تابعوا ڤوغ العربية

على طاولة الإمبراطور

valentino-cookbook

“إن قالوا لي يوماً أني سأقوم بجمع وصفات الأطعمة في كتاب، فكنت سأقول لهم: لا، كفاكم!” قالها فالنتينو غارافاني بينما كان يتأمل كتاب فالنتينو أت ذا إمبيرورز تيبل Valentino at the Emperor’s Table، الذي هو من أكثر كتب وصفات الأطعمة بذخاً في التاريخ.

ويزعم فالنتينو أنه مميز في تحضير الأطعمة كما هو في الأزياء. “أعمل دائماً على التأكد من أن الخضروات عضوية. لا أستخدم السكر أو الحليب في صنع الكعكة…فذلك يجعل جسدك بحال أفضل. فكرت مرة: لم لا أجمع الوصفات التي أحبها؟” وقد بدت هذه الوجبات ساحرة في صور أوبيرتو جيلي على الرغم من أنها بسيطة في الواقع. وهذا ما يجعل من الكتاب عمل رائع من التنافر، كالسباغيتي بالطماطم مقدمة على خلفية باذخة مما أحب فالنتينو تزيين طاولته به، كبجعات البورسلان والكريستال الملون وأطباق البورسلان الباريسية والملاحات القيصرية، وقد دون منشأ كل قطعة في الملاحظات على الصور. كما يحتوي الكتاب على تعليم وترفيه في فن صناعة الزبادي السلطانية. كما أن القطع التي يزين بها فالنتينو وسط الطاولة لا تقل روعة عن جِرار آندي وارهول المئة وخمسة وسبعين.

وتابع فالنتينو: “كان من المضحك أن يقتصر الكتاب على وصفات الأطعمة، وخاصة أن ما يجذب الأنظار هو إعداد الطاولة. عندما رأيت الصفحات الأولى من الكتاب، فكرت بأني أجمع في الكتاب الكثير من الأشياء التي قد تجعل الناس يظنوني أتباهى بها. لكنني أستخدم هذه الأشياء دائماً، حتى عندما أكون وحدي. أحب جمع الأشياء ووضعها على الطاولة، فذلك يشعرني بالمتعة.”

وقد بدأ شغفه بتزيين الطاولات منذ عقود من خلال الملاحة المذهبة ذات شكل العرش، والتي أهداه إياها ضيف على العشاء. “أحببت هذه القطعة كثيراً لدرجة أني عندما أرى قطعة مماثلة معروضة للبيع أشتريها على الفور.” هي، وبعدها الطوفان. وقد قال أن جمع تلك القطع متعة بالنسبة إليه، لكن ذلك يشكل هوساً أيضاً… ويوافقنا فالنتينو الرأي. “لا يحب الناس أن يكلفوا أنفسهم عناء التفكير بإعداد طاولة كهذه، فمن سيقوم بغسل جميع هذه الصحون؟ إنه لأمر معقد.” وعلى الرغم من ذلك، فلا يمكنه الامتناع عن هذا. “لطالما أحببت الأشياء الجميلة وأن الأشياء الجميلة لحقت بي منذ كنت في العاشرة من عمري، وقد كنت الصبي الوحيد في فوغيرا الذي يذهب إلى صانع الأحذية ليصنع له حذاءً حسب طلبه.”

valentino-cookbook-2

© Oberto Gili

لكن فالنتينو يشهد تغيراً كبيراً في عقده الثامن، فقد بدأ سحر تداول هذه الأشياء يخبو. “لدي اهتمامات أكثر جدية من شراء الأشياء السخيفة كالزبدية الصينية أو الفضية أو ما شابه ذلك. لا أستطيع النقاش في الأمور السياسية، لكني أتمتع بأفكاري، كما أني أشعر بالأسى عندما أقرأ عما يحدث في العالم. يشعرك ذلك فجأة بأنك فقدت متعة إنجازاتك. ولذلك ليس لدي الآن أية رغبات لشراء أشياء أضعها في المنزل. أذهب إلى فريز Frieze، وتعجبني الكثير من الأشياء، لكن عليّ الكف عن الشراء، فالناس أهم بكثير بالنسبة إلي الآن…وحياتي وأصدقائي.” أمضى فالنتينو وقتاً طويلاً هذه السنة في شاتو دو فيدفيل، وهو منزله خارح باريس، ليشاهد تحول حديقته بين فصلي الربيع والصيف. أحب أزهار الفاوانيا كثيراً، ولم أرها متفتحة أبداً لأني عادة أكون في هذا الوقت من السنة في روما منهمكاً بتحضير مجموعتي لأعرضها في باريس.” استطاع فالنتينو شم الأزهار لأول مرة هذه السنة.

