سيكريه دو روشاس أوود ميستريه
من روشاس
المكونات: مانغا، عشب البتشول، العود
حين قامت شركة الصابون العملاقة بروكتر آند غامبل بشراء روشاس وباتو قبل عشر سنوات ماضية، وصف الأمر أنه أشبه بشراء فيات لـفيراري، على الرغم من أن التشبيهه بشراء كاتربيلار لـروليكس كان ليكون أفضل بكثير من حيث المقارنة، نظراً إلى أن بروكتر آند غامبل بدت في الأصل مترددة وتتصرف بغرابة حيال التعامل مع علاماتها الصغيرة الفاخرة المشهورة. وسبب هذا لا يعود لافتقاد المهارات ضمن الدار: فالعطر العملي من مستوى التفوق الذي تحرص عليه بي آند جي، هو على ذات المقدار من الصعوبة الموجودة في ابتكار عطر راق وذو تقنية عالية بدرجة لا نهائية، مشتملاً على سلسة غير منتهية من التجارب ومقارنات الأداء القاسية. ولتقدروا هذا الجهد، فكروا بواقع أن بودرة الصابون منذ ثلاثين عاماً، والتي لازال بالإمكان العثور عليها في بعض الأماكن، هي ذات مستوى أدنى بكثير من النسخ المعاصرة، في حين أن العكس هو الصحيح في حالة العطر. وبالصدفة، إن كبير صانعي العطور لدى باتو والآن لدى روشاس، جان-ميشيل دوريه، صاحب العطر الذي لا يفنى “يوجي هوم”، من مدرسة الصابون الصارمة، وعلى الأغلب أن تدريبه كان مفيداً جداً له في وقت تقلص القوارير وتكاليف التراكيب.
لم أشم سيكريه دو روشاس الغير معدل (من دون العود)، وأنا أعترض على مبدأ هذه الإشارات الروتينية عادة إلى سوق الشرق الأوسط. لكن القدرة الفرنسية على تلقف الفكرة من بعيد ومنحها الألق والطابع الأثيري هو أمر لا يجب الاستهانة به أبداً. إن الصيحة العصرية للعطور الغربية “المستشرقة” تقع ضمن فئتين: أنواع البخور-الهبية التي لا تضيف عادة سوى القليل للغاية على ما يمكن إيجاده في أي مكان، أفضل وأرخص ثمناً، في العالم العربي؛ وهذا، أسلوب الحفلات التنكرية التي تكون الغاية منها الاقتباس لا التقليد. إنه التقليد السائد في الموسيقى الفرنسية منذ مقطوعة رامو “الهند المتوددة” (1735)، إلى “كارمن” لمؤلفها بيزيه و”شهرزاد” لرافيل، أما في عالم العطور فعلى الأقل منذ “إميرود” (1921) من كوتي. كما يمكن رؤية الأمر ذاته في مطاعم فرنسية جيدة، حين ومن دون سبب محدد، تأتيك صلصة كاري مخففة لكن شهية بشكل غريب مع التالياتيلي ربما.
إن ما فعله دوريه مع هذه النسخة المختلفة من سيكريه هو شيء مدهش. إن العديد، بل في الواقع أغلب العطور تولد في عقل المرء انطباع سطحٍ صلب، أو سلسلة من الأسطح تتلاشى في بعضها البعض مع جفاف العطر، كعرض صوري. يمنحك هذا العطر ومن البداية مباشرة انطباعاً مخادعاً عن مساحة يدخل فيها المرء متسائلاً ما الذي يقبع خلف الزاوية التالية. وضمن الحدود القاسية للغاية التي تخضع لها صناعة العصور المعاصرة، يأتي هذا العطر ليبتكر، وأنا جاد فيما أعنيه، شعوراً بالغموض الذي أقدره دوناً عن غيره. أما الأمر المبهر الآخر حول هذه التركيبة هو أنه على الرغم من منظورها المتغير، إن الأثر الإجمالي من بعيد هو مطابقة مذهلة متجانسة بشكل خارق كرائحة صمغ راتنجي مستخرج من اللاذن الكريتي. وفي هذه الأيام باتت العطور كمهن السياسيين، دائماً ما تنتهي بالفشل، لكن هذا العطر ينتهي بطريقة أفضل بكثير من معظم تلك العطور، وهو ينحسر برهافة إلى انسجام ذكوري محترم من الملامح الخشبية. إنه تحفة متقنة للغاية.
خشبي شرقي