تابعوا ڤوغ العربية

مصممون عرب من جيل الألفية يقودون حركة الاستدامة في المنطقة

بسبب تزايد وعيهم بالآثار الكارثية لصناعة الموضة على كوكب الأرض، أصبح رواد الأعمال والمصممون العرب من جيل الألفية في طليعة المتحمسين إلى صناعة أزياء واعية تحقق معايير الاستدامة للعالم أجمع.

بعدسة: مان

في عام 1915، دق الطبيب النفسي الألماني إميل كريبيلين ناقوس الخطر حين ذكر أن اضطراب الشراء القهري أو هوس الشراء سيجتاح عالمنا، وهو ما حدث بالفعل. فقد توصل التقرير العالمي للمستهلكين على الإنترنت لعام 2017، الذي نشرته شركة الخدمات المهنية “كيه بي إم جي” والذي استطلع آراء آلاف الأشخاص في 50 دولة، إلى أننا لم نعد “نخرج” للتسوق، بل أصبحنا نتسوق كل دقيقة من الإنترنت. وقد أدى هذا الهوس إلى شحن 34 مليون حاوية (بطول متوسط يبلغ 6 أمتار) في أنحاء العالم سنوياً. كما قادنا إدماننا لشراء كل جديد إلى إسراف ونزعة مادية غير مسبوقة شكلا ضغطاً يصعب التغلب عليه على الموارد الطبيعية. وقد خلق المستهلكون، والمصنعون، وتجار التجزئة عالماً “يختنق بالأشياء” – وتتكدس فيه أكوام وتلال من المشتريات التي خرجت عن السيطرة. وفي السنوات الأخيرة، أصبحنا نعيش في واقع مرير قادنا إليه ضيق أفقنا، وتجاهل أغلبنا للآثار البيئية، والاجتماعية، والأخلاقية لخياراتنا الفردية. وقد دفعت أمنا الأرض ثمناً باهظاً لأطماعنا. وهو ما يدفعنا للتطرق إلى الموضة بطيئة الزوال التي لا تختفي سريعاً، والتساؤل: ما المطلوب منا لنكون أكثر رويّة في التفكير، والإبداع، والاستهلاك؟ وقد أصبح هذا محوراً لأهم الأحاديث التي تدور حول الأناقة في عصرنا.

وقد استلهمت الموضة البطيئة فكرتها من حركة الأغذية البطيئة، التي اهتمت بالجودة، والسعر العادل، والسلامة البيئية كركائز للاستهلاك. وتُعنى الموضة البطيئة بالتصنيع الواعي للأزياء الذي يطيل عمرها. وتشمل شراء تصاميم تحمل قيماً ثقافية وعاطفية – تحثنا على الابتعاد عن الشراء والتخلص السريع مما نشتريه بهذه الوتيرة المرعبة التي نقوم بها اليوم. وقد ازدادت معدلات شراء الأزياء بالنسبة للمستهلك العادي بنسبة 60٪ مقارنةً بعام 2000، فيما يتم إحراق شاحنة لمخلفات الملابس أو إرسالها إلى مدافن النفايات كل ثانية. لذا نظام الموضة في حاجة ماسة إلى التغيير. وإذا لم تقم الأزياء الفاخرة الواعية بحثنا على تخفيض الاستهلاك والاهتمام بمراحل الصناعة بقدر اهتمامنا بالمنتج النهائي، فإننا سنظل ننخدع بالأنظمة المدمرة والمُستنزفة للطاقة، والبدع، والصرعات، والصور الدورية للأزياء التي يمكن التخلص منها بسهولة. وقد حددت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 17 خطوة هادفة للتغيير من أجل حماية الأرض. ويقول ماتيو لاندي، الخبير بمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية: “نحتاج إلى إجراء تغيير كبير لتطبيق نموذج اقتصادي يعتمد على الاستدامة، وإعادة التوزيع (أو توزيع أكثر للفعاليات)، والأنشطة التجارية التي تحركها الأهداف وليس تحقيق الأرباح”. وهو أمر بات عالم الموضة الذي يموج بالنشاط والحيوية يدركه جيداً.