يبدو أن التقدم في العمر يشجع على التفكير، وخصوصاً في حال فالنتينو وحياته المليئة بالتجارب، إلا أن فالنتينو لا يحن للماضي. “أفكر في بعض الأشياء التي فعلتها في الماضي، لكنني لست ذاك الشخص الذي يحزن على ما فات. لم أتعامل بعاطفية مع مجموعاتي، ولم أشعر بالغم أبداً. من الضروري طبعاً أن أهتم بجميع التفاصيل، لكن عندما تكون المجموعة جاهزة للعرض أقول: وداعاً. لا يهمني إن لم تعجب أحداً. أحب فكرة اني أصبحت ما أنا عليه بفضل ما قمت به من أعمال جيدة، وليست سيئة. لكن الحنين إلى الماضي ليس من الأشياء التي تدعو إلى السعادة، لذلك لا أحب أن أعكر أفكاري عندما أخلد إلى النوم.”

يفكر فالنتينو كثيراً في السرير، لأنه اعتاد السهر لوقت متأخر من الليل لعدة سنوات. “دماغي دائم العمل، لكنني أستمتع بوقتي عندما أخلد للنوم وأبدأ التفكير بشيء ما.” أهو تأمل؟ “لا، ليس لدي القدرة على التأمل. عندما جربت ممارسة اليوغا، طلب مني المدربون التفكير بقدمي أو يدي أو ما شابه، لكنني كنت أفكر بالفستان.” أما سبب سهره ليلاً هو أن ماري، كلبته ذات الخمسة أعوام، تنام معه وتستيقظ باكراً، لكن ذلك جعله يتحسر على عدم الاستيقاظ صباحاً. ربما قد فات الأوان، لكنني قررت أن أستعين بأحد ما، وقد أعطاني منوماً.”

كنت أجلس مع فالنتينو في وقت متأخر في منزله في لندن تحت علامتي دولار عملاقتين من وارهول. كما كانت هنالك لوحتان للفنان جان ميشال باسكيات في غرفة الرسم المجاورة بحجم مماثل. وزينت لوحة ملونة لبيكاسو من عام 1945 غرفة الطعام الشرقية ذات اللون الأزرق والأبيض. وعندما مشينا خارجاً على المرج المخملي والكوخ المضاء عند نهاية الحديقة، كان الجو أشبه بليلة صيفية رائعة في أواخر الخريف. وقد دعتنا أسولين، دار نشر هذا الكتاب الجديد، إلى “طاولة الإمبراطور”، حيث تمت تسمية الفيلم الوثائقي الذي تحدث فالنتينو وقدمه للعالم “ذا لاست إمبيرور” أي الإمبراطور الأخير. يشحب لون فالنتينو ذاته عندما يتم نعته بالإمبراطور، فهو مقتنع أن اسم “فالنتينو” بعيد كل البعد عن أن يكون اسم لإمبراطور. لكن حياته الرغيدة في هذه المنازل (ولا تنسوا اليخت) تؤهله لهذا اللقب الإمبراطوري في أيامنا هذه. أما الحفاظ على هذه الثروة للأجيال القادمة فقد يكون من الإرشادات الهامة لتلك الأجيال. بمعنى آخر، ماذا بعد ذلك؟ “عزيزي…هذا أمر هام،” قال فالنتينو. “سأفكر بذلك يوماً ما، لا أود ذلك الآن. أقول الآن أنني ما زلت شاباً، ذلك مستحيل!”
كان التجول في هذا المتحف الذي بناه بنفسه على أرض فيدفيل رائعاً للغاية. “أشاهد جميع فساتيني ومجموعاتي وأقول لنفسي: أحسنت صنعاً،” قال فالنتينو مشدداً. “لقد كنت رجلاً سعيداً في أداء عملي …. سعيد سعيد سعيد.” وكانت هنالك فكرة لإرساله إلى النوم سعيداً.

valentino-cookbook-3

© Oberto Gili

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع