنغام معزوفات إنيو موريكوني الأجواء، وبدأت العارضات بالظهور من بين أعمدة المعبد المهيبة، وتهادين فوق منصة عرضٍ ذهبية فخمة، وقد تزيَّنت تلك الإطلالات بصنادل غلادياتور ودروع ذهبية وأقواس وتيجان وأجنحة، وكانت أول إطلالة ذهبية بالكامل ومطرزة بكثافة بالترتر اللامع والخرز الزجاجي الطويل وقطع الكريستال. وقد تضمنت المجموعة فساتين قصيرة، وأخرى طويلة وضيقة مرفقة مع كابات تحتفي بالآلهة الإغريقية: أثينا، وهيرا، وأفروديت، وأرتميس. وعندما أطلَّت العارضة الشهيرة هيلينا كريستينسن مرتديةً فستاناً من حرير التول مرسوماً عليه يدوياً أوراق ذهبية، بدا الأمر حقاً كزيارةٍ إلى جبل أوليمبوس، ولكن على طريقة دولتشي آند غابانا.
ومع توالي فقرات العرض، بثَّت عناصرُ أخرى من العصور القديمة الحياةَ في المجموعة، حيث أُرفِقَ كورسيه مفرغ مستوحىً من الحقبة الإغريقية بتنورة مصنوعة بأكملها من الأورغنزا بتصميم يحاكي لوحة “أوديب في كولونوس” (1788) للفنان جان أنطوان جيروست. كما طُرِّزت تماثيل وأعمدة ضخمة وكذلك الخزف الإغريقي العريق في إطلالات فاتنة كاملة، في حين كللت رؤوس العارضات أوراق هيرا النباتية وأشرطة الزينة وإكسسوارات للرأس مستوحاة من فن العمارة الكلاسيكية. كما تزينت بعض الإطلالات بأشعار هوميرو، ما أضاف لمسةً شاعريةً للعرض.
وفي ختام العرض، ارتدت عارضات دولتشي آند غابانا المفضلات، وهن: جيسيكا ستام وإيزابيلي فونتانا وبيانكا بالتي، فساتين سهرة رائعة الجمال بألوان مطفأة ضمت الوردي والأزرق والرمادي، مع تنانير أورغنزا مزدوجة مرسومٌ عليها يدوياً رسومات سلطت الضوء على خصال الآلهة أرتميس وهيرا وأفروديت. وخرجن الواحدة تلو الأخرى أمام واجهة معبد كونكورديا، حيث انضمت إليهن بقية العارضات الـ122، ورسمن صورةً قويةً جعلتنا نؤمن أنه وبالرغم من أن شبكة الإنترنت يمكن أن تأخذنا إلى أي مكانٍ في العالم، إلا أن هناك أشياء يجب أن نشاهدها على أرض الواقع. ومع وقوف الجمهور للتصفيق للمصممين، فعلنا مثلهم نحن أيضاً.
ختام عرض دولتشي آند غابانا في معبد كونكورديا بمدينة جرجنت. بإذن من دولتشي آند غابانا
والآن اقرؤوا: 11 فستاناً أنيقاً بتصميم ضيّق لمناسباتكِ الساهرة هذا الصيف
