تقول الدكتورة المختصة بالأمراض الجلدية شازيا علي المقيمة في جدة المملكة العربية السعودية، “دائماً يرى الإنسان الآخرون في وضع أفضل من وضعه بكثير . فنرى الناس في الغرب يعرضون أجسادهم لأشعة الشمس للحصول على السمرة على الرغم من خطر الإصابة بسرطان الجلد، أما الناس في هذه المنطقة (الشرق الأوسط) يبحثون عن حلول لتبييض بشرتهم السمراء – غرائب الطبيعة البشرية.”
بعد استلام بلون دو شانيل Blanc de Chanel، وهو كريم تفتيح للبشرة تم توجيهه إلى الأسواق الآسيوية والشرق أوسطية، لم نستطع منع أنفسنا من التساءل عن سبب انتشار هذه الظاهرة. ” تصحيح لون البشرة وترطيبها هي أسرار البشرة المبهرة التي تتميز بشفافيتها وسطحها الناعم.” هذا ما أعلنته دار الأزياء الفرنسية التي أنشأتها المصممة المشهورة كوكو شانيل وهي كانت من أول الداعمين لصيحة تسمير البشرة في عالم صناعة الأزياء في فترة العشرينات.
هل البشرة البيضاء هي البشرة الصحيحة؟
تفسر مارجريت هنتر، وهي خبيرة في قضايا ألوان البشرة، رغبة تغيير لون البشرة إلى درجة أفتح. وفقا لها، “التلوينيه” هي عملية التمييز التي تفضل الناس من ذوي البشرة الفاتحة على نظرائهم ذوي البشرة الداكنة. وللتلوينية المعاصرة جذور في الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، والأمريكتين، حيث يحصل أصحاب البشرة الفاتحة على فرص أفضل ومراتب أعلى ونفوذ أكبر في كل تلك المجتمعات تقريباً.
ولكن دعونا نكون منصفين، ما هو الفرق بين كريمات تفتيح البشرة ومستحضرات تسمير البشرة أو الكريمات المضادة للتجاعيد؟ سألنا الدكتور شازيا علي كي تساعدنا على فهم صيحة الجمال هذه.
كيف تتم عملية تفتيح البشرة؟
يمكنك تفتيح لون بشرتك (درجة أو اثنتين) من خلال التخلص من السمرة المكتسبة عن طريق التعرض عن قصد أو من دون قصد للشمس، ويمكنك أيضاً إخفاء البقع الداكنة من بشرتك التي تحدث (بسبب الهرمونات أو حب الشباب أو بسبب مشاكل جلديه أخرى) للوصول إلى لون بشرة أكثر تجانساً. ولكن لا يمكنك تبييض البشرة، على الأقل ليس دون التسبب في إلحاق أضرار جسيمة بنسيجها الحيوي.
تعمل منتجات تفتيح البشرة عن طريق الحد من إنتاج أصباغ تسمى الميلانين في البشرة. معظم الناس الذين يستخدمون منتجات تفتيح البشرة يفعلون ذلك لعلاج مشاكل البشرة مثل بقع التقدم بالعمر وندبات حب الشباب أو تغير لون البشرة المتعلق بالهرمونات. وهي أيضاً أحد الأساليب التي تستخدم لتفتيح البشرة الداكنة بطبيعتها.
تحتوي منتجات تفتيح البشرة على عنصر حيوي أو مزيج من المكونات التي تقلل من كمية إنتاج الميلانين في البشرة في المكان الذي يتم فيه استعمال المنتج.
كان العنصر الأكثر استخداماً على نطاق واسع في منتجات تفتيح البشرة التي تباع في جميع أنحاء العالم هو عنصر الهيدروكينون. وتم حظره مؤخراً في أوروبا لما له من آثار جانبية خطيرة تظهر بعد خلال استخدامه على المدى الطويل. تنظم إدارة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة استخدام الهيدروكينون (يمكن أن تحتوي منتجات تفتيح البشرة التي تباع بدون وصفة طبية على ما يصل إلى 2٪ هيدروكينون. ويسمح لأطباء الأمراض الجلدية وصف جرعة تحتوي على ما يصل إلى 4-6٪ هيدروكينون). لا تزال استخدامات هذا المنتج في الشرق الأوسط غير مضبوطة وتختلف النسب المئوية حسب المنتج المباع.