إيما واتسون ترتدي فستاناً من البلاستيك المعاد تدويره من تصميم كالڤن كلاين خلال حفل ميت غالا لعام 2016. الصورة بعدسة ديميتريوس كامبوريس/Getty Images

مصمم الأزياء الراقية المستدامة رونالد ڤان دير كيمب خلال عرض مجموعته لربيع وصيف 2018. Getty Images

ومنذ أن ذاعت شهرتها، تتألق الممثلة الشابة إيما واتسون بالأزياء الراقية التي تطبق معايير الاستدامة وتستغل جولاتها الصحفية لعرض مجموعة متنوعة من العلامات، منها العلامة المصرية أختين، وستيلا مكارتني، ورونالد ڤان دير كيمب. كما دافعت العارضتان أمبر ڤاليتا وكريستي تورلينغتون عن الحقوق الإنسانية للعاملين في صناعة الأزياء في سلسلة الأفلام القصيرة التي حملت عنوان Driving Fashion Forward (دفع الموضة للأمام). وفي الآونة الأخيرة، أعلنت شانيل عن عزمها الاستثمار في شركة ناشئة ببوسطن تسمى إيڤولڤد باي نيتشير متخصصة في تصنيع الحرير المستدام. في حين تعهدت مجموعة كيرينغ (مالكة علامات غوتشي، وسان لوران، وألكسندر مكوين) بالوفاء بالتزامات مهمة لإدراج الممارسات المستدامة على نطاق واسع في أعمالها التجارية. واحتفالاً باليوم العالمي للبيئة الذي يوافق الخامس من يونيو، أطلقت المجموعة منصة رقمية ريادية كرستها لعرض أرباحها وخسائرها البيئية. وتقدم عبر هذه البيانات أفكاراً هادفة وتدعم شركاتها المصنعة للأزياء التي تؤثر على البيئة. وقد أصبحت في طليعة الشركات التي تتبنى أول مجموعة شاملة من المعايير التي تُعنى بالرفق بالحيوان في مجال المنتجات الفاخرة.

الملكة رانيا ترتدي معطفاً من أباديا. Getty Images

ووفقاً للقائمة السنوية العالمية لأفضل 100 شركة لعام 2019 التي نشرتها المجلة التجارية لشركة البحوث والمعلومات المالية كوربوريت نايتس، تحتل مجموعة كيرينغ المرتبة الثانية في قائمة الشركات الصناعية في العالم الأكثر اهتماماً بالاستدامة، وكذلك المرتبة الأولى في قائمة الشركات المُصنعة للمنتجات الفاخرة ومنتجات الموضة. ولا يمكننا أيضاً إغفال نداءات رواد الأعمال العرب الشباب الطامحين إلى بناء مستقبل مستدام للمستهلكين. وتتحدث شهد الشهيل، مؤسسة علامة أباديا المعروفة بإعادة تقديم معطف “الفروة” التراثي السعودي بطابع عصري، عن الاستدامة قائلةً: “إننا نضعها في اعتبارنا في كل مراحل التصنيع”. وقد حظيت تصاميمها العصرية لمعطف “الفروة”، والتي تتميز بالفخامة والخلود والتنوع، بالمصداقية حين ارتدت الملكة الأردنية رانيا أحد إبداعاتها خلال حفل تخرج ابنتها من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية. وتتعاون أباديا مع شركاء آخرين مثل مؤسسة “حِرفة تُراث” غير الحكومية لتشغيل الحرفيات. وعن ذلك تقول شهد: “نعمل على تطوير بصمتنا الحرفية في جميع أنحاء المنطقة، بإضافة مجموعات حرفية جديدة واستكشاف التقنيات الحديثة”.

وفي حفل توزيع جوائز غرامي الموسيقية هذا العام، لفتت كاردي بي الأنظار حين تألقت ببذلة ضيقة مرصعة بالجواهر من تصميم تييري موغلر وانتعلت حذاء لامعاً بكعب عال من علامة الأحذية اللبنانية بويز ديزاين التي تتبنى مؤسستها إيما بطرس نهجاً مستداماً في صناعة الأحذية عبر استخدام جلود وأقمشة متبقية من مخزون قديم وإعادة تصميمها في قالب جديد. وتعلق إيما: “أود أن أجعل من تصاميمي قطعاً فريدة تحمل جزءاً مني – كامرأة عربية تعيش في الشرق الأوسط وترغب في نشر الوعي بجمال ثقافتنا عالمياً. لذا أبحث عن نموذج أو خامة شائعة الاستخدام بين جميع العرب، وأجلب ’الكوفيّة‘ من الحرفيين المحليين”.

ويعد هذا النهج خير مثال على تحقيق الاستدامة الثقافية، إذ تستعين إيما بالتقاليد الحرفية القديمة، التي تناقلتها الأجيال في القرى المحلية، وتصنع منتجاتها في مصانع يعمل بها حرفيون من اللاجئين السوريين، فضلاً عن حرفيين من المصريين، واللبنانيين، والأرمن الذين اكتسبوا خبرة واسعة من العمل لسنوات طويلة. وقد استلهمت فكرة صناعة الأحذية من مواد معاد تدويرها حين تعاونت مع مصمم الأزياء اللبناني الحائز على جائزة، روني الحلو، والذي يعد من أوائل المصممين الذين لفتوا الأنظار إلى أزمة تكدس القمامة في لبنان. وتقول المصممة: “لقد دفعني للتفكير – وسألت نفسي، لم لا أصنع أحذية مستدامة؟”. وقد التزمت إيما بهذا القرار الجاد، مؤكدةً: “سأظل أغيّر منهجي وأبدله حتى أعتمد بالكامل على الممارسات المستدامة”. وقد تحدثت مؤسستا العلامة المصرية للإكسسوارات “أُختين” عن الاستدامة الثقافية باعتبارها تقبع في صميم أعمالهما الفنية. تقول المصممتان الشقيقتان، آية وموناز عبد الرؤوف، اللتان تعملان مع مجموعة من الحرفيات من جميع أنحاء مصر: “تعلمنا أن الحرف اليدوية تتطلب الكثير من الجهد والوقت. وأنه من المهم أن يحافظ المصممون على هذا الشكل الفني. فنحن نعيش في عالم يسير بوتيرة سريعة، ورغم أن ذلك يثير الحماس إلا أننا في حاجة إلى التفكير فيما يصلح لبيئتنا”. وتحث المصرية نورهان السكوت، مؤسسة علامة سكوت للأزياء المستدامة، عميلاتها على خفض الاستهلاك. وقد يبدو ذلك منافياً للمنطق الشائع بين المصممين، إلا أن نورهان تهتم بتقديم منتجات أغلى ثمناً وأعلى جودة حتى تدوم لمدة أطول من الأزياء السريعة. ومن ناحية أخرى، يشدد لاندي على ضرورة تغيير طريقة الإنفاق: “من المهم أن نسعى جاهدين نحو مشاركة أكثر جدوى للقطاع الخاص تتجاوز الرعاية والتبرع. وهذا من شأنه أن يحدث التأثير الضروري الذي يماثل إلقاء كرات الثلج [مصطلح مجازي يصف حدثاً يبدأ من مرحلة قد لا تؤثر كثيراً ثم تتراكم وتتفاقم حتى تصبح أكثر تأثيراً وجدية]، فيما يحافظ على النمو والازدهار الاقتصادي”.

ولا يوجد في لبنان سوى خيارات محدودة لتدوير الملابس القديمة. فبعضها يذهب للتبرعات، ولكن أغلبها يُلقى في مقالب القمامة ما يشكل تأثيراً كارثياً على البيئة. وقد أدت قلة موارد المنظمات غير الحكومية وغياب نظم التوزيع الفعالة إلى تخفيض الملابس التي يمكن جمعها للاستخدام مرة أخرى بنسبة تقل عن 5٪، وهو ما أدى إلى تأسيس شركة جمع الملابس المستعملة وتوزيعها فابريك إيد. ويوضح عمر عيتاني، الشريك المؤسس والمدير العام للشركة: “أكثر من نصف سكان لبنان، البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، ينتمون إلى الطبقة فوق المتوسطة، ولديهم ملابس تصلح للتبرع. وتتجاوز الملابس المتاحة الكمية التي تحتاجها المجتمعات الفقيرة بمرة ونصف. وهو ما دفعني للتفكير في تأسيس فابريك آيد”.

وتعمل هذه الشركة على سد الفجوة بين مَن لديهم ملابس فائضة وأولئك الذين يحتاجون إليها، فيما تتيح لأفراد المجتمعات الفقيرة اختيار الملابس التي يرغبون في شرائها. ويقول عيتاني: “يتمنى العرب من جيل الألفية التأثير بأعمالهم على العالم؛ فهم يتطلعون لعمل شيء ما للمجتمع، وجعل العالم مكاناً أفضل. ونحن حالياً نشكل الجزء الأكبر من سوق الاستهلاك وستضطر الشركات إلى تكييف منتجاتها مع هذه القوة الشرائية الجديدة، وهو الأمر الذي سيجعل من الفخامة والاستدامة وجهان لعملة واحدة”.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد يوليو وأغسطس 2019 من ڤوغ العربية.

اقرؤوا أيضاً:علامة سعودية للموضة البطيئة تمزج بين الاستدامة والأناقة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع