قام العالم وناقد العطور لوكا تورين لعقود بإمتاع الجماهيرالعالمية من خلال كتاباته الجمالية البارعة التي تغطي مجال العطور وتتطفل على الثقافة والموضة. احتفالاً بكتاب فوليو كولومنز 2003-2014 الجديد لناقد العطور المقيم لدينا، ننشر حصرياً مقتطفاً من أحد الأعمدة في الأسفل. نُشرت مجموعة المقالات هذه بالأصل في المجلة السويسرية إن زد زد فوليو؛ وهي الآن متوافرة للشراء ككتاب إلكتروني.
يتبع كتاب فوليو كولومنز 2003-2014 نهج كتابي تورين ذا سيكريت أوف سينت وبيرفيومز: ذا أ تو زي غايد الذي ألفه بالاشتراك مع تانيا سانشيز.
يونيو 2004
نومبر نوار
ظهر في أحد الأيام من عام 1982 ومن اللاشيء في طابق العطور في غاليري لافاييت المحلي حجر ضخم يعرض عطراً جديداً اسمه نومبر نوار، مصنوع من قبل شيسيدو وعليه توقيع SL، الحروف الأولى من اسم المبتكر الغامض سيرج لوتنز. طلبت أن أشمّه، وتغيّرت حياتي إلى الأبد. لو كان هذا العطر يتكلم مثل كلّ الأشياء في كتاب أليس في بلاد العجائب ومثل بعض الأشياءعلى أرض الواقع، لم يكن ليقول: “امنحني لعشيقتك” لكن “تخلص منها واهرب معي.” وعلى ما يبدو، بدأت علاقة حبّ ثلاثية الأطراف. عندما افترقنا بعد سنوات قليلة، بقي العطر معها. في ذلك الوقت، كان عطر نومبر نوار قد تلاشى، بعد أن تمّ وصمه بشكل نادر على أنّه يسبب الحساسية، ومنعه إثر ذلك.
قضيت العقد التالي وأنا أبحث عن العطر في دوائر متوسعة، منقباً عنه في حوانيت العطر القديمة في البداية، ومن ثمّ عبر سؤال هواة الجمع الآخرين إن كانوا يملكونه، وبعدها عبر البحث في المتاجر المتخصصة (أكبرها في التقاطع بين I-95و270 في شمالي شرقي كارولينا)، وفي النهاية على الإنترنت، وكل ذلك بلا جدوى. لينتهي البحث العام الماضي، خلال عشاء مع صحفية عطور زميلة، بدا وكأنها تمتلك على رفها مرذاذاً كاملاً من العطر ولم تفكر كثيراً بذلك من قبل. عرضت عليّ مقايضته مقابل شيء في حوذتي لطالما رغبت بامتلاكه، وهو مقدار أصلي من عطر كوتي شيبر، ليس معجزة 1917 وإنما نسخة مقبولة من الستينيات. تبادلنا ما نرغبه، وكنت أخيراً قادراً على النظر إلى ذلك الوجه المذهل.
تعدّ اللقاءات التي تتمحور حول الحنين إلى الماضي مليئة بالمخاطر. بدا لي أنّ نومبر نوار ما زال جميلاً، وكان بإمكاني أن أشاهد ما أحببته، وهو نوع من الضراوة المرحة التي لم يجاريها شيء قبل ذلك العطر أو بعده، لكنني لم أعد مأسوراً به بعد ذلك. بتحريض من القسوة التي تجعلنا نفكك ما لا نحبّه حقاً، أرسلت العطر للتحليل. وعندما قرأت قائمة المكوّنات مع نسبها، شعرت بما كان على رونتغن أن يقوم به عندما رأى عظام يد زوجته للمرة الأولى: التي لم تعد تبد جميلة، وإنما متسامية.
في صلب نومبر نوار، هناك ربع مؤلف من جزيئات الدامسكون الخشبية-الوردية، وهي التركيبة الصناعية التي وجدت في البداية في زيت الورد منذ أربعين سنة مضت. وهي تتحلل في ضوء الشمس، ومن هنا تتأتى قباحتها. لكنّ السرّ يكمن في جرعة كبيرة من الهيديون، المادة الكيميائية المتواضعة التي لم يلحظها أحد حتى أبرزها إدموند رودنيتسكا في عطره أو سوفاج (1966)، والذي يمكن لقبلته السحرية أن تعيد الندى إلى الأزهار الجافة. قد يكون العلم أحد أشكال القوة ، لكنّ القوة ليست هي الحب.