هل تستقبلين مرضى يأتون لتفتيح بشرتهم؟
طبعا أفعل وإن جاز لي التعبير، فإن البشرة العربية والشرق أوسطية هي الأكثر عرضة لاضطرابات التصبغ.
اعتدت أن أستقبل يومياً مرضى يأتون خصيصاً لتفتيح/تبييض بشرتهم. كانوا يبحثون دائماً عن معجزة طبية لتغيير لون بشرتهم بشكل كامل.
عندما شرحت لهم أنه من المستحيل عملياً تغيير لون البشرة بشكل كامل دون الإضرار بها بشكل خطير، فكل بشرة لها سمة محددة وراثياً، يكون سؤالهم الذي يلقونه في وجهي دائماً هو “كيف استطاع مايكل جاكسون تغيير لون بشرته بشكل دائم؟”. كان علي أن أشرح مراراً وتكراراً أن مايكل جاكسون كان مصاباً بالبهاق وأنه اختار تدمير كل الخلايا المنتجة للأصباغ في بشرته كي يمزج لون بشرته الغامق مع البقع عديمة اللون المريضة وهذه هي الطريقة التي أصبح بها أشهر شخص قام بتبييض بشرته.
يأتي معظم مرضاي إلي بشكاوى تتعلق بالهرمونات ومشاكل تصبغ ذات صلة بالتعرض للشمس بالإضافة إلى شكوى فريدة هي المرفقين والركبتين الداكنتين وهي منتشرة بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية.
ما هي دوافعهم؟
كل منطقة لها رموز الجمال الخاصة بها. حيث أن معظم المشاهير في عالم (الموسيقى أو التلفزيون) في الشرق الأوسط من لبنان و سوريا و مصر يأخذون صفة آلهة الجمال والجاذبية. ولأن معظم هؤلاء المشاهير من وذوي البشرات فاتحة اللون، فبالتالي ترغب كل الفتيات العاديات بتبييض بشرتهن، بما يتناسب مع لون بشرة المغنية التي تراها على الشاشة الفضية.
وأعتقد أيضاً أن الميل المتزايد للحصول على بشرة بيضاء ليس مجرد أحد الخيارات في عالم الجمال، ولكنه يبدو أيضاً كأحد نتائج نمو الشك بالذات والالتباسات العالقة بالهوية والقبول لدى الآخرين. كما لاحظت أيضاً أن الضغط الذي يأتي من قبل الشريك والقبول لدى الآخرين يعتبرا من الأسباب الرئيسية التي تدفع مرضاي إلى تفتيح بشرتهم.
ما هي مخاطر تفتيح البشرة؟
عندما تتعرض بشرتنا لأشعة الشمس، تنتج خلايا تدعى ميلانوكسيت درع حول نواة الخلايا لحمايتها من الطفرات المسببة للسرطان الناجم عن التعرض للأشعة التحت الحمراء والفوق البنفسجية. يعمل هذا الصباغ كدرع حماية لبشرتنا من السرطان والتجاعيد.
يمكن أن يزيد الاستخدام الطويل لمنتجات تفتيح البشرة من خطر الإصابة بسرطان البشرة بسبب التعرض لأشعة الشمس.
كما هو الحال مع أي منتج جديد، ترافق منتجات تفتيح البشرة بعض المخاطر. من المهم أن نقرأ الملصق ونعرف الحقائق قبل أن نشتري منتج تفتيح البشرة ونستخدمه.
يمكن أن تسبب العديد من عناصر التبييض المختلفة بما في ذلك المكونات الطبيعية تهيج أو حساسية في البشرة، فعلى سبيل المثال هناك AHA، (حمض ألفا الهيدروكسيل) والتركيز العالي لحمض الأسكوربيك (فيتامين C) و التريتينوين (فيتامين A).
تحذير من الزئبق: بعض الناس تضع منتجات تفتيح البشرة على كامل الجسم لتغيير لونه، ويمكن أن يكون هذا خطراً جداً. حيث أفادت الوزارات الإقليمية للصحة أن العنصر النشط في بعض منتجات تفتيح البشرة (التي يكون منشؤها من أفريقيا وآسيا) يمكن أن يكون الزئبق، وأن استخدام هذه المنتجات يمكن أن يؤدي إلى التسمم بالزئبق.
الزئبق هو عامل سام يمكن أن يسبب مشاكل عصبية ونفسية خطيرة ومشاكل في الكلى. يمكن أن ينقلن النساء الحوامل اللاتي يستخدمن منتجات تفتيح البشرة التي تحتوي على الزئبق إلى أطفالهن الذين لم يولدوا بعد.
يحظر استخدام الزئبق كعنصر في منتجات تفتيح البشرة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا. ومع ذلك قد تكون بعض منتجات تفتيح البشرة المنتجة خارج هذه المناطق لا تزال تحتوي على الزئبق.
أنا أحذر مرضاي دائماً للتأكد من عدم وجود الزئبق في منتجات تفتيح البشرة التي يستخدمونها. حيث تتم تسمية الزئبق أحياناً تحت أسماء أخرى مثل الكالوميل وماركوريك وكاركوروس وماركوريو.
تحذير من المنشطات (الستيرويد): تحتوي بعض منتجات تفتيح البشرة على المنشطات. إن استخدام المنتجات التي تحتوي على عناصر المنشطات يمكن أن يؤدي إلى خطر متزايد لحدوث الأمراض الجلدية والإصابه بترقق البشرة وحب الشباب وضعف التئام الجروح.
يمكن أن يعرضك وضع المنشطات على مساحات كبيرة من الجلد إلى خطر المشاكل الصحية التي تتعلق بامتصاص الجسم لهذه المنشطات.
تحذير من الهيدروكينون: قد تم ربط الاستخدام الطويل للهيدروكينون مع تغير لون البشرة الغير مرغوب فيه والغير قابل للعلاج يسمى التمغر ochronosis.
هل تفتيح البشرة أكثر خطورة من اكتسابها للسمرة؟
لا اظن أن تفتيح البشرة هو أكثر خطورة من اكتسابها للسمرة إذا تم ذلك تبعاً للتوجيه الطبي المناسب. لقد تم ربط اكتساب السمرة على مر السنين بشكل كبير مع الإصابة بسرطان الجلد. إن أطباء الأمراض الجلدية في جميع أنحاء العالم مشغولون بتنظيم الحملات والاجتماعات للتحذير والحد من صيحات تسمير البشرة.
يعمل لون الجلد (الميلانين) كدرع واقي ضد سرطان الجلد، ولذلك نحن لا نرى الكثير من الحالات المبلغ عنها من سرطان الجلد مع الأشخاص ذوي البشرة الداكنة. الجلد الفاتح هو أكثر عرضة للإصابة بسرطان الجلد وأي شخص يستخدم كريمات تفتيح البشرة يجب أن يتذكر أنه من خلال فقدان لون الجلد هم يفقدون درع الحماية ضد الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء الضارة. وبالتالي يتوجب استخدام الكريمات الواقية من أشعة الشمس بجدية وباستمرار.
ما هي المستحضرات التي توصين بها؟
أنا لا أدعو للقيام بتفتيح البشرة دون وعي. وعادة ما أقول لمرضاي أنه لا يهم ما هو لون بشرتك إنما جودة وصحة بشرتك هي التي تجعلك تبدين جميلة. في رأيي لون البشرة الواضح يضيف جاذبية إضافية للشخص.
فيما يتعلق باختيار مستحضر ما فأنا أفضل المنتجات الخالية من الهيدروكينون أو الكورتيزون.
أوصي بالمنتجات التي تحتوي على فيتامين C ونياكيناميدي وأربوتين وخلاصة عرق السوس وحمض الكوجيك والتريتينوين وحمض الأزلايك.
وأود أيضاً أن أنصح بقوة باستخدام الكريمات الواقية من الشمس بشكل يومي حتى في الأيام الغائمة.